مدونات أراجيك
مدونات أراجيك

د

كبرت يا أمي

تدوينة: مها الشاذلي

كبرت يا أمي وأدركت أنه قد ينشأ بعضنا وربما مُعظمنا في بيئة غير سليمة أخلاقياً أو علمياً. قد يسمح البعض للبيئة بوضع بصمتها الخاصة على ذاته، ويؤقلم واقعه على أساس هيئته التي تظهر له في المرآة، والبعض الآخر يُدرك أن تلك الصورة في المرأة ما هي إلا صورة رسمتها آراء الناس لنا وأحكامهم علينا، يدركون جيداً حقيقة أننا المسؤولون عن بناء شخصياتنا وصفاتنا.
ومِن هنا أدركت ألا نلعن الظروف والبيئة والزمن التي نشأنا فيها، فتلك النشأة كوّنت لنا هيئة لا نريدها ولكن علينا أن نتعايش معها.

كبرت يا أمي ومررت مِن بساطة الطفولة والبكاء والواجب الدراسي و«سبيستون» إلى عناد فترة المراهقة..
المراهقة تلك الفترة الرمادية التي لا تحمل في طياتها سوى عدم الاستيعاب للحياة وفقدان النفس والانطفاء والطيش، المليئة بالصراعات بين العقل والقلب، والشعور بالغربة بين الأهل ربما لا تشعر بها وسط رفقة مَن هم بعمرك، فأنت مُحاط بدائرة مفرغة مِن المشاكل النفسية الناتجة عن أفكارك السلبية وانطفاء الحياة بداخلك، ساذج تريد التحكم بكل شيء ورأيك دائما الصائب، ترى الحياة بمنظورك فقط ولا أهمية لرأى الآخرين، فتلك الأنا فوق كل شيء.
تبدأ حينها في تلك الفترة الشعور بنبضات قلبك، وتدق مشاعر الحب أبواب قلبك، ترى الحياة حينها بلونها الوردي وتدرك في نهاية الأمر أن تلك المشاعر ما هي إلا إدمان لشخص لا تعرف عنه سوى القليل، وإدمان لتدفق هرمون الدوبامين وتعويض النقص والفراغ وإثبات ذاتك.

كبرت يا أمي وأدركت أننا نبالغ قليلاً بألم الوحدة، فالوحدة ما هي إلا اختيار وعدم إدراك أن البشر احتياجات في حياة بعضهم، فما إن تدرك ذلك ستلبي احتياج من حولك وسيشعرون بكيانهم وسيلبون احتياجك وستشعر بكيانك، ولا أنبذ فكرة أننا بحاجة في بعض الأحيان إلى المكوث مع أنفسنا ولكن لا أعنى بذلك أن تقضى حياتك كلها هكذا.

كبرت يا أمي وبلغت العشرين من عمري، وأدركت أننا نخرج مِن بطون أمهاتنا بفطرة ربانية سوية ولكن تشوّهنا الحياة على وجه العموم والأشخاص على وجه الخصوص بوضع سمومها في أفكارنا وسلوكياتنا، لكن حينما يأذن الله برياح التغير تتعثر حينها بكلمة صادقة أو عبارة بليغة أو ربما تخترق أية جدار قلبك فتتلاقى فطرتك بها وكأنها خُطت من فطرتك فتراجع مسيرتك بأكملها، وتذكرنا الصلاة بفطرتنا فتسلم مشاعرنا بسلام أفكارنا فيصح سلوكنا، ومهما ضللنا لا يسعنا سوى الاحتواء والفضفضة على سجادة الصلاة في مكان لا يسمعك ولا يراك إلا الله.

وأخيرا شكراً لتلك اليد الحانية التي ربتت على كتفي، شكرا لأمي وأبى وأخواتي، شكراً لأصدقائي، شكراً لكل من رعى تلك النبتة وأغاثها وقت الجفاف، شكراً لكل مَن أعادني للطريق الصحيح وتقبلني كما أنا وأنهي خريفاً طال أمده فتحوّل لربيعاً لا ينتهي، أتمنى أن اترك أثرا طيباً في نفوس البشر.