“أغمض عينيك” و”وصايا الصبار” .. كيف كانت ثنائية أمل عرفة وعبد المنعم عمايري في رمضان 2024؟

حالة جماهيرية خاصة حققها مسلسل "أغمض عينيك" ضمن موسم دراما رمضان 2024. لا نبالغ إن قلنا أنه عملٌ فنيٌ يدعو للإنسانية، والتأمل قليلًا، ومحاورة الذات ومخاطبتها بحب. لأن هنالك نفحة سلامٍ تأخذها بمجرد مشاهدة الحلقة تلفزيونيًا، أو تشغيلها في أيّ وقتٍ عبر المنصات الرقمية. 

وما أجمل هذه الخصوصية التي يخلقها العمل ويتميز بها وسط كل مشاهد العنف، والجنس، والشر الغارقة بها دراما رمضان. على سبيل المثال والحصر أيضًا مسلسل "وصايا الصبار"، لأن العمل يتصدر لبطولته كل من النجمة "أمل عرفة" والنجم "عبد المنعم عمايري"، اللذين يتشاركا مسلسل "أغمض عينيك" بالأدوار الرئيسية. 

يروي المخرج الشامي العتيق "مؤمن الملا"، والكاتبين "أحمد الملا" و"لؤي النوري"، واحدة من أدفئ الحكايات وأنبل العلاقات الإنسانية، قصة أم وابنها، عن "حياة وجود". 

تفاصيل هذه العلاقة ليست عادية أبدًا، لكون جود طفل مصاب باضطراب طيف التوحد، وأمله في الدنيا "حياة" امرأة هجرها زوجها الذي عصت أهلها من أجله.

مصاريف الحياة والطفل كثيرة، إلى جانب ما يتطلبه من عناية خاصة ومراعاة واهتمام مضاعف، لذلك نجدها تتورط في عملية تهريب مواد مخدرة من مستودع الشركة التي تعمل بها طمعًا بالمال، بعد أن لعب بعقلها "سليم" (محمد حداقي) أحد زملاء العمل، والذي يستمر في لعبة التحايل حتى يضعها خلف القضبان، ويفر هو بجلده. 

هذا ما يدفعها لترك طفلها المختلف في أمانة الأستاذ "مؤنس" -تجمعهما صداقة قديمة- ريثما تقضي محكوميتها في السجن ومدتها 15 عامًا. 

نرشح لك: هل تستعيد الدراما السورية رونقها القديم المفقود في رمضان 2024؟

تعود شراكة أمل وعبد المنعم الفنية إلى المشهد الدرامي بعد غياب، حيث أن "مدرسة الحب/ ثلاثية بعد الفراق" (صفوان نعمو 2016) أخر مسلسلٍ جمعهما سويًا، وقتها كانوا في بداية الطلاق. ليعودا هذا العام بثنائية جديدة، هي حديث الساعة والناس، كما كل أعمالهما المشتركة. نجاحات عديدة تقاسماها معًا، وإن تفوقت هي عليه جماهيريًا، نذكر منها: "عشتار" (أمل عرفة /ناجي طعمي 2004)، "كسر الخواطر" (محمد أوسو/ نذير عواد 2006)، "رفة عين" (أمل عرفة /المثنى صبح 2012).

ثنائية لازمتنا لسنوات أحببناها وشكلت ذاكرة درامية لدينا يستحيل نسيانها، أو نزعها من الوجدان. ويمكن اعتبار "أغمض عينيك" اليوم على غرار تلك الأعمال في الدراما السورية، مع العلم أن الكوميديا هي النوع الأبرز في مسلسلات النجمين، ولكنها شبيهة بالسمة التي لطالما اتصفت بها المسلسلات السورية، وهي أنها دراما للعائلة، والذاكرة. 

والكل لاحظ مقدار الحب والدفء في مسلسل أغمض عينيك، المغاير لمسلسلات هذا الموسم، ومواسم سابقة، ولعل حساسية القصة، واختلافها عن نوعية وأجواء الأعمال التي فاحت رائحة الدم والعنف والسطوة فيها، وتقديمها ببساطة وعفوية دون مغالاة واستعراضات واهية، هو ما جعلها تنساب داخل قلوب المشاهدين. 

أضف إلى ذلك طريقة رسم عرفة وعمايري لدوريهما، وانصهارهما التام، بأداءٍ لافتٍ غير متكلف، مشبع بالأحاسيس. والأحاسيس فقط. 

نرشح لك: “شنق القطط والعنف ضد المرأة”.. انتقادات السوشيال ميديا تطال مسلسل ولاد بديعة!

يتطرق مسلسل "أغمض عينيك" كما أسلفنا سابقًا لحكاية أطفال طيف التوحد، يستعرض النص خصوصية الأطفال وصعوبة اندماجهم مع المجتمع، مقارنةً بغيرهم من الأطفال. وأيضًا للعلاقة غير المشروطة بين الأم وابنها، القائمة على الحب فقط، دون مصالح آخرى، أو أنانيةٍ مطلقة في الامتلاك، وقبوله بكل حالاته لأنه منها، وليس مشروع استثماري طويل الأمد. 

العلاقات الإنسانية بين أبطال القصة لافتة، تصوير الشر هنا وإبرازه مهما كانت نتائجه، جاء أقل وطأة من تداعيات وحشيته. فصراع الخير والشر، ليس الحبكة التي يعتمد عليها النص. 

لا بأس بذلك، يكفينا فساد الإنسان في  كل ما تيسر من مسلسلات رمضان. 

بالطبع هناك شخصيات يدور بينها صراع، وأناسٍ بأمزجة وعقليات وطبائع مختلفة عن بعضها، وإلا كانت الحدوتة ستحمل بُعدًا واحدًا، إن لم يكن هناك تطور واضح وتدريجي. 

وأغمض عينيك تراني، يوزع اهتمامه على شخصياته الدرامية وتقدمها في سير الأحداث، لا على الحبكة، ولو أن العمل يطرح عناوين عريضة وفاعلة في تطور الحبكة تدريجيًا، منها نظرة المجتمع للعار الذي تلحقه الأنثى بعائلتها لمجرد الخروج عن شورهم، واختيار زوجها بملء إرادتها، وإن كان في الحلال. 

وهذا ما منع "أبو رجا" (فايز قزق) عن مسامحة ابنته حياة، والوقوف لجانبها ورعاية حفيده الوحيد الذي يعاني مرضٍ نفسي. العبقري قزق يجيد صوغ كل حالة يتقمصها، ممثل يعرف كيف يطوع جسده لخدمته، والدور. مشاهده جميعها مبهرة، بجبروته، وانكساره، وفي حديثه عن التفاوت الاجتماعي، وعندما أوجعه قلبه على حب حياته. 

حينما ترى السنديانة الدمشقية "منى واصف" بشخصية "أم رجا" في مشاهدها الأولى، تشعر أنها كبرت ولم تعد قادرة على العطاء كما قبل، ولكن لا تتوانى هذه القديرة عن مفاجأتك، بأداءٍ فنيٍ يخبرك تمهل أنا سيدة الدراما، أجيد التلون واللعب لأن هذه المساحة الإبداعية وهبتني ياها الحياة، وما زلت قادرة على صون الأمانة. خلابة في كيفية تمثيل "أم رجا"، وتحديد ملامحها، واختيار نبرة الصوت التي توضح انكسارها، وحزنها على وحيدتها، وعجزها عن انتشالها من قاع مآسيها. 

أما الحلا -حلا رجب وشخصية سلام- تعرف كيف تسرق القلب في كل مرة، بكاريزما الحضور والأداء المشبع بالمعرفة والشغف. حرفية حلا في اللعب أوصل كل الدفء الذي يغلف سلام، وهي التي تفتقد للهدوء والسلام العائلي، مع غياب الأب، وأم المزاجية تقود حياتها نتيجة مرض اضطراب ثنائي القطب.

ما تعانيه من مشكلاتٍ نفسية داخلية، يجعلك تشك بسلوكها ونيتها قليلًا مع الطفل جود، ولكنها أم في المعاملة من دون أن تحصل على هذه الهبة. لقطات عديدة قطعت وعيناها تسيدتا الحوار، لم تنطق بكلمة، مع ذلك وجودها كان يكفي، لأنها ممثلة نجمة تمتلك قيمة الكبار. 

أمّا "أحمد الأحمد" الممثل الخطير والمتجدد، تستغربه في البداية مع شخصية "زوربا"، الأب المتصابي الذي يهوى العيش والحرية، لكن سرعان ما تآلفه وتحبه لمقدار الحب والوفاء داخله، وإحساسه العالي تجاه الآخرين. ليثبت النجم أحمد الأحمد من جديد، أنه ممثل يغرد خارج السرب بحالته المتفردة، تمامًا كما هو المسلسل. 

وأخيرًا "جود" بطل الرواية، في المرحلتين -الطفولة والشباب- القلب يلهف للشخصية، لتميز الطفل الجميل والذكي "زيد البيروتي" والذي نأمل أن يستمر ليكون نجمًا في سماء الدراما مستقبلًا، ولموهبة الممثل "ورد عجيب" والذي يثبت أن الفن دومًا بحاجة إلى ضخ دماء جديدة تنعش فضاء هذا المجال الإبداعي. 

نرشح لك: مسلسل ع أمل رمضان 2024.. هل سر ماغي بو غصن يستحق المشاهدة؟

اعتادت السينما العالمية على اقتباس كثير من أعمالها عن الكاتب المسرحي الشهير  "شكسبير"، كون مسرحياته تصلح لكل الأزمنة، ويمكن تأويلها ضمن مشاريعٍ فنيةٍ عديدة في بلدانٍ مختلفة، مهما اختلفت ثقافات تلك الشعوب. 

واليوم قررت الدراما السورية استعارة رائعة شكسبير "ماكبث"، وإسقاطها على المجتمع السوري المعاصر. والمسرحية بكل الشر الذي فيها، تتناسب مع بعض الفئات الشريرة في عالمنا العربي، وما بالك بالدول التي نخرت الحروب عظامها. 

مسلسل "وصايا الصبار" للمخرج "سمير حسين" والكاتب "فادي حسين"، عن صراع ينشأ حول المال والنفوذ. حيث يُقدم "خلدون" (عبد المنعم عمايري) وبتحريضٍ من زوجته "نديمة" (أمل عرفة)، على قتل معلمه رجل الأعمال الحاج "سلوم الملاح" (فايز قزق)، ليلة استضافته وعائلته في منزلهم للسيطرة على إمبراطوريته. تمامًا كما فعلت الليدي "ماكبث" وزوجها، باغتيال الملك "دنكان" ليخلو لهم الطريق نحو عرش أسكتلندا، وكانت هذه أول جرائم ماكبث. 

"وصايا الصبار" مسلسل تلفزيوني لم يجد فرصةً للعرض رمضان 2023، ليتم بثه في موسم 2024 وبشكلٍ حصري على قناة "أبو ظبي". 

وهذا جاء في مصلحة جمهور النجمين "عبد المنعم عمايري" و"أمل عرفة"، للتنوع الدرامي الحاصل هذا العام في دوريهما، ولأن هذا المسلسل و"أغمض عينيك" قائمين على بطولة هذين المبدعين. 

وصايا الصبار عمل يضج بالشخصيات المضطربة نفسيًا، وأخلاقيًا، وإنسانيًا، شخوص أرواحها ملوثة بهوس المال والمكانة الاجتماعية. أمّا أغمض عينيك عمل مليء بالعواطف والمشاعر الإنسانية، والإحساس بالأخر وتقبله، مسلسلٌ لا يشبه زماننا أبدًا، ولا الحال التي آلت إليها روح البشر اليوم، وإن كان الجميع يظنون أنفسهم من الأخيّار. 

يفرح الممثل بمساحات اللعب المختلفة التي تسند إليه، وعندما يكون لديه في موسمٍ دراميٍ واحدٍ، أكثر من عمل ولا يقترب أي منهما من الآخر في التركيبة الفنية، يكون هذا بمثابة إنجاز لإبراز أدواته الفنية، وقوته كممثل. حتى ولو أن الناس والنقاد يدركون حجم الموهبة لهذا الفنان. لكن المبدع دائمًا بحاجة لنفض الغبار عن نفسه، وإعادة اختبار ذاته، وإحياء موهبته بصورة مغايرة وأماكن لم يذهب إليها من قبل. 

نرشح لك: دراما الحقب الزمنية القديمة تحضر بقوة في مسلسلات رمضان 2024!

وهذا ما اختبرناه مع الممثلة أمل عرفة في وصايا الصبار وأغمض عينيك. لم يسبق وأن رأينا كل هذا الشر في شخصية ما لأمل، فشخصية نديمة يكاد الخير يغيب عنها، لعلها دفنته في طفولتها، حتى في حنيتها على أولادها، تشك في أمرها. شخصية نرجسية، وسايكو، على عكس حياة الملأى بالحب والعطاء. 

اختلاف الشخصيتين وطريقة تطريز كل منها، يؤكد أن عرفة تجيد الاشتغال على الإحساس وتكنيك الممثل، وتعلم كيفية الغوص في متاهات عوالم الشخصية، والإنصات لها. هي جوكر حقيقي في كل عمل، والأدوار الدرامية مهما بلغت بساطتها أو تعقيدها النفسي غير أنها في مآمن معها، تكسب الرهان دائمًا. 

أمّا عبد المنعم عمايري هذا الممثل الذي لا تعنيه النجومية، والذي يعمل بحواسه كافة بهدف الإبداع والامتاع، لا يمكن إلا أن تقف احترامًا له في كل مرة، لتفرده في صياغة شخوصياته، إن تباعدت أو تقاطعت في تفصيلٍ ما. آخاذ هو الأستاذ مؤنس بحساسيته العالية تجاه جود طفل التوحد، وتتفهم أنانيته وحب التملك لديه، لأن هذا طبع الإنسان، وخلدون الضعيف أمام نديمة المسيطرة والمتلاعبة، لا تعرف إن كان بالإمكان التعاطف معه أحيانًا، ولكن الأكيد أنه ونديمة من ذات الطينة. 

شخصيات أمل وعمايري هزت مشاعرنا، سلبًا وإيجابًا، والأهم المتعة التي تتجلى في رحلة اكتشافنا لجوانبها المظلمة والنيرة.

نرشح لك: مسلسل تاج للنجم تيم حسن برمضان 2024.. ملحمة سورية هل تستحق المشاهدة؟