تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

هل هي جينات أم تأثير القنبلة الذرية؟ .. لماذا اليابانيين متشابهين في الشكل؟

نور جديد
نور جديد

8 د

عند قراءة أي كتاب عن تاريخ العالم، سينتهي بك المطاف على الأرجح وأنت تحمل انطباعًا عامًا بأنه من المستحيل على البشر أن يعيشوا في سلام، وفي مقولة أخرى أنه "إذا أردت السلام، عليك أن تستعدّ للحرب"، لذا يرتبط مفهوم الحرب في العديد من الأحيان، بمفهوم آخر ملازم له، وهو مفهوم السلم.

وقد يبدو من الوهلة الأولى أن المفهومين لا ينفصلان عن بعضهما البعض وذلك باعتبار أن الواحد منهما يعتمد في بنائه وتأسيسه على الآخر، أي أنه لا يمكننا الخروج من حالة السلم إلا بالدخول إلى حالة الحرب، ولا يمكن مغادرة الحرب إلا بالاتفاق على شروط السلم.


في أجواء الحرب، عادةً ما تظهر العديد من الأسئلة، ليست فقط الأسئلة المتعلقة بحرب بعينها، بل عن طبيعة الحرب نفسها، وعن طبيعة الأسلحة التي تُستخدم لإرضاخ الخصم على الاستسلام، ومن أخطر الأسلحة التي اُستخدمت سابقًا هي القنبلة الذرية التي مر على  أول استخدام لها أكثر من 75 عامًا.

وهي أقوى ما طوّره الإنسان من أسلحة على الإطلاق، ولا يلوح في الأفق سلاح جديد يمكنه أن يغيّر هذه الحقيقة في العقود القادمة، وفي ظل هذه الحروب التي نواكبها سواء كانت داخليه أو خارجيه، يمكننا أن نعود بالذاكرة للخلف ونستذكر آخر أيام الحرب العالمية الثانية إذ اُستخدمت القنبلة الذرية في اليابان ومن المؤكد أن الجميع يراوده العديد من الأسئلة مثل ماهي أحداث إطلاق القنبلة الذرية في اليابان؟ وماهي تأثيرات هذه القنبلة؟  ولماذا اليابانيين متشابهين؟ هل كانت هذه القنبلة هي السبب في ذلك؟


القصف الذرّي على هيروشيما وناغازاكي


في 6 و9 أغسطس 1945، فجرت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين فوق مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين على التوالي، وأدت التفجيرات إلى مقتل ما بين 129 ألف و226 ​​ألف شخص، معظمهم من المدنيين، واستسلمت اليابان في 15 أغسطس بعد ستة أيام من قصف ناغازاكي وإعلان الاتحاد السوفيتي الحرب ضد اليابان وغزو منشوريا التي احتلتها اليابان، ووقعت الحكومة اليابانية على وثيقة الاستسلام في 2 سبتمبر مما أنهى الحرب فعليًا.

في السنة الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، استعدت الولايات المتحدة لغزو اليابان، وقد سبق هذا المشروع حملة قصف تقليدية وقنابل حارقة دمرت 64 مدينة يابانية، وانتهت الحرب على المسرح الأوروبي عندما استسلمت ألمانيا في 8 مايو 1945، وتحول اهتمامهم الكامل إلى حرب المحيط الهادئ.

 بحلول يوليو 1945، كان مشروع مانهاتن التابع للولايات المتحدة قد أنتج نوعين من القنابل الذرية "الولد الصغير" وهو سلاح انشطاري من النوع المدفعي لليورانيوم المخصب، و"الرجل السمين"، وهو سلاح نووي من النوع الانفجاري من البلوتونيوم، وتدربت المجموعة المركبة 509 من القوات الجوية للجيش الأمريكي وتجهيزها بنسخة Silverplate المتخصصة من طائرة Boeing B-29 Superfortress، ونُشرت في تينيان في جزر ماريانا، ودعت الولايات المتحدة إلى الاستسلام غير المشروط للقوات المسلحة اليابانية في إعلان بوتسدام في 26 يوليو 1945، وكان البديل هو "التدمير الفوري والكامل"، لكن تجاهلت الحكومة اليابانية هذا الإنذار.

حُصل على موافقة المملكة المتحدة على القصف، كما كان مطلوبًا بموجب اتفاقية كيبيك، وصدرت الأوامر في 25 يوليو من قبل الجنرال توماس هاندي، القائم بأعمال رئيس أركان جيش الولايات المتحدة، لاستخدام القنابل الذرية ضد  هيروشيما وكوكورا ونيغاتا وناغازاكي.

اُختيرت هذه الأهداف لأنها كانت مناطق حضرية كبيرة تحتوي أيضًا على مرافق عسكرية مهمة، وفي 6 أغسطس أُسقطت قنبلة "الطفل الصغير" على هيروشيما، وبعد ثلاثة أيام أُسقطت قنبلة "الرجل السمين" على ناغازاكي، وعلى مدى الشهرين إلى الأربعة أشهر التالية، أدت آثار القصف الذرّي إلى مقتل ما بين 90000 إلى 146000 شخصًا في هيروشيما و 60000 إلى 80000 شخصًا في ناغازاكي، في حين أن هذه الأرقام تمثل تقديرات غير دقيقة -لأنه من غير المعروف عدد عمال السخرة والعسكريين الموجودين في المدينة، وأنه في كثير من الحالات قُتلت عائلات بأكملها، ولم يترك أحد للإبلاغ عن الوفيات- إلا أن الإحصائيات المتعلقة بالمدى الطويل وكان تحديد التأثيرات أكثر صعوبة.

بعد ذلك استمر العديد من الأشخاص في الموت بسبب آثار الحروق والأمراض الناجمة عن الإشعاع والإصابات، والتي تفاقمت بسبب المرض وسوء التغذية، وعلى الرغم من أن هيروشيما كانت بها حامية عسكرية كبيرة، إلا أن معظم الإصابات والوفيات كانوا من المدنيين، وبعد ذلك درس الباحثون على نطاق واسع آثار التفجيرات على الطابع الاجتماعي والسياسي لتاريخ العالم اللاحق والثقافة الشعبية، ولا يزال يوجد الكثير من الجدل حول المبررات الأخلاقية والقانونية للتفجيرات، ويزعم مؤيدين لها أن القصف الذري كان ضروريًا لإنهاء الحرب بأقل عدد ممكن من الضحايا، وبالواقع كانت هذه التفجيرات جريمة وغير ضرورية لإنهاء الحرب.


تأثيرات القنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي


على الرغم من أن التعرض للإشعاع يمكن أن يسبب تأثيراً حادًا شبه فوري عن طريق قتل الخلايا وإتلاف الأنسجة مباشرةً، إلا أن الإشعاع يمكن أن يكون له أيضًا تأثيرات تحدث على نطاق أطول مثل السرطان، عن طريق التسبب في حدوث طفرات في الحمض النووي للخلايا الحية.

كما يمكن أن تحدث الطفرات عفويًا، ولكن الإشعاع الشبيه بالطفرات يزيد من احتمالية حدوث طفرة، ومن الناحية النظرية يمكن للإشعاع المؤين أن ينتج طاقة كسر الروابط الجزيئية، والتي يمكن أن تلحق الضرر بالحمض النووي، وبالتالي تغيير الجينات، وردًا على ذلك، إما أن تقوم الخلية بإصلاح الجين أو تموت، أو تحتفظ بالطفرة، لكي تسبب الطفرة السرطان، يُعتقد أن سلسلة من الطفرات يجب أن تتراكم في خلية معينة وذريتها.

ولهذا السبب، قد تمر سنوات عديدة بعد التعرض قبل أن تصبح الزيادة في معدل الإصابة بالسرطان بسبب الإشعاع واضحة، ومن بين الآثار طويلة المدى التي عانى منها الناجون من القنبلة الذرية، كان سرطان الدم هو الأكثر فتكًا، وظهرت زيادة في سرطان الدم بعد حوالي عامين من الهجمات وبلغت ذروتها بعد حوالي أربع إلى ست سنوات.

ويمثل الأطفال السكان الأكثر تضررًا، ويكشف الخطر المنسوب -وهو الفارق في النسبة المئوية في معدل الإصابة بحالة ما بين مجموعة معرضة للإشعاع وأخرى غير معرضة للإشعاع- عن مدى تأثير الإشعاع على حدوث سرطان الدم، كما تقدر مؤسسة أبحاث التأثيرات الإشعاعية أن خطر الإصابة بسرطان الدم يصل إلى 46% بالنسبة لضحايا القنابل.

وبعد ما يقرب من سبعين عامًا على وقوع التفجيرات، توفي معظم الجيل الذي كان على قيد الحياة أثناء الهجوم، والآن تحول المزيد من الاهتمام إلى الأطفال الذين ولدوا للناجين، وفيما يتعلق بالأفراد الذين تعرضوا للإشعاع قبل الولادة (في الرحم)، أظهرت الدراسات مثل تلك التي أجراها إي ناكاشيما في عام 1994، أن التعرض أدى إلى زيادة في صغر حجم الرأس والإعاقة العقلية، فضلًا عن ضعف النمو الجسدي، كما تبين أن الأشخاص الذين تعرضوا للسرطان أثناء وجودهم في الرحم لديهم زيادة أقل في معدل الإصابة بالسرطان مقارنةً بالناجين الذين كانوا أطفالًا وقت الهجوم.


لماذا اليابانيين متشابهين؟ هل كانت هذه القنبلة هي السبب في ذلك؟ 


بنفس الطريقة التي نتخيل فيها اليابانيين متشابهين، فإن الآسيويون يفكرون بنفس الشيء بالنسبة للأوروبيين والجنسيات الغربية الأخرى، وكل هذا يحدث بسبب خلل بسيط في الدماغ، فمن السهل التعرف على الوجوه اليابانية فيما بينها، بينما يكون هناك صعوبة في التمييز بين شخص وآخر منهم بالنسبة لنا، ومن المعروف أن اليابانيون يتمتعون بخصائص توحدهم وتحددهم، وعادة ما يكون لديهم شعر أسود ورقيق وصغير الحجم.

لقد أُجريت دراسة علمية لأوروبيين ويابانيين ووزعت صورًا لأعراق مختلفة،  ووجدت الدراسة أن المتطوعين حفظوا بسهولة وجوه الأشخاص الذين ينتمون إلى نفس عرقهم، وخلصت الدراسة إلى أنه بنفس الصعوبة التي واجهها الأوروبيون في التعرف على صور الشرقيين، كان صعبًا على اليابانيين التعرف على صور الأوروبيين، واعتقد اليابانيون ببساطة أن هؤلاء الأوروبيين الشقر متشابهون وتساءلوا كيف تمكنوا من التمييز بين بعضهم البعض.

ووجدت الدراسات إلى أنه حتى لو انتقلت إلى اليابان، فسوف تجد اليابانيين على حد سواء، ويحتاج عقلك حرفيًا إلى التدريب على ملاحظة الاختلافات، بنفس الطريقة التي يمكنك بها التمييز بين أصدقائك، ويعود ذلك لأن اليابانيون كانو في عزلة لآلاف السنين، مما جعل التنويع أصغر بكثير مما هو عليه الحال في البلدان الأخرى، وفي ختام الدراسات لا يوجد أي سبب علمي مؤكد أن القنبلة النووية هي السبب غير أن مصادر أرجعت التشابه بين اليابانيين، بسبب انحدارهم جميعًا من سلالة واحدة تعود إلى الإمبراطوريات القديمة، إضافةً إلى اشتراكهم جميعًا في الأجواء ذاتها، وطريقة الغذاء نفسها.


الحياة في اليابان بعد القنبلة النووية


كانت العواقب المباشرة في هيروشيما وناغازاكي بمثابة كابوس، فبعد إسقاط القنبلة الذرية الثانية، استسلمت اليابان وتركت فوضى كبيرة يجب تنظيفها في جميع أنحاء مسرح المحيط الهادئ، وللمساعدة في هذه العملية، أنشأت الولايات المتحدة شكلًا من أشكال الحكومة في هيروشيما للمساعدة في إعادة بناء المدينة وتوفير فرص العمل للأشخاص الذين كانوا يكافحون من أجل العثور على عمل.

وقد سمح هذا أيضًا للصليب الأحمر بالدخول والبدء في علاج الجرحى، ولكن بالنسبة للعديد منهم كان الوقت متأخرًا للغاية وكانوا يموتون ببطء دون أمل يذكر لهم، وتجاوزت المستشفيات مستويات الإشغال وتمت رعاية الناس في الشوارع حيث سقطوا عندما سقطت القنبلة، ودُمر أكثر من أربعين بالمائة من المدينة، ولقد سويت المستشفيات الكبرى بالأرض تمامًا وأصبحت رعاية الجرحى مستحيلة، واختفت المدارس والكنائس والمنازل ببساطة وكان النقل مستحيلا.

أصبح الناس أيضًا موضوعات اختبار للأطباء والعلماء الأمريكيين الذين توافدوا بالمئات لمراقبة آثار الإشعاع على المواطنين اليابانيين، وتوافد أطباء الجيش الأمريكي بالعشرات لمراقبته، وكان يخشى العديد من الناجين ألا ينمو شيء على الأرض المهلكة، وبحلول ربيع عام 1946، تفاجأ مواطنو هيروشيما عندما وجدوا المناظر الطبيعية مليئة بتلات نبات الدفلى الحمراء المتفتحة.

ذو صلة

بددت زهرة الدفلى، التي تسمى كيوتشيكوتو باللغة اليابانية، المخاوف من أن المدينة المدمرة فقدت كل خصوبتها وألهمت السكان بالأمل في أن تتعافى هيروشيما قريبًا من القصف المأساوي، واليوم أصبحت الحيوية التي تتسم بها مدينتا هيروشيما وناغازاكي بمثابة تذكير ليس فقط بقدرة الإنسان على التجدد، بل وأيضًا بالمدى الذي قد يؤدي به الخوف والمعلومات المضللة إلى توقعات غير صحيحة، فبعد قصف هيروشيما وناغازاكي، اعتقد الكثير من المواطنين أن أي مدينة تُستهدف بسلاح ذري ستصبح أرضًا نووية قاحلة، ورغم أن العواقب المباشرة للقصف الذرّي كانت مروعة وكابوسية، مع وقوع عدد لا يحصى من الضحايا، فإن سكان هيروشيما وناغازاكي لم يسمحوا لمدنهم بالتحول إلى ذلك النوع من الأراضي القاحلة التي تصور البعض أنها كانت لا مفر منها.

وفي الختام يمكن أن تكون هذه التجربة بمثابة درس في الوقت الحاضر، والتعلم من سكان اليابان معنى الأمل في مستقبل أفضل، ومن الواجب أيضًا الحد من حصول عدوان مدمر آخر على أي بلد كان من خلال وجود نهج إقليمي لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية لتعزيز المعايير العالمية لعدم الانتشار النووي ونزع السلاح وتوحيد الجهود الدولية لتحقيق السلام والأمن.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة