الحقائق الكامنة وراء طب الأعشاب وبعض استخداماته الشائعة وما يخفيه سرّ غياب تشريعه الدوليّ
6 د
لطالما دخلت الأعشاب الطبيّة في العديد من العلاجات وخاصّة في موضوع تخسيس الوزن وإنقاص الشهيّة، ومؤخّراً تمّ تداولها بشكلٍ كبير تحت شعارات فضفاضةٍ مثل “قل وداعاً للشيب مع هذا المستحضر”، و”ما عجز عنه الطّبيب يصلحه العطّار”، و”إليك الخلطة الفلانية لتقي نفسك بدرعٍ من الرصاص ضدّ السرطان”، وغيرها الكثير والكثير من الخرافات والادّعاءات الباطلة.
لا نستطيع أنّ ننكر الدّور الأساسي الذي لعبته الأعشاب منذ القدم وإلى يومنا هذا، فبعضها قد أثبت نجاعته في كثيرٍ من الأمراض والعلل، وبعضها نتيجةً لسوء الاستخدام وقلّة المعرفة كانت له آثارٌ سلبيّة مدمّرة للجسم.
ستتعرّف في هذا المقال على الحقائق الكامنة وراء طب الأعشاب وبعض استخداماته الشائعة، وما يخفيه سرّ غياب تشريعه الدوليّ.
اقرأ أيضًا: الحجامة في أولمبياد طوكيو 2020: الطب البديل يشارك في هذه الدورة أيضاً
ما هو طبّ الأعشاب
الطب الشعبي أو ما يعرف بطبّ الأعشاب (Herbal Medicine) هو نبات أو جزء من مستخلصاته، المتمثّلة بالبذور، أو الثّمار، أو الأوراق، أو الجذور، أوالزهور، أو اللحاء وحتّى النبات بشكله الكامل، المستخدم لرائحته أو نكهته أو خصائصه العلاجيّة. إذ تشكّل الأدوية العشبيّة اليوم أحد أهم أنواع المكمّلات الغذائيّة، حيث تباع على شكل أقراص وكبسولات، ومساحيق وشاي، ومستخلصات ونباتات طازجة أو مجفّفة، لتكون قابلةً للتداول والانتشار بين الناس في محاولةٍ للحفاظ على صحتهم وتحسينها تحت ما يسمّى بالطبّ البديل.
تاريخ طب الأعشاب
شاع اعتماد الإنسان قديماً على المواد النباتيّة الخامّ لتلبية احتياجاته الطبيّة من أجل علاج الأمراض وصراعات البقاء، قبل إدخال الأسبرين المشتق من نبتة الإكليلة المروج (Spiraea ulmaria) الذي تمّ وصفه بالفعل لعلاج الحمّى والتوّرم ضمن أوراق البردي المصريّة، كما أوصى به أيضاً العالم اليوناني أبقراط لتدبير الألم والحمّى.
على الرغم من أنّ السجلات المكتوبة حول النباتات الطبيّة تعود إلى ما لا يقلّ عن 5000 عام للحضارة السومريّة، التي وصف علماؤها الاستخدامات الطبيّة الراسخة لنباتات مثل الغار والكراوية والزعتر، فقد أظهرت الدراسات الأثرية أنّ ممارسة الطبّ العشبي تعود إلى زمنٍ بعيد إلى بلاد الرافدين قبل 60 ألف عامٍ مضى، وإلى الصين منذ حوالي 8000 عام مضى.
مع ظهور الطّب الغربي خلال القرن الماضي، واجه طبّ الأعشاب تحدّيات بسبب نقص الأدلة العلميّة في سياق الطّب المعاصر، على الرغم من تاريخه الطّويل في الاستخدام الفعّال. من المثير للاهتمام أنّ الأمور تتغيّر وتنقلب مع مرور الوقت، فجميعنا يلاحظ في السنوات الأخيرة حركة الانتعاش التّي أعادت استخدام طب الأعشاب إلى الواجهة من جديد.
الأسباب الكامنة وراء تداول وانجذاب الناس لطبّ الأعشاب
يُعزى تجدّد الاهتمام العامّ بالعلاجات العشبيّة مؤخراً إلى عدّة عوامل نذكر منها:
- التكلفة العالية التي تشهدها معظم الأدوية الطبيّة مؤخراً، فضلاً عن الآثار الجانبيّة المترتّبة عليها.
- نقص العلاجات الحديثة للعديد من الأمراض المزمنة.
- الاستثمار غير المسبوق الذي نشهده اليوم في مجال البحث والتطوير الصّيدلاني، لتحسين جودة وفعاليّة وسلامة الأدوية العشبية مع تطورّ العلم والتكنولوجيا.
- الادّعاءات والدعايات المسوّقة لفعالية الأعشاب سواء عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو على أرض الواقع بين أحاديث الناس.
- الاعتقاد الخاطئ بأنّ المنتجات العشبيّة تتفوّق على المنتجات المصنعة في معامل الأدوية الطبية.
- عدم الرضا عن نتائج الأدوية الطبيّة والاعتقاد بأنّ الأدوية العشبية قد تكون فعّالة أكثر.
- ضعف ثقة المرضى اليوم بكفاءة الأطبّاء، واعتقادهم بأنّ أطبّائهم لم يقدّموا لهم العلاج الفعّال المناسب لحالتهم.
اقرأ أيضًا: العلم أمام جائحة كورونا: ما هي التغيرات التي طرأت على العلم في ظل الجائحة؟
أشهر الأعشاب المتداولة في الطبّ التقليدي القديم إلى يومنا هذا
يقدّر تواجد حوالي 350,000 نوع من النباتات على سطح الأرض (بما في ذلك نباتات البذور، الطحالب، والسراخس)، تمّ التعرّف على 287,655 نوعٍ منها كما تشير الأبحاث والاكتشافات.
أمام هذا العدد الهائل تقع الآمال والتوقّعات الكبيرة على عاتق طبّ الأعشاب، بمدى قدرته على إعادة الجسم إلى حالة التوازن الطبيعيّ حتّى يتمكّن من الشفاء ذاتيّاً، ما يميّز عمل الأعشاب تأثيراتها المتنوّعة على أجهزة الجسم المختلفة. نذكر منها ما يلي:
- عشبة القنفذية (Echinacea) : أو كما تعرف بزهرة القمح الأرجوانيّة، تم تسليط الضوء عليها بكثرة مؤخراً، لفعاليتها في تنشيط جهاز المناعة ومساعدة الجسم في مكافحة العدوى، حيث يمكن استخدمها لعلاج بعض الأمراض مثل الدمامل والحمى والهربس.
- الزنجبيل (Ginger) : أظهرت العديد من الدراسات أنّ الزنجبيل مفيد في علاج الغثيان، بما في ذلك دوار الحركة وغثيان الصباح عند الحوامل، بالإضافة لخفض مستويات الكولسترول في الدم، والوقاية من قرحات المعدة.
- الشاي الأخضر (Green tea) : الغني بمضادات الأكسدة، التي تحفّز عملية التمثيل الغذائيّ وزيادة القدرة على حرق الدهون، حيث أشارت إحدى الدراسات إلى انخفاضٍ بنسبة 4.6٪ من وزن الجسم في التجارب السريريّة على 70 شخصٍ ممّن تناولوا خلاصة الشاي الأخضر لمدّة أكثر من 3 أشهر.
- حشيشة الملاك الصينية (Dong quai): تستخدم للشكاوى المتعلّقة بأمراض النساء مثل تشنّجات الدورة الشهريّة، ومتلازمة ما قبل الحيض (PMS) وأعراض انقطاع الطمث.
لماذا لا تشرّع وكالة إدارة الغذاء والدواء (FDA) الأعشاب الطبية على لائحة قوائمها؟
الإجابة الأكثر غموضاً لكنّها نوعاً ما دقيقة، هي أنّ المكونات العشبيّة الموجودة في المنتجات الرائجة حاليّاً في الأسواق لم يتم تصنيفها على أنّها أدوية وعقاقير، بل تعتبر مكمّلاتٍ غذائيّة. حيث تصنّف بعض النباتات الطبيعيّة، مثل الماريجوانا وفطر بسيلوسيبين (الفطر السحري) على أنّها مخدرات ومهلوسات، ومع ذلك فهي غير مشروعة ولا تخضع لتصنيفات الـ FDA، ويتم تشريعها تحت إشراف وكالة مكافحة المخدرات بدلاً من وكالة FDA.
يقوم صنّاع الأدوية بتقديم طلب ترخيص للحصول على موافقة وكالة إدارة الغذاء والدواء FDA على منتجاتهم ومركباتهم التجريبيّة، لتقوم الإدارة بمراجعة الادّعاءات والتقارير التي تنتهي إمّا بالموافقة على الدواء، وتصنيفه على أنّه دواء قابل للتداول بوصفة طبيّة أو بدونها، وإمّا بالرفض وعدم الموافقة على ترخيص العقار، فلا يمكن بيعه في الولايات المتحدّة وأنحاء العالم، علماً أنّ حوالي 0.1% فقط من المركبات التي تم اختبارها تحصل في النهاية على الموافقة. وهنا يكمن الخطر الأكبر بما يحصل من تجاوزات غير شرعيّة بالاتّجار الخارجي بالمستحضرات المرفوضة، وتسويقها تحت غطاءٍ مخادع غير شرعيّ.
تحذيرات خاصّة بطبّ الأعشاب
يعتقد الكثير من الناس أنّ المستحضرات والأدوية العشبيّة ستكون دائماً آمنة وجيّدةً بالنسبة لهم، لكن على النقيض تماماً فقد تسبّب في حدوث ضررٍ جسيمٍ، مخلّفةً آثاراً سلبيّة تتراوح بين الخفيفة والشديدة، نذكر منها ما يلي؛
- ردود الفعل التحسّسية والطّفح الجلدي.
- الربو.
- الصداع.
- الغثيان.
- الإقياء.
- الإسهال.
فإذا كنت تفكّر في استخدام دواء عشبيّ، فعليك أوّلاً الحصول على معلومات عنه من مصادر مؤكّدة، على غرار غيره من الأدوية الأخرى التي تستلزم وصفة طبيّة، من قبل ممارس مؤهّل وموثوق.
تسويق منتجات الأعشاب الطبية اليوم بين الحقيقة والتزييف
ليست كل الأدوية العشبيّة التي يتم بيعها آمنة وفعّالةً، لذا يتوّجب عليك إحضارها من مكان متعارف عليه جيّداً من مصنعٍ أو مورد مرموق، لذلك كن حذراً بشأن شراء الأدوية العشبيّة عبر الإنترنت، ففي بعض الحالات، وُجد أنّ المنتجات التي يتم شراؤها عبر الإنترنت تحتوي على مستويات خطيرة من الرصاص أو الزئبق أو الزرنيخ، ممّا يتهدد بمشاكل صحيّة خطيرة.
توصيات أخيرة
- استشر الصيدلي الخاص بك حول سلامة وفعاليّة الأدوية العشبيّة أو المكمّلات الغذائيّة التي تفكر في شرائها.
- لا تتوقّف أبداً عن تناول الأدوية الموصوفة لك دون استشارة طبيبك.
- أخبر طبيبك دائماً إذا كنت تخطّط لبدء مرحلة علاجيّة بالأدوية العشبيّة، فقد يؤدّي تناولها إلى زيادة أو تقليل فعالية الأدوية الأخرى التي تتناولها، أو قد يزيد من مخاطر الآثار الجانبيّة السلبيّة.
- يتوّجب عليك شراء المنتجات من مصدرٍ موثوق، خصوصاً الأعشاب المستوردة من الخارج.
- تناول الأدوية العشبية بدّقة كما هي موصوفة، واستشر طبيبك فوراً إذا واجهتك أيّ آثار جانبيّة.
للاطلاع أيضًا:
- أشباه العلوم.. وأساطيـر العلوم الزائفة ! – الجزء الأول
- أشباه العلوم .. وأساطيـر العلوم الزائفة ! – الجزء الثاني
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.