المدن الذكية .. هل نحتاج إليها فعلًا أم هي مجرد وهم تكنولوجي؟

المدن الذكية هي المدن التي تعتمد على استخدام التكنولوجيا لتقديم الخدمات لسكانها بما يوفر تحسين جودة الخدمات الاجتماعية والاقتصادية، من خلال تقليل نسبة الهدر، وزيادة الرفاهية للمواطنين، ورصد آرائهم، ومدى رضاهم عن التطورات الحاصلة، والتي تنبع أساساً من انطباعهم عن جودة الخدمات المتوفرة كخدمات النقل، الصرف الصحي وغيرها..

ولكن هل نحتاج فعلاً للمدن الذكية، سنتعرف بدقة أكبر خلال هذا المقال على مفهوم المدن الذكية، وفوائدها، والتحديات المتعلقة بها، والتطلعات المستقبلية.

المدن الذكية هي مدن مبنية على أساس تنظيم الخدمات لتكون وفق متطلبات المواطنين، فالحكومات تحتاج لجمع بيانات عن آراء وانطباعات السكان  من أجل تطبيق هذه الأفكار، وتحويلها لواقع متماشي مع حاجاتهم اليومية.

على سبيل المثال في طور تحسين حركة المرور والنقل وُضعت أجهزة استشعار وحساسات في الطرقات لرصد أماكن الاختناقات المرورية وذلك ليتسنى لأي شخص معرفة الوقت الذي سيقضيه لو سلك طريق معين، وهل عليه اختيار طريق بديل أم لا؟

كما نستطيع  الاستفادة من الحساسات التي ترصد وجود أشخاص بالقرب من أجهزة الإنارة سواء في الشوارع أو الحدائق في توفير الطاقة، وذلك لتعمل فقط في حال وجود أشخاص بالقرب منها، وتقليل الهدر الحاصل في حال عملها على مدار اليوم.

يوجد بعض الأمثلة عن المدن الذكية نذكر منها مدينة برشلونة التي أنشأت شبكة نقل للحافلات، متوافقة مع كيفية استخدام المواطنين لوسائط النقل، إذ تغطي حاجاتهم ضمن الوقت الأنسب لهم.

والأمر اللافت أيضاً هو تخصيص تطبيق إلكتروني يوفر لمستخدميه إمكانية الإبلاغ عن أي أعطال موجودة في المرافق العامة، بهدف معالجتها بأقرب فرصة ممكنة يدعى Bústia Ciudadana

أما سنغافورة فهي مثال يحتذى به كمدينة ذكية، من خلال التقنيات المُتبعة وخاصة بمجال المدفوعات المالية والنظام الصحي، بينما تصدرت  هلنسكي في تحقيق تدابير بيئية ممتازة في مجال تخفيض أثر الانبعاثات الكربونية، وتقليل استهلاك الوقود، والاعتماد على الطاقة الكهربائية كبديل، من خلال الاعتماد على المترو والسيارات الكهربائية.

أما ما يتعلق بإنارة الشوارع بطريقة ذكية من خلال حساسات مستشعرة عن بعد، فكانت زيوريخ في سويسرا السباقة في توفير الطاقة بنسبة 70% .

وكنوع من الدعم في تطبيق مفهوم المدن الذكية تُنظم مدينة نيويورك مسابقة سنوية، مع جوائز نقدية مجزية للتطبيقات التي تُستخدم بأفضل طريقة، والتي تستخدم البيانات والمعلومات المتعلقة بمدينة ما، لإحداث تغييرات متناسبة مع الحاجات الملحة.

أما في أستونيا فقد أنشأت هوية رقمية لأي شخص سواء في أستونيا أو خارجها، مع إمكانية إنشاء شركات، وذلك في إطار كونها من المدن الذكية.

لأن المدن الذكية تُبنى على أساس بيانات عدة، فإن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ( في اكتشاف أماكن تسربات المياه على سبيل المثال)، وإنترنت الأشياء IoT (مثل أجهزة الاستشعار عن بعد )ستكون حاضرة بلا شك.

 وسوف تُستغل لتطوير المدن على الدوام، لتناسب الحاجات المتغيرة خاصة بمجال النقل (لتحديد مواقف السيارات والاختناقات المرورية)والصيانة للمرافق، وبمجال الطاقة الكهربائية لتحديد كيفية عمل مصابيح الإنارة ضمن أوقات محددة.

 ولإطلاق مسمى مدن ذكية يجب أن تتوفر مجموعة من المعايير مثل إدارة الموارد الطبيعية بفعالية من قبل جميع المواطنين، بالإضافة لكون المؤسسات مُهيأة بشكل كامل، لتواكب التطور التكنولوجي بما يوفر خدمات أكثر تلاؤماً مع حاجات المواطنين المُتجددة.

إن استغلال التكنولوجيا سيسمح للمدن الذكية لمواجهة تحديات عديدة، مثل الاستدامة في تقديم الخدمات والشفافية،خاصةً عند التعامل مع كم كبير من المعلومات، والذي يحتاج لدقة كبيرة في التحليل والدراسة واستخراج قرارات مناسبة للوضع المعني بالتطوير.

كما أن استخدام تكنولوجيا Geospatial Technology أو ما يسمى بـ الجغرافية المكانية، وتطبيقها في المدن الذكية، سيسهل رصد تغيرات المناخ لتدارك أي كوارث طبيعية، وتحسين إجراءات التعامل مع هذه الظواهر، والوقاية من أي أضرار محتملة.

توفر الجغرافية المكانية إمكانية استخدام البيانات بدقة وتفصيل، لتطبيق أفضل الحلول، لتحقيق الاستدامة في الخدمات والبنية التحتية للمدن، وبالتالي ستكون السيطرة على المرافق الأساسية مثل تمديدات الماء والكهرباء بحالتها القصوى، لتلبية حاجات المواطنين مهما كانت الظروف البيئية، وهذا بدوره يوفر استدامة وكفاءة في استخدام الموارد، والحفاظ على السلامة العامة بلا شك.

تعد خصوصية الأفراد من أكثر التحديات التي تتعلق بالمدن الذكية، في المعلومات التي تُجمع من خلال حساسات الاستشعار عن بعد، وكاميرات المراقبة على سبيل المثال، تُعد انتهاك لخصوصية الأفراد، إذ تُجمع وتُحلل هذه البيانات دون موافقة أصحابها، وهذا يتطلب حد أدنى من سياسات الخصوصية، لتوفير خصوصية البيانات وحمايتها من الاختراق من قبل أشخاص غير مسؤولين، واستغلالها بطرق غير شرعية تلحق الضرر بأصحابها.

كما أن تكلفة إنشاء المدن الذكية تخضع لاعتبارات مختلفة مثل حجم المدينة، ومستوى التطور الحالي لها، والمستوى المرغوب بالوصول إليه، فالبنية التحتية على سبيل المثال تشمل شبكات المياه والصرف الصحي، إضافةً إلى النقل والاتصالات.  

أما الأمور التكنولوجية وهي ما يتعلق بالروبوتات والذكاء الاصطناعي، وتطوير التطبيقات بما يسهل الخدمات على كافة السكان، فالتكاليف المادية تحتاج لتعاون بين القطاعين العام والخاص، لتكون الأمور منظمة بالشكل الأمثل.

وتطور المدن الذكية يجب أن يكون بخطة شاملة مدروسة بعناية، سواء بالبنية التحتية والتكنولوجيا، والحفاظ على تطبيق تقنيات الأمن السيبراني بما يخص بيانات السكان، ومعالجتها في إطار التطور الحاصل.

وفي النهاية، فإن تحسين جودة الحياة و استدامة الخدمات بأمان للبيئة، يتطلب مجهودًا كبيرًا، ومتابعة على جميع الأصعدة سواء النقل، الصحة ،التعليم والاقتصاد، وبما يلبي طموحات الأفراد بحياة مستقرة، ومثالية، ومزودة بكامل معايير الرفاهية.