تريند 🔥

🤖 AI

كاسباروف، البطل الذي جعل من الشطرنج حياة أخرى

كاسباروف، البطل الذي جعل من الشطرنج حياة أخرى 1
أبـو بكــر سليمـان
أبـو بكــر سليمـان

6 د

حين ربح أخيراً في أطول وأغرب مباراة شهدها تاريخ الشطرنج، أخبره مدربه في نهاية اليوم “عليك أن تحزن قليلاً، فأفضل يوم في حياتك قد مر لتوه”.

كيف تعلم أنك ذكي؟ كيف تدرك أنك موهوب في أمر ما؟ لا بد لك من اختيار يعوقك في مرحلة مبكرة من عمرك، وهذا ما حدث بالفعل للفتى “جاري كاسباروف” الأذربيجاني الأصل المولود لعام 1963، حين استطاع أن يحل معضلة لعب شطرنج بين والديه قبل أن يبلغ السابعة، ومن يومها عرف كل من حوله أن قصة هذا الفتى لن تكون بسيطة.

ksa_6

رغم وفاة والده في سن صغيرة إلا أن والدته اعتنت بأن تصقل لديه مهارة لعبة الشطرنج، وخاصة أن هذه اللعبة كانت مصدر دعم حكومي سوفييتي، ففي سن العاشرة التحق بمدرسة “ميخائيل بوتفيـنينك” للشطرنج ليحصد لقب بطولة “الاتحاد السوفييتي للناشئين” في عمر الثاني والثالثة عشر على التوالي.

لكن هذا الفتى لم يلمح إلى شيء عظيم، حتى أتته دعوة من منظمي بطولة “سوكولسكي” للمحترفين، كنوع من التشجيع لمهارته بإعطائه استثناء لحضور البطولة رغم أنه لم يدخل ضمن التصنيف العالمي بعد، ولكن الفتى لم يفوت الفرصة فحصد المركز الأول ليحمل لقب Chess Master لأول مرة في العام 1978 في سن الخامس عشرة.

جاء هذا الانتصار مذهلاً بحق! لتتوالى الدعوات عليه من بطولات عديدة، ليحصد بطولة العالم للشباب عام 1980 في “دورتموند”، ومن بعدها يتوج في “أولمبياد الشطرنج” في “مالطة” ليصبح أصغر Grand Master وهو في سن السابعة عشر.

Autosave-File vom d-lab2/3 der AgfaPhoto GmbH كاسباروف

توالت الانتصارات في حياة “كاسباروف” حتى استطاع أن يحتل المرتبة الأولى في التصنيف العالمي عام 1984 وهو الوقت الذي ظل يفوز فيه حتى تلقى أول هزيمة له عام 2000 من الروسي “فلاديمير كرامنيك”.


كاسباروف – كاربوف، اللعبة أم السياسة؟

ربما لا يمكننا في تاريخ مباريات الشطرنج أن نسرد مواجهة قامت بهذا الشكل الدراماتيكي الرهيب، حتى أنَّ هذه المواجهة تم توثيقها وحدها في أفلام وثائقية وكتب عدة.

كاسباروف

بدأت المواجهة في بطولة العالم للشطرنج عام 1984 حين جمع النهائي كل من “كاربوف” المقرب تماماً من حزب السلطة السوفييتية و”كاسباروف” المثار حوله الشكوك حول معارضته للنظام السوفييتي، وقد كان بادياً للجميع أن الدولة تقف خلف “كاربوف” بقوة بالدعم المادي والمعنوي.

وكانت المباراة تقوم على مبدأ أن الفائز بست جولات هو المنتصر أخيراً، وما أن بدأت المباراة حتى ظهر التوتر واضحاً على “كاسباروف” الذي ظل يرتكب الأخطاء ويفوت الفرص حتى وصلوا بعد ساعات إلى نتيجة أربع جولات مقابل صفر لصالح “كاربوف” ابن النظام.

ولكن فجأة وعلى غير المتوقع غير “كاسباروف” أسلوب لعبه، لينتفض من جديد ويصل بنتيجة المباراة إلى ثلاث جولات لصالحه مقابل خمس لصالح “كاربوف”، وكان جلياً ان “كاسباروف” بدأ يلعب على العديد من نقاط ضعف “كاربوف” وهنا حدث قرار تم اتّخاذه لأول مرة -وربما المرة الوحيدة- في تاريخ الشطرنج، أن يتم إلغاء المباراة دون أي نتيجة!

أن تكون في الاتحاد السوفييتي فكلمة “لا” وقتها ربما تعد من أخطر التهم الكافية بإقصائك عن الحياة، وهو ما فعله “كاسباروف” الذي صعد إلى المنصة أمام العالم ليعبر عن رفضه التام لهذا القرار، وهي الكلمة التي أكدت شكوك الكثيرين حوله، هذا فتى مشاغب أكثر من اللازم.

وفي الأخير تمَّ الاتّفاق على إقامة المباراة مرة أخرى بعد أشهر، حيث أنَّ التعادل فيها يصبح لصالح “كاربوف” ليتمكن “كاسباروف” بربحها بفارق جولتين، ليصبح أصغر لاعب يحصد لقب كأس العالم في عمر الثانية والعشرين وقتها.

ولأنَّ القانون وقتها كان يمنح حق الخاسر أن يطلب مباراة أخرى، وكان العالم قد حبس أنفاسه في المباراة الأخيرة، فبناء على طلب “كاربوف” تمَّ إقامة مباراة أخرى بين اللاعبين عام 1986، استغلها الاتحاد السوفييتي في الترويج لذكاء بني شعبه، فتم إقامتها بين مدينتي “لندن” و”ليننجراد”، وقد كانت مثيرة جداً حتى انتهت لصالح “كاسباروف” بفارق جولة وحيدة.

مباراة رابعة تقام بين اللاعبين في العام 1987 يصنفها بعض الخبراء أنها كانت الأقوى بين اللاعبين، حيث انتهت في الأخير بالتعادل وهو ما حفظ لـ “كاسباروف” لقبه، وهنا يحدثنا الخبراء عن أن يلعب لاعبين كبار مثل هؤلاء أربع مباريات في أقل من أربع سنوات، لهو أمر نادر الحدوث حقاً! وكم كان هذا الجيل من لاعبي الشطرنج محظوظاً أن يحضر مناسبة كهذه أربع مرات في عمره.


الإنسـان مقابل الآلة

 كاسباروف

حين نتحدث عن عقد الثمانينات، فهو العقد الذي حاول فيه علماء الحواسيب أن يثبتوا للعالم أنهم يمكنهم تمثيل الذكاء البشري عبر الحواسيب، وأنه يوم ما قد تساعدنا على اتخاذ القرارات الكبيرة، ولكن الأمر لم يكن سهلاً للإثبات حتى أتت الفرصة حين بدأت الدعوة للمنافسة بين أذكى بشري وأذكى حاسوب في مبارزة معقدة من الحسابات والعلاقات الرياضية، وهنا لم يجدوا أصدق لعبة من الشطرنج لتمثيل هذه المبارزة، ولم يجدوا أفضل من “كاسباروف” ليمثل جنس البشر في هذا التحدي.

بدأت أول مباراة من هذا النوع بالفعل في العام 1985 حين واجه “كاسباروف” 32 حاسوباً في نفس الوقت في 32 مباراة مختلفة، وانتهت بفوز الإنسان أخيراً في جميع المباريات.

كاسباروف

هذا الأمر  نبه علماء الحاسوب أنه لا زال لديهم الكثير ليفعلوه ليتمكنوا من الفوز بمباراتهم، فأقيمت مباراة أخرى عام 1989 بالحاسوب الأول من نوعه Deep Thought والذي تلقى هزيمة أخرى، واستغرق الأمر سبع سنوات لتأتي شركة IBM بجهازها الذي راهنت عليه الكثير Deep Blue في العام 1996 لتواجه “كاسباروف” في مباراة شهيرة كانت بالغة الصعوبة انتهت بفوز “كاسباروف”، لكن مباراة أخرى بين النسخة الأحدث من Deep Blue أقيمت عام 1997 ليتمكن أخيراً الجهاز صاحب حساب ملايين النقلات في الثانية الواحدة من هزيمة العقل البشري “كاسباروف”.

مواجهات (الإنسان – الآلة) لم تنته عند هذا الحد، فخاضت الحواسيب مباريات عديدة ضد البشر وكانت الغلبة هنا وهناك. وربما نتذكر تحدي الحاسوب X3D Fritz الشهير في العام 2003 والذي انتهى بفوز “كاسباروف” بمبلغ 175 ألف دولار أمريكي بعد فوزه بالمباراة.


العظيم يأتي بالأعظم

kas_3

غالباً ما تأتي قصص النجاح الفردية مبتورة تبدأ وتنتهي عند نفس بطل القصة، لكن لأنَّ “كاسباروف” مختلف فقد عمد إلى أن يكون معلماً ومدرباً لأجيال عديدة من لاعبي الشطرنج، ولكن أشهرهم بالتأكيد هو اللاعب “ماغنوس كارلسن Magnus Carlsen” وهو تلميذ “كاسباروف” وأول من يكسر رقم “كاسباروف” العالمي ليحقق 2882 نقطة وهو الرقم الأعلى في تاريخ الشطرنج.

ظلَّ “كاسباروف” المدرب الرسمي لهذا البطل، حتى قررا في العام 2010 أنه حان وقت الانسحاب من الشراكة، وقد أظهر كل منهم أنه كان سعيد بتلك التجربة التي جعلت من الأسطورة “كاسباروف” أن تنجب أسطورة أخرى “كارلسن”.


الشطرنج أسلوب حياة

kas_4 كاسباروف

في العام 2005 قرر “كاسباروف” أنه سينسحب من خوض مباريات المحترفين، وأنه سيعمد إلى التفرغ في المجال السياسي والكتابة، وصار من يومها من أبرز معارضي النظام الروسي وخاصة حكومة “فلاديمير بوتن” والتي نظم العديد من المظاهرات ضدها، واحدة منهم أودت به لحكم قضائي بالحبس لمدة قصيرة، حينها تلقى في محبسه هدية من غريمه اللدود قديماً “كاربوف”، كانت عبارة عن عدد من إحدى مجلات الشطرنج وكأنه يحدثه أنه في النهاية كل ما حدث كان مجرد لعبة، وأن الشطرنج الحقيقي ليس إلا في أسلوب الحياة.

ذو صلة

قصة “كاسباروف” قصة أكبر من أن يختصرها مقال كهذا، ولكننا أحببنا أن نسرد قصة عقل ذكي، استطاع من حوله أن يعتنوا بموهبته، واستطاع هو أن يكمل مسيرته وأن يرعى الأبطال من حوله ويسعى لخدمة مجتمعه. لربما بحث أحد منكم عن “كاسباروف” آخر حوله شاءت الظروف السيئة من الرعاية والتعليم أن تمنعنا من اكتشاف موهبته في مجتمعنا العربي.

وأنت عزيزي القارئ، أي من فترات حياة “كاسباروف” قد لفتت انتباهك أكثر؟ وهل يمكننا نحن العرب أن يكون لدينا واحد آخر مثله في بيئة عربية كاملة لا تضطره للهجرة؟

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ما فهمت أن سر النجاح هو الغش هههه ,, على العموم مقال جيد واصل.

حتى و ان وقف شخص ما وراء ذلك الغش, كيف يمكن له ان يصبح الاول في لعبة الشطرنج و هناك من يفكر افضل منه .

مقال جيد وقصه ممتاذة وعبرة ونحن العرب ايضا لدينا من هم افضل منه بكثير وعقول نيرة ولاكن للاسف لا احد يسمعهم ولا يقدرهم فلا خيار امامهم الا الهجرة

نسي الكاتب أنه عندما خسر أمام deep blue اتهم الحاسوب بالغش
و هذا ليس بالغريب فقد حدث سابقاً أن غشت شركات الحواسيب بإخفاء لاعب وراء الحاسوب

مقال رائع يجمع بين المعلومات والأسلوب الأدبي الجيد

كاسباروف بطل شطرنجي قدير لكن “بوبي فيشر” هو أسطورة الشطرنج وجوهرة التاج ..
قد يدنو “ماغنوس كارلسن” من بوبي وقد لا يدنو أبدا .

ذو صلة