
كيف يتم انتاج العسل
سائلٌ ذهبيُّ اللون لزجُ القوام، تنتجه النحلات العاملة ضمن خليّة النّحل من رحيق أزهار مختلف النباتات. هذا ما نعرفه جميعًا عن العسل، ولكنّ في هذا المقال نسلّط الضوء على تفاصيل عمليّة انتاج العسل هذه.
متى بدأ الإنسان باستخدام عسل النّحل
وجود النّحل في الطبيعة قديمٌ جدًّا، فأحفوريّات نحل العسل الموجودة بين أيدينا تعود إلى حوالي 150 مليون سنةٍ. أمّا عن استخدام الإنسان لعسل النّحل فهو صعب الحصر نوعًا ما، مع ذلك، فإنّ أقدم سجلّ متوفّر لدينا عن استخدام الإنسان للعسل موجودٌ ضمن منحوتاتٍ تعود لنحو7000 سنةٍ قبل الميلاد على حائط أحد الكهوف في إسبانيا.
لكن تربية الإنسان للنّحل بهدف انتاج العسل جاءت بعد ذلك، فالسجلّات المتوفّرة تشير إلى أنّ بدايات تربية الإنسان للنحل كانت في معبد الشمس قبل حوالي 2400 قبل الميلاد بالقرب من القاهرة، حيث استخدم المصريّون القدامى العسل كمحلٍّ كما استعانوا به في التّحنيط، وقدّموه بمثابة هدايا ثمينة لآلهتهم. كان العسل هديّةً ثمينةً لآلهة كلٍّ من اليونان والرومان أيضًا، واستخدمه اليونانيّون إضافةً لذلك كدواءٍ شافٍ للعديد من الأمراض. .
كيف يتحوّل رحيق الأزهار إلى عسل
يقوم النّحل بعمليّة انتاج العسل ضمن الفصول الدافئة لإعادة استهلاكه خلال الأشهر والفصول الباردة. يعدّ الرحيق سائلًا سكريًّا تستخلصه النّحلات العاملة بواسطةِ لسانها الطويل أنبوبيّ الشكل، وتخزّنه ضمن المعدة الإضافيّة أو ما يسمّى Crop. خلال تواجد الرّحيق ضمن هذه المعدة الإضافيّة، يمتزج مع الإنزيمات والعصارات الموجودة ضمنها، والتي تغيّر من تركيبته الكيميائيّة ودرجة حموضته بهدف جعله أكثر قابليّةً للتّخزين طويل الأمد.
عند عودة العاملات إلى الخليّة، تمرّر السائل المخزّن ضمن معدتها إلى نحلةٍ أخرى عبر إقلاسه (من كلمة قلس- Reflux)، وتتكرر هذه العمليّة عدة مراتٍ قبل وضع الرّحيق ـ الذي يصبح بذلك مهضومًا بشكلٍ جزئيٍّ ـ ضمن قرص العسل.
بعد وضعه ضمن القرص، يكون الرّحيق لا يزال سائلًا، لذلك تقوم النّحلات بتهوية قرص العسل بجناحيها لتسريع تبخّر الماء وجعل المادّة أكثر لزوجةً. عندما يتبخّر معظم الماء من قرص العسل، تغلق النّحلات القرص عبر إفراز سائلٍ من بطنها يعرف بشمع النّحل، يمكن بهذه الطّريقة تخزين العسل لفتراتٍ طويلةٍ جدًا..
استخراج العسل من الخليّة
بغض النّظر عن الهدف من استخراج العسل (سواء للاستهلاك الشخصي أو لبيعه)، هنالك بضع خطواتٍ أساسيّة لا بدّ من اتباعها لضمان الحصول على عسلٍ نظيفٍ من حطام الخلايا ومفرزات النّحل، خالٍ كذلك من البكتريا والكائنات الدقيقة الممرضة. من الجدير بالذكر هنا أنّ الوقت الأفضل لاستخراج العسل هو نهاية الشّتاء وبداية الرّبيع، وذلك قبل أن يبدأ النّحل جولته الجديدة في جمع الرّحيق وبعد أن يكون قد أخذ منه حاجته خلال الأشهر الباردة.
