حملات تسويقية غيرت شكل الحياة
4 د
قصة استراحة القهوة
هناك عدّة روايات عن الجهة التي أطلقت حملات تسويقية الهادفة للترويج لاستراحة القهوة في العمل، لكن الرواية الأكثر رواجًا وإقناعًا هي التي تنسُب فضل ذلك لشركة Pan American Coffee Bureau.
عرف القرن الماضي نشاطًا كبيرًا في الحركة الحقوقية، حيث تمّ سنّ العديد من القوانين التي تحدّد حقوق العمّال وتضمن لهم فترات راحة لتناول وجبة الغداء في منتصف النهار -مثلاً- واغتنمت شركة Pan American Coffee Bureau الفرصة سنة 1952 للترويج لفوائد شرب القهوة أثناء الاستراحة، مؤكّدة على أنّ هذا المشروب المرّ يساعد العمّال على استعادة نشاطهم والتركيز أثناء أداء مهامهم بشكل أفضل.. بهذه الطريقة، حرصت الشركة على كسب استحسان صاحب العمل والعامل على حدّ سواء.
رَبْط القهوة بالإنتاجية شجّع الجميع على اعتماد “استراحات القهوة” (التي أخذت اسمها من حملات تسويقية)، وهكذا انتقلت هذه الثقافة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى كل أنحاء العالم، وانتشرت آلات بيع القهوة في أغلب المؤسّسات، وصار كوب القهوة مقدّسًا أثناء العمل وواحدًا من أهم طقوسه.. والآن صورة القهوة على المكتب من أكثر الأمور توثيقًا على صفحات التواصل الاجتماعي!
الألماس يظلّ إلى الأبد
لطالما كان الألماس حَجرًا خلاّبًا، ثمينًا ونادرًا.
منذ اكتشافه في الهند قبل آلاف السنين، اكتسب الألماس أبعادًا دينية ومَلَكية تعبّر عن القوّة والجبروت في الثقافات التي عرفته، وهذا نظرًا للمعانه الشديد، وشفافيته الصافية، وصلابته التي لا يتفوّق عليها أحد، ونُدرته الاستثنائية.
قيمة الألماس ظلّت مرتفعة طوال قرون متتالية، فكيف وصل إلى خواتم سيّدات المجتمع المتوسّط؟
اكتشاف مناجم الألماس في جنوب أفريقيا في أواسط القرن التاسع عشر غيّر المعادلة، حيث أنّ الحجر البرّاق الذي لم يكن موجودًا إلا في أماكن محدودة من العالم صار فجأة متوفّرًا بكميات كبيرة في مناجم جديدة لم يلمسها أحد من قبل.
أراد الجميع الاستيلاء على المناجم الجديدة، واتّجهت أعداد كبيرة من العمّال لمواقع التنقيب للمشاركة في البحث.. كان هذا سيُغرق الأسواق العالمية بكميات هائلة من الألماس، مما كان سيؤدّي إلى انهيار قيمته نظرًا لاختلال ميزان العرض والطلب، لكنّ هذا لم يحدث، فقد تأسست سنة 1888 شركة دي بييرز-De Beers في جنوب إفريقيا بعد أن تمكّن أصحابها من الاستحواذ على كل مناجم الألماس في البلاد. وسنة 1889، اتفق رجل الأعمال البريطاني سيسل رودس- Cecil Rhodes (أحد مؤسّي شركة دي بييرز) مع نقابة الألماس في لندن على بيع كمية محدودة من هذا الحجر الكريم وفق ثمن متّفق عليه للحفاظ على عامل النُدرة، ومنه الحفاظ على قيمته العالية وثمنه المرتفع.
رغم كل هذا، واجهت تجارة الألماس أوقاتًا عصيبة في بداية القرن العشرين خصوصًا مع الحرب العالمية الأولى والكساد الكبير سنة 1929.
تدهوُر الأوضاع الاقتصادية في هذه الفترة كان يعني أنّ الألماس لم يكن يثير شهية أحد، أو اهتمام أحد.. الناس بالكاد كانوا يستطيعون اقتناء ما يُبقيهم على قيد الحياة، فمَن الأحمق الذي قد يُنفق أمواله للحصول على حجر يلمع؟
كانت هذه مشكلة حقيقية بالنسبة لشركة دي بييرز، ما الفائدة من الاستحواذ على سوق الألماس إن لم تكن ستبيعه؟
سنة 1938، لجأت شركة دي بييرز إلى وكالة التسويق الأمريكية N.W. Ayer بحثًا عن طريقة لإيقاع الجميع في حبّ خواتم الخطوبة المرصّعة بالألماس.
مهمّة وكالة التسويق إذًا كانت بيع منتوج لا يحتاجه أحد ولا يريد شراءه أحد.. لم تكن هذه أسهل حملة تسويقية في التاريخ، لكنّها كانت من بين الأفضل!
لم تستعمل الوكالة استراتيجية تقليدية للإشهار، حيث لم تعتمد في ملصقاتها على شعارات تروّج لشركة معيّنة أو حتى لمنتوج محدّد، بل ركّزت على الترويج لفكرة بسيطة وترسيخها في أذهان الجميع لأجيال متعاقبة كي تصير جزءًا من الثقافة والتقاليد التي لا تُناقش. الفكرة هي: الألماس وَعدٌ بالحب الأبدي، ورمز للرومنسية الأزلية، الأزهار تذبل والشوكولاته تذوب، لكنّ الألماس يقاوم الزمن ولا يتغيّر.. الرّجل الذي يتقدّم لخطبة فتاة بخاتم مرصّع بالألماس يوقّع على ميثاق الأبدية!
تم الترويج لهذه الفكرة تحت شعار “الألماس يظلّ إلى الأبد-A diamond is forever” الذي اختِير كأفضل شعار في القرن العشرين، واستُعمِل في كل الحملات التسويقية للشركة منذ 1948 وإلى اليوم!
سنة 1951، بيّنت الإحصائيات أنّ كلّ 8 نساء أمريكيات من بين 10 حصلن على خاتم خطوبة مرصّع بالألماس، وهذه النسبة بقيت ثابتة طوال عقود.. لكم أن تتخيّلوا سعادة أصحاب شركة دي بييرز بهذا الأمر.
اقرأ أيضا: كيف اخترع التسويقُ عصير البرتقال؟
يبدو جليًا الآن أثرُ الحملات التسويقية على عاداتنا الاستهلاكية وتفاصيل حياتنا اليومية، فهل تعتقد أنّ هذا يكفي لنغيّر هذه العادات؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.