النوم وتأثيره على أهم جوانب حياتك: لا تتوقع أن يكون هينًا!

منذ وعينا على وجه الحياة ونحن نسارع فيها كالفراش المبثوث، نستيقظ في الصباح مباشرة لتحضير كوب القهوة لنستفيق من النوم في الصبح، ثم نبدأ في ترتيب أغراضنا، ونذهب للعمل أو الجامعة لنعود مساءً بالكثير من الأعمال والواجبات الضرورية الإضافية، لنكمل مسيرتنا المملة. ورفيقك المهذب هذه الليلة أيضًا الكثير من أكواب القهوة، أو ما تُدعى بالراعي الرسمي لليلة الديلاين، وإن لم تتمكن من إنجاز مهامك تبادر لذهنك خاطرة أشر من إشعال النيران بجوار البنزين، تخبرك بمتابعة الاستيقاظ لصباح اليوم التالي، وهكذا حال أيامنا.

ثم تتسائل لماذا لا أتمكن من تذكر المعلومات التي أنجزتها أمس؟ ولماذا أشعر بالدوار والصداع والتشويش والتوتر الزائد؟ القليل من الأعراض سريعة الظهور، والكثير من الكوارث الجسمانية بعيدة المدى؛ كالجلطات المفاجئة، وأمراض الضغط والسكر، كذلك الأورام الخبيثة. أنت تمامًا تستخدم سلاحًا أبيض باردًا لقتل نفسك دون أن تدري.

سأكون واقعية تمامًا وأبدأ بسرد التجارب التي استخدمها Matt Walker، في إجراء تجاربه أثناء تأليف كتاب (لماذا ننام) مع سرد لخلاصة النتائج التي توصل إليها؛ فلا تتوقع أن أكون لطيفة معك في هذا الحوار مطلقًا، أو تتوقع مني أخبارًا سعيدة!

لكشف مدى تأثير قلة النوم على الذاكرة، أخضع Matt Walker مجموعتين؛ إحداهما حصلت على قدر ثمان ساعات من النوم، والأخرى حرمت من النوم تمامًا لهذه التجربة. وتم إجراء أشعة رنين مغناطيسي على الدماغ لرؤية مدى تأثير قلة النوم عليهم، وُجِد أن المجموعة التي حرمت من النوم، قل نشاط الدماغ بها إلى 40% من حجم نشاط الدماغ للمجموعة الأولى.

لكي تتخيل الأمر بصورة أوسع، عليك أن تدرك وجود مادة الحُصيْن – Hippocampus التي تتواجد على يمين ويسار المخ، وهي المسؤولة عن حفظ المعلومات في الذاكرة وتحويلها من مؤقتة إلى دائمة. وُجد أن الذاكرة تعتبر في أنشط حالاتها عندما يحصل الإنسان على قسطٍ كافٍ من النوم، ليس فقط بعد المذاكرة، بل حتى قبل المذاكرة.

الأمر بمثابة تهيئة الذاكرة لاستقبال المعلومات وتخزينها، يلزم لحفظ المعلومات الجديدة قسطًا من النوم لتخزينها وتحويلها إلى معلومات ثابتة. الأمر أشبه بإحضار إسفنجة ووضعها في بركة من الماء، بعد إشباع الإسفنجة بالماء، هل ستتمكن من استقبال المزيد؟ بالطبع لا يلزم تفريغ المياه ووضع الإسفنجة بالماء مرة أخرى لاستقبال المزيد، كذلك الحال تمامًا. لن تتمكن الذاكرة من معالجة المعلومات وترتيبها وتحويلها من معلومات مبعثرة قصيرة الأمد إلى معلومات راسخة إلا بحصول الدماغ على قسطٍ كافٍ من النوم.

من السيئ أن الأمر لا يقتصر فقط على الذاكرة، بل يحتمل الإصابة بالشيخوخة والزهايمر، فإن التدرج في إهمال حقوق الدماغ يُهدر من قدرته الإبداعية، وقدرته على تخزين البيانات واسترجاعها، وبالتالي الإصابة بالزهايمر المبكر. أكد الكاتب من خلال تجاربه المتعددة في إثبات تأثير قلة النوم على فقدان الذاكرة؛ قلة النوم من أكثر الأسباب نسبة في التأثير على الذاكرة، ولا يمكن معالجة الأمر بسهولة عندما تتغير التراكيب الفيزيائية للمخ، إلا بالتدخل الكهربي. وذلك بإخضاع الدماغ لتيار كهربي مستمر، بالطبع لن تشعر به حينها، لكنه يساعد في تحفيز الخلايا التالفة المسؤولة عن إعادة تحسين قدرة الذاكرة كما تحدثنا في الأعلى.

يمكن أن تشعر بهذه الظواهر على مدى قصير، لكن بعد فترات معينة من الوقت ستبدأ الأعراض الجرثومية في الظهور، لكنه ومن المؤسف يصعب التعامل معها مقارنة بالأعراض الأخرى. ستعاني مثلًا من الإصابة ببعض الأمراض المزمنة، وأمراض قلبية وسرطانية عِدّة، ولن أنسى أمراض الذكورة والأنوثة المتعلقة بقلة النوم، كانخفاض نسبة التستوستيرون في الرجال، مع صِغر في حجم الخصية، وتقلص في المبيض ونقص في هرمون الإستروجين في الإناث.

لا داعي للذعر الآن فقط أخبرتك أنني لن أُدلي بأخبار جيدة مطلقًا!

لكني ربما الآن علىّ أن أخبرك بأصعب الحقائق المثبتة علميًا، المحققة عن تجارب لإثبات مدى تأثير قلة النوم على الجهاز المناعي ومن ثم الإصابة بسرب من الأمراض التي حتمًا ستقضي عليك، عاجلًا أم آجلًا. لأنه لسوء حظك لن تتمكن في فترة قصيرة من التعافي منها وتحسين عادات نومك، لكن يمكن أن تبدأ الآن.

بعد إجراء تجارب على الحمض النووي الخاص بمجموعتين من مجموعات اختبارات التجارب، التي استعان بها الكاتب في تحقيقاته، وُجد أن الحمض النووي للمجموعة التي تعرضت لعدد ساعات نوم أقل، وأقصد عدد ساعات أقل أي أقل من أو يساوي 6 ساعات يوميًا، أن حمضها النووي تغير كليًا؛ حيث زادت نشاط بعض الأحماض الأمينية وقل نشاط البعض فيما يقدر بـ 711 من الأحماض الأمينية الهامة، ولسوء الحظ كانت الأحماض الأكثر نشاطًا هي المسؤولة عن نشاط الخلايا السرطانية.

ألم أخبرك بوظيفة الخلايا القاتلة الطبيعية المسؤولة عن رفع مناعة الجسم لأنها تخلص الجسم من الأجسام الغريبة وتقضي عليها قبل أن تنشط وتتطور مُحدثة أورام خبيثة؟ وأن قلة النوم تعمل على قتل هذه الخلايا، وبالتالي إفساح الطريق للمزيد من الخلايا السرطانية في التكاثر وإصابة الجسم بأمراض سرطانية عدَة، كسرطان الثدي والبروستاتا؟

سأقوم بربط الأمر ليسهل عليك فهمه بشكل أوضح، تخيل أنك تفتقد للدفاع الرئيسي عنك، والعدو بالخارج يهاجمك، ولسوء حظك لا تمتلك أيضًا من الداخل حصارًا قويًّا يمنع هجوم العدو لحين استعدادك للمواجهة؟ بالطبع أنت ستموت لا محالة. تتخيل الآن هذا التخريب والتغير في أبجدية الحمض النووي لديك!

الأمر تمامًا كما تخيلت، أشبه بأنبوبة مياة مثقوبة في منزلك، وأنت متجاهل للأمر تمامًا، مرَّ يوم أو اثنين ستصل جميع المياه لأركان المنزل وإن لم يتهاوَ على الفور، فإن تتابع تآكل البناء سيؤثر في القريب العاجل. هكذا الحال بالنسبة لجسدك يفعل النوم بأعضائه جملةً مثلما تفعل نقط المياه المتساقطة من الأنبوب المٌثقب.

عليك أن تنقذ نفسك وتحصل على قسطٍ كافٍ من النوم يا عزيزي، أي ما لا يقل عن تسع ساعات يوميًا.