رامه شققي
رامه شققي

د

لماذا تركت عملي في شركة عالمية، وتوجهت لدعم الشباب في الشرق الأوسط؟

بعد عشر سنوات قضيتها في مجال الاتصالات وتطوير البرمجيات، شعرت بصوت داخلي خفي يدفعني للمزيد. فالتحفيز من خلال المال وحده أمر صعب، لاسيما أني قد أصبحت مديرة للعمليات في شركة عالمية، ولم أستطع رؤية الخطوة العريضة التي ستجعل مسيرتي المهنية أفضل من ذلك. كل هذا وأنا أعيش في دبي، المدينة التي تعرف بأسلوب الحياة الفاخر، لا بتأثيرها الاجتماعي، أو وعيها البيئي.

انخرطت في الكثير من قضايا الشباب، تسلقت الجبال، ركضت لمسافة 10 كيلومترات، وتعلمت الغوص. كل هذا من أجل تمويل مشاريع غير ربحية. ففي عام 2005 قمت بإنشاء أول حاضنة أعمال اجتماعية في الشرق الأوسط ومقرّها دبي، واستثمرت في 23 شركة ومبادرة في مجالات التعليم، الإدارة البيئية، وتكنولوجيا المعلومات. العمل الذي قمت به مع شريكي كان مؤثرًا وممتعًا، لقد كان جميلًا للغاية. ومن بين الأشياء التي قمنا بها أيضًا كان تثقيف الأطفال عن كيفية الحفاظ على البيئة تحت الماء.

في 2011، التقيت بخليل جديلي، شاب فلسطيني من قطاع غزة، فقد كلا رجليه في عدوان اسرائيلي على غزة عام 2010. كما فُجع أيضًا بخسارة أخيه ذو السنوات الثمانية. كان خليل وأخيه عبد الهادي مصابان بجراح بالغة. قدم خليل إلى دبي للحصول على أطراف صناعية، كنت عضوًا في مجلس إدارة منظمة خيرية طبية قامت بدعمه، وجائتني فكرة إظهار هذه القصص للعلن لتغيير المفاهيم عن الشباب أمثاله. كان خليل يحب السباحة وكرة القدم، وبما أن الأخيرة لم تكن متاحة قدمنا له تدريبًا على الغوص كجزء من إعادة تأهيله. منحه ذلك التدريب إمكانية القيام بشيء يتجاوز ما فعله أي شخص في غزة أو الشرق الأوسط، ودعمه معنويًا ونفسيًا بشكل كبير.

لقد قمت ببناء فريق من المتطوعين، المدونين، الصحافيين، المصورين، صناع الأفلام، ومدربي الغوص حوله، وخلال اسابيع حصل خليل على شهادته، وغزت قصته جميع وسائل الإعلام التقليدية وشبكات التواصل الاجتماعي. ألهمت قصة خليل وصورته القوية الآلاف للتطوع، التبرع، وتغيير مفهوم الإعاقة في العالم العربي. لقد ساعدت وسائل الإعلام خليل وعائلته، والمئات من الشباب الآخرين الذين تأثرو في النزاعات.

مستلهِمة من ردود الأفعال على قصة خليل وآخرين مثله. وبعد عام واحد فقط، قمت بإطلاق BarakaBits.com وهي منصة نشر للقصص الايجابية في الشرق الأوسط. كنت دائمًا أؤمن بقوة سرد القصص، وبعد رؤية وسائل الاعلام في تلك المنطقة يتجاهلون القصص الايجابية ولا ينشرون سوى الصور السلبية والقصص المحبطة، شعرت بالحاجة إلى مثل هكذا منصة. وخلال سنوات نشاطها حققت منصة بركة بتس تفاعلًا كبيرًا مع الملايين من خلال القراءة، الكتابة، ومشاركة القصص. تلقينا رسائل من الكثير من القراء من حول العالم يشكروننا على تقديم هذه الحكايا، وتغطية جانب لم تقدمه وسائل الاعلام التقليدية. نشرنا الكثير من المقالات عن شباب يمارسون رياضة الباركور في غزة، وعن نشطاء يحدثون تأثيرًا من خلال الموسيقى والكوميديا.

نجاح بركة بتس في الشرق الاوسط دفعني للانتقال الى لوس انجلوس حيث يمكنني التعلم من عمالقة الاعلام هناك عن كيفية الحفاظ على هذا النجاح وتوسيع نطاقه، فرغم كل شيء، ومع كل قصة تم نشرها على بركة بتس كان هناك آلاف القصص التي لم يتم الوصول إليها. ومع دعم كل شخص مثل خليل كان هنالك الملايين الذين لم يحصلو على الظهور الذي يحتاجونه. أطلقت منصة VIP.fund وهي منظمة غير ربحية تدعم الشباب في مناطق النزاعات، وبمساعدة شريكي “براين ديفيد” قمنا بإطلاق العديد من البرامج الاعلامية، والعديد من المنصات الأخرى الشبيهة ببركة بتس بمساعدة شباب من سوريا وفلسطين، واستمر المشروع بالنمو.

عندما اندلعت الخرب في سوريا نزح أكثر من 9 ملايين سوري، من بينهم أكثر من 450 ألف طالب جامعي ممن كان لديهم فرصة في التعليم المجاني داخل الجامعات السورية، ولكنهم فجأة وجدو أنفسهم غير قادرين على الاستمرار في تحصيلهم العلمي في الدول المستضيفة حيث التعليم مرتفع التكلفة، وعدا عن طلاب الجامعة كان هنالك أكثر من 5 مليون شاب وفتاة في سن التعليم ما قبل الجامعي لم يتوفر لهم فرصة اكمال دراستهم، وبعد قيامي بالبحث وجدت أن أقل من 15% من اللاجئين الشباب لديهم القدرة على الصرف على تعليمهم العالي. هؤلاء الشبان والشابات هم العمود الفقري لمجتعاتهم، وبوصولهم إلى التعليم يحققون الاستقلال المالي ويدعمون انفسهم ومجتمعاتهم، وبدون ذلك بالكاد سيحصلون على وظائف تعينهم على الصمود مقابل أقل من دولارين في اليوم الواحد في الدول المستضيفة، ولن يتمكنو من إعالة أسرهم والخروج من الفقر، ويصبحون أكثر عرضة للتجنيد من قبل القوى المتطرفة.

كل من تحدثت إليهم في الولايات المتحدة يعتقدون أن عدم حصول الشباب الخارجين من مناطق النزاعات على التعليم يساهم في زعزعة السلام والاستقرار في العالم. تحدثت عن ذلك في كلمتي ضمن tedxBeaconstreet  وحصلت على الكثير من ردود الافعال الايجابية والتشجيع للبدء، ومن أجل حل هذه المشكلة أطلقنا مشروع edSeed في 2016، وهو منصة لعرض القصص، وعمل الحملات، والحصول على التمويل الجماعي. تسمح من خلالها للشباب في مناطق النزاعات بعرض قصصهم وتشجيع المتبرعين من الولايات المتحدة على دعمهم من خلال تمويل تعليمهم.

اليوم، أنا في مهمة لجمع تمويل لحوالي 6000 لاجئ من الشباب من خلال edSeed، والاستمرار في إيصال قصصهم إلى وسائل الاعلام الأمريكية، وللقيام بذلك، أنا بحاجة إلى جيش من المتطوعين، المبدعين، والناس الذين يرغبون بالتعرف على الشباب الرائعين الذين ندعمهم، وكيف يمكن لنا سويًا، كطلاب ومتبرعين أن نغير هذا العالم نحو الأفضل.

وكما يقول السيد مانديلا: “التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم” ولهذا السبب أقوم ببناء هذا الجيش من المتعلمين.

التدوينة متاحة باللغة الانجليزية على منصة Medium، ويمكنك قرائتها من هنا.