الدجاجة التي حلمت بالطيران رواية للحالمين فقط!
5 د
هل يمكننا أن نستقي الحكمة من أفواه الحيوانات؟!
في الواقع لا، لكن عالم الأدب كان له رأي أخر، فجعل من الحيوان حكّاء ناطق يفيض بالحكمة والموعظة، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة ضمن عدد كبير من روائع الأدب، منها: «كليلة ودمنة» و«مزرعة الحيوان».
وهناك أيضًا حكاية “إبساك” في رواية «The Hen Who Dreamed She Could Fly –الدجاجة التي حلمت بالطيران» التي نُشرت للمرة الأولى عام 2000، لكاتبة كوريا الجنوبية «Sun-mi Hwang – صن_مي هوانغ»، وتُرجمت للعربية عام 2004 عن «الدار العربية للعلوم ناشرون».
وفي السطور التالية لن نتحدث عن الرواية نفسها، بقدر ما سنتحدث عن مضمونها والقيمة التي تتناولها، وعن الغرض من كتابتها.
دجاجة تحلم بالحرية
القصة تدور أحداثها حول «إبساك» الدجاجة الصغيرة، والتي لم تكن راضية بحياتها التي تدور فقط حول أخذ بيضها لبيعه في السوق.
«إبساك» لم تكن تعيش في مزرعة كاملة تنال فيها بعض الحرية المحجّمة المقتصرة على الحركة داخلها قليلًا بالنهار مثلاً، بل كانت تعيش في قنّ صغير داخل مزرعة كبيرة، تقتصر حياتها فقط على وضع البيض الذي يتدحرج بعيدًا عنها فور خروجه منها ليتم بيعه بعد ذلك.
«إبساك» الدجاجة كانت تعجز حتى عن لمس بيضها، لذلك كان حلم حياتها الأكبر هو أن ترقد على بيضها ذات يوم وتنتظر أن يفقس لترى فراخها الصغيرة وتبدأ في رعايتها!
حلمٌ بسيط ومشروع، وعنه تقول «إبساك» في اقتباس من الرواية:
«كانت حياتي قاسية، لكنني كنت سعيدة جدًا، وتمكنت من البقاء حية بسبب ذلك الحلم».
لكن تحقيقه كان مستحيلًا بالنسبة لها، ومن أجل تحقيقه أدركت «إبساك» الدجاجة أن الخطوة الأولى تكمن في حصولها على الحرية.
بدأت تفكر في الهروب من المزرعة، وبعدها تتوالى أحداث الرواية اللطيفة التى تجعل القارىء يتعايش تمامًا مع أحداثها التي تتحرك بسلاسة، ليصل في النهاية إلى الغاية التي كُتبت من أجلها الرواية، وهي: «أن لكل شيء ثمن وخصوصًا الحرية ثمنها يكون باهظًا جدًا، وأن السعي من أجل تحقيق الأحلام مهما كانت مستحيلة وبعيدة يستحق المحاولة».
من الجدير بالذكر أن الرواية تم تصنيفها من قبل النقاد على أنها عمل للأطفال، لكنها بالفعل تصلح لجميع الفئات العمرية، فكل فئة سترى فيها ما يناسبها، وكل شخص سيجد فيها ما يمس شخصيته بشكل ما؛ فالرواية تفيض بالحكمة وبالعديد من العبارات التي تصلح للاقتباس، مثل:
«هناك شيء ما يحدث في هذا العالم على الدوام. هناك كائن ما يموت وآخر يولد. هناك فراق ولقاء في الوقت نفسه تقربيًا. يعني ذلك أنه يستحيل علينا أن نحزن إلى الأبد».
صحيح أن تناول الفكرة تم بشكل يناسب الأطفال تمامًا، لكنها كغيرها من الأعمال العالمية الشهيرة التي صنفت في الأصل ضمن أدب الطفل أو النشء، تحمل في باطنها رسالة عميقة تناسب العامة من كل الفئات.
هل تشبه «مزرعة الحيوان» لـ «جورج أورويل»؟
وجد البعض تشابهًا شديدًا بين رواية «الدجاجة التي حلمت بالطيران» للكاتبة الكورية «صن مي هونج»، ورواية «جورج أورويل» الشهيرة «مزرعة الحيوان»، وذلك لعدة أسباب: كلتاهما تدور أحداثها داخل مزرعة، وكلتاهما تعتمد فكرتها الأساسية على تشخيص الحيوانات، أى منح بعض الصفات الإنسانية للحيوانات، من حيث القدرة على الكلام والتفكير والتخطيط والأحلام، وبالتأكيد منح أسماء بشرية للحيوانات. وهذا في الأساس ما يجعل الكثير يعتبر أن هذه الأعمال موجهة للأطفال.
لكن الاختلاف الواضح والجذري بين العملين يكمن في أن «مزرعة الحيوان» تحمل الكثير من الإسقاطات السياسية، وأبرزها الصراع على السلطة بين الدول. أما رواية «الدجاجة التي حلمت بالطيران» تعتبر عملًا إنسانيًّا بحتًا، تخلو تمامًا من أى تلميحات سياسية بل تسلط الضوء على مجموعة من المفاهيم والقيم مثل: الحب، الحرية، الصبر، الإرادة، الأمومة، وتقبل الآخر مهما اختلف لونه وشكله والتضحية من أجله.
وكالعادة تؤكد الرواية على فكرة مفادها أن الكنز يكمن في الرحلة، التي تناولتها العديد من الأعمال الأدبية؛ ليتفاعل القارىء طوال الوقت مع ما يواجه البطل أثناء رحلته من تجارب وخبرات تساعده على اكتشاف ذاته من جديد. ليعرف أن هدفه نفسه لم يكن بالأهمية التي اعتقدها سابقًا.
على عكس رواية «مزرعة الحيوان» التي ركزت على صفة الطمع والرغبة في المزيد التى للأسف تسيطر على بني البشر وحدهم ويفتقدها الحيوان تمامًا.
تحقيق الأحلام يأتي بالتدريج
في الحياة لكل شيء ثمن، وثمن الحرية دائمًا ما يكون باهظًا وأحيانًا يكلفنا حياة، ولكن في طريق بحثنا عن الحرية نكتشف المعنى الأسمى لوجودنا، والقيمة الحقيقية لكل ما يحيط بنا.
وهذا هو ما حدث لـ «إبساك» في الرواية فقد حاربت من أجل أن تنال حريتها، وتخرج من القن بكل الطرق المتاحة لها، وبعد خروجها اصطدمت برفض باقي حيوانات المزرعة لها؛ لتكتشف أن تحقيق الأحلام يأتي بالتدريج.
فتقرر الهرب من المزرعة لتواجه الكثير من الصعاب، وتمارس عاطفة أمومتها المكبوتة على فرخ بط صغير لا يشبهها، يقرر تركها في النهاية ليلحق بجنسه، وعندئذ تكتشف أن الحلم نفسه يختلف عن تحقيقه!
في الرواية تظهر الكاتبة أن أكثر ما كان يؤرق «إبساك» هو أنها تحلم.. فهي تحلم بالأمومة، ومن أجل أن تحقق حلمها كان يجب أن تحصل على حريتها.
الحرية .. الدافع الرئيسي للأحلام
فكرة أن الحرية في الأساس هي المحرك الدافع لتحقيق الأحلام، تعد من أجمل الأفكار التى تناولتها الرواية، بصياغة لطيفة تمس مشاعر القارىء.
«إبساك» في الواقع ربما تمثل الكثير من النساء، ربما تمثل وضع المرأة في الكثير من الثقافات، حيث تحرم من أن يكون لها واقع ترسمه وتخطط له. وتمثل أيضًا الصراع الذي تخوضه المرأة من أجل أطفالها وأسرتها.
تنتهي الرواية نهاية صادمة لا تصلح بالتأكيد كنهاية لأحد قصص الأطفال، لكنها تهدف بالأساس لترسيخ فكرة ثمن الحرية التي حلمت الدجاجة طويلاً بها.
لكنها تدعو لفكرة حالمة، مُفادها أن السعي لتحقيق الأحلام في كثير من الأوقات يكون أعظم وأرقى وأسمى من الحلم نفسه، فالسعي هو ما يجعل لرحلتنا معنى ولحياتنا قيمة، السعي والمحاولة هو ما يصنع الحكاية. لهذا أنصح بهذه الرواية للحالمين فقط.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.