تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

السرديات الكبرى.. التجليات الثقافية الأهم في مسيرة البشر عبر التاريخ

السرديات الكبرى
رايفين فرجاني
رايفين فرجاني

20 د

السرد هو الجمع بين الحكاية والإلقاء، والحكي هو قص حدث، والإلقاء هو تبيان تفاصيل هذا الحدث، أي أن الحكي هو المضمون والإلقاء هو الأسلوب.

وقد تنوعت السرديات وتعددت فكان هناك -على سبيل الذكر وليس الحصر- السرد الروائي والملحمي والمسرحي في الأدب، والسرد السينمائي والتلفزيوني والكوميكساوي في التصوير. والسرد الخيالي والتاريخي والواقعي في الواقع. وغير ذلك من السرديات الكبيرة التي حاولنا جمعها في سرديات أكبر تجمع كل السرديات الأخرى داخلها.

في هذا المقال نعرض سبعة من السرديات الكبرى أو هي السرديات الأكبر التي تم اختيارها في المقام الأول طبقًا لمعيارين: الأول هو احتواؤها على أكبر قدر من السرديات المعروفة لتشمل السرديات الكبرى جميع السرديات الأخرى، وثانيًا أن تتميز بخصائص تتفرد بها عن السرديات الأخرى حتى لو تكررت هذه الخصائص في مواضع أخرى من تلك السرديات. ولم نرصد جميع الخصائص المهمة، بل وقد أغفلنا خصائص ربما تكون أكثر أهمية، لذا تعد هذه القائمة رغم تحري الموضوعية بها متأثرة بما ورد على خاطري أثناء كتابة المقال.


الأدب

السرديات الكبرى

الصورة الأولى المرتبطة بالسرد هي الكلام على صورتيه؛ الشفهي والكتابي(1)، اقتران الكلام باللغة التي اخترعها الإنسان لتنظيم الكلام واحتواء الأفكار في كلمات. لهذا السبب تعد اللغة أهم أداة مستخدمة في حقول المنطق والإدراك والاتصال والسرد. ولأن اللغة تعد واحدة من أهم العناصر القائم عليها السرد الأدبي، كانت أيضًا من أهم الأسباب التي تجعل الأدب هو أرقى وسيلة للتعبير عن دواخل الإنسان على الصعيد الفكري والعاطفي. لهذا يوجد تشابه بين الأدب في معناه الاجتماعي والفني، فالأول هو رقي القيم، والثاني هو رقي التعبير.

وفي الآتي بعض من أهم السمات التي يتميز بها السرد الأدبي:


الإنسانية

السبب الذي يجعل اللغة على هذا القدر من الأهمية والأكثر استخدامًا في الاتصال والسرد هو طابعها الإنساني، حيث يمكن لجميع البشر تقريبًا الكلام، واللغة جاءت لتكون إطارًا لهذا الكلام(2)، ولتضع المعنى في وعاء الكلمة(3). حتى أن العبارة القائلة بأن الإنسان حيوان مفكر ترادف العبارة القائلة بأن الإنسان حيوان ناطق. أي أن الكلام صفة أساسية في الإنسان بعكس الرسم مثلًا الذي تكون إجادته موهبة في فئة معينة من الناس. والأدب هو الإطار السردي للغة.


الخيال

يعد الأدب أكثر السرديات مقدرة على تحفيز الخيال، فهو لا يحبس خيال المتلقي داخل قوالب مغلقة أو ضيقة، بل تكون مفتوحة ومتسعة بقدر اتساع خياله. الأدب لا يرسل صور إلى عقل المتلقي بل تصورات، والفرق بين الصورة والتصور هو أن الأولى تكون ثابتة أو أقرب إلى الثبات ربما يصيبها تغير وربما لا، سواء كانت حقيقية أو خيالية(4)، أما التصور فيكون تناول الفكر للصورة.

ويتمتع المتلقي بحرية أكبر في تناول الصورة الأدبية داخل ذهنه عن الصورة السينمائية، فمهما بلغت الكلمات في دقة وصفها يظل وصفًا. ويمكن وصف هذه الخاصية في العبارة المشهورة “الصورة تساوي ألف كلمة”. واستخدام العبارة هنا ليس ساخرًا أو تهكميًا، بل لإيضاح واحدة من أهم مميزات الأدب كونه مهما بلغ في دقة الوصف وشموله يترك دومًا بابًا مفتوحًا للإيحاء، بعكس السينما أو الكوميكس التي تفرض على المشاهد صورًا مصممة من قبل المخرج أو الرسام بدون ترك المجال تقريبًا لأي تصورات.

