تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

مسلسل “Hellbound”.. ماذا كان ليحدث لو علمنا مسبقًا أننا سنُرمى في الجحيم حين نموت؟

مسلسل "Hellbound"
نور الهدى بن الحاج
نور الهدى بن الحاج

5 د

لطالما تحدّثنا عن تلك الفترة التي تتبع الموت، ولطالما راجت حولها الأساطير والخرافات والحكايات، وبنينا على أسسها الأخلاق. خلقنا تصوّرًا كاملًا ومتكاملًا لما سميناه خاتمة وحسابًا وتأثر هذا التصوّر بمرجعياتنا الدينية والفكرية وحتى بانتماءاتنا الطبقيّة، فوجدنا الأثرياء يلغون رحلة ما بعد الموت، بينما يطمع الفقراء في رحلة فخمة تقودهم إلى الجنّة بالسلاسل. صدر مسلسل “Hellbound” على منصة نيتفلكس، ليسهم في منح بعض الإجابات عن سؤال ما بعد الموت؟

لم أكن أعرف شيئًا عن هذا الموت وعما يحلّ بنا بعده. لم يحدّثني أحد عنه حتى رأيت أخي الصغير ينطفئ أمام عيني ونحن بصدد مشاهدة صور متحركة جميلة. لم أفهم توقفه فجأة عن الحركة. خفت فناديت ماما وأعلمتني دموعها أن الله قد اختار أخي ليجالسه ويرافقه لأن الله كان وحيدًا. ولكن لِمَ لم يخترني؟ لِمَ لم يختر جارنا المتحرّش أو جارتنا الثرثارة؟ أين سيكون أخي بعد رحيله عن بيتنا؟ كيف سيأكل وكيف سيعتني بنفسه وهو رضيع حديث الولادة؟ ماذا يمكن لله أن يفعل به؟ لم تكن ماما قادرة على الإجابة على بحر الأسئلة الذي غرقت فيه ولم أكن مستعدة للتفكير أكثر في المجهول وما بعده.


الحاضر أهمّ والحياة طويلة لمن يحبّ، على الأقلّ، كانت هذه نظرتي للوجود الإنساني ولكن Hellbound أرجعتني خطوات إلى الخلف وذكرتني بمسائل هامّة منها التفكير في ماهية الخطيئة وماهية الموت وفيما بعدهما، فما حكاية هذا العمل ولم تابعه كثيرون؟ 


 قصّة مصوّرة تتحوّل إلى مسلسل “Hellbound”

بعد مسلسل لعبة الحبار الذي انتشرت صوره ومقاطعه انتشار النار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي حتّى كدنا نفهم الحكاية دون مشاهدة أحداثها، والذي لاقى نجاحًا باهرًا في الآونة الأخيرة، تهدي كوريا الجنوبية العالم مسلسلًا آخر يعتلي عرش مسلسلات نتفليكس الأكثر رواجًا ومتابعةً منذ 19 من نوفمبر أي منذ تاريخ بثّه لأول مرّة.

هذا المسلسل ذو القصّة المبهرة والأحداث المتتالية وغير المتوقّعة هو مسلسل Hellbound المستوحى من قصّة مصوّرة بعنوان “The Hell” تمّ تعديلها قليلًا لتتماشى مع الشاشات لكاتب السيناريو والمخرج والممثل الكوري يايونج سانج هو. لكنّ هذا المسلسل لم يقف عند تلك القصّة المصورة بل راوح بينها وبين قصّة “Death note” أو مذكرة الموت، التي كان حجر الأساس فيها أيضًا قصص الموت المعلن مسبقًا وعلاقة الإنسان به وبالإله.

لئن تحصّل هذا المسلسل المتكوّن من 6 حلقات جمعت دراما الرعب بدراما الجريمة على 6.9 من أصل 10 على منصة IMdB، فقد نجح في الحفاظ على مكانه على رأس قائمة مسلسلات نتفليكس في 35 بلدًا منهم كوريا الجنوبية وفرنسا والبرازيل واليابان كما احتل المرتبة الثانية في كل من كندا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.

جاب Hellbound العالم محرّكًا أقلام النقّاد وحبّهم للتعبير عن آرائهم في مراجعات مدروسة ومنظمة، فكان أولهم Nick Allen المحرر المساعد في موقع Roger Ebert لنقد ومراجعة الأعمال المصوّرة من أفلام ومسلسلات، وقد كتب في مقال طويل، أن Hellbound هو إحدى المسلسلات التي يتمنّى المرء أن يكون لها جزء ثانٍ لتصقل أكثر.


بين الموت وما بعده من جحيم

لا يخيفنا الموت في Hellbound كما لا يخيفنا في الواقع، فهي نتيجة حتمية لحياة عشناها كما اشتهينا. لكننا نهتز رعبًا كلما تذكرنا احتمال وصول رسالة سماويّة تحكم علينا بالفناء في الجحيم، وتجبرنا على استحضار خطيئة قمنا بها ذات يوم، ولم يغفرها لنا الرب أبدًا حسب مجموعات دينية متطرفة تدعى مجموعة الحقيقة الجديدة ومجموعة رأس السهم.

تصلنا هذه الرسائل على لسان كائنات لا ندري إن كانت ملائكة أو شياطين أو كائنات أخرى لم نعطها اسمًا من قبل، وتحدّد لنا ساعة ويوم الرحيل عن هذا العالم والمضيّ نحو النيران والجحيم. لكن كيف نموت؟ نموت كما لم يمت أحد من قبل. لا حوادث طرقات ولا جلطات دماغية ولا طعنات سكين تخطفنا نحو مصيرنا القاتم بل مخلوقات عنيفة وسوداء كالكوابيس يطلق عليها سكّان مدينة سول تسمية “جلّادي الجحيم”، تقتلنا ببشاعة شديدة ثم تحرقنا لنصير رمادًا لا يفرَّق عن حبّات الرمل. ميتة موجعة وبشعة يسبقها عارٌ وخزيٌ في الحياة فاحتراق وهلاك في الجحيم.


العدالة والثأر والعقاب الدنيوي والخطيئة

“الدين أفيون الشعوب” واحدة من أكثر المقولات المكروهة والمرفوضة لكارل ماركس، ولكنها أكثرها تعبيرًا عما يحدث حلقةً تلو أخرى في هذا المسلسل، فالأديان دون تأويل وقراءات نصوصٌ ثريّة لغويًّا ومعرفيًّا عادة، لكنّها أداة لطالما استعملها الإنسان كأداة سلطة ومركز قوّة يوسّع بها نفوذه ويشبع بها غروره.

كذلك الحال بالنسبة للإله الذي ظلّ صامتًا حتى تكلمت على لسانه مجموعات متطرفة كثيرة جعلت -هنا مثلًا- من القوانين ومن مدنيّة الدولة وجهازها الأمني والقضائي ضربًا من ضروب اللهو والعبث، وأعادت تقريبًا المجتمع إلى مجتمع قبلي يتقاتل فيه الناس لمجرّد اقترافهم ذنبًا قد نعتبره نحن بسيطًا.

مضى الوقت وصار صوت هذه المجموعات التي ارتأت لنفسها منزلة الوسيط بين الله والإنسان مسموعًا، فاحتلّت وسائل الإعلام وأخافت الناس وجنت الأموال، وكانت دائمًا تبرر هذه الرسائل السماوية بفكرة ثأر الربّ منّا تمامًا، كما كانت تطلب منّا قبولها والامتثال لها لمجرّد كونها مشيئة الإله، فلا تؤمن بإرادة حرّة ولا تعرف معنى للرحمة والمغفرة.

ذو صلة

يخاطب هذا العمل -الذي يعيدنا إلى التفكير في الوجود وفي الفناء ويثير فينا حلم الخلود الذي ما زال يلازمنا- كل من يدعم الطرح المدافع عن الثأر، وعن ثقافة الانتقام والحكم على الآخر، ويصرخ في وجوهنا قائلًا إنه ما من طريق للعدالة أقصر من طريق القانون والقضاء، فالله، إن آمنّا به أم كفرنا، لا يحتاج مدافعين وجنودًا بقدر ما يحتاج محبةً واحترامًا للآخرين.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة