محمد المصطفىٰ
محمد المصطفىٰ

د

الكتابة وكواليسها

من رَّحِم الوحدة، ووله بـ “الإنترنت” –مُتنفسي الوحيد- وعشق قهري بمرض “نوستالجي” لا تقل حِدته عن مرضي النّادر، ومراقبة عن كثب لـ “تويتر”، وقراءة عميقة لأفلام “أحمد حلمي” ورفضي الشديد لكل أشكال الغياب والفقد، وانصياعي لوالدي يوم ركبت معه فُلك الإطلاع، ورفعنا معًا قواعد مكتبتنا الخاصة، وحبي لشخصيات كانت للإنسانية المثال والقدوة، وهيام بالكتب من الصغر، كان مؤهلًا لأن أعمل في صفحات “الكتب” في بعض الصحف والمواقع إلى ما بعد ثورة يناير.. كانت كتابتي لهذه النصوص «لا أحب الآفلين».

أكاد أُجزم أن كلنا تأثرنا بخطوط “خضير البورسعيدي” الذي كان يعمل “كبير خطاطي التلفزيون”، وكتب تترات مسلسلات منها “ليالي الحلميّة” وبرامج منها “العلم والإيمان” و”عالم الحيوان” وكانت بداياته أفلام “إسماعيل ياسين” ومسرحية “مدرسة المشاغبين” كما كتب أوسمة ونياشين للرؤساء (عبد الناصر، السادات ومبارك) من أجل ذلك آثرت أن يكتب لي الغلاف –ورغم أنّه لا يكتب أغلفة كتب- ذهبت إلى متحفه بالجمّاليّة وكتب لي عنوانًا خارجيًّا بـ”الخط الثلث” للغلاف، وآخر داخليًّا بـ”الخط الديواني” وقام بكتابة اسمي مرة بالديواني ومرة بالنسخ، واخترت أخيرًا “الخط الديواني“.

ذكرت في إصداري الثاني أنّ “الحِزن” بلُغة أهل الجنوب أقوى من “الحُزن” المعروف، والصعيد يمنح كُتّابه تجربة شديدة الخصوصيّة، يكفي قول محمود حسن إسماعيل “من عويل السواقي وهي تذرف حسرة الإنسان لتراب الكوخ” الذي كان كافيًا لأن أبدأ قراءاتي بأعماله الكاملة في الثانوية، بالتزامن مع كتابات “فاروق جويدة”، ودراستي للأدب في هذه المرحلة، على يد مدرس كان على عتبة التدريس بالجامعة، فكان شرحه للمدارس الأدبية يجعلنا نقرأ الشعر ونذوب عشقًا في النصوص دون شعور، ونكون رأيًا عميقًا في كتابات شوقي، ونحن ندرس كتاب الدكتور شوقي ضيف “شوقي شاعر العصر الحديث”، في هذه المرحلة وبعدها منحني الرحمن المرض، وكان حقني بـ”الكورتيزون” كل 12 ساعة، وما يتركه فيَّ من تغيرات وأرقّ؛ يجعلني أترك الإهتمام بالمحاضرات والدرس للقراءة والاقتراض لِشراء الكتب، وقرأت في معارض الكتب واقفًا نزار قباني، وسعاد الصباح، وكتابات جديدة من أقطار الوطن العربي، مع قراءات عميقة للعقّاد شاعرًا وناقدًا، وذاته الإنسانية من خلال قراءة كتبه “أنا” و”حياة قلم” والإقتراب من أسرته، وابن شقيقه الذي عاصره إلى العشرينات من عمره، وحضوري لجلسات نادي الأدب في “أسوان” وقراءة المعارض -التشكيليّة والنحتيّة- التي كانت تقام هناك، كل هذه الأسباب، كانت دافعًا لأن أكتب وأمارس فعل الكتابة.

أضيف إلى دوافع كتاباتي، عامًا كاملًا قضيته بين أروقة مستشفى، كان رفيقي بالغرفة المطرب النوبيّ الراحل “محمّد حمام” والذي أضاف لي من خلال مناقشات عميقة، حيث كان مهندسًا معماريًا وشاعرًا للعامية، قرأت وقتها أن سجالًا قديمًا كان يدور من أين يؤرخ لبداية “الشعر الحر” وهل هو من عند “الكوليرا” لـ”نازك الملائكة” أم “مأتم الطبيعة” لـ”حسن إسماعيل” وقتها أيضًا آمنت أن عليَّ الإبحار والغوص في الـ “شعر” بكل مدارسه واشكاله بشكل أكبر -والنقد أيضًا- بما يفيدني في تجربتي وكتاباتي.

مما سبق قد تستنتجون أسباب كتاباتي لديواني الأخير «لا أحب الآفلين»، ومحتواه، أما “رؤيتي للقارئ المستهدف” فهي جملة مزمنة، أؤمن أن أجمل ما قيل عنها كان من عند “هيمنجواي” لما قال “إن مشكلة الأديب لا تتغير، فهي دائمًا كيف يكتب بصدق، وإذا وجد ما هو صدق كيف يعرضه على نحو يجعله جزءًا من تجربة القارئ نفسه” وأنا كتبت بصدق، ورؤيتي بين يدي القارئ..