الفراغ الداخلي وفقدان الشغف.. كيف تتخلص من هذا الشعور قبل ازدياد الأمر سوءًا؟

كم مرة تبسمت بسخرية على أمر كان يدمي قلبك البارحة؟ كم مرة شعرت بثقل في وزنك وانت تمشي رغم أن داخلك مملوء بالفراغ؟ الأمر الذي أتحدث عنه يشبه كونك تركب قطارًا وتنظر من نافذته إلى العالم الخارجي دون أن يحرك أي شيء فيك ساكنًا، لا الجمال يغريك ولا القبح يؤذي عينيك، لا تمتلك لذة الضحك العميق ولا رفاهية البكاء المريح، تنفر من التجمعات البشرية ولا طاقة لك لتحمل أحاديثهم. في حال أنك مررت أو تمر بهذا الأمر، لا بأس عليك

ذلك الشعور الرمادي يطلق عليه العلماء اسم"الانهيدونيا" أو فقدان الشغف، والشغف من أسماء الحب ويعني باللغة العربية شدة التعلق، غالبًا تصاب به النفس البشرية بعد تلقي خيبة أملٍ كبيرة من شخص أو من ظرف، أو كنوع من التأقلم مع واقع لا أمل منه، عندما تمر بهذه المرحلة قد تخاف من كونك مصابًا بالاكتئاب، لكن إن لم تتعلم كيف تساعد نفسك على الخروج منه سوف يقودك حتمًا إلى اكتئاب أكيد.

يمكن أن يشعر معظم الناس في مرحلة ما من حياتهم بالفراغ  ربما بعد خيانة من تحب أو فشلك في مجال عملك أو وجودك في مكان لايعرف قيمتك كما تقول كاثرين ديل تورو، مستشارة الصحة العقلية المرخصة لدى Grow Therapy في فلوريدا. وتقول: "الفراغ، مثل المشاعر الإنسانية الأخرى، يعتبر طبيعيًا عندما يكون ردًا على حدث حياتي صعب"، مثل فقدان أحد أفراد أسرته أو المرض أو سوء المعاملة.

ويضيف أنتوني بي. ديماريا، الحاصل على دكتوراه، وهو عالم نفس سريري ومعالج نفسي مرخص ومؤسس خدمات ديماريا النفسية في نيويورك، أن الفراغ غالبًا ما يكون مصحوبًا بشعور بالخسارة أو الغياب، حتى لو لم يتم فقدان أي شيء ملموس بالفعل. ويقول إن الفراغ يمكن أن يؤدي أيضًا إلى شعور باليأس والشعور بأنك لن تشعر بالكمال أبدًا.

عندما يسرق فقدان الشغف الألوان من حياتك، تصبح كل يوم معركة للنجاة بدلاً من فرصة للتألق والنمو. تبدأ تلك العلامات بالظهور بشكل تدريجي، حيث يجد الشخص نفسه يتجنب المناسبات الاجتماعية بحجج واهية. مثلاً، يعتذر عن عدم الحضور لحفل زفاف صديق قريب بحجة الانشغال، بينما الحقيقة هي أنه لا يشعر بالرغبة في مشاركة أحد فرحه أو حزنه.

في الأوقات التي يتجاوز فيها الشخص حالة الانطواء ويقرر المشاركة، يظل هناك جدار غامض يفصل بينه وبين العالم. يشهد حفل الزفاف ويسمع الضحكات والأغاني، لكنه كأنه في عالم آخر، لا يستطيع الاندماج في الأجواء أو حتى التعبير عن فرحه بابتسامة.

ليس فقط الاجتماعات والأحداث هي التي تفتقر للنكهة في حياته، بل حتى المتع البسيطة مثل تناول وجبته المفضلة أو شرب كوب من القهوة لا يعدل من مزاجه. وقد يمتد هذا الأثر ليشمل حياته العاطفية، حيث تصبح العلاقة الحميمة الزوجية مجرد نشاط روتيني بلا أي تأثير عاطفي أو جسدي حقيقي.

وفي المواقف التي يتطلب فيها الأمر التعاطف والدعم العاطفي، يظل الشخص محايداً بشكل ملفت. سواء أمام قصص معاناة الناس أو حتى الأخبار السعيدة، لا يظهر رد فعل يذكر. وهذا الشحّ في الإحساس الإنساني يجعل الناس حوله يصفونه بأنه شخص بارد وقاس.

كل هذا يأتي مرفوقًا بضبابية في التفكير تجعله غير قادر على رؤية مستقبل واضح أو حتى تحديد أهداف لحياته. النوم يصبح معركة أخرى، إما أن يستمر في النوم لفترات طويلة دون الشعور بالراحة، أو يتقلّب في الفراش لساعات بدون نوم. وعندما يتحدث، فإنه يتحدث بكلمات قليلة وغير مؤثرة، يتجنب النقاش ويبقى على الحياد دائماً، وقد يُفسر الناس ذلك بأنه شخصية ضعيفة أو غير واثقة. في نهاية المطاف، يُصبح فقدان الشغف كالثقب الأسود الذي يبتلع كل شيء جميل ومُلهم في الحياة، ويحتاج الشخص للبحث عن طرق لإعادة الألوان إلى لوحة حياته.

اجلس في مكان هادئ ومريح مع مشروبك المفضل، اعتبر أنك صديق نفسك واسألها ما الذي تحتاجه لتكون أسعد وأكثر نشاطًا، هل تحتاج رفيقًا مثلاً، اشترك بأنشطة تجعلك أكثر احتكاكاً بالناس. هل تشعر بالوحدة والوحشة طوال الوقت؟ اقتن حيوانا أليفاً. هل تشعر بانعدام القيمة؟ ساعد غيرك، لا أحد يعرف هذا الجواب مثلك أنت، اعرف ما تحب وانطلق.

يمكنك اللجوء إلى الطبيعة للاسترخاء وإعادة ترتيب حياتك. وإذا وجدت صعوبًة في دخول حالة التأمل  استشر خبيراً، أو تدرب على ذلك من دروس الإنترنت، وتذكر أن المشاعر المكبوتة لا تموت بل تظهر نفسها بطرق مختلفه منها شعورك بالفراغ. انقذ نفسك ودعها تتحرر منك بسلام. الجأ إلى ممارسات اليقظة الذهنية، مثل تمارين التنفس أو التأمل، للحصول على نظرة أعمق للفراغ وتحمله بشكل أكثر فعالية. 

لابد من وجود شيء يجعلك تبتسم، ربما مكان تحب السفر إليه، أو لعبة كنت تنسى الوقت عندما تلعبها أو شخص مرح يجعلك تضحك من قلبك عندما تقابله. تستطيع ممارسة رياضةٍ جديدة، ابحث في داخلك عن أي شيءٍ يسعدك وافعله مهما كان غريباً بالنسبة للآخرين.

من المحتمل أن شعورك بالفراغ جعلك تهرب من مخالطة الناس. لا تستجب لهذا الشعور. أنصحك باختيار مجموعة أشخاص يحبونك و تشعر بالانتماء معهم، ذلك سوف يوفر لك دعماً كبيراً وجواً دافئاً قد يعيد إليك شغفك بالحياة، لكن انصحك باختيار أشخاص ايجابيين وداعمين. كما تشير الدراسات إلى أن العمل مع متخصص لمساعدتك على التواصل مع نفسك ومع الآخرين قد يساعد في تخفيف مشاعر الفراغ. 

لن يخرج ماردٌ من مصباح ويسألك ماذا تتمنى، ولا يوجد عصاً سحرية تغير حياتك بلمح البصر، ولن ينتشلك سوبر مان من قوقعتك و يحملك نحو السماء، كن بطلاً في عين نفسك واحملها إلى بر الأمان، إنها الحياة التي لن تتوقف عن حرقك حتى تصبح ناضجًا. كن قويًّا من أجلك انت أولاً ومن أجل من تحبهم .

إذا استمرت مشاعر الفراغ بعد أن جربت كل ما سبق فلا تتردد في اختيار طبيب جيد . يقول الدكتور ديماريا: "عندما تؤدي مشاعر الفراغ إلى ضعف وظيفي مثل؛ صعوبة العلاقات الاجتماعية أو القدرة على العمل أو أداء المهام اليومية، فمن المحتمل أن يكون طلب مساعدة متخصص هو القرار الصائب.

عليك أن تعي أولاً وأخيراً بأنك منقذ نفسك، رغبتك في الخروج من هذا النفق هو ما سيقودك إلى الحل، عندما نتحمل نحن البشر مسؤولية أنفسنا بشكل كامل، لن نلوم أحدا عمّا جرى لنا، ولن نبقى طويلاً على الأرض بعد أن نسقط، كل ما نحتاجه بعض الوقت لنستجمع قوانا و ننهض بأنفسنا من جديد، وتأكد انك بعد أن تنهض ستصبح أقوى و أنضج من ذي قبل. إنها النار التي تجعل الذهب مصقولاً.