مصطفى كرام
مصطفى كرام

د

أخطر من كورونا!

من منا لا يعرف كورونا، أو لم يسمع عنها! كورونا هو الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19 (Covid-19) المستجد، وهو مرض معدٍ ظهر لأول مرة في مدينة ووهان الصينية في دجنبر (كانون الأول) 2019 وهو فيروس ينتمي لعائلة الفيروسات التاجية، وقد أصاب إلى حدود لحظة كتابة هذه الأسطر ما يقارب الخمسة ملايين شخصا حول العالم توفي منهم ما يزيد عن 319 ألف شخص ومع تسجيل شفاء ما يقارب المليونين. وبعملية حسابية بسيطة سنجد أن معدل فتك هذا الفيروس لا يتجاوز 6,56% إلى حدود اللحظة من إجمالي المصابين.

وهذا لا يعني أن نتهاون وألا نتخذ الاحتياطات اللازمة، بل على العكس من ذلك يجب علينا أخذ الحيطة والحذر واتخاذ كل الإجراءات الوقائية المعلن عنها من طرف الهيئات الطبية. لكن ما أود التركيز عليه من خلال هذا المقال هو وجود آفات أخطر بكثير من فيروس كورونا، لكن الإعلام يتجاهلها عن قصد أو عن غير ذلك، آفات أخذت أرواح الملايين من البشر وليس فقط الآلاف، وبدون إطالة أو كلام زائد سأستعرض بعضا من هذه الآفات، فلن يكون بوسعي وقد يستحيل علي ذكرها جميعها!

الحروب والنزاعات:

لعلك تعلم عزيزي القارئ أن الحرب في سوريا خلفت أكثر من 400 ألف قتيل منذ 2011 حسب ما أعلنته منظمة هيومن رايتس ووتش شهر مارس الماضي، ولك أن تتخيل ضخامة العدد. ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة فإن عدد القتلى جراء الحرب في اليمن خلفت أكثر من 7000 قتيل منذ اندلاعها، إلا أن موقع بيانات الأحداث والمنازعات (ACLED) والذي يوجد مقره في الولايات المتحدة الأمريكية قدر عدد القتلى جراء هذه الحرب بأكثر من 90 ألف شخص إلى حدود يناير الماضي. فيما أفاد تقرير لمنظمة “أنقذوا الأطفال Save the Children” الألمانية أن أكثر من 100 ألف رضيع يموتون سنويا بسبب الحروب وأضاف التقرير أن حوالي 420 مليون طفل، أي 18% من أطفال العالم أجمع، كانوا في العام 2017 يعيشون في مناطق متضررة من نزاعات. أما الحرب العالمية الثانية فقد خلفت ما بين 60 و80 مليون قتيل.

وحسب ما ذكره المركز الفلسطيني للإحصاء فإن عدد الشهداء الفلسطينيين والعرب (داخل وخارج فلسطين) منذ نكبة 1948 وإلى حدود شهر مايو (أيار) عام 2019 بلغ نحو 100 ألف شهيد، قتلهم الكيان الصهيوني.

وعن مسلمي الروهينغا فقد كشفت منظمة أطباء بلا حدود أن 6700 من الروهينغا وفق أقل التقديرات تحفظا قتلوا بما في ذلك 730 طفلا تقل أعمارهم عن 5 سنوات بين 25 أغسطس و25 دجنبر سنة 2017.

هذه فقط بعض الأرقام المخيفة والصادمة عما خلفته بعض الحروب والنزاعات في العالم من ضحايا وبعضها مازال قائما إلى حدود لحظة كتابة هذه الأسطر. وأترك لكم الجواب على هذا السؤال: من الأكثر فتكا وظلما هل كورونا أم الحرب؟ وتذكر عزيز القارئ أن كورونا لا تصيب من التزم بالوقاية، على عكس الحروب والتي يكون أغلب ضحاياها من الأبرياء.

ومن نتائج هذه الحروب خسارة المليارات من الدولارات في سفك دماء الأبرياء ورصد المليارات للتسلح، فلو رصدت هذه المليارات

المجاعة:

حسب خبراء الأمم المتحدة فإن المجاعة تتحقق إذا توفرت الشروط التالية:

– أن تواجه 20% من الأسر على الأقل نقصا شديدا في الغذاء مع قدرة محدودة على التعامل مع الأزمة.

– أن يتجاوز مدى انتشار سوء التغذية الحاد أكثر من 30%.

– وأن يتجاوز معدل الوفيات يوميا حالتي وفاة من كل 10 آلاف شخص.

وقد شهد العالم عدة مجاعات، كان أكبرها في التاريخ المعاصر تلك التي ضربت الصين في الفترة ما بين 1959 و1961 وأدت إلى وفاة ما بين 20 و30 مليون إنسان، شهد العالم أيضا مجاعة ضربت بيافرا في نيجيريا بين عامي 1967 و1970 وخلفت حوالي مليون قتيل.

وحسب ما ورد في مؤشر المجاعة العالمي 2019، فإن 822 مليون شخص يعانون من المجاعة حول العالم، أي أن واحدا من بين تسعة أشخاص يعاني من المجاعة في العالم، بصيغة أخرى أكثر من 11% من سكان العالم يعانون من المجاعة وهو رقم مخيف فعلا بالنظر للإمكانات التي يتوفر عليها العالم حيث أنه إذا نظرنا إلى الحاضر، فإننا سنلاحظ أنه يوجد مواد غذائية أكثر للشخص الواحدة مقارنة بالـ 20 و30 و40 عاما الماضية مما يعني مبدئيا أنه ليس لدينا مشكلة ضعف إنتاج، بل لدينا مشكلة في التوزيع وهو ما يؤكده فيليب ميمكيس من شبكة فيان FIAN لمحاربة المجاعة، ويؤكد ميمكيس أيضا أن “أهم أسباب المجاعة تككمن حقيقة في قضايا سياسية مثل التمييز وانعدام العدالة الاجتماعية وكذلك في وجود بنية غير عادلة في التجارة”.

إذا فالمجاعة أخطر بكثير من كورونا

جرائم القتل:

حسب دراسة أجراها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة فغن نحو 464 ألف شخص في جميع أنحاء العالم وقعوا ضحايا لجرائم القتل في عام 2017 وحده، أي ما يعادل أكثر من خمسة أضعاف عدد القتلى في الصراعات المسلحة خلال نفس الفترة.

إن هذا الإهتمام بكورونا وهذه الضجة التي ترافق كورونا وهذا السباق المتواصل لإيجاد لقاح للفيروس ليس من أجل الإنسانية، بل هو لحاجة في نفس يعقوب، فالأمر الأول الذي يجعل مجموعة من الدول تسعى لإنتاج لقاح هي العائدات المالية التي ستجنيها الدول المصنعة من بيع هذا اللقاح (سنتطرق لهذا الموضوع لاحقا)، والسبب الأهم أن الفيروس اجتاح معظم دول العالم، الغنية والفقيرة منها، فهو لا يفرق بين غني وفقير.

هذه الآفات والظواهر التي ذكرتها في هذا المقال ما هي إلا عدد قليل من ظواهر أشد فتكا من كورونا، وإنك عزيزي القارئ لعلك استنجت من خلال الأرقام السابقة أن الإنسان أخطر من كورونا، نعم فالإنسان أشد فتكا من كورونا، فمن يوقد نار الحروب غير الإنسان؟ ومن يتسبب في مجاعة شعوب غير الإنسان؟ ومن يقتل أخيه الإنسان غير الإنسان؟

قال الله تعالى: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ” [البقرة: 30]