المنافسة بين البشر والذكاء الاصطناعي.. جميع المؤشرات تدل على فوز الآلة فما الحقيقة؟

من عالم الخيال العلمي إلى الحياة اليومية خطا الذكاء الاصطناعي خطوات كبيرة، حيث أصبح منتشرًا للغاية في كل مكان حولنا ومؤثُّرًا على كل شيء، بدءًا من نتائج البحث الخاصة بنا، إلى الطريقة التي نتسوق بها. كما وضع بصمته في البرمجة والرسم وغيرها من المجالات الإبداعية. إذ تُظهر البيانات أن استخدامه في العديد من قطاعات الأعمال قد نما بنسبة 270% خلال السنوات الأربع الماضية. وقد أثار هذا التقدم السريع مناقشات مكثفة حول التنافس بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري. فهل يهدد الذكاء البشري حقًا؟

لقد قطع الذكاء الاصطناعي خطوات كبيرة، مما أثار مخاوف بشأن قدرته على السيطرة على العالم. ومع ذلك، يتم تجاهل هذه المخاوف إلى حد كبير من قبل المنظمات المختلفة. وعلى الرغم من قدرات الذكاء الاصطناعي المذهلة في المجالات المختلفة، فإنه لا يزال مفتقرًا إلى السمات الأساسية مثل الوعي الذاتي والتفكير النقدي والابتكار. حيث تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل كبير على المدخلات البشرية والإشراف البشري، كما أن قرارات الذكاء الاصطناعي مدفوعة بالأنماط والبيانات.

عندما نقوم بمقارنة الذكاء الاصطناعي بالإنسان حاليًا، فإننا نجد أن الذكاء الاصطناعي يمكنه القيام بالعديد من المهام بشكل أسرع وأطول وأكثر دقة من الأشخاص، ويمكنه محاكاة القرارات والاستجابات والأفعال البشرية، كما أنه أصبح متواجد في العديد من وظائف العصر الحديث. لكن مع ذلك لا يمكن للذكاء الاصطناعي التفكير بشكل منطقي، ولا يمكنه الشعور بالعاطفة واستخدامها كجزء من عملياته، وغير قادر على معرفة المكنونات النفسية والشعورية للشخص الذي يتواصل معه.

فعلى الرغم من المستشعرات المثبتة في الروبوتات والتي تساعدهم على الشعور والتأثير، إلا أن الذكاء الاصطناعي لا يزال يعتمد على المدخلات البشرية للتعلم والنمو والتصرف بناءً عليها. إذ يمكنه تقليد البشر لكنه ليس بشري ولا يمتلك ذكاءً بشريًا كاملًا.

يشهد الذكاء الاصطناعي تقدمًا متسارعًا بشكل يومي تقريبًا، حتى أن استخداماته وصلت لمجموعة واسعة من المجالات، كما أنه حلّ محل الإنسان في العديد من المهام غير المتوقعة، مثل:

دخل الذكاء الاصطناعي شتى مجالات الطب والرعاية الصحية، إذ أنه أصبح يُستخدم في التطبيب عن بعد، والتشخيص المساعد من خلال قراءة فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي للتحقق من الأورام. كما دخل الذكاء الاصطناعي في مجال العمليات الجراحية، على سبيل المثال: أنشأت شركة "أسينسوس سيرجيكال" روبوتا يعمل بالذكاء الاصطناعي بالمنظار فيزود الجراحين بمعلومات حية لمساعدتهم في اتخاذ قرارات أفضل أثناء الجراحة. وفي مجال الطب النفسي أيضًا بات بإمكانه تقييم الحالة النفسية للأشخاص من خلال مراقبة التعبيرات التي ترتسم على وجوههم. ما قد يسد عجزًا بشريًا كبيرًا في هذا المجال.

أطلقت شركة "OpenAI" روبوت الدردشة "ChatGPT الذي يمكنه التحاور مع المستخدم والإجابة عن ما يطرحه من أسئلة وغيرها من المهام. وبالرغم من أن تلك الروبوتات تساعد البشر في بعض المهام مثل البحث السريع، إلا أن لها تأثيرات سلبية أيضًا، حيث قامت إدارة التعليم في مدينة نيويورك بحظر ChatGPT من أجهزة وشبكات مدارسها بعد تزايد قلق المعلمين من أنه قد يكون وسيلة للغش في الامتحانات.

حتى الرسم الذي عُرف بأنه موهبة بشرية تنبع من إبداع ذاتي عميق لدى الإنسان، وصلت إليه يد الذكاء الاصطناعي وأصبح يُبدع فيه بشكل قد يتفوق على البشر، ومن برامج الذكاء الاصطناعي التي تقوم بتلك المهمة برنامج "Midjourney"، فكل ما يتطلبه الأمر أن تصف لروبوت الذكاء الاصطناعي ما تريد رسمه حتى يتولى هو المهمة ويقدم لك اقتراحات مميزة.

دخل الذكاء الاصطناعي أيضًا غرف الأخبار وأصبح بإمكانه تقديم المقترحات للصحفيين والمحررين، وربما تتحول مستقبلًا إلى تحرير الأخبار نفسها، الأمر الذي قد يهدد بعض وظائف الصحفيين في المستقبل القريب.

وصل الذكاء الاصطناعي إلى قيادة السيارات، حيث انتشرت السيارات ذاتية القيادة التي تقود نفسها بنفسها دون مساعدة من السائق البشري، فهي تستطيع إدراك محيطها وتجنب الأشخاص والعوائق في الطريق مما يساهم في خفض نسبة الحوادث بشكل كبير.

تعد أتمتة المهام أكثر ما يخشاه البشر من تطور الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن للآلات أن تؤدي وظائف بشرية مثل تلك الموجودة في المصانع والمعامل، ووفق إحصائية نشرتها صحيفة تلغراف من دراسة أجرتها جامعة أكسفورد قدرت احتمالية أن يستبدل الذكاء الاصطناعي 700 وظيفة موجودة حاليًا في العالم أبرزها في قطاعات التشغيل والصناعة والأغذية.

يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في التوظيف، فمن خلال استخدام البرمجة اللغوية العصبية (NLP)، يمكن للذكاء الاصطناعي المرور بآلاف السيرة الذاتية في غضون ثوانٍ، والتأكد مما إذا كان هناك توافق جيد. مما يؤكد خلوّ النتائج من أي أخطاء بشرية أو تحيزات، والتقليل إلى حد كبير من طول دورات التوظيف. كما يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الموظفين ووضعهم في الفرق المناسبة.

أما الشيء الأكثر إثارة في عالم الذكاء الاصطناعي والذي يعد الأكثر خطورة إذا ما استمر تطوره فهو الروبوتات البشرية، وهي روبوتات تملك ملامح بشرية واقعية، اخترع لها العلماء حواس مثل اللمس لتشعر بالحرارة والبرودة، كما يوجد أنواع تستطيع التعبير عن شعورها بالسعادة أو الحزن أو الغضب، وبعضها تستطيع الحركة كالبشر، لكن ما ينقصها هو الإدراك الذاتي، فإن وصلت إليه انتهى كل شيء.

من المرجح أن يشتمل مستقبل الذكاء الاصطناعي على التعاون بين البشر والآلات، حيث يعزز الذكاء الاصطناعي القدرات البشرية ويمكّن البشر من التركيز على المهام ذات المستوى الأعلى التي تتطلب براعة وخبرة بشرية. إذ أنه من الضروري النظر إلى الذكاء الاصطناعي كأداة يمكنها تعزيز الإنتاجية وتسهيل الاحتمالات الجديدة بدلاً من اعتبارها بديلاً كاملاً للمشاركة البشرية. وقد يفتح مجالات جديدة، مثل:

سيكون البشر هم المسؤولون عن إجراء التحليل الإحصائي وإجراء الاختبارات الإحصائية وتنفيذ التصاميم الإحصائية. كما أنهن سيطورون أنظمة التعلم العميق، ويديرون برامج تعلم الآلة، ويطبقون خوارزميات تعلم الآلة، وما إلى ذلك.  ولكي تصبح مطور n AI & ML ، ستحتاج إلى مهارات برمجة جيدة في Python و Scala و Java.

دور متخصص الذكاء الاصطناعي يماثل دور مهندس الذكاء الاصطناعي. ويجب أن يتمتع المحلل أو أخصائي الذكاء الاصطناعي بخلفية جيدة في البرمجة وتحليل النظام والإحصاءات الحسابية. كما يمكن أن تساعدك درجة البكالوريوس أو ما يعادلها في الحصول على منصب مبتدئ، ولكن درجة الماجستير أو ما يعادلها أمر لا بد منه لشغل وظائف محلل الذكاء الاصطناعي الأساسية.

سيكون هناك طلب كبير على علماء البيانات. حيث يتضمن دور عالم البيانات تحديد تدفقات ومصادر البيانات القيمة، والعمل جنبًا إلى جنب مع مهندسي البيانات لأتمتة عمليات جمع البيانات، والتعامل مع البيانات الضخمة، وتحليل كميات هائلة من البيانات لمعرفة الاتجاهات والأنماط لتطوير نماذج ML التنبؤية. وتعد SQL و Python و Scala و SAS و SSAS أكثر الأدوات فائدة لعالم البيانات.

عالم الأبحاث هو واحد من وظائف الذكاء الاصطناعي الرائعة الأخرى. هذا المنصب الوظيفي للذكاء الاصطناعي يحمل مسؤوليات تتعلق بالبحث في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لابتكار واكتشاف حلول موجهة للذكاء الاصطناعي لمشاكل العالم الحقيقي. هذا يستدعي التمكن في مختلف تخصصات الذكاء الاصطناعي مثل: الإحصاء الحسابي والرياضيات التطبيقية والتعلم العميق والتعلم الآلي والشبكات العصبية، ومهارات ومهارات برمجة Python و Scala و SAS و SSAS.

اتباعًا لقيادة اتجاهات الأتمتة العالمية وظهور الروبوتات في مجال الذكاء الاصطناعي، يمكننا أن نقول إنها بالتأكيد علامة على تزايد الطلب على علماء الروبوتات. فمن أجل بناء وإدارة هذه الأنظمة الروبوتية يجب الاعتماد على مهندس روبوتات حاصلاً على درجة الماجستير في الروبوتات أو علوم الكمبيوتر أو الهندسة، وأن يكون جيدًا في البرمجة والميكانيكا والإلكترونيات والكهرباء والاستشعار وعلم النفس والإدراك إلى حد ما.

الرغم من التقدم السريع الذي أحرزه الذكاء الاصطناعي في المجتمع حتى الآن، إلا أن هناك مهارات بشرية معينة لا تزال ضرورية ولا يمكن استبدالها بالآلات. فالقدرات القيادية والإبداع وحل المشكلات المعقدة والتعاطف ليست سوى بعض الصفات التي لا تزال مطلوبة في القوى العاملة البشرية. حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكمل ويدعم العاملين في هذه المجالات ولكن لا يمكن أن يحل محلهم بالكامل.

يظل التفاعل البشري والعلاقات مع العملاء من الجوانب الحاسمة في العديد من القطاعات. وعلى الرغم من أتمتة العمليات، سيظل العاملين البشريين مطلوبين دائمًا لتقديم خدمة مخصصة، وإدارة المواقف المعقدة التي تتطلب الحدس ومهارات العلاقات.

ومن ثم فإنه يمكننا القول إن الذكاء الاصطناعي لا يهدد الذكاء البشري بالشكل الذي يتخيل فيه البعض أنه قد يقضي على البشر، حيث تظل هناك مهارات بشرية لا غنى عنها ويظل الذكاء الاصطناعي بعيدًا عن مرحلة الوعي أو الإدراك الذاتي. وفي حين أن الذكاء الاصطناعي ينافس الذكاء البشري في بعض الوظائف إلا أنه في المقابل يخلق وظائف وفرص جديدة للذكاء البشري لا غنى عنها.