لهذا يكثر أن نجد قراءً كثر يحملون تصورات مختلفة لشخصيات أو أحداث أو أماكن من قصصهم المفضلة بحيث تتكون لدى كل قارئ صورة مختلفة عن بقية القراء مهما كثرت أوجه الشبه واقتربت، ورغم أن مصدر الصورة يكون واحدًا في العادة. وهي ظاهرة ثقافية معروفة لدى القارئ العربي وتحدث عنها كل من وائل رداد وشيرين هنائي(5)، منتقدين أن القارئ العربي يظل متمسكًا بتصوارته تجاه الصور الأدبية رافضًا حتى تحويلها إلى صور سينمائية متعذرًا بحجج مثل تشويه صور مرتبط بها نوستالجيًا كذكريات من الطفولة. حجة أخرى هي أن التصور الذي افترضه وصنعه يظل هو الأفضل في مخيلته.

ربما ليس الأفضل لكن يظل له سحره.


البلاغة

يمكن تقسيم جميع السرديات، وحتى السرديات الكبرى، إلى نوعين؛ السرد اللغوي والسرد البصري. وذلك راجع إلى أن الأفكار نفسها في عقل الإنسان تنقسم إلى نوعين أساسيين، إما كلمات وإما صور. وفي السرديات التالية تجدون أغلبها بصرية. بينما السرد اللغوي تم احتواؤه بواسطة الأدب، وذلك الأخير يتصل بصورة أو بأخرى بكل أنواع الكلام، والبلاغة جزء هام من الكلام. وعلى ذلك ترتبط البلاغة ارتباطًا وثيقًا لا يمكن قطعه بالأدب.

وقيمة البلاغة في الأدب عظيمة. من عوامل أهميتها أنها تعبر عن المراد إيصاله إلى المتلقي في أفضل وأرقى صورة، حتى أن البلاغة مشتقة من الأصل (بلغ) أي وصل إلى مراده. كما أنها تحفظ لغة قوم عن الاختلاط بلغة أخرى أو الانحدار في تشوهات الكلمات ودواخلها. لذا تجد كل شعوب العالم تتفاخر بدررها اللغوية. مثل أعمال دوستويفسكي الروسي ودانتي الإيطالي وشكسبير الإنجليزي وغوته الألماني والكتاب المقدس العبري والقرآن الكريم العربي.

ولقد أدرك مبكرًا الأديب والناقد العربي الكبير أبو هلال العسكري أهمية الحفاظ على اللغة العربية وحفظ بلاغتها بالرجوع إلى القرآن، ويقول في ذلك: (إن أحق العلوم بالتعلم، وأولاها بالتحفظ -بعد المعرفة بالله جل ثناؤه- علم البلاغة، ومعرفة الفصاحة)(6).


الرمزية

الرمز هو إحداث بين طرفين، من خلال حذف أحدهما (وهو الطرف الأوّل) وجعل الطرف الآخر (إشارة) لذلك الطرف المحذوف(7). ويعد الرمز من أهم تقنيات وآليات البلاغة، ومن أهم سماته:

  • التنوع.
  • العمق.
  • التبسيط.

الشعرية

الشعرية هي حقل مهم آخر من حقول البلاغة، وهذا غير المفهوم التقليدي الذي يعرف الشعرية من الشعر مقابلًا للنثر، بينما الشعرية المقصودة هنا هي المرادف للشاعرية كما لدى ج.كوهن (J.Cohen (8.

الشعرية/ الشاعرية Poetics Poétique هي دراسة العلاقة بين عناصر النص وكيفية إنتاجها لتأثيرات معينة مع اعتبار أن النص هنا يتجاوز معناه التقليدي المقتصر على النص اللغوي.


السرد

في مقال آخر منفصل سنحاول الربط بين عدد من النظريات (خاصة نظرية الفكر السردي Theory of narrative thought وعلاقة اللغة بالتفكير في نظريتي النسبية اللغوية Linguistic relativity والحتمية اللغوية Linguistic determinism) من حقول معرفية مختلفة ومتصلة لإثبات أن التفكير السردي/اللغوي هو الشكل الأقوى لعمليات التفكير في عقل الإنسان. وعلاقة ذلك بالأدب الذي وبسبب اتصاله الوثيق مع اللغة يرتقي من مجرد كونه فنًّا فحسب إلى آلية تفكير مهيمنة على جميع الفنون الأخرى والجوانب الحياتية للإنسان. خاصة في عناصر القصة والتشخيص واللغة والنوع.


الغناء والخطّ

هنا يكون الجمع بين جمال الصوت (الغناء) وجمال الصورة (الخط).


السينما

السرديات الكبرى

الاتصال هو تبادل المعلومات بين نقطتين، وبناءً على هذا التعريف يتكون الاتصال من خمسة عناصر: المرسل، المستقبل، الرسالة، القناة، القنن(9). وإذا طبقنا هذا التعريف على السينما باعتبارها وسيطًا اتصاليًّا مهمًّا نجد أن المرسل هو المخرج والمستقبل هو المشاهد والرسالة هو الفيلم والقناة هي السينما والقنن هي اللغة السينمائية.


