جوان رولينغ

7 د
كل من يلجأ للكتابة يحمل هدفًا أساسيًا للتعبير عن شيء ما بداخله، مثل وصف شعور ما أو سرد قصة عن ذاته أو من وحي خياله، بطريقة مميزة غايتها في النهاية هي إنتاج عمل جيد والحصول على شعور أفضل بعد الانتهاء منه. وبعض الكتاب في مهمتهم تلك لا يشغل بالهم سوى تلك النتيجة النهائية والشعور بالرضا النفسي والأدبي عن أعمالهم، مهما كانت السبل المتاحة للنشر، وهذا الحال انعكس على بعض الكاتبات منذ قرون طويلة وحتى وقتنا الحالي، فهناك كاتبات نشرن أعمالهن الأدبية تحت أسماء مستعارة لرجال هربًا من سطوة المجتمع الذكوري وأحكامه.
اقرأ أيضًا:
أقوى نساء العالم من الكاتبات الملهمات الأكثر تأثيرًا خلال 2020
بعض الدوافع التي تقف وراء ذلك حركتها عوائق مجتمعية بسبب نظرة المجتمع للعمل الأنثوي بأنه دون المستوى، أو دوافع أخلاقية، أو خوف من عدم المبالاة بالقيمة الأدبية للعمل، فقط لوجود اسم أنثوي على غلافه.
إليك قائمة تضم مجموعة من الكاتبات اللواتي فضلن نشر أعمالهن الأدبية بالتخفي وراء اسم رجل، فأطاحت قوة أقلامهن بخرافات المجتمع الذكوري:
وقفت امرأة محطمة على رصيف القطار في عام 1990، تنتظر ميعاد رحلتها القادمة في يأس تام، وتشعر بوحدة قاتلة بعد وفاة والدتها وانفصالها عن زوجها، تتحمل عبء طفلتها الوحيدة ومستواها المادي شديد التدني، حتى خطرت لها في تلك اللحظة فكرة قلبت موازين حياتها للأبد.
الفكرة هي كتابة قصة عن فتى صغير يدعى هاري بوتر يعاني من ألم الوحدة مثلها، وهي القصة التي حولتها إلى أول مليارديرة في العالم من الكتابة. لكن خلف تلك القصة المؤثرة جانب مظلم والكثير من الكفاح، حيث رفضت الكثير من دور النشر قصة رولينغ، والناشر الوحيد الذي قبل أن ينشر لها قصتها، رفض كتابة أسم روليغ الحقيقي قائلًا أنه لن يتحمس الأطفال لقراءة كتاب كتبته امرأة، وخضعت رولينغ لذلك الأمر ووافقت على نشر السلسلة تحت اسم ج. ك. رولينغ.
وحتى بعد أن نجحت السلسلة نجاح هائل، وعرف العالم هوية الكاتبة الحقيقة، استمرت رولينغ في استخدام اسم مستعار على أغلفة مؤلفاتها التالية، فبعدما قررت دخول عالم روايات الجريمة الخيالية، وبدأت النشر تحت اسم روبرت غالبريث، وتلك المرة صرحت بأنها قامت بذلك حتى تكتب بحرية أكثر بعيد عن ثقل النقد والتوقعات، وبصفة خاصة، إنها صاحبة ملحمة هاري بوتر التي نجحت بشكل خالف كل توقعاتها.
اقرأ أيضًا:
هارلي بوتر.. ماذا لو كان هاري بوتر فتاة؟
الكاتبة Amantine Aurore Lucile Dupin – أمانتين أورو لوسيل دوبين، ابنة الثورة الفرنسية التي مثلت لكتاب عصرها رمز الثورة والجهاد والتفاؤل، نشرت أعمالها الروائية باسم George Sand – جورج ساند.
كانت أمانتين من عائلة فرنسية أرستقراطية، ولها في النضال الأدبي العديد من الروايات العظيمة بجانب مقالاتها السياسية الهامة، بالإضافة لنشاطها الدائم في الدفاع عن حقوق المرأة، وبالرغم من استعانتها باسم مستعار لنشر أعمالها الأدبية، لكن هويتها النسائية كانت ظاهرة ومعروفة للقراء.
والكاتبة Nelle Harper Lee – نييلي هاربر لي، والتي نشرت عملها الروائي الوحيد To Kill a Mockingbird – أن تقتل طائرًا بريئًا باسم Harper Lee – هاربر لي، وبالرغم أنها لم تنشر سوى ذلك العمل الأدبي طوال حياتها، لكنها فازت بسببه بجائزة البوليتزر الأدبية، واعتبرت روايتها من أهم روايات الأدب الأمريكي، والتي تتناول قضية التمييز العنصري في إحدى مدن أمريكا.
ننتقل إلى الكاتبة Charlotte Brontë – شارلوت رونتي، أكثر الروائيات تأثيرًا في التاريخ، صاحبة رواية Jane Eyre – جين آيير، التي أحدثت شهرة كبيرة على مر الزمان، اختارت أن تقوم بالنشر تحت الاسم المستعار كيور بيل.
فقد ايقنت أنه في ظل المجتمع الذكوري الذي تحيى فيه لن تستطيع أن تحظى بحريتها الأدبية، وبالتالي فهذا الاسم هو سبيلها الوحيد للنجاح، وبالفعل قد ساعد الاسم المستعار برونتي في الحصول على حقوق النشر والتقدير الأدبي.
ولدينا أيضًا الكاتبة Alice Bradley Sheldon – أليس برادلي شيلدون، المرأة التي انخدع فيها القراء، وظنوا أن روايتها تُكتب بقلم ضابط في المخابرات العامة، يحاول إخفاء هويته عن الناس خلف اسم مستعار على أغلفه كتبه.
اختارت شيلدون الكتابة في نوع فريد من الأدب، اقتصر فقط على الرجال في ذلك العصر، وهو أدب الخيال العلمي، وكتبت تحت اسم James Tiptree – جيمس تبتري، وكانت صدمة للوسط الأدبي كله عندما عرفوا أن وراء تلك القصص الرائعة قلم امرأة.
وهناك أيضًا، Mary Ann Evansx – ماري آن إيفانس، واحدة من أشهر أدباء العصر الفيكتوري، وصاحبة رواية Middlemarch – مدلمارش، بدأت مسيرتها الأدبية باسم جورج إليوت، حتى لا يتم تقييم عملها الأدبي بكونها امرأة فقط، والتحقير منه ليس بسبب نظرة المجتمع غير العادلة فقط بل جنس الكاتب.
وبعد نشر روايتها Adam Bede – آدم بيد نجحت ونالت الكثير من الثناء؛ لذا قامت إيفانس بالكشف عن هويتها الحقيقية في تلك اللحظة، لكنها ولأسباب أخلاقية بعد زواجها من جورج هنري لويس الذي كان في علاقة زواج مفتوحة مع امرأة أخرى، اختارت أن تكتب دومًا تحت مظلة اسمها المستعار حتى لا تلتصق الفضيحة بأعمالها الأدبية.
الكاتبة الإنجليزية الشهيرة Virginia Woolf – فرجينيا وولف هي واحدة من أكثر الكاتبات تأثيرًا في عالم الأدب، تناولت نظرية خالصة عن ذلك الأمر في مقالها A Room of One’s Own – غرفة تخص المرء وحده، عندما افترضت وجود أخت خيالية للكاتب شكسبير تملك نفس موهبته في الكتابة وقدرته على تشكيل الكلمات بذكاء، وتسألت: إذا كان لدى شكسبير أخت حقيقية هل كانت سوف تحظى بنفس المكانة الأدبية أو الحرية الفكرية؟
بالتأكيد لا، بل كانت حياتها الأدبية سوف تقتصر على صفحات مختبئة بين جدران غرفتها، ويحصرها المجتمع فقط في دور تأهيلي لجعلها زوجة وربة منزل مناسبة، في الوقت الذي ستظل تلك الفتاة المسكينة مجهولة ومهملة لكن أخيها سوف يتمتع بالشهرة والثروة تقديرًا لأعماله الأدبية.
وبهذا التخيل توضح فرجينيا وولف مأساة السجن المجتمعي للتجارب الفكرية الأنثوية، ويتضح أن تلك المعاناة جعلت المرأة في صراع دائم مع طموحها الذي يُبدد بسبب المجتمع الذكوري، وهو لا يبالي بإنجازات المرأة وبقدرتها الفكرية؛ فلجأت بعض النساء إلى التخفي وراء اسم مستعار لرجل لتعفي نفسها من الحكم المجتمعي المؤلم، وحفاظًا على ماء وجهها في الساحة الأدبية.
بالرغم من ذلك استطاعت فرجينيا وولف جعل أعمالها الأدبية محط اهتمام من العالم اجمع بسبب قوتها الفكرية والإبداعية، فقد أجادت الحكي عن الصراع الداخلي للنفس البشرية ببراعة، واستغلت دوافع الاكتئاب المرضي لديها في ثراء تراثها الأدبي العظيم، وأسست نادٍ للمثقفين ببيتها في منطقة بلومزبري في لندن، وكانت المرأة الوحيدة وسط الكثير من المبدعين الرجال، مثل: (روجر فراي – ليونارد وولف – كليف بيل – أم. فورستر).
وأسسوا معًا حركة فكرية تسعى لكسر الحواجز الأدبية النمطية ووضع ملامح أساسية جديدة في الكتابة، وذلك بدى واضحًا في كتابات وولف والتي تميزت بالتلاعب الزمني والاعتماد على المونولوج الداخلي، والتعمق في النفس البشرية ومعانتها وصراعها الذاتي، لتوضح تعقيدات العقل البشري بأبسط طريقة ممكنة، المهارة التي انعكست في روايتها السيدة دالاوي.
في النهاية.. رغم الصعوبات والمعوقات التي واجهها القلم الأنثوي، فقد استطاع أن يفرض نفسه في الساحة الأدبية بنجاح ساحق، وللعرب تجارب أنثوية مميزة تستحق الفخر، مثل قلم العظيمة رضوى عاشور، التي أجادت سرد التاريخ القاسي في أحداثه بسلاسة وعذوبة حروفها، لتروي عنه وعن القضية الفلسطينية بقلم عميق ومميز، والرائعة بثينة العيسى التي تتعمق في كافة صراعات المجتمع لتصفها بقلم جريء في تعبير فريد في معانيه.
لك أيضًا:
تمكين المرأة تاريخيًّا: من حق التعليم إلى المناصب الإدارية
أحلي ماعندنا،واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّة واحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.