معاذ يوسف
معاذ يوسف

د

النصف درجة التي غيّرت حياتي

ظهرت نتيجة اختبار “الثانوية العامة” ولم أتمكن من اللحاق بكليّة الهندسة، ليفتح هذا الحدث معه نقاشًا حول الخيارات البديلة، في ذلك الوقت رأى من حولي بأنّ كليّة “الحاسبات والمعلومات” هي الخيار الأفضل بالنسبة لي.

هذا المشهد الذي لا بد وأنّك رأيته كثيرًا من حولك، وحكاية معتادة ربما. لكن صدقني يختلف الأمر تمامًا عندما يحدث معك، ككل شيءٍ نظنه بعيدًا عنّا ولن يصيبنا نحن، وعندما يأتي يكون وقعه صعبًا علينا.

لم أكن ممن يؤمنون بأنّ هناك كلية معينة تناسبني، وحتى اختياري لكليّة الهندسة بُني على حبي لمادة الرياضيات ليس إلا، وبالتالي أتممت دراستي في هذه الشعبة، والتي تظهر كلية الهندسة كأفضل خيار بها.

لذلك وقتها لم أكن قادرًا على التفكير في أيٍ من البدائل هو الأفضل لي، وكان الخيار الأول كما ذكرت في المقدمة، ولكن كانت الأزمة الكبرى بالنسبة لي هي أنّ دراستي في هذه الكليّة معناها أن أتغرّب وأذهب إلى محافظة أخرى، وهو الشيء الذي كرهته كثيرًا.

على كلٍ، كتبت هذه الكليّة كرغبة أولى، ثم جاءت كليّة “تجارة” في الترتيب التالي.

وفي اليوم التالي استيقظت من النوم، وأمي تخبرني بأنّ النتيجة قد ظهرت، وأنني لم أتمكن من دخول كليّة “الحاسبات والمعلومات” بفارق نصف درجة فقط في المجموع الكلي.

أخبرني من حولي بأن أقوم بعمل قضية، وما دمت أحتاج إلى نصف درجة فقط، فبالتالي قد تصبح الأمور أكثر سهولة، لا سيّما وأنني قمت بعمل تظلم وأعرف أنني تعرضت لظلم في عدد من الدرجات كان يكفيني لدخول الهندسة، لكنني رفضت وقتها، ورأيت أن الخير فيما كتبه الله لي. إذًا لأبدأ رحلتي في كليّة “التجارة”.

طبعًا احتاج الأمر إلى قدر كبير من الصبر، لتتحمل كل ما يُقال لك من حولك، ولكنني قررت تقبل الأمور بصدرٍ رحب، أنا أبدأ رحلةً جديدةً وسأكون على قدر المسئولية.

حاولت من اللحظة الأولى أن أدرك طريقي جيدًا، وما الذي أريده بالضبط من الكليّة، وقررت متابعة رحلتي مع الكتابة، وأن تتحول من كونها مجرد “هواية” إلى أن تصبح “عملًا احترافيًا” أقوم به.

في العام الدراسي الثاني لي مرة أخرى أتعرض لسقوط في الدراسة وأرسب، ومرة أخرى يكون الفارق شيئًا بسيطًا، فلو أنني حصلت على بضعة درجات قليلة، ربما لم أكن لأتعرّض للرسوب.

اليوم أنا أحب كليتي جدًا وأدرس في السنة الأخيرة، وأؤمن بأنّها الخيار الأنسب لي بالفعل، وأعمل في مجالات دراستي قبل التخرّج. كذلك أصبحت متقنًا للكتابة، ولها معي قصةً أخرى لعلّي أعود إليها لاحقًا في تدوينة أخرى، وحاليًا أعمل في الكتابة في عدة مواقع.

وأقول أنّه لولا النصف درجة الأولى، لما خُضت هذا الطريق ربما، كنت سأنجح في مجال “الحاسبات والمعلومات”؟ لا أعرف، ربما نعم، لكنني أشعر بأنّ طريقي الحالي هو الأنسب لي.

لعلي الآن خريّج من الكلية لولا رسوبي، لكنّ هذا كان ليمنعني من أعمالٍ كتابيّة أؤديها حاليًا، بجانب تغيّرات حدثت على المستوى الشخصي هي الأفضل لي في حياتي على الإطلاق.

الحكمة التي خرجت بها من التجربة، هي أننا قد لا نعرف أين الخير لنا بالضبط، ربما يكون فيما لا نريده، أو بعيدًا عمّا رغبنا به في المقدمة.

أفكر كثيرًا أنّني ربما لولا أخطاءٍ تافهة لكنت قد نجحت في تحقيق المجموع الذي أريده، ربما تلك اللحظات التي نسيت فيها إجابة معينة، أو فقدت جزءًا من تركيزي، كانت خيرًا كاملًا لي.

لكن المسألة في الصبر على ما يحدث معنا، وكذلك السعي في الطرق البديلة التي نحصل عليها، لأنّك إن توقفت فلن تحقق أي شيء وستظل تؤمن بأنّك فقدت حلمك، في حين أنّه ربما يكون بين يديك الآن وأنت لا تدري.

إن كانت نصف درجة غيّرت لي حياتي تمامًا، وجعلتني أرى الأشياء بمنظورٍ أعمق عن المعتاد، فلعلّها موجودة في حياتنا طوال الوقت في كل شيء، فقط نحتاج إلى الانتباه لها. أن نكفّ عن الشكوى مما حدث، ونبدأ في المضيّ قدمًا، والسعي من جديد.