هاروكي موراكامي

7 د
يذيق الكاتب هاروكي موراكامي الجمهور من الحزن كؤوسًا خلف كؤوس، وعمل على تقديم حبكات غريبة وعجيبة آتية من قيعان الجحيم مباشرة، وبالرغم من أن أعماله لا تعتمد على الفانتازيا الصارخة بنسبة كبيرة، إلا أن الفانتازيا في أعماله ملحوظة، ولها تماس درامي مع كل شيء يحدث في عالم أحداث الرواية المعينة.
عاش موراكامي لسنين طويلة خلف الستار، حتى بدأت أعماله في الحصول على صيت عالمي، وصار الرجل الذي نعرفه هذه الأيام. لكن شيئًا واحدًا خلال تلك المسيرة الحافلة بالنجاحات لم يتغير على الإطلاق: إنه منغلق على نفسه.
دائمًا وأبدًا اعتقد الناس أن انطوائيته تلك هي جزء من تركيبته النفسية والتي مكنته من أن يكون الكاتب الذي نعرفه. لكن عند بدء العزل الصحي لفيروس كورونا في 2021، ظهر لنا جانب آخر من موراكامي، جانب الكاتب الذي يريد أن يشارك الجمهور حياته الشخصية وهواياته، إنه الجانب الإنساني له.
وبالفعل، قام بعمل بودكاست كامل في 2020، يتحدث فيه عن كل شيء يحبه في الحياة، لمحاولة كسر الملل الذي غلف حياته خلال العزلة الإجبارية في المنزل، تحاشيًا للفيروس بالطبع. وبحكم عمله ككاتب، فهو في الأساس لا يخرج لمكاتب، ولا يحتك بالناس كثيرًا، لكن حتى فرصة الخروج كل أسبوع لمكان معين بغرض الترفيه، باتت من الماضي. لذلك كان للبودكاست ضرورة.
اليوم، صدر خبر ينطوي على خط ملابس جديد يخص الكاتب هاروكي موراكامي من براند يابانية عملاقة، للكاتب المخضرم. لكن قبل أن نتحدث عن هاروكي موراكامي “الستايليش”، لم لا نتحدث عن البودكاست بعض الشيء؟
عند ذكر البودكاست، مباشرة يتذكر الناس الكتب الصوتية. إلا أن البودكاست مختلف تمامًا عنها، فهو يجسد النزعة الإنسانية نحو محاولة طرح الذات على الغير، دون انتظار عائد ربحي في المقابل. فالكتاب الصوتي أنت تشتريه، لكن البودكاست أنت تسمعه مجانًا، مما يكسر الجليد بينك وبين المتحدث، ويعزز الصداقة الافتراضية التي تجمعكما على الإنترنت.
في ظل العزل الصحي لفيروس كورونا 2020، كانت الأوضاع مأساوية بحق، خصوصًا في اليابان. وقتها تصرفت الحكومة اليابانية سريعًا، وأغلقت كل شيء في حالة هلع قصوى، مما أدى إلى تعطل الاقتصاد لفترة طويلة، وبالتبعية انهيار الحياة الاجتماعية الناس، مما ترتب عليه الحزن والملل والقلق والتوجس. الأمة اليابانية كلها كانت في حالة مزرية فعلًا، وكان على بطلٍ ما أن يتحدث وينقذ الجميع، ولو بكلمة.
وهل يوجد “مايسترو” للكلمات أبدع من موراكامي؟
البودكاست الذي يعتبر شخصيًّا بنسبة كبيرة، كان هو طوق النجاة للشعب الياباني. بودكاست Morakami Radio أصبح بسرعة هو التريند الأول في اليابان، واكتسب شهرة طاغية في غضون أيام معدودة. في البودكاست تحدث هاروكي موراكامي عن نفسه، حياته، بعض أسراره، وكذلك اهتماماته وتفاصيل روتينه.
حتى أنه تحدث عن اهتمامه بأخذ زوج إضافي من البناطيل معه في كل مكان، حيث تمت دعوته في مرة إلى عشاء في مطعم كلاسيكي، وكان يرتدي سروالًا قصيرًا، وبالطبع السراويل مريحة. لكن بروتوكول المكان يمنعها، ولذلك أخرج موراكامي بنطال الجينز من حقيبته، وارتداه ثم عاد لمضيف المطعم وأكمل اليوم بسهولة، مما جعل المضيف في حالة دهشة من البداية للنهاية.
ويبدو أن علاقة موراكامي مع الملابس هي التي تأخذنا الآن إلى محور مقال اليوم.. خط ملابس الكاتب هاروكي موراكامي الذي انطلق مؤخرًا!
إن Uniqlo براند ملابس يابانية أصيلة، تتميز بالحداثة والعصرية في الحياكة والصنع والتصميم، بجانب اعتمادها على الألوان الكلاسيكية والبسيطة التي تُبرز المعنى وتؤجج الأناقة. ويتصادف أنه النهج الذي يتبعه موراكامي في حياته الشخصية من حيث أسلوب اختيار الملابس. مما جعل التحالف بينهما، أمرًا شبه حتميّ.
وبالفعل، قررت الشركة (التي لديها إمكانية شحن لدول كثيرة على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية)، أن تتعاون معه من أجل إنتاج خط ملابس جديد، مميز بالتحديد للبودكاست الخاص به. ومن المتوقع أن تصدر الملابس الجديدة بتاريخ 8 مارس 2021 على الموقع الرسمي للبراند.
تأتي قطع الأزياء في خط ملابس هاروكي موراكامي بشكلٍ عام تحتوي على رسومات وعبارات مختلفة من أعمال هاروكي موراكامي نفسها تارة، والأشياء المحببة إليه تارة أخرى. لذلك قد تجد رواية 1Q84 متجسدة في عصفور أبيض على خلفية سوداء، أو حبه للكتابة متجسدًا في صورة قط يجلس على مكتب ويشرع في السرد.
يأتي الـ T-Shirts بسعر 1500 ين فقط، أي حوالي 15 دولارًا أمريكيًا، كما توجد بادجات بسعر 8 دولار، وكذلك ملصقات صغيرة بسعر 3.7 دولار.
من خط ملابس هاروكي ماراكامي
بالطبع هاروكي موراكامي قامة أدبية كبيرة، ولا يمكن أن نعمل على إنهاء مقال اليوم فقط بمجرد الحديث عنه سطحيًّا، أو حتى ذكر البودكاست وخط الملابس الخاص به. يجب أن نعطيه قدره من الحب والاهتمام، ونسرد لكم أهم أعماله، بشكلٍ موجز ومختصر، فهيا بنا!
إنها أشهر روايات هاروكي موراكامي على وجه العموم، لماذا؟
بالطبع لكونها تتحدث عن تناقضات النفس البشرية، لكن في هذا العمل على وجه التحديد، أخذ هاروكي التناقضات إلى مستوى آخر تمامًا، ووصل بجوهر الفكرة إلى أقصى مراحل النضج الفكري.
قصة رواية 1Q84 تتحدث عن حدوث مذابح نتجت إثر أوقات صعبة باليابان، وبعد أن عم الخراب، ظهرت “عقيدة” جديدة على السطح، لتحاول أن تقوم بإعادة بناء كل شيء من الصفر. وهنا ننتقل إلى الصراع الدائم في رواياته بين الدين، والسياسة. فالأبطال بمختلف ألوانهم وأشكالهم، يصارعون أنفسهم بين الولاء لدين أو فصيل سياسي معين، في مقابل التخلي عن إنسانيتهم.
يمكن إسقاط هذه الرواية على واقعنا المُعاش، آلاف الديانات على سطح الأرض، عشرات الآلاف من الأنظمة السياسية المتشعبة والمتداخلة. الكل يناطح في الكل، مع وجود قلة قليلة تفكر في الذي يحدث حولها، لتقول بعد تنهيدة تحترق لها السماء: “ما هذا الهراء..؟!”.
اليابان هذه الأيام ليست “الكوكب” الذي تراه أمامك لولا المال. في الواقع، قبل المجاعات والحروب، كانت اليابان مزيجًا بين الاشتراكية والاشتراكية-الرأسمالية. فلم يكن هناك نظام حكم سياسي، إلا وكان اشتراكيّ النزعة. لكن بالطبع مع الوقت أخذت الأمور في الانفجار، والأحداث في التغير، والبشر في عدم الارتياح.
سرعان ما بات النظام الرأسمالي هو المتحكم في مقاليد أمور اليابان. لكن للأسف، النظام ما زال في البداية، ومضار الأنظمة الابتدائية ستصيب الملايين بدون شك، حتى يصطلح الحال في النهاية، وتصير اليابان؛ الكوكب الذي هي عليه الآن.
اقرأ أيضًا:
من العبودية إلى الرأسمالية الحديثة: رحلة تطور النظام الاقتصادي الأكثر شيوعًا في العالم
تتحدث رواية الكاتب هاروكي موراكامي تحت عنوان رقص رقص رقص هذه المرة عن مجموعة من البشر الذين وجدوا أنفسهم فجأة في خضم صحوة الرأسمالية الجديدة، وعليهم التأقلم مع الوضع الراهن كيلا يتم أكلهم أو التخلي عنهم من قبل الأسرة، المجتمع، والإله كذلك.
لمسة موراكامي وعوالمه السوداء الحالمة، موجودة هنا، وملموسة بشدة. ستجد نفسك في الشخصيات لا محالة، لأنها ليست واحدة من أشهر رواياته من فراغ على كل حال.
اقرأ أيضًا:
رقص رقص رقص: رحلة غريبة داخل عوالم الرأسمالية والعصابات
أغرب روايات هاروكي موراكامي على الإطلاق، وربما هي التي أكسبته شهرته في العوالم المظلمة والغريبة.
قصة رواية كافكا على الشاطئ تتمحور حول ثلاثة شخصيات، يمكن الاعتقاد أنهم نفس الشخص، وربما لا، لكن في النهاية يظل الثلاثة هما فرسان نهاية العالم، أو هكذا يبدون على الأقل.
القصة تأخذنا في منعطفات درامية حادة في حياة الشخصيات الثلاثة، مع التركيز على مسار كافكا على وجه التحديد، الفتى الصغير صاحب الـ 15 عامًا، والذي عليه الدخول في متاهة مرعبة ليخرج منها أقوى مراهق في العالم.
القصة تمزج بين الفانتازيا، الدراما، والسوداوية المفرطة. وبدون شك عبرتها النهائية هي أنه إذا لم نستطيع تغيير المصير، فعلى أقل تقدير يجب أن نستغله لصاحلنا بأي وسيلة ممكنة!
لك أيضًا:
روايات الطفولة بالطابع الياباني: 8 روايات عالمية بلمسة رسامي المانجا اليابانيين!
أحلي ماعندنا،واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّة واحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.