صفية الشحي
صفية الشحي

د

المخيلة والذئب!

هل أجابت الكتب عن أسئلتنا الصعبة؟ هل حاكمت مكامن ضعفنا، وخوفنا وأسوأ كوابيسنا؟  هل أبقتنا على سطح العالم كما نعرفه ونتفاعل معه، أم اختطفتنا إلى العمق، حيث المعنى قابل لأكثر من تأويل؟

أسئلة كهذه تستحق أن تطرح على النفس، كلما جالت الأعين على رفوف مكتظة بعشرات الكتب، وكلما قرر القارئ أن يتنازل عن حقه في الجمع، لصالح حقه في اختيار ما يعتقد أنه معني بتجربته الإنسانية وموقفه من العالم.

لا يزال كثر يؤمنون بأن في الورق الخشن ذو الرائحة العطرية الشجرية كشوفات غير مسبوقة وجمال لا يمكن أن تخطئه الذائقة، وبأن أرنب المخيلة ترك آثاره مخفية تحت قشرة السطح تماما، ليتبعه كل من يساوره عطش إلى المتواري في غابة العجائب، هؤلاء هم الثوار الأوائل، المتجولون بمعاطفهم الحمراء في حكايات ليست إلا لهم، هؤلاء من تتغير الأرض على أيديهم، لأن روحا الأدب تمكنت من توحيدهم أمام عظمة الجمال ووحشيته البريئة.

يقول أرنولد بينيت: “الهدف الأساسي للأدب هو تغيير علاقة الفرد بالعالم بشكل كامل، ففهم وتقدير قيمة الأدب، ليس سوى فهما وتقديرا للعالم بأسره “ وهو كذلك محبة خاصة تنتج عن تغيير علاقة الفرد بنفسه، حيث يدرك بسبب تأثير نص أدبي خارق أو قصائد بخفة القطن وطعم المطر، أن في أبسط الأشياء خرائط مركبة، وبأن السحر يكمن في كونه -الفرد – جزءا حقيقيا من إكسير الحياة.

تنقل لنا بعض الأعمال الأدبية مثل كتاب الرائعة بثينة العيسى الأخير “حارس سطح العالم “ لطافة الشمعة وسطوح النجمة في آن، فقد امتلأت صفحات هذا الساحر -على شكل كتاب – بالرسائل وتدفقت بالأسئلة المحرمة، وكما يحدث عند نشوء حراك جديد، ترتفع مصدات من حديد لتحذرنا من الغوص تحت السطح، ومن مكر المعاني، ومن أننا قد نصاب “باللوثة الأبدية”  التي تفرق القراء عن غيرهم ” فلا نعود صالحين للعيش” وكما أن للقيمة حراس، فهناك جلادون للمعنى، يعترضون مجرى النفس، حتى لا تغرد العصافير، فتيأس، وتجف، وتتكسر.

وحتى نقاوم كل ذلك تعلمنا العيسى بأن نبدأ بتأثيث الروح بالأغاني وحكايات ما قبل النوم من جديد، و أن ننطلق بحرية أطفال يمسكون خيوط الشمس لأول مرة، ويرقصون حفاة تحت المطر، فعلينا أن نتحول إلى زوربا ولا غيره، ووسط ذهول المعتاد والسائد، علينا أن ننشئ أنفسنا، حتى ولو دفعنا لأن نولد من جديد، لأن العالم من حولنا يحتاج إلى الأطفال فينا، فهؤلاء وحدهم لا يعرفون الرعب من الذئب، قبل أن يلقنهم العالم- زورا- بأن الذئب يفترس الأحلام.

يقول الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس: “أنشئ مكتبة ولو من ثلاثة كتب، وستقاوم جزءا من قبح العالم، كل مكتبة هي صفعة في وجه العالم الجاهل” وكل طفل نائم فينا، هو مخيلة تفتح على الذاكرة والمستقبل في آن، فلنشرع النوافذ على الحكايات والأسئلة الصعبة، حتى ننقذ العالم من اختلالاته المروعة.