أزمات صنعت ابتكارات – 1: جوزفين كوكرين وآلة غسل الصحون!
6 د
الحاجة أم الاختراع وهي تفتق الحيلة، يمكنك إحالة كل عملٍ إبداعي أو مصيري في حياة الأفراد والشعوب لهذا المبدأ. إذا كفت الشعوب عن الشكوى، أي توقفت عن الحاجة فقد توقفت عن الإبداع والإنجاز والابتكار.
تمثل الحاجة دوافع تحقيق الذات والمجتمعات، فإن كانت لديك رغبةً ما في تحقيق أحد منجزاتك الحياتية؛ فاسعَ جاهدًا لنقلها من حيز الرغبة إلى منطقة الحاجة واسمح لي أن نطلق عليها منطقة الطوارئ الرشيدة. عندما تنتقل طموحاتك من مجرد رغبة تلوح في الأفق إلى حاجة ملحة في منطقة الطوارئ الرشيدة؛ فستجد لها وسائل قوية لتنفيذها وتجسيدها في دنيا الواقع. ولربما تسأل: لم تُطلِق على منطقة الطوارئ “الرشيدة”؟ وهذا سؤال ممتاز؛ وجوابه إنَّ التعامل مع منطقة الطوارئ قد يكون بعشوائية، ويترتب عليه إضاعة الوقت في القلق والتوتر السلبي أو الدخول في حالة من الرثائيات والحسرة والتفكير السوداوي. على النقيض فإن استثمار الظروف وتهيئتها لخلق بيئة ابتكار رشيدة، وهذا ما نسعى لتحقيقه، أليس كذلك؟
خلال رحلتنا هذه ستقف بنفسك على أهمية أن تنقل الرغبات السطحية إلى حاجات عميقة؛ لتجد من السبل ما تترجم به هذه الحاجات في صورة إنجازات غير مسبوقة. إن كان أقصر طريق لقلب الرجل هو معدته؛ فإن هناك تبعات كثيرة يتعين على المرأة تحقيقها في سبيل الوصول لغرضها المنشود. عملية الطهي المضنية أحيانًا وما يسبقها من تحديد المواد الغذائية المطلوبة، ثم شراء تلك المواد ونقلها للمنزل، متبوعةً بتحضير الطعام وتناوله، مع انتظار كلمة شكر تثمن المجهود المبذول في إعداد هذا الطعام أو حتى الإشراف عليه؛ لاقتناص نشوة السعادة ببلوغ الهدف. كل هذا جيد لا خلاف عليه، ولكن تبقى مشكلة أخرى تؤرق المرأة وهي معركة غسل الأطباق، لا أبالغ في وصفها بالمعركة، فإن عارضت هذه التسمية فحاول أن تغسل الأطباق مرة أو مرتين ثم ناقشني في ذلك. بمرور الوقت يصبح مجرد هاجس غسل الأطباق يقض مضجع المرأة وقد تفترس الرجل إن سأل عن الطعام!
هذه مشكلة قد تختلف النساء بشأن حجمها كمشكلة يومية، ثم ماذا لو كانت المشكلة تفوق تصورنا؟ هنا تحديدًا تخرج المشكلة من إطار رغبة سيدة أو أكثر في التخلص من عناء غسل الأطباق إلى الحاجة الماسة لضرورة إيجاد بديل. وكلما كانت الدعوات كثيرة في البيت انتفخت أوداج المرأة واستشاطت غيظًا من هرم الأطباق الذي لا ينتهي، ولابد من وجود حل لهذه المعضلة. لابد من وجود حل .. هذه الجملة العبقرية تؤكد الحاجة لمخرج من هذا المأزق الراهن، وهذا بالفعل ما حدث للسيدة جوزفين كوكرين.
شعرت جوزفين بغُصة تجاه ذلك، وتملكها شعور بالمرارة لحزنها على أطقمها الخزفية. اتخذت جوزفين قرارًا صعبًا بأن تقوم بنفسها بمهمة غسل أطقمها الخزفية للحفاظ عليها، كان القرار صعبًا لأنها لم تعتد ممارسة هذه الأعمال؛ ولم تستمر في ذلك مما تسبب لها في مضايقة بالغة ليلَ نهار. كانت قناعة جوزفين بأهمية إيجاد حل بديل لا حدود لها، لابد من وجود طريقة أفضل للقيام بتنظيف الأطباق، هنا انتقل اهتمام جوزفين من مجرد رغبة في إيجاد طريقة أفضل لتنظيف الأطباق إلى حاجة ملحة وتتطلب حلًا عاجلًا.
هذا عِلمٌ استُعْمِل، وذلك علمٌ حُمِّل.
قطعًا هناك تمايزٌ بين العلم الذي يوضع موضع التنفيذ وبين العلم الذي لا يجد له على أرض الواقع وجودًا؛ فيُنسى ويصبح كأن لم يكن. الحاجة هي التي تُحرِّك الشعوب نحو الإنتاج والابتكار، هي التي تولِّد معاناة الرجال ومن رحِمِ هذه المعاناة تولَّدُ النماذج البشرية المشرِّفة. إذا واجهتك مشكلة ما؛ فلا تبتئس وتعامل معها كما لو كانت منحة ستغيِّر حياتك للأفضل، وثق بأنَّه لم يعرف قوته من لم يتعرض للمِحن، وليس معنى أنَّك تواجه يومًا صعبًا أن مستقبلك سيكون أقلَّ إشراقًا من الناجحين. أنت تستحق الأفضل؛ فتمسَّك بهذا الأمل واجتهد في تحقيقه.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.