تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

التفرقة العمرية في مجال الأعمال: الكابوس الذي يرافق الموظفين الأكبر سنًا

التفرقة العمرية
روان سالم
روان سالم

9 د

في عام 2020، شهد العالم تغيّرًا ملحوظًا في بنية القوى العاملة، حيث ترك أكثر من 1.1 مليون عامل تتراوح أعمارهم بين 55-70 عامًا، تركوا أعمالهم خلال الربع الأخير من العام، ويُعتبر ذلك تحسّن بالمقارنة مع 2.6 مليون عامل كانوا قد تركوا العمل في الربع الثاني من السنة الماضية.

ومع تلك الأعداد المذهلة من الأشخاص كبار السن الذين سيصبحون عاطلين عن العمل، خاصةً وأن جميعنا يعلم حقيقة صعوبة البحث عن عمل بالنسبة لهؤلاء بالذات، وغالبًا سينتهي الأمر بهم إلى التقاعد براتب أقل من المتوقع والمُراد أيضًا، يتزايد اليوم عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 55 عام وما زالوا يرغبون في الانخراط في سوق العمل، ولكنهم غالبًا ما يفشلون في ذلك، ويُعقد أن السبب في ذلك ما يسمى "التفرقة العمرية".


ما مفهوم التفرقة العمرية؟

على غرار التمييز العنصري والتمييز على أساس الجنس، ولكن بمعنى يخص التفريق على أساس العُمر. التفرقة العمرية هي التمييز على أساس السّن، عندما يعاملك شخص ما بشكل غير عادل بسبب عمرك، ويمكن تضييق التعريف ليشمل كبار السن بشكل خاص، الطريقة التي يتم بها تمثيل كبار السن في وسائل الإعلام والتواصل، إذ دائمًا ما يكون هناك صفات يوصم بها الكبار وتصبح ذات تأثير أوسع على مواقف الجمهور عامةً عندما تكون حديث السوشيال، لأن كبير السن موصوم بالهرم، الخرف، النسيان، العصبية، وكثير من الصفات التي تجعله مميز مجتمعيًا.

صاغ مصطلح التفرقة العمرية (Ageism) المخرج روبرت بتلر (Robert Butler)، ووفقًا لما شرحه عن المصطلح، فإن التمييز على أساس العمر موجود وواضح على المستوى الفردي والمجتمع، وغالبًا ما يتضمن افتراضات خاطئة وصور نمطية حول كبار السن، ما يجعل مهارة التواصل معهم أقل فاعلية، ويسبب نفورًا بين الموظفين منهم.

وفقًا لمؤسسة (AARP)، وهي مؤسسة غير ربحية تهتم بالقضايا التي تؤثر على من تجاوز سن الخمسين، أكثر من نسبة 61% من الموظفين الأمريكيين الذين تزيد أعمارهم عن 45 عامًا، قد عانوا من التفرقة العمرية في أمكنة عملهم، على الرغم من خبرتهم ودرايتهم بالعمل أكثر من الأصغر سنًا كونهم ذوو خبرة سنين طويلة من العمل، ولكنهم عادةً ما يتعرضون للتمييز لصالح الموظفين الأصغر والأقل خبرة. في 96% من حالات التفرقة العمرية، تبين أنها تؤثر على صحة الفئة المستهدفة، حيث يخضعون لقوالب عمرية سلبية تسبب التوتر وتؤثر على صحتهم العقلية والبدنية بطرق مختلفة.


أكثر القوالب النمطية شيوعًا ضد الموظفين الأكبر سنًا

التفرقة العمرية في مجال الأعمال رجل مسن

أكثر ما يُتهم به الموظف الذي يبلغ من العمر 55 عامًا وما فوق هو ما يلي:

  • الموظف الكبير في السن مقاوم لكل أنواع التغيير والابتكار: فقد بلغ من العمر والخبرة ما يجعله غير متقّبل لأي معلومة جديدة تطعن فيما كان يعرفه، أو ربما توجّه معلوماته نحو الأفضل ولكن مع تغيير بعض القناعات، وهو ما لا يمكنه تقبّل ذلك، لذا تراه يتجنب كل أنواع برامج التطوير الوظيفي.
  • مُحبط عمومًا: فهو قد جرّب الكثير في حياته، وغالبًا ما سيكون عمله روتيني لأنه كما قلنا مقاوم للتغيير، وذلك يدعو للإحباط! عدا عن التغييرات الجسمية مع التقدم في السن.
  • أقل إنتاجية ولا يشارك معارفه غالبًا: نظرًا إلى التغيرات الجسمية والنفسية نحو الأسوأ باعتبار كبير السن قليلَ الحيلة ولا يمكنه تحمل ضغوط العمل وأصابه الملل من روتين العمل، فسيصبح أقل إنتاجية، وأكثر تحفظًا فيما يعرفه.
  • كثرة الإجازات المرضيّة: بسبب الأمراض التي تصيب الإنسان كلما تقدم في العمر.
  • سيترك الوظيفة عاجلًا أم آجلًا: فهو يتقدم في السن! لذا لنتخلص منه قبل أن يسبب المشاكل!

بينما أن تلك القوالب نمطية بحتة لأن ذلك لا ينطبق على الجميع بالتأكيد، إلا أنها الشائعة عن العمال كبار السن بالنسبة للموظفين الأصغر. كون التفرقة العمرية تشير إلى الصور النمطية "كيف نفكر" والتحيز "كيف نشعر" والتمييز "كيف نتصرف" تجاه الآخرين على أساس العمر، فهي مفهوم جماعي يتم تلقينه منذ عمر صغير جدًا دون أن ندري، هو أنه موجود في البرامج التلفزيونية للأطفال، إذ يتم تصوير المسن على أنه عديم الفائدة ويرجف ولا يمكنه المشي، يستوعب الطفل هذه الصور النمطية ويحملها معه ويهاجم بها المسنين.


مجالات الأعمال التي تحدث فيها التفرقة العمرية

توجد التفرقة العمرية في جميع مجالات العمل تقريبًا، سواء في شروط العمل، أو في مجال العمل نفسه، ومنها ما يظهر آثاره بعد التقاعد، وشاعت هذه القضية جدًا مع انتقال مجالات العمل إلى الإنترنت، حيث ترى أن أولى بوادرها هي المؤهلات الوظيفية المطلوبة عند تقديمك للعمل في وظيفة على الإنترنت، حتى في الشروط المطلوبة للدخول في بعض الكورسات التدريبية، ترى أحيانًا أن إحدى الشروط هي أن يكون المتقدم ذو عمر معين مثلًا بين 18-25 سنة.

بينما يحدث ذلك على صعيد مجالات العمل كافة، سنقدم هنا بعض أكثر المجالات التي تنتشر فيها التفرقة العمرية بشكل أكبر:


مجال الأعمال التجارية والمالية

التفرقة العمرية في مجال الأعمال امرأ مسنة

يشهد العديد من العمال والمهنيين في قطاع الأعمال والتمويل أن التفرقة العمرية شائعة جدًا في مجال الأعمال الصناعية والتجارية، حيث يشعرون أن دورهم في العمل يتراجع كلما كبروا في السن، لا يؤخذون على محمل الجد في كثيرٍ من الأحيان، على الرغم من تعرض بعض الصغار في السن في هذا المجال بالتحديد، للتمييز أيضًا، يعتبرهم أرباب العمل قليلي الخبرة ولا يستطيعون التحمل والمكوث في هذا المجال كثيرًا، ولكن يشعر كبار السن والموظفين الأقدم أنهم يواجهون التمييز أيضًا في هذا المجال لأنهم في نظر أصحاب العمل مجرد عمال مسنين أكبر من أن يتعلموا أشياء جديدة.

تعدى الأمر الحدود لدرجة أنه تمت مقاضاة ثاني أكبر شركة خدمات مهنية في العالم، شركة برايس ووترهاوس كوبرز (PWC)، وهي من أكبر شركات التدقيق على مستوى العالم، تمت مقاضاة الشركة مؤخرًا في الولايات المتحدة حيث زعم أحد المدعين أن الشركة تفضل الشباب من الباحثين عن العمل، تركز على الخريجين الجدد والمبتدئين ولا تنظر في المرشحين الأكبر سنًا، ووفقًا لدراسة قدمها محامو المدعي إلى المحكمة الفيدرالية في سان فرانسيسكو، يتمتع الشباب المتقدمون إلى العمل في الشركة بفرصة أفضل بنسبة 538% مقارنة بالمتقدمين الذين تزيد أعمارهم عن 40، وهو مؤشر واضح على شيوع التفرقة العمرية في مجالات الأعمال التجارية والمالية.