- احرص أولًا وقبل إزالة لوح خلايا العسل الذي ترغب بتنظيفه على إبعاد النّحل عن الخليّة، واستخدم من أجل ذلك الدّخان (من المعروف أن النّحل يهرب من الدّخان)، واحرص كذلك على استبدال اللوح مباشرةً بلوحٍ جديدٍ مليء بالشّمع الطازج لتضمن عودة النّحل إلى الخليّة.
- احرص على أن تتم عمليّة التنظيف ضمن غرفةٍ بعيدةٍ نسبيًّا عن الخلايا؛ لكي لا ينجذب النحل ضمن الخلايا إلى رائحة العسل الذي تريد تنظيفه.
- قم بإزالة حطام الخلايا والشّمع العالق والأوساخ باستخدام الماء السّاخن، وبمساعدة فرشاة سميكة الشّعيرات.
- اغمر لوح العسل بعد ذلك ضمن حوضٍ ذي سعة 10 غالوناتٍ يحوي على محلولٍ من الأما والمبيّض والأمونيا لمدّة 10-15 دقيقةً، وذلك بهدف إذابة الشّمع والعسل التالف، لا تنسَ تغيير المحلول كلّما أصبح غائمًا أو متّسخًا.
- يمكن الإستعانة بِموقد اللّحام لإزالة الأجزاء المتبقيّة صعبة الإزالة، وخاصّةً مواد البناء التي من الممكن تبقى عالقةً من الخليّة. .
قدرة أنواع النحل على انتاج العسل
بالطّبع؛ لا تنتج جميع أنواع النّحل العسل، فمن ضمن 20000 نوعٍ من النحل المقسّمة على سبع عائلاتٍ، هناك عائلةٌ واحدةٌ فقط تنتج النّحل وتسمّى الأبيدة (Apidae). بنيّة الخليّة الاجتماعيّة والدقيقة التنظيم هي المشترك بين كافّة أنواع العائلة المنتجة للعسل (والتي يعتبر جنس Apis من أشهر أنواعها)، ففي الخليّة ملكةٌ واحدةٌ، عاملات تجمع وتنتج العسل وذكور من أجل التكاثر فقط. .
أهميّة انتاج العسل
تعد تربية النحل مفيدةً للغاية في مجالاتٍ متعدّدةٍ وخاصّةً الصحة، والبيئة، والاقتصاد ومجال الأبحاث وغيرها، وأهمّ فوائد تربية النّحل بشكلٍ عام:
- للعسل أهميّةٌ كبيرةٌ في مجال الغذاء، فإلى جانب كونه محلّيًّا صحّيًّا للأطعمة المختلفة، فهو يحتوي على مركبات الفلافونويد (Flavonoid) ومضادات الأكسدة التي ثبت دورها في تقليص خطر الإصابة ببعض الأمراض كالسرطان وأمراض القلب. بالإضافة إلى امتلاكه تأثيرًا مضادًّا للبكتريا والفطريات المختلفة، ودوره المعروف في التخفيف من آلام التهاب الحلق. بالإضافة إلى كل ذلك، يستخدم العسل لتعزيز الذاكرة وعلاج اضطرابات الجلد المختلفة.
- من المنتجات الثانويّة لتربية العسل هو شمع العسل؛ الذي يستخدم على نطاقٍ واسعٍ في صناعة مساحيق التجميل والصناعات الطبية، بالإضافة لاستخدامه في صناعة المواد الحافظة.
- تعزز تربية النحل من إلقاح أزهار النبات المختلفة، ويُستفاد من ذلك بشكلٍ فعّالٍ في تحسين المحاصيل الزّراعيّة المختلفة وخاصّةً الأنظمة الحراجيّة.
- العمل في مجال تربية النّحل مربحٌ جدًّا؛ فهو لا يتطلّب معدّاتٍ أو تقنياتٍ مكلفة كما لا يتطلّب الكثير من الوقت، ويمكن أن يقدّم مردودًا جانبيًّا جيّدًا لأي شخصٍ يرغب في تحسين وضعه الماديّ. .
وبعد كلّ ما نعرفه عن مضارّ السكر والمحليّات الصّنعيّة واتجاه النّاس إلى نظامٍ غذائيٍّ أكثر صحّيةً، قد يتصدّر انتاج العسل المقدّمة في هذا المجال، كونه محلٍّ طبيعيٍّ وكثير الفوائد.
الكشف عن أسرار مصدر نهر النيل الذي كان لغزاً لآلاف السنين!

2 د
ظلّ مصدر نهر النيل لغزاً لآلاف السنين.
لنهر النيل مصدران رئيسيان: النيل الأزرق من إثيوبيا والنيل الأبيض من البحيرات الأفريقية الكبرى وما وراءها.
حاولت العديد من الحضارات البحث عن مصدر النيل، لكن نظام النهر المعقّد يجعل من الصعب تحديد أصل واحد.
يعتبر نهر النّيل من أطول الأنهار في العالم وأحد أهم الأنهار في مصر والمنطقة العربية. ومنذ القدم، كان مصدر المياه الذي ينبعث منه النّيل يثير اهتمام المصريّين القدماء، وحتى الآن لا يزال هذا السؤال غامضاً ولا يحمل إجابة واضحة. على الرّغم من التقدّم التكنولوجي والمعرفة الجيوفيزيائية، لا يزال أصل النّيل لغزاً حتّى يومنا هذا.
في حين أنّ الإجابة البسيطة هي أنّ للنيل مصدرين رئيسيّين -النّيل الأزرق من إثيوبيا والنّيل الأبيض من البحيرات الأفريقيّة الكُبرى وما وراءها- فإنّ منشأ النّيل أكثر تعقيداً ممّا يبدو.
حاول الرّومان القدماء العثور على منبع النّيل، وبمساعدة المرشدين الإثيوبيين، توجّهوا عبر إفريقيا على طول نهر النيل إلى المجهول. على الرغم من أنّهم وصلوا إلى كتلة كبيرة من المياه كانوا يعتقدون أنّها المصدر، إلا أنّهم فشلوا في النّهاية في حلّ اللغز.
قبل الرّومان، حرص المصريّون القدماء معرفة أصل النّيل لأسباب ليس أقلّها أنّ حضارتهم كانت تعتمد على مياهه لتغذية ترابهم وتكون بمثابة طريق مواصلات. فتتبّعوا النهر حتّى الخرطوم في السّودان، واعتقدوا أنّ النّيل الأزرق من بحيرة تانا، إثيوبيا، هو المصدر. وقد كانت رؤية النيل الأزرق على المسار الصحيح، ولكن لا يوجد دليل على أنّ المصريين القدماء اكتشفوا القطعة الرئيسية الأخرى في هذا اللغز؛ النيل الأبيض.
واليوم، تمّ الاتّفاق على أنّ للنيل مصدرين: النّيل الأزرق والنّيل الأبيض، يلتقيان في العاصمة السّودانية الخرطوم قبل أن يتّجه شمالاً إلى مصر. يظهر النّيل الأزرق من الشّرق في بحيرة تانا الإثيوبيّة، بينما يظهر النّيل الأبيض من حول بحيرة فيكتوريا يخرج من جينجا، أوغندا. ومع ذلك، حتى هذه المصادر هي أكثر تعقيداً ممّا تبدو عليه لأول مرة.
يوضّح المغامر الشهير السير كريستوفر أونداتجي أنّ بحيرة فيكتوريا نفسها عبارة عن خزّان تغذّيها أنهار أخرى، وأنّ النّيل الأبيض لا يتدفّق مباشرة من بحيرة ألبرت ولكن من نهر كاجيرا ونهر سيمليكي، اللّذان ينبعان من جبال روينزوري في الجمهورية الكونغو الديمقراطية. في نهاية المطاف، كما يجادل، يمكن تتبّع النّيل الأبيض مباشرة إلى نهر كاجيرا ونهر سيمليكي.
في الختام، ليس لنهر النّيل مصدر واحد، بل يتغذّى من خلال نظام معقّد من الأنهار والمسطّحات المائية الأخرى. في حين أنّ الفكرة اللّطيفة القائلة بإمكانيّة تحديد المصدر بدقّة على الخريطة هي فكرة جذابة، إلّا أنّ الحقيقة نادراً ما تكون بهذه البساطة.
حتى اليوم، لا يزال مصدر النيل لغزاً يثير إعجاب النّاس في جميع أنحاء العالم.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّة واحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.