المتعة البصرية

هناك ناقد ما لا أتذكر اسمه قال إنه يكره الترجمة لأنها تشوه الصورة السينمائية ويكره الدبلجة لأنها تلغي الأداء الصوتي. وأنا أرى أن هذا القول من أفضل ما قيل في التعبير عن جمال التجربة السمعية-البصرية، خاصة البصرية. إن الصورة السينمائية صارت منافسًا للنص الأدبي وجعلت من السينما تهيمن على قطاعات الفن الأخرى حتى صار الأدب مختصًا في أغلبه لشريحة معينة من المثقفين بعكس السينما المقبل عليها جميع العوام.

واحدة من أكبر الشواهد على نفوذ الصورة السينمائية مقابل النص الأدبي هو أن هناك حقل كامل في دراسات السينما مخصص لها، وهو اللغة السينمائية، والتي تماثل البلاغة في الأدب.


التجربة الجماعية

وتنقسم لنوعين: التجربة السينمائية والتجربة التلفزيونية، وكلا النوعين يملكان عددًا من الخصائص التي تضيف متعة وجمالية للتجربة الفنية. ويتفقان في الخاصيتان الآتي ذكرهما.


الأجواء الحميمية

حين تكون مع صديقتك أو أصدقائك أو أفراد أسرتك أو حتى أشخاص طيبين لا تعرفهم.


التأثير السايكوفيزيائي

وهي ظاهرة معروفة في علم النفس تتمثل في انتقال عواطف مثل الحزن والضحك والحماس والخوف بين عدد من الأشخاص. وذلك مفيد جدًا في مشاهدة أعمال الكوميديا والتراجيديا والرعب والإثارة، حيث تزيد المتعة بمشاركة جماعة من المشاهدين.


تكوين الحوار

من العناصر المهمة في الفنون السردية: الحوار والزمن، وقد قامت جدليات حول الصورة الأمثل للواقعية في الأدب والفن متخذة من الحوار والزمن أمثلة للبحث نظرًا لاتصالهما الوثيق بالواقع. وقد انقسم الباحثون إلى قسمين، فمنهم من يرى أن الأدب يعجز عن نقل الحوار والزمن كما هما في الواقع إلى النص. ومن هؤلاء الكاتبة ليزا تاتل Lisa Tuttle كما أوضحت في كتابها “فن كتابة الفانتازيا والخيال العلمي”. وهناك من يرى أن الأدب لن يصبح أدبًا إذا لم يغلف الواقع داخل إطار فني، كما أوضح الناقد حسن غريب أحمد في مقاله “واقعية اللغة في الحوار الأدبي”(10).

إلا أنه من الواضح في كلتا الحالتين بغض النظر عن كون ذلك عيبًا أم ميزة أن الأدب يعجز عن نقل الحوار كما هو من الواقع إلى النص (تحدّت ليزا تاتل أي أحد أن يأتي بورقة وقلم ويحاول أن ينقل بدقة حوار دائر بين عدة أطراف). إلا أن السينما تتفوق في مقدرتها على تحقيق ذلك.


تحطيم الزمن

الزمن عنصر هام جدًا في جميع الأشكال السردية، حيث يشكل هو ورفيقه المكان مسرح الأحداث الذي لا استغناء عنه في أي سرد أدبي أو سينمائي أو غير ذلك. وللزمان والمكان سلطة عليا تحتوي الأحداث وتهيمن على طريقة سردها. عدا في بعض الأشكال الفنية التي تحطم الزمن مثل أدبيات جميس جويس، ولكن تظل السينما هي الفن الأكثر مقدرة على تحطيم وتدمير الزمان والمكان، وتفكيكه وتركيبه لتوظيفه كيفما يُراد. “السينما وحدها القادرة في ثوان وعلى نحو كامل- أكثر من أي شكل فني آخر- على أن تمدد وتعكس وتتخطى وتكثف وتوقف الزمن أو تجعله يتداخل(11).


التوثيق

من المتعارف عليه أن الصورة الفوتوغرافية والصورة السينمائية تفوقت على الصورة التشكيلية في نقلها للواقع، إلى حد أن وسائط مثل الصور الفوتوغرافية وتسجيلات الفيديو قد صارت مادة معترف بها في المجالس القضائية كدليل يمكنه أن ينفي أو يثبت قضية ما.


السريالية

يعد الحلم عنصرًا مهمًا في الحياة الإنسانية، وقد أثبت فرويد أهميته لدى البشر ومكانته وتأثيره على دواخل الإنسان وحياته اليومية. والحلم شكل سردي يتمتع بخصائص عديدة تم نقلها إلى حركة فنية معروفة بإسم السريالية التي تعني حرفيًا ما فوق الواقعية، وهو تعبير ملائم لطبيعة الحلم البعيدة عن الواقع. والحركة ببساطة تستفيد من تكوين الحلم وخصائصه في تصوير الواقع وإلباسه معاني فلسفية.

هناك قول ينص بأن العميان لا يحلمون، وبالرغم من خطأ هذا القول إلا أنه يعطي فكرة عن ارتباط الحلم بالإبصار وقوة الصورة في التحكم بمعطياته، لهذا فإن السريالية تعد فنًّا بصريًّا في المقام الأول، ومن أقوى الشواهد على ذلك أن أكبر ممثليها هما الرسام سلفادور دالي والسينمائي لويس بونويل.


التلصص

يمكن القول أن السينما هي أقوى شكل فني يتيح لعقل المتلقي أن يفعّل بفعالية كبيرة عمليات ذهنية مثل التلصص والتقمص والتطهر والتفريغ والاتصال والاستهلاك، وهو ما سنتناوله بالتفصيل في مقال آخر.


التصوير

السرديات الكبرى

قبل أن يصنع الإنسان اللغة، ويضع التصورات داخل الكلمات، كانت الصورة ولا زالت أسهل بنية للوصول إلى تصور معين. حتى أن كمًّا هائلًا من السرديات الأسطورية نُقل إلينا من الحضارات القديمة بواسطة التصوير على الجدران والألواح والفخار، مثل ما نقل لنا من الحضارة الفرعونية واليونانية.


الأبيض والأسود

من المؤسف أن الأبيض والأسود انتهى في فن السينما، عدا بعض الأعمال السينمائية التي سنتناولها في مقال آخر، إلا أنه ما زال حاضرًا في المانجا التي تميزت به عن الأدبيات التصويرية الأخرى مثل الكوميكس والباند ديسنيه والكارتون. وتتجلى أهمية هذا الطراز اللوني في إبرازه لعناصر مثل الرعب والغموض. وأكثر الشواهد على ذلك اسمين يُعدا من أهم أعلام المانجاكا في تاريخ المانجا، هما جونجي إيتو Junji Ito وناوكي أوراساوا Naoki Urasawa.


الألوان

يملك الكوميكس قدرة على خلق أمزجة من الألوان تعجز السينما عن صنعها، حتى سينما الرسوم المتحركة لا تملك الإمكانية الكاملة لفعل ذلك نظرًا لاعتمادها على التحريك أكثر من التركيز على رسم الإطار الواحد. وتعد أعمال بعض رواد الكوميكس شاهدًا على ذلك.

الشاهد الثاني هو تحول بعض المسلسلات التلفزيونية المشهورة إلى سلاسل كوميكس مثل وقت المغامرة وصراع العروش.

الشاهد الثالث هو قوائم أكثر أعمال الكوميكس والمانجا مبيعًا التي تزداد ازدهارًا في كل عام.


الصورة الثابتة

الصورة المتحركة تعطي متعة أكبر إلا أن إدراكنا للصورة الثابتة يكون أفضل(12)، ولهذا يكون تذوقنا لجمالياتها أكبر. للصورة الثابتة (وكذلك المتحركة) خصائص أخرى أبرزها هو في كونها تمثل لغة عالمية تتحدى الأمية واختلاف اللغات والأعمار، بحيث يمكن فهم إرساليتها بصفة مباشرة.


المتعة البصرية

تم اقتسام السرديات التصويرية بين السينما والكوميكس، واستنادًا على نفس الشواهد التي ذكرناها في توضيحنا لميزة الألوان نقول أن الكوميكس يوفر متعة بصرية عظيمة للمتلقي تتشابه مع ما توفره السينما في نقاط وتختلف في نقاط أخرى، كما أن الكوميكس ليس الشكل الوحيد في السرد التصويري الذي يشمل أشكال عديدة نذكر منها:

  • الرسم.
  • النحت.
  • النقش.
  • العمارة.

هذا غير السينما والمسرح اللذان ينتميان إلى السرد التصويري، وقد خصصنا لكل منهما قسمًا خاصًا في هذا المقال.


السريالية

نفس ما قيل عن السريالية في قسم السينما.


الصورة والكلمة

واحدة من أبرز السمات التي تميز الكوميكس هو المزاوجة بين الكلمة والصورة والتي تبرز حتى في اسمه الأدب المصور، أي الجمع بين ثنائية (الكلمة/ الصورة). ويضيف هذا تنوعًا في السرد بين الحكي النصي والحكي البصري الذي يجمع بين الأدب والفن.