مجال الأعمال التكنولوجية: حيث التفرقة العمرية أكثر شيوعًا

مجال الأعمال التكنولوجية ذو سمعة سيئة جدًا فيما يتعلق بالتفرقة العمرية، فغالبًا ما يفضل القائمون على التوظيف في المجالات التكنولوجية، العمل مع الشباب الجدد بدلًا من المخضرمين. وفقًا لدراسة أجراها موقغ باي سكال (Payscale)، فقط في ثلاث شركات من أصل 18 شركة تقنية معروفة، كان متوسط عمر الموظف يزيد عن 33 سنة، بينما كان متوسط العمر في 7 شركات أخرى 30 عام وأقل، ذلك بالمقارنة مع مجالات الصناعات الأخرى التي بلغ فيها متوسط عمر الموظفين حوالي 42 سنة. يواجه الموظفون المسنون في المجال التكنولوجي صعوبة في إثبات أنهم لم يصبحوا "ديناصورًا صناعيًا" بعد! وأنه بإمكانهم التقدم ومواكبة كل جديد.

كانتفاض صريح لمواجهة التفرقة العمرية في مجال الأعمال التكنولوجية، تواجه منصة توكنسوفت (Tokensoft) التقنية دعوى قضائية ضد التفرقة على أساس العمر، حيث ادعت امرأة أن المنصة أغفلت ترقيتها مرارًا وتكرارًا بينما تُمنح الفرص بشكل دائم للعاملين الأصغر سنًا بالرغم من خبرتهم الضئيلة، كما ادعت أنها تٌستبعد دائمًا من اجتماعات العشاء مع العملاء الرئيسيين وفرص المبيعات الأسبوعية، وقد قدمت مسبقًا شكوى إلى الرئيس التنفيذي ولكنه رفض شكواها باعتبارها "غير مفيدة".


مجال التسويق والإعلان

يؤثر مجال التسويق والإعلان على الموظفين كبار السن بكل الأشكال، فبينما تعتقد أنت أنهم مستهدفون في مجال الإعلان كونهم يتمتعون بقدرات شرائية عالية، في الواقع يتم تجاهلهم، ويتجلى ذلك واضحًا في الآليات الإعلانية والتسويقية عندما يكون المُسن هو الهدف، يتم عرضه على أنه إنسان غير منتج، يجلس في منزله على أريكته المتحركة ويسترجع ذكريات شبابه. بينما يزيد عمر حوالي 30% من سكان الولايات المتحدة عن الخمسين، تظهر هذه النسبة فقط في حوالي 15% من مجمل الإعلانات.

هذه إحدى الآليات التي تجعل أصحاب العمل والناس عامةً ينبذون العامل على أساس العمر، فوفقًا لتقرير مكتب إحصاءات العمل، إن أكثر من 60% من العاملين في مجال التسويق والإعلان والعلاقات العامة، تقل أعمارهم عن 45 عام، حيث يكون متوسط العمر تقريبًا 40. يبرر الخبراء ذلك بمدى فعالية الموظف الأصغر سنًا في هذه العملية، وأن لديه مستوىً أكبر من الإبداع والكفاءة التكنولوجية، وعلى الجانب الآخر، يُنظر إلى كبار السن أنهم أقل إبداعًا وخبرة، ولا يمكنهم طرح إعلانات إبداعية.


التفرقة العمرية في قطاع أعمال الضيافة: يتطلب ذلك حيويّة الشباب!

يشمل قطاع أعمال الضيافة الخدمات بكافة المجالات، الفنادق ووكالات السياحة والمطاعم والحانات، التخطيط للأحداث اللازمة في هذه الخدمات بما فيها خدمات الشراب والطعام وأماكن الإقامة. بحسب مكتب إحصاءات العمل، إن متوسط أعمار العمال في هذا القطاع يقل عن 30 عام، حيث أن مبدأ العمل وطريقة ممارسته تفرض تعيين العمال الأقل سنًا. يمكن للعمال الذين تقل أعمارهم عن 35 عام العمل في بعض الوظائف مثل النوادل وموظفي الاستقبال، ولكن عمومًا، يركز أصحاب العمل على الشباب الأكثر حيوية ونشاط لأن هذه الأعمال بالذات لا تحتاج إلى الخبرة، بل إلى القدرة على التحمل والعمل بنشاط.


قطاع الرعاية الصحية

على الرغم من أهمية الخبرة في مجال الرعاية الصحية، إلا أن التمييز على أساس العمر يتعلق بعوامل إنتاجية بحتة. عندما تكبر، يعتقد الناس أنك هرمت وأصبحت مسنًا وستنسى ما تعلمته، عدا عن العوامل المرضيّة التي تهاجم الجسم مع التقدم بالعمر، ومنها الرجفان والزهايمر وغيرها. يحاول المسؤولون تنصيب الموظفين ذوي المهارات العالية، والإنتاجية الجيدة، وقليلي التكلفة -كون المبتدئين يتقاضون رواتب أقل من القدامى- في أقسام الرعاية الصحية.

في مستشفى South Peninsula، رفعت 5 ممرضات دعوة قضائية ضد المستشفى زاعمات أنه تم فصلهنّ بسبب التفرقة العمرية، حيث تبلغ كل واحدةٍ منهن من العمر أكثر من خمسين عامًا، ووصفوا عملية الفصل بأنها مجرد عملية استبدال للموظفين القدامى بموظفين أصغر سنًا وأقل خبرة وأكثر تكلفة، على الرغم من أنهن كُن جميعًا مؤهلات تأهيلًا عاليًا جدًا.


تجارة البيع بالتجزئة

في الماضي القريب، خسر كبار تجار التجزئة في سلسلة متاجر جي إن سي (GNC) وأنثروبولوجي (Anthropologie) عدة دعاوى خاصة بالتمييز العمري. في القضية الخاصة بأنثروبولوجي، رفعت موظفة دعوى قضائية بسبب ادعائها أنها في بيئة عمل معادية قائمة على العمر فقط، وأنه رُفضت ترقيتها بسبب ادعاء مديرها عدم تحملها إرهاق الوظيفة مع التقدم بالعمر، لأنها كبيرة في السن، ولكنها في النهاية ربحت الدعوة.

أما في قضية GNC، ادعى سانتوس أندوجا (Santos Anduja) البالغ من العمر 57 عامًا على مديره بحجة أنه فصله من العمل بسبب عمره. ربح أندوجا في الدعوى أيضًا. يتم الاستغناء عن خدمات الكبار في السن في خدمات التجارة بالتجزئة بحجة صعوبة التعامل معهم، أو إصابتهم بالنسيان المستمر أو عدم قدرتهم على تحمل ضغوط الحسابات وعمليات البيع المختلفة.

التفرقة العمرية في مجال الأعمال التخلص من موظف كبير في العمر

بشكلٍ عام، تنتشر التفرقة العمرية في أغلب القطاعات الصناعية، وتكبدت الكثير من الشركات خسارات الدعاوى القضائية جراء الاستخفاف بقدرات موظف مسنّ. في حادثة كلّفت شركة Atlas Energy LLC مبلغ 85000 دولارًا جراء دعوى رفعتها عليها لجنة تكافؤ الفرص في الولايات المتحدة (EEOC) نيابةً عن المتضرر الحقيقي وهو رئيس العمال في الشركة، يبلغ من العمر 52 عامًا ولديه من الخبرة ما يفوق العشرين عامًا، وتمت إقالته من قِبل مشرف "شاب" في الشركة.

هناك بعض الدول التي وضعت حدًا ضد التفرقة العمرية، مثل الولايات المتحدة، والتي أقرت قانون التمييز على أساس السن في التوظيف (The Age Discrimination in Employment Act) - (ADEA) عام 1967، والذي يقدّم الحماية للموظفين الذين تزيد أعمارهم عن 40 عامًا ضد أشكال التمييز الوظيفي، التوظيف والترقية والتعويضات وتسريح بعض العمال، ويحظر التمييز العمري في عمليات التوظيف وحرمان الموظفين الأكبر سنًا من المزايا.

ذو صلة

من جهة أخرى، لا يحمي قانون ADEA العمال بعمر أقل من 40 عام، في حين أن بعض الولايات لديها قوانين خاصة بحماية العمال الأصغر سنًا من التفرقة العمرية.

عمومًا، يمكن للسياسة والقانون والتعليم معالجة هذا النوع من التمييز وحماية الحقوق في كل مكان، على سبيل المثال، يمكن إدخال هذا المصطلح في الأنشطة التعليمية وتعزيز التعاطف وتقليل المعلومات الخاطئة حول كبار السن من خلال توفير أمثلة تكسر القوالب النمطية، وسن قوانين تعاقب كل من يسلك سلوك التفرقة العمرية في العمل.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة