بانا شعبو
بانا شعبو

د

وأعودُ للنوم

في زاوية الغرفة يهدر شلّال الوقت الفائض، الوقت الذي لا يبدأ أو ينتهي، أدير وجهي عنه وأعود للنوم.

الساعة الثانية ظهراً، أصحو على صوت معدتي الفارغة، أجرجر نفسي لأعدّ طعاماً بارداً كيفما اتفق، لا أفكّر بغسل وجهي، لا ألتفت إلى المرايا أو أطلّ من النوافذ، يملأ السّريرُ المنزل، أشدُّ أطراف الغطاء على زوايا البلاد؛ وأعودُ للنوم.

أصحو في السّابعة ليلاً، أحدّق في العِتمة الخفيفة لأوّل المساء كالتعب تحت عيني مَن نحبّ، لا أشعر بالوحشة أو الرغبة في أن أهاتف صديقاً أو أصنع قهوة، سبق وأن طويتُ العالم وخبّئتهُ في حقيبةٍ قديمة حتى أصبحت له رائحة غرف «الكراكيب» سبق وأن نسيته.

وحدي خرجتُ أقودُ سيّارةً قديمةً لا يلتقط مذياعها سوى التشويش، أحكّ جلدي عند كلّ محطة علّ الضجر يخرج من تحته وأتوقف عن التململ، أراقب طريقة جلوسي وكلامي وتنفّسي لئلّا أبدو كمن يرغب بالانسحاب أينما حللت، لئلا أبدو أكثر من فتاةٍ عاديّة كما كانت أمي تؤكد.

ليس أمراً سهلاً أن تطلب المساعدة حين يخبرك من يحيط بك -عن حسن نيّة- أنك بخير، إذ تبدأ بعدها بإقناع نفسك أنّ الأفكار السّوداوية ما هي إلّا “أفكار”؛ مجرّد وسيلة للهرب أو خللٌ جينيّ في الشخصيّة!

في بلدٍ كسوريا، يُعدّ الحصول على مساعدة نفسيّة أكاديميّة أمراً مكلفاً وصعب المنال، لذا وكمعظم الشباب في عمري فضّلتُ الهرب من مسؤولية مشاعري وأفكاري إلى مخارجٍ سهلة ألتهي بها عن الواقع المتردّي وعن شعور العجز الذي يكبّلني..

أنظر للوراء فتبدو لي السنوات الخمس الماضية ضبابيّة غير واضحة، تأخرت خلالها في دراستي، تخبّطت في عملي، ووسّعت دائرة معارفي دون بناء صداقة حقيقيّة واحدة، باختصار أخذت ما أحتاجه من وقت وربما أكثر بقليل لأدرك أنّ عليّ إصلاح عطبي الخاصّ أوّلاً قبل أن تحقّ لي السخرية من العالم أو تبنّي أيّ موقفٍ منه!

تعلّمتُ بمساعدة ما وجدته من مراجعٍ في المكتبات أو على الانترنت أنّه على العكس من الزكام الموسميّ؛ يبدأ الاكتئاب واضحاً ثم يعتاده المرء، يجعلك تبدو هادئاً من الخارج بينما يهدّد بابتلاع قلبك في الدّاخل، يُفقدك الثقة في نفسك تدريجيّاً ويُغيّر ألوانك بما يناسب ذائقته السّوداويّة..

خلال معركتي معه واجهتُ عثراتٍ أعادتني إلى نقطة البداية مرّاتٍ عديدة؛ قبل أن أتمكّن من إيجاد “روتين هربٍ صحّي” ألجأ فيه إلى أحد الأصدقاء أو إلى بعض التطبيقات المجانية التي تساعدني على تتبع حالتي المزاجيّة مثل: Woebot, Moodpath, Daylio.

قد يلجأ آخرون إلى الرياضة، الكتابة، التأمل أو ربما إلى دواءٍ موصوف من قبل طبيب، لا تهمّ طبيعة الفعل، ما يهمّ هو إيماننا بوجود فعل مقاومة دائماً وتحت أية ظروف، قد يبدو قولي مبتذلاً إلّا أننا في النهاية “محكومون بالأمل” لا سواه!