لجميع الأعمار

سمة أخرى من أهم السمات التي تميز التصوير وخاصة الكوميكس هو قدرته على ملائمة جميع الأعمار بطريقة قد لا نجدها في أي شكل سردي آخر عدا السينما، خاصة الكاريكاتير الذي يمكن اعتباره حكرًا على الكبار لا يفهمه من هم دون الـ 16 عامًا. وعلى الطرف الآخر نجد أن الأدب المصور الموجه للأطفال يكاد يتفوق على الأشكال الأدبية الأخرى لكونه يحتوي على الصورة التي تحتل المرتبة الأولى في جاذبيتها للأطفال متفوقة على الكلمة. وجاذبية الصورة تتخطى الأطفال لنجدها قادرة على جذب ولفت انتباه أي شخص بغض النظر عن فئته العمرية(13).


المسرح

السرديات الكبرى

المسرح هو أبو السينما، ويقال أبو الفنون كلها، وقد كان ذا هيمنة تقاس بما لدى السينما في عصورها الذهبية خاصة المسرح اليوناني، وقد جمع المسرح جميع العناصر الفنية المتواجدة في السينما، الصورة والموسيقى والأداء والنص. فمثلًا الناظر إلى النص السينمائي (السيناريو) والنص المسرحي (المسرحية) يرى أوجه التشابه جلية في عناصر مثل الحوار والمشهد.


المتعة البصرية

بعكس جميع السرديات التصويرية التي تعرض صورًا ثلاثية الأبعاد على سطح ثنائي الأبعاد، فإن المسرح يعرض صورًا ثلاثية الأبعاد داخل فضاء ثلاثي الأبعاد. بل ويضاف عليها بعد الزمن الذي يكون حقيقيًا هنا. وبعض الأنماط الفريدة من الأداء مثل التمثيل الجسدي المستعمل فيه لغة الجسد. وأيضًا المسرح نفسه والديكور والأزياء والمكياج والإضاءة وغير ذلك من العناصر البصرية التي تكون ذات تأثير قوي ومختلف عن المتعة البصرية التي توفرها وسائط أخرى مثل السينما.


التجربة الجماعية

ذات التجربة الجماعية في السينما تتكرر هنا في المسرح.


اختراق الجدار الرابع

الجدار الرابع Fourth Wall هو مصطلح يدل على جدار وهمي غير مرئي يفصل بين الشخصيات الخيالية (الفاعلة) في العمل السردي والشخصيات الحقيقية (المتلقي) في العالم الواقعي. ويفترض أن الجمهور أو المتلقي قادر على رؤية الشخصيات الفاعلة داخل الصندوق السردي بينما تلك الأخيرة لا تستطيع ذلك. والمصطلح مأخوذ عن المسرح حيث يقوم الممثلين بتمثيل الشخصيات وتحريك الأحداث فوق خشبة المسرح المتمثلة في غرفة من ثلاث جدران بينما الجدار الرابع والخفي هو المفتوح على كراسي المشاهدين. إلا أنه يتم اختراق وتحطيم هذا الجدار في أكثر من مناسبة بسبب الاحتكاك المباشر للجمهور بالممثلين، ويتجلى ذلك في واحدة من أوضح الصور، وهي الترحيب الساخن الذي يتلقاه الممثل من الجمهور فور صعوده على خشبة المسرح وانحناء الممثل ردًا للتحية.


الخروج عن النص

بسبب طبيعة العرض الحي والمباشر أمام الجمهور فإن سلطة المخرج المسرحي تتراجع تمامًا وقت العرض، ولا يتمتع بكامل صلاحيات إدارة الممثلين التي يتمتع بها المخرج السينمائي القادر على إعادة المشهد مئات المرات حتى يستقر من خلال غرفة المونتاج على ما سيعرض للجمهور. بينما المخرج المسرحي يمكنه أن يعيد المشهد آلاف المرات لكنه سيظل عاجزًا وقت العرض. إلا أن هذه تعطي صلاحية للممثلين للخروج عن النص والذي يكون في إطار ضيق بالأفلام السينمائية لقدرة المخرج على الإعادة والقص والتعديل أثناء تصوير ثم تحرير الفيلم بغرفة المونتاج.


الأداء المسرحي

بقدر ما يعطي العرض المسرحي المباشر صلاحيات للممثلين للخروج عن النص بقدر ما يسلب منهم القدرة على تلقف العثرات بواسطة إعادة المشهد، فالمشهد لن يعاد أمام المشاهدين الحاضرين بالفعل. ويتولد عن ذلك الطرف الآخر من الأداء التمثيلي المتمثل في الأداء المسرحي، وهو ببساطة عكس الأداء العفوي حيث يتم تقمص الشخصيات بمبالغة في التعبير عن الدراما والكوميديا والتراجيديا.


