تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

تصرّف كأنك قادر على التغيير: كيف ساهم وليام جيمس والبراغماتية في التأسيس للإرادة الحرة للإنسان؟

وليام جيمس
د. بتول محمد
د. بتول محمد

4 د

نعيش اليوم تحت وطأة الشعور بالضعف، وبعدم القدرة على فعل أي شيء، نشعر بأننا مكبلين ولا نمتلك حق الاختيار أو اتخاذ القرار، كل هذا قد يكون سبباً يدفعنا للتفكير بكيفية مختلفة للتغيير والخروج من واقع صعب ومثقل بالعقبات.

في هذا الواقع الذي نحتاج فيه لحلول عملية أكثر، حلولٌ نجد ملامح تطبيقاتها على أرض الواقع، وتدفعنا للتفكير بأشد حالاتنا سوءاً، بالحقيقة مهما كانت، كي نكون قادرين على التخلص من عبء ما نعاني منه في حياتنا، فنحن نستطيع إن أردنا.

تبدو الأمور مع البراغماتية أشبه لما يرد في كتاب the philosophy book، فلو تخيلنا أننا ضعنا في غابة ما، وفجأة اتضح الطريق لنا، فنؤمن بأن هذا الطريق سيقودنا إلى الطعام والمأوى، وعندها نقوم بالفعل ونتجه نحو الضوء المتاح حتى نجد طريقنا للخروج بأمان، فأفعالنا تدفعنا لتحقيق ما اعتقدنا به، ومع قيامنا بالفعل توقعاتنا لحقيقية، وعدم القيام بالفعل يعني الموت والضياع في الغابة.

والبراغماتية مذهب فلسفي نشأ في أمريكا على يد الفيلسوف تشارلز بيرس عام 1878م، وتطورت على يد الفيلسوفين جون ديوي، ووليم جيمس، وقد جاء هذا المذهب حسب جيمس بوصفه طريقة لحسم المنازعات الميتافيزيقية، ولتفسير كل فكرة بتتبع واقتفاء أثر نتائجها العملية، انطلاقاً من معنى المصطلح في الفلسفة اليونانية وتعني العمل، فتكون البراغماتية بذلك طريقة لحل المنازعات الميتافيزيقية، وتقفي أثر الأفكار انطلاقاً من نتائجها العملية.

ذو صلة

وعليه فقد عمل جيمس على بناء فلسفته بالانطلاق من رغبته في تلك الفترة لمساعدة بلاده التي كانت تعاني من التشظي والانقسام، وربما كان يسعى إلى تأكيد أهمية الإرادة الحرة للإنسان ودورها في إحقاق الحقيقة فهو الذي يقول في كتابه البراغماتية بأن "القصد، والإرادة الحرة، والعقل المطلق والروح بدلاً من المادة تكتسب معنىً ومغزى فريداً خاصاً بها يبشر بأمل أحسن بالقياس إلى حصيلة هذا العالم"

كل ما سبق يضعنا أمام مجموعة من التساؤلات التي قد تساعدنا في فهم معنى الإرادة الحرة أهمها:

ما هي الحقيقة؟ وكيف يبدو العالم بالنسبة للبراغماتية؟

كيف تتبلور الإرادة الحرة في الواقع؟


الحقيقة ثم الحقيقة

يُعد الأمريكي وليم جيمس (1842- 1910)م فيلسوفاً وعالم اجتماع بامتياز، ولكنه كان أيضاً عالم نفس ساهم بجعل علم النفس في أمريكا علما مستقلاً بحد ذاته، وانطلق في فلسفته من رغبته ببناء حياة أفضل للإنسان، ولذلك فقد وضع هدفاً أساسياً نُصْبَ عينيه، ألا وهو البحث عن الحقيقة بوصفها ضرورة لا بد منها للوصول إلى تلك الحياة المرغوبة.

لقد رأى وليم جيمس أن العالم خاضع لإرادة الإنسان، والحقيقة هي من إبداعه، ولذلك فتحقيق الإنسان لذاته ليس مستحيلاً، بل يمكننا التفكير بواقع أفضل وتحقيق ذواتنا إذا امتلكنا هذه الحقيقة، واستطعنا فهم إرادتنا وقدراتنا بشكل صحيح، على أن نفهم هنا أن المطلوب ليس امتلاك المعرفة وإنما الاستفادة من نتائجها العملية.

ويشير جيمس إلى أن الحقيقة لا تكون جاهزة أمامنا، وليس علينا انتظار خروجها من الكتب، وإنما نحصل عليها من الواقع العملي الذي نعيشه فالعلاقة بين صدق الفكرة وموضوعها تتبدى من نتائجها، وفي ذلك يقول وليم جيمس في كتابه معنى الحقيقة أن البراغماتية ترى "الأفكار الصادقة هي التي نستطيع إدراكها، ونقر بصلاحيتها وندلل على صحتها، وإثباتها، والتحقق منها".


العالم بناء مترابط

يؤكد وليم جيمس على أن العالم كلٌ مترابط، يخضع للخبرة المباشرة، والتي تعطينا القدرة على اتخاذ القرار تجاه العالم، فالمعرفة تقوم على التجربة الحسية، ولكن التجربة الحسية عند جيمس تختلف عن التجريبية الإنكليزية التي كانت ترى العالم عبارة عن ذرات منفصلة.

مع جيمس أصبحت المعرفة "تياراً من الشعور سيالًا متصلًا لا فواصل فيه ولا روابط، مثل تيار النهر الجاري"، وهذا يؤكد مرة أخرى أن العالم كلٌ مترابط واحد ويجعل من فيلسوفنا يفسر المعرفة من خلال الباحث أو الدارس لنظرية المعرفة والذي يكون بمثابة الضامن للوجود الواقعي، فالمعرفة هي التي نحقق بها علاقات مفيدة مع الواقع على حد تعبير جيمس.


أنت قادر على التغيير… يكفي أن تقرر

بالنسبة للبراغماتية، فإن كل فرد قادرٌ على تحقيق ذاته ضمن هذا العالم، وتأتي هذه القدرة من خلال العمل، فالعمل هو ما يجعل الاعتقاد قابلا للتحقق.

إذاً أنت من يستطيع اتخاذ القرار حول ما تستطيع فعله وما لا تستطيع، والحياة العملية هي التي تعطيك القدرة على اتخاذ القرار، وربما هذا يضعنا أمام فكرة تبدو هامة لنا اليوم، ألا وهي أن الظروف قد تكون قاسية، وأحياناً تكون أكثر قسوة ما نتوقع، وهذا يضعنا في وجه طرقات مسدودة، نعتقد بسببها بأننا لم نعد قادرين على الإنجاز، أو على الفعل، مما يسبب لنا التراجع والخوف من الإقدام.
ولذلك قد تكون أفكار وليم جيمس حلاً لشعورنا بالضعف وعدم القدرة، وقد تساعدنا لتخطي أكبر الأزمات التي قد نمر فيها، إذ أننا عندما نكون متأكدين من قدرتنا على الفعل، ومن قدرتنا للوصول إلى نتائج عملية في حياتنا، ستكون المحاولة ذات معنى.
في النتيجة كن قوياً، وفكر بأنك قادر على التصرف واتخاذ القرار مهما كان الموقف صعباً، عندها فقط سيلوح التغيير في الأفق.

اقرأ أيضًا: برغسون وفلسفته: عندما يكون الشعور مبررًا للوجود الإنساني

المراجع:

  1. بدوي، عبد الرحمن، موسوعة الفلسفة، الجزء الأول، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1984، ص448- 452.
  2. جيمس، وليم، معنى الحقيقة، ترجمة أحمد الأنصاري، مراجعة حسن حنفي، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2008.
  3. جيمس، وليم، البراغماتية، ترجمة محمد علي العريان، تقديم: زكي نجيب محمود، المركز القومي للترجمة، القاهرة.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

مقال رائع، و شكرا لك على تنويرنا نحو “الفلسفة البراغماتية”، و ما تحويه من عبر ينبغي على المرء إستخدامها لفتح بوابة له في هذا العالم، على ان تكون أيضا أداة لبناء طريق معبد له يسير به نحو الأمام، متجاوزا بها صعوبات الحياة كذلك.

ذو صلة