آراك الشوشان
آراك الشوشان

د

لينغوا فرانكا وبيجن: خنادق التفاهم

قال لي السائق مرّة:

“صمغ حطيه ساق”

لم أستوعب جملته، هل يستعرض -كعادته  الذكية في تطبيق جديد ما يتعلمه- بتعلمه كلمة عربية جديدة، وهي “الساق” هنا؟

قلتُ – في محاولة لقفز الحاجز اللغوي بيننا وفهم  مُراده- : “من طلب الصمغ؟”

ردّ “أنا! صمغ حطيه ساق”

لأتذكر أنه كان يشتكي من ساقه، لكنها المرة الأولى التي يخبرني عن علاجاته! فحذّرته بذعر: لا تتناول إلا ما وصفه الطبيب!

ثم قال: “صمغ حطيه بالفريزر، بالفريزر”

لأستنكر مرة أخرى طلب أحدهم الصمغ للثلّاجة!

ليمدّ كيساً، ويقول لي بالإنجليزية: “Can you put this fish in freezer?  I take it  in Thursday “

وترجمتها: “هل يمكن أن تضعوا هذا السمك في الثلاجة؟ وسآخذه يوم الخميس،” .. لأعتذر منّه، أنه استخدم الكلمات الصحيحة وأني لم أفهم فعلاً.

ابتدأ حوارنا بلغة البيجن العربية، حيث نطق “سمك” بطريقة بدت لي أنها “صمغ”، و”الخميس” وكأنّها “ساق”، فلما لم تصل الرسالة، انتقلنا إلى اللينغوا فرانكا الإنجليزية.

لغة بيجن ” Pidgin “شكل من التواصل الشفهي مبسّط القواعد والتراكيب بكلمات يعرفها طرفا التواصل، المرسل والمستقبل. تُستعار الكلمات من لغة معينة أو مجموع لغات، لتصل الرسالة وتُفهم، ولا يُعار النطق اهتماماً واضحاً. وأصلها من التجار الصينيين الذين يتحدثون كلمات إنجليزية مبسّطة، فنُسب هذا الشكل اللغوي لهم.

فحين نقول “بيجن العربية” نقصد أن طرفين يستخدمان كلمات عربية للتواصل فيما بينهما، وكذلك “بيجن الإنجليزية” حيث الكلمات من اللغة الإنجليزية، وهناك “بيجن” متعدد اللغات، والجامع بين كل أنظمة “بيجن” هو أنّها مبسّطة وغايتها التواصل، لربما تطوّرت إلى لغة، إلا أنّها بوضعها البسيط لا ترقى أن تكون لغةً.

واللينغوا فرانكا “lingua franca”، أو اللغة المشتركة، هي لغة، بنظامها وقواعدها، يستخدمها طرفان للتفاهم لغاتهما الأم مختلفة. فاللغة الأم للسائق هي الهندية بينما لغتي هي العربية، والإنجليزية وسطُ تفاهمنا، وهي هي بقواعدها وتركيبها، ونكسرها أحياناً كُرمى لإيصال الرسالة مثل: “Do you go yesterday?” ولهذا الكسر سبب وجيه له تدوينة أخرى بإذن الله.

أستخدم مع السائق البيجن العربية والإنجليزية كلينغوا فرانكا، أما حين أُدرّس متعلّمات اللغة الإنجليزية، يحصل تحول لغوي “language shift “، حيث تبدأ الطالبات باستخدام البيجن الإنجليزية والعربية الفصحى هي اللينغوا فرانكا أحياناً، وأجاريهن، إلا أنّ البيجن تتطوّر سريعاً إلى إنجليزية مكسرة ” broken English  ” ثم إنجليزية صحيحة تلبيةً للمتطلبات الأكاديمية.  وهنا يبدأ حُزني إذ لا أرى بعد الآن أي “بيجن” ، الحزن الذي وجهه الآخر نجاحٌ.

وإليك أمثلة من بيجن الإنجليزية:

“.. go bathroom؟ (مع نبرة السؤال) ”  = ذهاب الحمام؟ (هل يمكن أن أذهب لدور المياه؟”

“Group no”  = المجموعة لا ( لا أرغب بالعمل في المجموعة)

“answer please ، (مع يدٍ مرفوعة)”  إجابة فضلاً ( أرغب بالمشاركة لأحصل على الدرجة لو سمحتِ)

“!You understand، (مع إيماءة)” فهمتِ! (فهمتُكِ)

عجيبٌ تكيّف الإنسان لغوياً ليؤدي رسالته ويصل غايته!

مصدر الصورة: الصديقة المصوّرة أمل القحطاني