الموت

هناك قانون وجودي يقضي بحتمية النهايات، وواحدة من أهم تلك النهايات وأكثرها انتشارًا وحضورًا هو الموت، ولهذا له ما له من الأهمية البالغة في جميع السرديات التي تحمل شخوصًا داخل الأحداث. ويعد واحدًا من أبرز مظاهر الواقعية في السرد، وتتجلى واقعيته في أقوى صورها بالمسرح. وأبرز أشكال المسرح التي يمكن رؤية الموت فيها هي:

  • المسارح القتالية.
  • حلبات السباق.
  • الكولوسيوم (حلبات المصارعة).
  • السيرك (المسارح السحرية).
  • مسارح الجرائم والحوادث.

وبالرغم من القدرة التوثيقية للسينما والتي تتيح لها نقل الموت إلينا بصورة واضحة وقوية، إلا أنها لا تصل لمدى وضوح وقوة وفاعلية المسرح.


معايشة الزمن

تجربة أخرى يقدمها المسرح إلى المشاهد هي المعايشة التي تفرض الواقع على المتلقي فرضًا، المعايشة المصاحبة للزمن الحقيقي فلا وجود لتخطي أو قطع مشاهد معينة إلا في إطار ضيق.


الألعاب

السرديات الكبرى

تشكل الألعاب جزءًا هامًا من حياتنا، منذ طفولتنا وحتى طريقة تفكيرنا حين نضجت عقولنا، ويتجلى ذلك في مفهوم علمي شهير معروف باسم نظرية الألعاب Game Theory. وخاصية التفاعل المشهورة بها الألعاب تطبع على واقعنا حيث أن خياراتنا في الحياة كلها ليست إلا لعبة تؤدي إلى نتائج معينة.


التفاعل

تأتي هذه الخاصية في المرتبة الأولى لأنها غير متاحة في السرديات الأخرى إلا في بعض التجارب الأدبية والسينمائية والتصويرية، وبعض السرديات التي لا تقدم ذات النوع من التفاعل الذي نقصده هنا، وهو التحكم بمصائر شخصيات افتراضية. خاصية التفاعل تتجلى في أقوى صورها في سردية اللعب حيث تتيح الألعاب للاعب القدرة على اتخاذ القرارات من بين عدة خيارات متاحة له أثناء خوض اللعبة.


اللعب

وهو يختلف عن التفاعل لأن اللاعب من الممكن أن يكون مجبرًا على خوض اللعبة في خط واحد لا يتاح له تغييره أو التأثير فيه، ومع ذلك تظل خاصية اللعب مفعلة طالما هو يلعب.


الغوص

وهو مزج بين التجربة البصرية وتجربة اللعب يجعل اللاعب يخوض العالم كأنه فيه، خاصة في بعض الألعاب مثل دخول بيت الرعب، الذي يكون اللاعب فيها مجسدًا لشخصية افتراضية داخل فضاء حقيقي ومؤثرات مادية محسوسة من أكثر من جهة (بصري وسمعي وربما لمسي).


التقمص

خاصية أخرى تتواجد في صورة قوية بسردية اللعب، حيث أن اللاعب يتحكم بقرارات الشخصية الافتراضية ويحدد مسارها ويلعب بها ويخوض في عالمها ويتعرض- وهميًّا- للمخاطر التي تتعرض لها، وكل هذا يفعّل عملية التقمص في عقله إلى درجات عالية، أي يتزايد لديه شعور كبير بتطابق شخصيته مع الشخصية التي يلعب بها، وتحدث هذه الحالة بصورة خاصة وقوية مع الأطفال.


التجربة الجماعية

مرة أخرى تتكرر التجربة الجماعية هنا ولكن على نطاق أوسع بكثير لدرجة لا يمكن تجاوزها في أي من الوسائط الأخرى، فبفضل ثورة الاتصالات في العصر الحديث تتيح بعض الأنواع من الألعاب على الإنترنت لجميع اللاعبين من حول العالم المشاركة والتفاعل مع اللاعبين الآخرين من أماكن بعيدة عنهم، وبأعداد مهولة فعلًا.


المتعة البصرية

مرة أخرى تتكرر المتعة البصرية هنا مثل شبيهتها السينمائية خاصة تلك التي في الرسوم المتحركة.


الألعاب الذهنية

أشار عبد الله العروي في حوار معه(14) أن الألعاب الذهنية تضيف عمقًا ورقيًا إلى السرديات الروائية وسرديات الألعاب، وأنها أكثر جاذبية لشرائح مختلفة من القراء. ونؤكد على ذلك بكون أن هناك نوع كامل وسط الألعاب مخصص للألعاب الذهنية التي تزيد الذكاء خاصة الشطرنج الكلاسيكي وألعاب الشطرنج الصيني. وأيضًا هناك نوع كامل في الرواية تعتمد عليه الألعاب الذهنية وهو نوع البوليسية الذي يدور حول السرّ، أي لغز يجب حله، بعكس نوع الرعب مثلًا الذي يدور حول الشيء، أي وحش يجب التخلص منه.


التاريخ

السرديات الكبرى

لكونه جزء هام من الواقع ولأنه أكثر السرديات غير الفنية ارتباطًا بالأدب والسينما، يحظى التاريخ بقدر كبير من اهتمام النقاد والباحثين.


الزمن

تعنى بعض العلوم الاجتماعية بجميع أركان الزمن، فنجد التاريخ للماضي، والتأريخ والتوثيق والإعلام للحاضر، والمستقبليات للمستقبل.


الشمولية

بفضل أدوات ثقافية وفكرية مهمة مثل الحداثة والعولمة والثقافة واللغة والترجمة والإنترنت والإعلام والاتصالات، صارت التاريخانية تحتل رقعة كبيرة تمثل معظم بقاع الأرض، خاصة مع ارتباطها بأجهزة الحكم والنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.


المصداقية

واحدة من أهم سمات التاريخانية وأكثرها تأثيرًا هو مقدار ما تحمله من مصداقية، والمصداقية ليس المقصود بها هنا هو الصدق، بل المقصود هو انطباع الناس عن مصدر ما أنه صادق.


الكذب

الكذاب حين يعرف كذبه يكون عاجزًا عن الكذب، ولكن بسبب خاصية المصداقية يكون لديه القدرة على الكذب في نطاق يتسع بحسب مقدار ما يملك من مصداقية. وللكذب أنواع كثيرة سنتناولها بالتفصيل في مقال آخر.


التاريخ

يعني عدد كبير من النقاد والباحثين بدراسة أوجه الشبه والاختلاف ونقاط الاتصال والافتراق بين التاريخ والرواية -تلك الأخيرة تمثل الأدب- كونهما سرديتين كبريتين يجمع بينهما العديد من نقاط التلاقي والتقاطع والتوازي. ولما وجدنا أن التاريخ مثله مثل العديد من المواضيع المطروحة هنا يحتاج إلى مقال منفصل ومفصل ارتأيت أن أقف على بعض النقاط في علاقة التاريخ بالرواية لأوضح بعض خصائصه.

  •  القص عنصر هام في كل من الرواية والتاريخ، وذلك ظاهر حتى في اشتقاقهما من نفس المصدر ما بين الروايات (الأدب) والمرويات (التاريخ).
  • اعتماد التاريخ على نسق التتابع في سرده للأحداث(15).
  • سرد الرواية يكون داخل فضاء خيالي وسرد التاريخ يكون داخل فضاء واقعي.

تعدد الرواة

عنصر هام نجده في الأدب وفي السينما بصورتيه التي هي تعدد الرواة، والصورة المعكوسة عنه وهو الراوي الواحد. إلا أنه يكون في أوضح صوره كعنصر من عناصر التاريخية المتمثل في نواحي عديدة من التاريخانية مثل تعدد المصادر في التاريخ والإعلام. وظاهرة الشائعات واختلاف وجهات النظر.


التفاعل

القدرة على تصميم التاريخ وتغييره من خلال تعدد الرؤية والرواة واختلاف اتجاهات ومذاهب المشاركين في الحوار.


الخيال

السرديات الكبرى

نأتي إلى أقوى السرديات وأكثرها جموحًا وبعدًا عن أي قواعد قد تحكمها، وكما ميز المفكر الكبير يوسف زيدان بين الدين والتدين، نحن هنا نعني الخيال الذي يختلف عن التخيل(16). أي الأصل (مثل أصل الفكر) الذي يختلف عن التفكير. فالأصل مثالي والتفكير بشري.


التصوير

أول عمليات التخيل والتي بفضلها تعمل عمليات ذهنية مهمة مثل التذكر والتعلم والتحليل. التصوير أو عملية التصور هي بمثابة العين الثالثة التي تتيح لنا وضع تصورات لما لا تراه أعيننا، ويطغى تأثير هذه العين الثالثة على حاسة الإبصار في الحلم والهلاوس. ولها فائدتها العظيمة في ترتيب أفكارنا.


التمثيل

التمثيل هو ذاته التصوير مع ربط لمفاهيم مجردة بصورة مجسدة، مثل تصورات الموت في الأساطير القديمة.


التفكيك

وهي القدرة على تفكيك الأشياء ذهنيًّا للوصول إلى صورتها الأبسط.


التركيب

وهي القدرة على الجمع بين أكثر من صورة لخلق صورة جديدة.


الإدماج

وهو المستوى الأصعب والأكثر تعقيدًا من التركيب.


التكثيف

وهو القدرة على الجمع بين عدة طبقات من ذات الصورة لخلق صورة جديدة.

والخصائص المذكورة من 2 إلى 6 تحدث عنها الفيلسوف الإسلامي ابن عربي في قوله “إن الخيال يأتي بخلق ويذهب بخلق”. وقد سمّاه الفيلسوف الإيطالي أمبرتو إيكو Umberto Eco بمنطق الخيال المعتمد على التفكيك والتركيب والإدماج والتكثيف(17).


التبديل

في الآتي يتضح مدى هيمنة الخيال ووصوله إلى مناطق تبعد عن قدراته على المضي مهما بلغ عقل الإنسان من شطحات. وبالرغم من أني أفرق بين التخيل البشري والخيال الكوني إلا أنني مضطر للربط بينهما هنا نظرًا لكون العقل البشري هو نافذتنا للخيال وأبعاده وعوالمه.

يورد الباحث محمد قاسم خضير في كتابه المعنون بـ (أشياء لن تستطيع أن تتخيلها) الصادر عن دار نوفا بلاس في عام 2016 أربعة أشياء لا يمكن لأي إنسان أن يصل إليها بخياله(18). وهي:

  • أبعاد أكثر من ثلاثة.
  • المالانهاية.
  • العدم.
  • اجتماع النقيضين.

بالرغم من عنونة المقال باسم السرديات الكبرى إلا أنه لم يشمل جميعها، حيث أغفلنا عدد من السرديات المهمة التي لا تقل حجمًا أو ثقلًا عن المذكورة، مما سنتناوله في المقالات التالية، وهي:

  • الشعر الذي يضرب بحباله في الغناء والموسيقى.
  • الإذاعة التي ما زالت تثبت حضورها في ظل الصراع القائم بين السينما والتلفزيون.
  • القرآن وبعض أنواع الخطاب الديني والفلسفي.
  • الواقع الذي قد يكون أكبر السرديات لأنه يحتوى علينا نحن البشر وعلى الحياة كلها.
  • الإنترنت الذي تتيح له خصائصه أن يشمل جميع السرديات المذكورة.
  • التفكير لأنه يشمل نشاطات سردية أصغر مثل التذكر والتخيل والتصور والحلم والجنون.
  • الترجمة وموقعها كوسيط بين السرديات الأخرى مثل الأدب والسينما.
ذو صلة

المصادر

  1. موسوعة السرد العربي لـ عبد الله إبراهيم، المجلد الأول، ص11.
  2. اللغة العربية معناها ومبناها لـ تمام حسان، الفصل الأول: الكلام واللغة.
  3. الصورة الذهنية (دراسة في تصور المعنى) مقال لـ سمير أحمد معلوف في مجلة جامعة دمشق – المجلد 26 العدد الأول والثاني 2010، ص 116-117.
  4. الصورة والتصور والتصوير. مقال في مجلة الرسالة العدد 64 لـ محمد علي الحوماني.
  5. حوار أجرته دوت مصر مع شيرين هنائي.
  6. كتاب الصناعتين، ص1.
  7. محاضرات في البلاغة – المحاضرة 23 (الرمز) لـ محمود عبد الحسين البستاني.
  8. مفاهيم شعرية لـ حسن ناظم. ص14.
  9. هذا التعريف لـ كلود شانون، أنظر موسوعة علم النفس والتربية المجلد الثاني.
  10. واقعية اللغة في الحوار الأدبي، المنشور في عام 2006.
  11. السينما التدميرية لـ أ. سكوت فوغل، فصل هدم الزمان والمكان، ص63. ط دار الكنوز الأدبية.
  12. ديداكتيكية الصورة الثابتة
  13. أكد على ذلك الفنانان فواز ومعلوف في حوار أجري معهما في فيلم وثائقي بعنوان (كوميكس بالمصري) الذي تم إنتاجه على اليوتيوب من قبل مؤسسة مزج.
  14. حوار أجراه معه محمد الداهي ومحمد برادة ونشر في كتاب الدوحة 29 الملحق مع العدد 73 من مجلة الدوحة بنوفمبر من عام 2013. تحت عنوان (عبد الله العروي: من التاريخ إلى الحب). أنظر ص37.
  15. موسوعة السرد العربي لـ عبد الله إبراهيم. ج1،ص16.
  16. دوامات التدين لـ يوسف زيدان. أنظر مقدمة الكتاب.
  17. الخيال مهوماته ووظائفه لـ عاطف جودة نصر من سلسلة أدبيات. أنظر مقدمة الكتاب.
  18. أنظر مقاله الأول في سلسلة مقالات منشورة على موقع سايوير Sciware.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة