تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

ما هو تكاثر الذكاء الاصطناعي؟ وكيف يؤثر ذلك على البشرية؟

غادة الجوهري
غادة الجوهري

6 د

زواج الأقارب هو مصطلح علمي يطلق على عملية التكاثر بين الأفراد الذين يمتلكون السلالات الجينية نفسها بحكم القرابة، ونعلم مدى التأثير السلبي لمثل هذه الظاهرة على البشر وكيف يمكنها أن تؤدي إلى طفرات جينية خطيرة وغيرة محببة، إلى جانب المشاكل الصحية والخلقية التي قد تنتج عن مثل هذه الظاهرة، ولكن هل فكرت يومًا في ما الممكن أن تتسبب به هذه الظاهرة إذا ما نشأت بين الآلات، أو بالأخص محتوى الذكاء الاصطناعي التوليدي؟


كيف تكون عملية تكاثر الذكاء الاصطناعي؟


الذكاء الاصطناعي المستحدث من محتوى ذكاء اصطناعي سابق هو ما يطلق عليه العلماء AI inbreeding، وهو مصطلح مكافئ لزواج الأقارب ولكن فيما يخص عملية توليد محتوى الذكاء الاصطناعي، ففي بداية استخدام الذكاء الاصطناعي كان الجيل الأول من المحتوى المعروض، مولدًا بواسطة استخدام لغة بيانات ضخمة large language models مصممة من قبل البشر، اُستخدم فيها كميات هائلة من المقاطع المرئية والصوتية والمعلومات الأصلية عن البشر، أما الآن فبات الذكاء الاصطناعي -بطريقة عشوائية- يُولد المحتوى الخاص به وفقًا لمحتوى ذكاء اصطناعي آخر أُدخل إليه سابقًا كتغذية رجعية من قبل المستخدم والإنترنت، أي أن البشر صاروا يزودون الآلات بمحتوى وُلد من الآلات، وبالطبع يمكنك أن ترى حجم الكارثة هنا.


من الخطير أن يفكر الذكاء الاصطناعي كما تفكر الآلات


إن كارثة تلك الحلقة المفرغة من تبادل المعلومات بين الآلات -دون معرفة حقيقية يضيفها البشر- هي أمر ينبأ بالكثير من الضياع لميراث العقل البشري الذي يجب تناقله من جيل إلى آخر ومن عقل إلى آخر، وإذا ما استمرت تلك الظاهرة بالانتشار فستغدو عملية المعرفة صورة تُنسخ مرارًا وتكرارًا، ليس من الأصل، ولكن من خلال سلسلة من النسخ الرديئة، وسوف تظل الصور تُنسخ بينما تفقد جودتها حتى ينتهي بنا الأمر إلى امتلاك نسخة أخيرة مشوهة ولا تُمثل أي شئ بطريقة صحيحة.

وبينما يحدث ذلك سوف يفقد المستخدم ثقته بصانع المحتوى أو الذكاء الاصطناعي، إذ تقل كفاءته باستمرار، مما قد يؤدي إلى القضاء على مشروع -إنتاج ذكاء اصطناعي في خدمة البشرية- مبكرًا وعاجلًا وذلك بمثابة خيبة أمل كبيرة بالنسبة للكثير من الناس.


أبعاد مشكلات تكاثر الذكاء الاصطناعي


تراجع كفاءة الذكاء الاصطناعي قد يكون غير قابل للإصلاح

تشير الدراسات الأخيرة إلى أن مصير الذكاء الاصطناعي إلى الهلاك في المستقبل القريب، إذا لم يتمكن المهندسون من إيجاد طرق لمنع تداخلات المحتوى القادم من الإنترنت -والذي يحتوى على الكثير من المعلومات المولدة بواسطة ذكاء اصطناعي- من الدخول إلى قاعدة بيانات برامج مثل ChatGPT-3 وChatGPT-4 أثناء اختبارها وتجريبها، إذ يُحدث ذلك خللًا كبيرًا في برمجة بوت الدردشة، فتخيل أن تطلب من تلميذ لك الإجابة عن سؤال ما، ثم زودته بملفات تحتوى على بعض الأجوبة المُقدمة من آخرين لمساعدته على توفير إجابة مناسبة، فإذا به يجد أن الإجابة التي كان ينوي تزويدك مثلما فعل من قبل، قد قُدمت له وربما بصورة أسوء وأقل جودة على أنها محتوى مساعد، وذلك يعني أن محتوى المعلم قد أصبح رديئًا أو أكثر رداءة من محتوى التلميذ.


تخريب وضياع الإرث البشري


سوف يكون الإستعانة بمحتوى الذكاء الاصطناعي -وخاصة في المحتوى المصنوع على صفحات مواقع الإنترنت- هو المسمار الذي سيُدق في نعش ثقافتنا نحن البشر وجودة المعرفة والتعليم الذي نكتسبه. 

ومما يزيد الطين بلة، هو حكم المحكمة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية بكون المحتوى المصنوع بواسطة الذكاء الاصطناعي غير خاضع لقوانين الملكية الفكرية وحقوق النشر والطباعة، مما أدى إلى إضراب دوى صداه من قبل الفنانين والقائمين على أعمال السينما في هوليوود، إحتجاجًا على الحكم الذي لا يضمن لأي من العاملين في مجال الترفيه والإبداع حقوقهم.

انضم إلى المبدعين في أمريكا آخرون في كندا وبريطانيا، وذلك بعدما تنبه الكثير منهم مدى خطر الذكاء الاصطناعي على الصناعات الفكرية في العالم، فلا يمكن لأي كاتب أو فنان أو مغني الاعتراض على استخدام أعماله الفنية بواسطة الذكاء الاصطناعي، ولا بالطبع الانتفاع من العائد المادي المُكتسب من خلالها، مما يعني فوضى شديدة ومجال مفتوح للذكاء الاصطناعي في تكوين فنوننا وأفلامنا في المستقبل، فيما يقابل الإنسان الكثير من القيود والقوانين التي تحول بينه وبين العمل والإبداع فيما يعرف بحقوق الملكية الفكرية.


بعض المحاولات للحد من مشكلات تكاثر الذكاء الاصطناعي


منذ فترة قريبة أعلنت شركة openAI عن إطلاق برنامج لتحرير المحتوى البشري عن ذلك المولد من خلال شات جي بي تي وسُمي البرنامج باسم ''AI Classifier''، وكان الهدف من البرنامج هو إنشاء خوارزمية قادرة على  تدقيق المستندات وتمييز الأصلي منها، والمساعدة في كشف أبحاث الطلاب المُزيفة في الجامعات والمدارس، ولكن سرعان ما سحبت الشركة البرنامج من موقعها لدقته المحدودة في إنجاز المهمة.

وكمحاولة أخرى للحد من مشكلات الذكاء الاصطناعي، يحاول البيت الأبيض الضغط على شركات الذكاء الاصطناعي السبع في أمريكا ومنهم openAI و Meta لإضافة علامات مائية للمحتوى المولد من قبل بوتات الذكاء الاصطناعي المُصممة بواسطتهم، ووجدت الشركات أن مثل هذه الخطوة قد يكون من الصعب تنفيذها، خاصة فيما يتعلق بالمحتوى المكتوب، إذ أن العلامات المائية قابلة للإزالة بسهولة، وما زالت لا تعالج مشكلة تكاثر الذكاء الاصطناعي والمحتوى الزائف والمغلوط، فحتى وإن ميزناه فسوف يظل استخدامه كوسيلة علمية قائم. 

ما زالت محاولات الحد من آثار الذكاء الاصطناعي عن طريق تمييزه جارية وقيد البحث والتجريب من خلال الشركات، ومن المرجح في المستقبل القريب أن تجد الشركات الطريقة المناسبة للتقليل من الخداع والتزييف بواسطة محتوى الذكاء الاصطناعي.


علينا أن نطمح للمستقبل ولا نسمح للآلات بجرنا إلى الوراء


يُصمم محتوى الذكاء الاصطناعي طبقًا لقواعد اللغة والأدب القديمة والبسيطة، وتلك القواعد تُوفر أسلوبًا مناسبًا ومثمرًا في إنتاج محتوى مصاغ جيدًا ويمكنك الاستفادة من معلوماته، وكل تلك المميزات هي أمور جيدة جدًا ونافعة، ولكنها لا تُلمح إلى محتوى أصلي أو مشجع على الإبداع، ويخاف العلماء والمفكرون من أن الاعتماد الزائد على محتوى الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى كثير من  التراجع في ثقافات البشر المتجددة وتطوير محتواهم الإبداعي، فنكون بذلك نرجع إلى الوراء فيما نحصله من معرفة بدلًا من تطوير ثقافات وأعمال أصلية جديدة تُترك كإرث لهذه الحقبة من الزمن، وذلك ما يسميه العلماء "فجوة معرفية" يُلمح لها تطور الذكاء الاصطناعي في الآفاق.

ذو صلة

منذ نشأة الإنسان على الأرض، عمل باستمرار على ترك بصمته الفكرية والإنسانية للأجيال القادمة، وذلك ما جعلنا نعرف التاريخ كما هو عليه الآن، وشكل لنا الفترات والحقب الزمنية التي علمتنا كثيرًا عن طبيعتنا البشرية وكيف أنها قابلة للتطوير دون حدود.

لكن الآن، يتركنا الذكاء الاصطناعي في قليل من الشك والريبة حيال ذلك، هل يكون الإنسان وتطوره عدو نفسه الأول في ضياع ذلك الإرث والتاريخ الذي ظننا أنه لن ينتهي؟ وهل يمكن للذكاء الاصطناعي حقًا إحداث فجوة معرفية وعلمية في إرثنا البشري المتطور منذ بداية الخليقة؟ ذلك ما يجب على العلماء سريعًا تقريره والقضاء عليه قبل خروج الأمور عن السيطرة، ونفقد في الطريق إلى ذلك القليل من الأجيال التي تستوحي معرفتها وثقافتها من محتوى آلالات من الدرجة الثانية.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة