كيف قادت الآلة الكاتبة مسيرة المعرفة الإنسانية لعقود؟! – تقرير
7 د
وهل ينسى من استخدمها صوت النقر على أزرارها؟!.. نعم لقد صارت من التاريخ، وجزءاً من التحف القديمة، بعدما كانت الآلة الأكثر إفادة في مجال العمل المكتبي، لما كانت تعكسه من جو جدي للعمل.
وقد أسهمت الآلة الكاتبة بشكل فاعل في نشر المعرفة الإنسانية، حيث سهلت نقل وتبادل المعلومات بين الأفراد والشعوب، والتي شهدت لاحقا تطورات كبيرة حيث تم تعديل تصميمها مئات المرات، كما تم تحويلها من كونها آلة ميكانيكية تعتمد على الروافع والعتلات، إلى آلة كهربائية تعتمد على التروس والمسننات، ثم تم تطويرها إلى النظام الرقمي الإلكتروني ولتتحول لاحقا إلى لوحة المفاتيح المرتبطة بجهاز الكمبيوتر المعروفة حاليا.
ذكر التاريخ أن المحاولات الأولى لاختراع الآلة الكاتبة تعود إلى العام 1714م عندما حصل العالم المخترع البريطانى )هنري ميل – Henry Mill) على براءة الاختراع لهذه الآلة..
التي كان يتطلع من خلالها إلى استحداث نظام جديد في الكتابة الآلية بدلًا من النظام اليدوي التقليدي، ليعد بذلك أول من صمم وطرح فكرة وجود آله ميكانيكية يمكنها طباعة الحروف على الورق.
وسجل بذلك اختراعه الذي يشبه الى حد كبير الالة الكاتبة، فهى تُعد الأم الأولى لما رأيناه من الآلات الكاتبة في وقت لاحق، وبالرغم من أهمية الفكرة، إلا أنه فشل في إقناع الناس بأهمية اختراعه، نظراً لبعض العيوب، حيث لم تستطع هذه الآلة إثبات جدارتها.
وفي عام 1808م قام العالم الايطالي (بليجرينو توري – Pellegrino Tory) بعرض اختراعه، وهي ما تمثل اول الة كاتبة عملية مع اختراع الورق الكربون، حتى يمكن للحروف ان تظهر على الورق بعد طرقها بالحرف.
وبعد مرور قرن الزمن، وبالتحديد في عام 1820م، أعاد مخترع الدراجة، الألماني (كارل درايس – Karl Drais) إحياء فكرة الآلة الكاتبة، وصمم واحدة تضم 16 حرفًا فقط.
دافنشـي روبـوت.. معجزة تقنية غير مسبوقة للعمليات الجراحيـة
ونظراً لأهمية هذا الاختراع، في وقت أصبح كل شيء فيه سريعاً، أخذت طريقها في التطور، فأول آلة كاتبة معروفة للعالم، كانت اختراعاً أمريكي الأصل، لمخترع أمريكي يدعى، (وليم اوستن بيرت – William Austin Burt)، وكان ذلك في عام 1829م، وكانت تُسمى (تيبو جرافر – Typographer).
ليحصل بذلك على براءة اختراع لهذه الوسيلة عام 1830م، وكانت آلته مصممة على شكل عجلة نصف دائرية، ولكن التاريخ يذكر انها فشلت تجاريًا؛ نظرًا لبطئها الشديد، وعدم تعود الناس عليها، ولأنها تستخدم أسلوب الدوران وليس اسلوب نقر الحروف.
وقد دُمرت هذه الآلة الأصلية في حريق بأمريكا عام 1836م، وقد أجريت عليها فيما بعد الترميمات المطلوبة، ويوجد الآن واحدة منها في متحف العلوم بلندن، ضمن مجموعة كبيرة من الآلات الكاتبة العتيقة في (متحف سميسوينان الوطنى للتاريخ الأمريكى – Simithsonian National Museum of American History ).
وفي عام 1833م استطاع الفرنسي (بروجن) ، عمل أول آلة كاتبة مصممة بطريقة حديثة، قادرة على تحريك الورقة بين الحروف والسطور، وذلك عن طريق أسطوانة بلاتينية.
وظهرت أول آلة استخدمت هذه التقنية، في عام 1843م، على يد مخترع أمريكي يدعى، (تشارلز جروفر)، وكانت مصممة على أن الجزء الخاص بالطباعة حلقة معدنية، تدور رأسياً حول الأسطوانة، وكانت مزودة أفقياً بعدد من المفاتيح، تعمل بأسلوب دوران العجلة حتى يكون الحرف المطلوب في وسط وضع الكتابة، وبعد ذلك يُضغط عليه.
توالت الاختراعات بعد ذلك، اعتماداً على هذا التكنيك. ففي عام 1856م صمم المخترع الأمريكي، (ألفريد بيتش )، آلة مشابهة، لكن باختلاف بسيط.
وفي عام 1856م صمم مخترع أمريكي يدعى، (صموئيل فرنسيس)، آلة على شكل دائري للوحة الكتابة، وجرس يعطي إنذاراً عند نهاية السطر، وحامل ورق متحرك، وشريط التحبير، وكان تصميم لوحة الحروف يشبه البيانو، فعليه مفاتيح سوداء وأخرى بيضاء.
وخلال السنوات العشر من 1850 إلى 1860م، ظلت الاختراعات تتوالى، ولكن لم تستطع آلة كاتبة منها إثبات نفسها من الناحية العملية والتجارية.
غير أن هذه الآلة العتيقة يتذكرها الأمريكيون كل عام في يوم 23 يونيو، إذ حدث -كما يقال- في يوم 23 يونيو 1868م أن تقدم شخص يُدعى (كريستوفر لاثام شولز – Christopher Latham Sholes) بطلب للحصول على براءة اختراع أول نموذج ناجح من هذا الاختراع، يسمى بـ”الآلة الكاتبة”، لتبدأ بذلك الانطلاقة الفعلية للآلة الكاتبة.
حيث قام (شولز) وهو صحفي أمريكي، ولد بالقرب من دانفيل في بنسلفانيا، وكان محررًا ناجحًا لجريدة ويسكونسن، كما خدم في برلمان ولاية ويسكونسن، بإدخال تعديلات كثيرة على هذا الاختراع، بما أسهم فى تطوير أول آلة كاتبة عملية.
وقد ساعد (شولز) أثنين من أصدقائه، هما (كارلوس جليدين – Carlos Glidden)، و)صمويل سول – Soul Samuel)، اللذان وجدوا أن هذه الآلة سوف يكون لها اثر كبير في التقدم والتطور المعرفي، ليحدث ثلاثتهم حدثت طفرة كبيرة فى تاريخ هذا الاختراع..
حيث صمم كل منهم الآلة الكاتبة في عام 1867م، وتمت براءة اختراعها في العام التالي 1868م، وكان الجهاز وقتها يشغل مساحة طاولة كبيرة.
وهذه الآلة التى تمت صناعتها لترويجها تجارياً في البداية كانت مبيعاتها ضعيفة؛ لذلك فقد باع كل من (جليدين)، و(سول) حقهما إلى (شولز)، وشريكه الجديد، (جيمس دينسمور – James Densmore)، فبدآ في تصنيع الآلة، ولكنهما كانا غير قادرين على صنعها وبيعها بكثافة.
وفي عام 1873م, باع كلاً من (شولز) و(دينسمور) براءة الآلة إلى صانع المدافع الأميركي (فيلو ريمنجتون – Value Remington) وأبنائه لتصنيعها، حيث وقعوا عقداً مع شركة (رمنجتون – Remington)، وكانت شركة لصناعة ماكينات الحياكة..
والتى بدورها بدأت بإنتاج الآلة على نطاق تجاري, وسُميت أول آلة تجارية تُعرض في السوق التجاري باسم الشركة، وكان لهذه الشركة الفضل في تقديم أول لوحة مفاتيح تسمى QWERTY Keyboard.
لتتمكن الشركة بعد ذلك من بيعها إلى المحامين والمكاتب التجارية والمصانع, وحتى المؤلفين, فكان (مارك توين – )الكاتب الأمريكي المعروف أول كاتب يسلم مخطوط كتاباً بواسطة الآلة الكاتبة إلى الناشر الخاص بنشر وطباعه كتبه، وهو كتاب (مغامرات توم سوير)، والذي يعتبر أول كتاب يتم تدوينه مباشرة على الآلة الكاتبة.
وبعد النجاح، الذي حققته شركة (رمنجتون)، في تقديم أول آلة عملية في السوق التجارية، توالت الاختراعات والابتكارات، بعضها يحقق نجاحاً، وبعضها يفشل في تحقيق النجاح المنشود.
وكان من بين هذه الاختراعات، آلة كاتبة تسمى Under Wood، أثبتت نجاحها في السوق الأمريكية، وتوالت الابتكارات عقب ذلك، حتى عَرِف العالم أول آلة محمولة في حجم قاموس صغير، مصممة على أحدث تقنية في ذلك الوقت.
عشرة مبتكرين لم يأخذوا حقهم من الشهرة رغم ابتكاراتهم المذهلة
وبعد الحرب العالمية الأولى ظهرت الآلات الكاتبة الصامتة Noiseless Typewriters، فمن الثابت أن طريقة الضرب على الحروف، كانت تسبب ضوضاء كبيرة، فاستبدل بهذا التكنيك آخر لتقليل الضوضاء.
هذا وتقتضي الكتابة على الآلة الكاتبة نوعاً من المهارة والسرعة. وقد كانت هذه المهنة سائدة بين النساء، ويرجع ذلك إلى عام 1880م. فعندما بدأت الآلات الكاتبة تظهر في أماكن العمل، لم تحظ بأي اهتمام من الرجال؛ نظراً لقلة الدخل العائد من العمل عليها.
وكانت بداية فكرة توظيف النساء في هذا المجال في أمريكا، ولا يُنكر دور النساء الرائد في اقتحام هذه المهنة. ففي عام 1881م اشترت سيدة تُدعى، كرستين، ست آلات كاتبة، وأنشأت فصلاً لتعليم الطباعة على الآلة الكاتبة، بدأته بثماني نساء، وخلال فترة وجيزة، وبالتحديد بعد خمس سنوات، أصبح من يستطيعون الكتابة على الآلة الكاتبة، حوالي ستين ألفاً في أمريكا وحدها.
ومع مرور الوقت أخذت فصول تعلم الكتابة تتطور، حتى أصبح لبعض شركات صناعة الآلات الكاتبة، مثل شركة رمنجتون الشهيرة، مدرستهم الخاصة بهم، ففي هذه المدارس كانت تُدَّرس فنون الكتابة على الآلة الكاتبة، باستخدام طريقة مشهورة، هي طريقة اللمس.
ومنذئذ صعدت الآلة الكاتبة صعوداً مدهشاً, حتى صارت لاغنى عنها في الأعمال مهما كانت, وقد تحسنت على مدى السنين, فصارت تعمل بالكهرباء، ثم دخل النظام الرقمي في صنعها، واستوحيت في صنع الكمبيوتر (الأبن الشرعي لها).
غير أنها لم تستطع أن تصمد بصوت مفاتيحها المزعج، وأزار حروفها المتفرقة، التي كانت تعمل بنقر الأصابع عليها؛ لطباعة الكلمات حرفاً وراء حرف على الورق، عبر طريقة كئيبة من خلال رفاصات معدنية، تُحفر عليها الحروف بارزة؛ لتقوم بطبع الحرف على الورقة التي تتحرك أثناء الكتابة أمام الحرف المُراد.
فقط سحقتها التقنية الحديثة تمامًا، بعدما هزمتها التكنولوجيا بالضربة القاضية، وعدم قدرتها على المسح أو التخزين أمام قدرة الكمبيوتر على تنسيق النص وحفظ المعلومات، فـلم تعد تجد لها مكاناً في عالم اليوم بعد انتشار الكومبيوترات والأجهزة المحمولة والهواتف الذكية.
المصادر والمراجع
1، 2، 3، الطريقة الحديثة في تعلم الضرب على الآلة الكاتبة العربية”، دار العلم للجميع، بيروت، 1986م.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
جميل دائما ان ترين الاشياء بمراحلها ،أستمتع بتقدمات التي تحدث
مقال مميز .