ليلى المنسي
ليلى المنسي

د

صديقتي تريد الطلاق لأسباب تبدو غير منطقية للعالم!

صديقتي جميلة هادئة الطباع، تجيد الطهي، اعتدنا الاعتماد عليها صغارا في أي شيء يتطلب مسؤولية أو جهدًا فهي أصلح من ينجزه بسعادة وكرم.

كبرنا ومرت الأيام، تزوجت صديقتي ومنذ ليلة الفرح بل وداخل قاعة الفرح شعرت أن شيئا ما تغير فيها، وسط بريق الماكياج وتاج العروس اختفى بريق ما لطالما وجدته في عينيها الجميلتين، لم أعر الأمر اهتماما، فها أنا أراها أمامي تتراقص بفرح وكل ما حولها في القاعة يبرق ما عدا عينيها!

رحلة البحث عن بريق عيون صديقتي المفقود!

أنجبت صديقتي سريعاً طفلتها الأولى ثم الثانية والثالثة، ولا زالت أمهر طاهية عرفتها في حياتي، فهي لديها قدرة غريبة على أن تجعل حتى مجرد شطيرة الجبن وجبة لذيذة!

لا زلت أراها سعيدة عند تقديم الطعام لنا، ولا زالت تصر على أن نجتمع عندها مهما كان إرهاقها، ومازلنا نستمتع برفقتها كما تعودنا، ولكني لا زلت أبحث عن بريق عيون صديقتي!

زوجها شخص يبدو مثاليا، فهو هادئ الطباع يفعل ما يفعله الزواج عادة، يأكل في المنزل، يقوم بالإنفاق على الصغار، يأخذ الأسرة في سفرة لأحد الشواطئ في الصيف، وبالطبع لا تخلو الحياة من المشاكل والمناوشات، البعض منها يكون عنيفًا وعاصفًا ولكن سرعان ما تهدأ الأمور وتستمر الحياة.

الغريب أن صديقتي طلبت الانفصال عن زوجها عدة مرات، مرة يثنيها الأهل عن ذلك فلا يوجد مبرر منطقي للانفصال، فهي بالتأكيد لا تشعر بقيمة حياتها المستقرة وبنعمة الزوج الصالح، ومرة من أجل الأطفال، وإلى آخره من المبررات المنطقية!

الطلاق قرار يتطلب إقناع العالم أولًا!!


نجتمع سويا كالايام الخوالي نثرثر، تحكي كل منا عن مشاكلها كما لو كانت تقف أمام المرآة عارية، فتلك اكتشفت أن زوجها له علاقات ونزوات نسائية فنجتمع كلنا عليه ونقترح ما يجب أن تفعله لتأديبه، أما تلك فزوجها سريع الغضب لدرجة أنه ممكن أن يفقد أعصابه ويتطاول عليها، فنتعاطف جميعا مع مأساتها وتلك يلقي زوجها على كاهلها كافة أعباء الحياة والطفال، فنخبرها بأنهم “كلهم كده”!

إلى أن يأتي دور صديقتي فتخبرنا فقط أنها تريد الانفصال، نلحظ أنها اعتادت على حمل المهدئات بالإضافة إلى بعض الأدوية الاخرى، فصحتها في تدهور مستمر، نجتمع جميعا عليها في دور المصلح الاجتماعي، ونوصيها بالصبر وأن تحاول إسعاد نفسها، ومما لا شك فيه أنها محسودة، فلا توجد أسباب “منطقية” لطلب الطلاق، نعم نجد أنفسنا بتلقائية نردد ما يقوله أهالينا!

والأكثر من هذا أننا في أحاديثنا الجانبية سويا، حينما تذهب صديقتنا لاحضار “كيكة” تخبزها لنا بالفرن، نتهامس هل فقدت صديقتنا عقلها؟! وتجزم إحدانا أنها حتما منهكة نفسيا من مسؤوليات الحياة وكل ما تحتاجه هو بعض التغيير، ثم تقاطع صديقتنا حديثنا الهامس محملة بصينية الكيك الشهي، وننخرط نحن بدورنا في تقليب السكر في مشروبنا الساخن، وهنا تدرك الصديقة أن دورها في الحديث قد انتهى!

توالت زياراتي للصديقة، واعتدت على اختفاء بريق عينيها لدرجة أنني لم أعد ألحظ هذا، ولكنني لاحظت صراخ صديقتي الهادئة الحنونة في أطفالها الصغار، على أتفه الأسباب، ووجدتهم يرتعدون خوفا من صراخها، وأرتعد أنا أيضا لأني أشعر لوهلة كأنني لا أعرفها، ونكمل حديثنا بعد ذلك كأن شيئا لم يكن، ولكن سرعان ما أجدهم تلقائيا يأتون لاحتضانها والاعتذار لها -عما لم يقترفوه- وتقبلهم هي بعفوية وحب شديدين، بدون كلام!

تأثير الطلاق عالأطفال

نذهب في مشوار طويل بالسيارة، تبلغنا إحدى الصغيرات بأنها تريد الذهاب إلى دورة المياه، أضحك أنا وأمازح الصغيرة: “إوعي تغرقينا”، ولكن أتفاجأ بصديقتي الحنونة تصيح بشدة في الصغيرة، ويسود الصمت أرجاء العربة، إلى أن نصل لأقرب محطة وقود وتنتهي الصغيرة من حاجتها، وتعاود صديقتي تشغيل الراديو والدندنة مع الأغاني وكأن شيئا لم يكن!

إلى أن ألمح مصادفة دموع طفلتها في مرآة السيارة، طفلة لم تتجاوز الرابعة من عمرها، تخلت عن حقها في التعبير عن غضبها بالبكاء بصوت عالي، تخلت عن هذا الحق المشروع الذي يحتفظ به الأطفال دون غيرهم، وتعلمت مبكرا أن تبكي بصمت!

همست بأذن صديقتي بما رأيت فانخلع قلبها حرفيا، أوقفت محرك السيارة وهرعت إلى المقعد الخلفي وأخذت بتقبيل صغيرتها وتبادلوا العناق، علاقتها بأطفالها قمة في الحب والاحتواء، فقط لا أدري ما الذي اعترى صديقتي، ولعلني أدري ولكنني أصمت مثل صمت العالم!

في تجمعنا الأخير، فأجأتني صديقتي كما فاجأت الجميع أنها قررت الطلاق نهائيا ،ولكنني فوجئت أيضا بردة فعلي، فوجدتني أبتسم وأدعم قرارها، وعندها فقط رأيت بريق عيون صديقتي للمرة الأولى بعد أعوام من الغياب!

ملحوظة: ما سبق هو قصة خيالية بها الكثير من الواقع، أي تشابه في الأشخاص أو الأحداث هو محض صدفة!