
ذوبان الجليد في القطب الشمالي
يُقدّم لنا العلماء عبر مختلف الوسائل تقاريرَ سنويةً عن ذوبان الجليد في القطب الشمالي بشكلٍ غير مبررٍ الأمر الذي يستدعي المراقبة والبحث عن أسبابه والنتائج المترتبة على هذه الظاهرة خلال المستقبل؛ فلم يعد يخفى على أحدٍ الدور الذي تلعبه الطبقات الجليدية في تلك المنطقة في النظام المناخي للأرض.
منطقة القطب الشمالي (Arctic)
هي المنطقة الواقعة فوق الدائرة القطبية الشمالية، وأحد خطوط العرض في الدرجة 66.5 حيث لا تغرب الشمس في الانقلاب الصيفي ولا تشرق في الانقلاب الشتوي، ويربط البعض القطب الشمالي بدرجة الحرارة ويشمل كافة المناطق القريبة من خطوط العرض العليا، حيث لا يزيد معدل حرارة الصيف عن 10 درجاتٍ على مقياس سيلسيوس.
تغطي المياه المتجمدة القطب الشمالي وتشكل الأنهار والجبال الجليدية فيه مصدرًا هامًّا يزود الأرض بحوالي 20% من المياه العذبة فيها. بينما تكون غالبية المياه المتبقية مياهًا مالحةً تبقى متجمدةً معظم أوقات السنة إن لم يكن كلها وتدعى الجليد البحري ويكسوها طبقة سميكة من الثلوج.
أهمية الجليد في القطب الشمالي
توصل العلماء إلى أهمية القطب الشمالي الكبيرة لاستمرار الحياة على كوكب الأرض من خلال اكتشاف حقيقة دوره في تبريد الأرض وإبقائها معتدلة حراريًّا، ما يؤثر على استقرار المناخ العالمي، فكما قلنا أن القطب الشمالي مكسو بطبقة الجليد البحري؛ وهي مياهٌ متجمدةٌ سطحها أملس يدعى ألبيدو ويعكس حوالي 80% من ضوء الشمس ويعيدها إلى الفضاء، وبالتالي تتشكل منطقةٌ مظلمةٌ تحته تمتص بدورها 90% من أشعة الشمس، الأمر الذي يؤثر على درجات حرارة المحيطات في مختلف أنحاء العالم نتيجةً لحدوث الدورة الحرارية الملحية، يضاف إلى ذلك دور التربة الصقيعية في تخفيض حرارة الأرض.
التغير المناخي في القطب الشمالي
لاحظ العلماء خلال السنوات الأخيرة تحديدًا خلال الفترة الممتدة بين السبعينيات والثمانينات ارتفاع حرارة القطب الشمالي بشكلٍ مستمرٍ أكثر من أي منطقةٍ أخرى في الأرض، وبعد دراسةٍ مطولةٍ ردوا ذلك إلى ظاهرة الاحتباس الحراري التي تؤثر على حرارة الأرض مسببةً تغير المناخ، ولدى مراقبة المنطقة خلال سنواتٍ عديدةٍ وجد أن ارتفاع الحرارة يزيد من ذوبان طبقة الجليد البحري والثلوج التي تغطيها إضافةً للتربة الصقيعية.
كان هذا ما أكدته الصور الملتقطة من الأقمار الصناعية؛ حيث لوحظ انخفاض مساحة الجليد البحري بحوالي 30% خلال السنوات الماضية، وتناقص الثلوج المتراكمة فوق اليابسة إضافةً لتراجع الأنهار الجليدية في كلٍّ من غرينلاند وكندا الشمالية وذوبان الطبقات المتجمدة في عددٍ من المناطق من القطب الشمالي. وهذا ما دفع العلماء والنشطاء البيئيين إلى التحرك بسرعةٍ لإيقاف التدهور المناخي في القطب الشمالي.
تأثير ذوبان الجليد في القطب الشمالي على المناخ
قد يتساءل البعض، ما الذي سيتغير جراء ذوبان الجليد المتواصل وخاصةً التربة الصقيعية ذات التأثير الأخطر على المناخ في الأرض، حيث تبقى درجة حرارتها أقل من الصفر على قياس سيلسيوس أي أنها متجمدةٌ طوال السنة فتحفظ المواد العضوية والنباتات تحتها وتمنعها من التحلل لآلاف السنين.
إن ارتفعت درجات الحرارة وبدأت التربة الصقيعية بالذوبان ستتحول المنطقة إلى مستنقعاتٍ وتجمعاتٍ مائيةٍ ضحلة تتحلل فيها المواد العضوية وتتعفن لتنطلق كمياتٌ كبيرةٌ من غاز الميتان إلى الغلاف الجوي، وهو أحد الأسباب الرئيسية للاحتباس الحراري، وقد تحث التيارات في التربة بعد ذوبان الجليد فتظهر فجواتٌ عميقةٌ في طبقة التيندرا يخرج منها غاز الكربون إلى الغلاف الجوي.
يؤثر كل ذلك بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشرٍ على قدرة الكائنات الحية ومنها الإنسان في البقاء على قيد الحياة ومقاومة الظروف المناخية المتغيرة، فتخيل ماذا سيحدث لو وصلت كميات غاز الكربون الموجودة في القطب الشمالي والمقدرة بحوالي 1700 بليون طن إلى الغلاف الجوي على شكل غاز الميتان القادر على حبس حرارة الأرض وعدم السماح لها بالخروج إلى الفضاء بشكلٍ يفوق قدرة غاز ثاني أكسيد الكربون.
دور البشر في ذوبان الجليد في القطب الشمالي
خسر القطب الشمالي حوالي 10% من مساحة الطبقة الجليدية خلال الأربعين سنة الماضية نتيجةً لاستمرار ذوبانها خلال فصل الصيف، ما يزيد من ظاهرة تضخيم القطب الشمالي وارتفاع حرارته، حيث تدخل كمياتٌ كبيرةٌ من أشعة الشمس إلى مياه المحيط بعد ذوبان الجليد وترتفع درجة حرارتها مؤديةً إلى ذوبان المزيد من الطبقات الجليدية، فينعكس ذلك من خلال تطرف الطقس في المناطق الواقعة في خطوط العرض الوسطى لنصف الكرة الشمالي، وحدوث الفيضانات والجفاف وموجات الحر الشديد.
ومع استمرار ارتفاع حرارة الأرض نتيجة الاحتباس الحراري سيزداد ذوبان الجليد في القطب الشمالي خاصةً القطع الجليدية في غرينلاند، وبذلك سيرتفع منسوب مياه البحار والمحيطات بشكلٍ ملحوظٍ يقدر أن يصل إلى 3 أقدام مع نهاية القرن الحالي. وهذا ما يهدد باختفاء عددٍ من المدن في مختلف أنحاء العالم نتيجة غمرها بالمياه.
يضاف إلى ذلك تغيير ظروف الحياة في القطب الشمالي نفسه، فقد تظهر النباتات الربيعية قبل موعدها بفعل ذوبان الطبقة الجليدية الخارجية في اليابسة، وعندما تصل حيوانات التيندرا إلى تلك المنطقة لن تجد شيئًا تتغذى عليه، لن تصل الحشرات القادرة على تلقيح الأزهار في موعدها الاعتيادي، ما ينذر بقرب حدوث اضطراباتٍ وتغييراتٍ في التوازن البيئي لن تقدر الطبيعة على تداركها.
الكشف عن أسرار مصدر نهر النيل الذي كان لغزاً لآلاف السنين!

2 د
ظلّ مصدر نهر النيل لغزاً لآلاف السنين.
لنهر النيل مصدران رئيسيان: النيل الأزرق من إثيوبيا والنيل الأبيض من البحيرات الأفريقية الكبرى وما وراءها.
حاولت العديد من الحضارات البحث عن مصدر النيل، لكن نظام النهر المعقّد يجعل من الصعب تحديد أصل واحد.
يعتبر نهر النّيل من أطول الأنهار في العالم وأحد أهم الأنهار في مصر والمنطقة العربية. ومنذ القدم، كان مصدر المياه الذي ينبعث منه النّيل يثير اهتمام المصريّين القدماء، وحتى الآن لا يزال هذا السؤال غامضاً ولا يحمل إجابة واضحة. على الرّغم من التقدّم التكنولوجي والمعرفة الجيوفيزيائية، لا يزال أصل النّيل لغزاً حتّى يومنا هذا.
في حين أنّ الإجابة البسيطة هي أنّ للنيل مصدرين رئيسيّين -النّيل الأزرق من إثيوبيا والنّيل الأبيض من البحيرات الأفريقيّة الكُبرى وما وراءها- فإنّ منشأ النّيل أكثر تعقيداً ممّا يبدو.
حاول الرّومان القدماء العثور على منبع النّيل، وبمساعدة المرشدين الإثيوبيين، توجّهوا عبر إفريقيا على طول نهر النيل إلى المجهول. على الرغم من أنّهم وصلوا إلى كتلة كبيرة من المياه كانوا يعتقدون أنّها المصدر، إلا أنّهم فشلوا في النّهاية في حلّ اللغز.
قبل الرّومان، حرص المصريّون القدماء معرفة أصل النّيل لأسباب ليس أقلّها أنّ حضارتهم كانت تعتمد على مياهه لتغذية ترابهم وتكون بمثابة طريق مواصلات. فتتبّعوا النهر حتّى الخرطوم في السّودان، واعتقدوا أنّ النّيل الأزرق من بحيرة تانا، إثيوبيا، هو المصدر. وقد كانت رؤية النيل الأزرق على المسار الصحيح، ولكن لا يوجد دليل على أنّ المصريين القدماء اكتشفوا القطعة الرئيسية الأخرى في هذا اللغز؛ النيل الأبيض.
واليوم، تمّ الاتّفاق على أنّ للنيل مصدرين: النّيل الأزرق والنّيل الأبيض، يلتقيان في العاصمة السّودانية الخرطوم قبل أن يتّجه شمالاً إلى مصر. يظهر النّيل الأزرق من الشّرق في بحيرة تانا الإثيوبيّة، بينما يظهر النّيل الأبيض من حول بحيرة فيكتوريا يخرج من جينجا، أوغندا. ومع ذلك، حتى هذه المصادر هي أكثر تعقيداً ممّا تبدو عليه لأول مرة.
يوضّح المغامر الشهير السير كريستوفر أونداتجي أنّ بحيرة فيكتوريا نفسها عبارة عن خزّان تغذّيها أنهار أخرى، وأنّ النّيل الأبيض لا يتدفّق مباشرة من بحيرة ألبرت ولكن من نهر كاجيرا ونهر سيمليكي، اللّذان ينبعان من جبال روينزوري في الجمهورية الكونغو الديمقراطية. في نهاية المطاف، كما يجادل، يمكن تتبّع النّيل الأبيض مباشرة إلى نهر كاجيرا ونهر سيمليكي.
في الختام، ليس لنهر النّيل مصدر واحد، بل يتغذّى من خلال نظام معقّد من الأنهار والمسطّحات المائية الأخرى. في حين أنّ الفكرة اللّطيفة القائلة بإمكانيّة تحديد المصدر بدقّة على الخريطة هي فكرة جذابة، إلّا أنّ الحقيقة نادراً ما تكون بهذه البساطة.
حتى اليوم، لا يزال مصدر النيل لغزاً يثير إعجاب النّاس في جميع أنحاء العالم.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّة واحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.