عصر الباروك.. موسيقى وفن وعمارة

يرتبط عصر الباروك في أذهان الجميع بالثقافة والفن، تستحضر ذاكرتنا تلك الفترة بكل ما فيها من غنى موسيقي وفني ومعماري، إذ أنّ تلك الفترة من الزمن تذخر بأسماء مشهورة شكّلت بصمتها في التاريخ وحتى يومنا هذا.

بدأ طابع عصر الباروك بالبروز منذ حوالي العام 1600 في مدينة روما في إيطاليا، لاحقاً تابع انتشاره ليعمّ باقي أرجاء أوروبا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. تم اشتقاق مصطلح الباروك من اللغة البرتغالية من كلمة Barroco والتي تعني اللؤلؤة غريبة الشكل، إلّا أن النقاد قد اختاروا ذلك الاسم للدلالة على المبالغة في إظهار التفاصيل.

تعرف موسيقى عصر الباروك بشكل أساسي بالحيوية والدرامية بالإضافة إلى التنوع الكبير، كما أنّها تتسم بالتباين بين عناصرها، فنلاحظ الانتقال بين الموسيقى الصاخبة والهادئة، المنفردة وموسيقى الفرقة كما هو الحال في الكونشرتو. من ناحية أخرى، تم الاهتمام بتنوع الآلات الموسيقية المستخدمة وتنامى استخدام البوق والكمان بشكلٍ كبير.

من أبرز مؤلفي عصر الباروك جيوفاني جابرييلي Giovanni Gabrieli وكلاوديو مونتيفيردي Claudio Monteverdi وأنتونيو فيفالدي Antonio Vivaldi ويوهان سباستيان باخ Johann Sebastian Bach.

على الرغم من الاعتماد على الأنماط الفنية والرقصات من الفترات السابقة، إلّا أنّ الاهتمام بالموسيقى كشكل من أشكال البلاغة ساهم بالتطور الموسيقي وظهور أشكال جديدة من الفنون الموسيقية على الصعيدَين الغنائي والعزف.

تقنية السيماتكس Cymatics.. عندما يلتقي الفن مع العلم !

من أبرز المعالم التي يتصف بها الفن في عصر الباروك هي الحيوية والغنى بالمشاعر وجيشان العواطف بالإضافة للسعي إلى الدمج بين مختلف الفنون، في حين تميزت العمارة في عصر الباروك بالمخططات المعقدة، غالباً ما اعتُمدت الأسقف المقببة التي استُخدِمَت أول مرة في العمارة الرومانية بالإضافة للأقواس والجدران المنحنية والأعمدة المتموّجة.

بدأ فن الرسم الباروكي انطلاقاً من روما في عشرينيات القرن السابع عشر، ظهر ذلك واضحاً في الزخارف والرسومات في القصور الملكية وعلى أسقف الكنائس. يُعَدّ جيان لورينزو بيرنيني Gian Lorenzo Bernini أحد أعظم النحاتين والمهندسين في عصر الباروك، ويظهر ذلك جلياً في الأعمدة اللولبية فوق مذبح القديس بطرس في روما. كما اتسم الفن المعماري الباروكي في إيطاليا بالاهتمام بالنصب التذكارية والديكور الداخلي الغني واستخدام مواد متناقضة وفاخرة وألوان زاهية بالإضافة للاهتمام بالإضاءة ما يبعث الدهشة والفرحة في نفس من يشاهدها.

الوضع كان مختلفًا في فرنسا بعض الشيء، وتعتبر الهندسة المعمارية الفرنسية في عصر الباروك أقل شهرة من نظيراتها في أوروبا من حيث الدقة والرقي بشكلٍ عام.

كانت إسبانيا من الدول المهتمة بالهندسة المعمارية الباروكية، يُعتَبر خوسيه بينيتو شوريغويرا José Benito Churriguera أعظم المهندسين الإسبان في ذلك الوقت، ونلاحظ انتشار أسلوبه بشكلٍ واضح في مختلف المستعمرات الإسبانية في أمريكا اللاتينية.

في بلجيكا، كان انتشار الفن الباروكي محدوداً، في حين أنّ الوضع كان مختلفاً في هولندا، إذ كان الفن مشروطاً بذوق رعاته من الطبقة الوسطى. أما إنكلترا فقد تأثّرت تأثّراً واضحاً بالفن الباروكي خاصةً في بناء القصور والكنائس. من أبرز المصممين الإنكليز السيد كريستوفر ورين Sir Christopher Wren والسيد جون فانبورغ Sir John Vanbrugh. كما كان للفن الباروكي انتشاراً واضحاً في ألمانيا والنمسا حتى عشرينيات القرن الثامن عشر، من خلال بناء الكنائس المزخرفة والأديرة والقصور، حيث تمّ استخدام الزخارف الجصية بشكلٍ مميز ومختلف.

تأثر الفن في عصر الباروك بالأوضاع الثقافية والفكرية بالإضافة للموسيقى حينئذٍ. لاحقاً تلقّى هذا الفن الدعم من قبل الكنيسة الكاثوليكية، بعد انعقاد مجلس ترينت (1545-1563) بسبب الشعور بعدم قدرة الفن الديني على التأثير في المجتمع. ولهذا تمّ التوجه إلى استخدام الفن في تزيين الكنائس، فلطالما تميزت أسقف الكنائس بمشاهد فنية مرسومة بحيث توّلد لدى الناظر إليها شعورًا بالرهبة من الشؤون السماوية.

ساهم الفن في عصر الباروك في ترسيخ ملكية الحاكم المطلقة التي رافقها نشوء طبقة وسطى قوية، لذلك تمّ التركيز في هذه الفترة على بناء القصور الملكية بهدف إظهار الطابع القوي للدولة، يظهر ذلك واضحاً في قصر فرساي الملكي والحدائق المحيطة به. رافق الاهتمام بالقصور الملكية والمباني التابعة للدولة تطور فن الرسم والتصوير الرائج في الطبقة المتوسطة، هذا ما يظهر واضحاً في مدارس الرسم في هولندا خلال القرن السابع عشر.

تصاعد الاهتمام بالعلم في أوروبا خلال عصر الباروك، ما أثّر بدوره على الفن آنذاك، ولعلّ القول بأن الأرض ليست مركز الكون أحد أهم هذه العوامل التي غيرت من نظرة الفن للإنسان وعلاقته بالطبيعة، ما ساهم في تطوير رسم المناظر الطبيعية خلال القرن السابع عشر واعتبار الإنسان عنصر صغير مقارنةً بالطبيعة من حوله.

يبقى عصر الباروك فترة مميزة من تاريخ أوروبا ما زالت معالمها باقية ومؤثرة في الذائقة الفنية، وفي هذا المقال أظهرنا جانباً بسيطاً من هذه الفترة الغنية بالفن والموسيقى.

مقطوعات راقيـة من الموسيقى الكلاسيكية بديلة.. في زمن الفن الهابط !