رواية ملائكة وشياطين للكاتب دان براون: عن الصراع الشائك بين رجال الدين والعلم
5 د
في هذا المقال سوف نناقش (من وجه نظر أدبية) رواية “Angels and Demons – ملائكة وشياطين” للكاتب الأمريكي “Dan Brown – دان براون”، التي صدرت في عام ٢٠٠٠، وترجمت إلى أكثر من أربعين لغة، وبيع منها الملايين من النسخ حول العالم.
ملائكة وشياطين وصراع رجال الدين والعلم
في معظم الأوقات تكون العلاقة بين الأدب والدين علاقة معقدة وشائكة، فأغلب الديانات على سطح الأرض، والتي عمرها يتجاوز مئات من السنين بل وحتى الآلاف، تصبح مع الوقت طوائف شتى، وتصبح عصية للنقد وللتحليل، فعندما يقوم كاتب أو مخرج أو سيناريست بمس أي رمز ديني سواء بحسن نية أو سوء تصبح الخلافات والردود بين المؤيدين لكلام الكاتب أو المعارضين جدالًا لا نهاية له، وقد تصل إلى حد التهديد بالقتل، وبالفعل قد تلقى كل من مخرج فيلم “شيفرة دافنشي“، و”ملائكة وشياطين” رون هوارد، والمنتج بريان جريزر، بل وحتى طال التهديد توم هانكس نجم روايات وأفلام دان براون الممثل.
نرشح لك قراءة: الأصل رواية دان براون: حقيقة الصراع الأزلي بين العلم والدين
في البداية، يشتهر الكاتب “Dan Brown – دان براون” المولود في سنة 1964 بروايات ذات طابع يتسم بالمؤامرة، وحققت أعلى مبيعات، وخاصة في عام ٢٠٠٤ حيث حصدت أربع روايات له مراتب التصنيف الأولى خلال أسبوع واحد، فمن رواياته: “الحصن الرقمي” و”حقيقة الخديعة” و”الرمز المفقود“، وبالطبع رواية “شيفرة دافنشي” التي حولت إلى فيلم سينمائي، وكذلك رواية “الجحيم” ورواية “الأصل” والتي حولوا أيضًا إلى أفلام سينمائية.
رجل الرموز
الروايات الخمس المذكورة للكاتب دان براون جعلها كلها تدور في فلك رجل واحد يدعى “روبرت لانغدون”، ذلك العالم الفذ في فك الرموز والشيفرات سواء القادمة من الحضارات القديمة أو العصور الوسطى، بل جعله مطلبًا لدى وكالات المخابرات الغربية لفك الرموز المصاحبة للجرائم، التي يفضل صانعوها ترك بصمتهم، تاركين الجنائيين في حيرة يصعب الخروج منها.
يتبين لنا منذ البداية طلب الفاتيكان لانغدون، من أجل حل بعض الرموز، والمساعدة المستعجلة في حل أصعب أزمة يواجهها الفاتيكان منذ نشأته، رغم عدم يقينهم بجدوى لانغدون بحجة عدم الإيمان، ولكن لا يوجد حل إلا تقديم أرشيفهم وكل ما هو خفي له، عسى بأن يستطيع إنقاذ ما تبقى من عالمهم المتهاوي أصلًا.
الحرب الخفية
يصور لنا دان براون بأدبه الساحر حرب لا تخرج عادة إلى العامة، وهي حرب بين رجال الفاتيكان أنفسهم، والصراع الخفي على سلطة اللاهوت، فيكتب لنا عن ظهور جماعة دينية نشأت داخل الكنيسة، وأصبحت ضدها تدعى المستنيرين، عادت من جديد بعد غياب امتد لمئات السنين، وقامت بالتهديد بقتل أربعة من الكرادلة، الذين لهم حظ وافر في خلافة بابا الفاتيكان، وبما أنها منظمة سرية فلا بد من وجود لرموزها على ضحاياها، ولم تكتفِ بذلك بل هددت بتفجير الفاتيكان، بعد أن أفصحت عن نفسها بقتلها لأحد أشهر علماء الفيزياء، بل وتسرق منه سلاحًا لا يحمد عقباه.
العدو من الداخل
يتدرج معنا الكاتب بتشويق بين طيات رواية ملائكة وشياطين في الأحداث التي تحصل داخل الفاتيكان، وكما ذكرنا فإن الحوادث التي حدثت من وفاة البابا، الذي تبين بأنه مقتول، إلى اختطاف الكرادلة وقتل بعضهم وقبل ذلك قتل الفيزيائي، ليصل بالحديث، وكيف يقوم روبرت بتعقب العلامات والحوارات التي تحدث بينه وبين زعماء المبنى المقدس، وكيف جعل الراهب الشاب المتدرب والذي كان الفاتيكان ملجأه ومدرسته بإنقاذ الآلاف من المتجمهرين وحماية القلعة الأكبر للروحانية الغربية من انفجار ضخم، انفجار السلاح الذي قضى صاحبه مقتولًا!
إلى أن يصل بينا إلى الفاعل، ذلك الحدث الصادم المرعب للجميع، وهو ذلك الشاب الصادق الذي مهر حياته للتقشف وحماية الأثر الباقي إلى المستقبل، ليكون متزعم المنظمة واليد الخفية لكل ما حدث، والذي ينهي حياته دراماتيكيًا عن طريق صب الزيت على نفسه، دلالة على الظلم الذي قد اقترفته أيدي من مر على المكان المقدس.
الأصل
الفكرة الأساسية في رواية ملائكة وشياطين التي تدور من أجلها كل تلك المعارك، هو الصراع القديم بين العلماء ورجال الدين، ذلك الصراع شبه الأبدي، والذي بلا شك قد أودى بحياة الكثير من الفئة الأضعف (العلماء)، والرمز الذي قام فيه الكاردينال الشاب بحرق نفسه، كي يذكرنا بالعالم الإيطالي جوردانو برونو (1548-1600) الذي قد حكم عليه بتهمة الهرطقة، وقامت الكنيسة بإعدامه حرقًا دون أي رحمة، والذي تأثر بأفكار العالم الإيطالي غاليلو غاليلي أيضًا، إلا أن الأخير قد حابى الكنيسة، وأنكر كل ما اكتشفه بجلسة اعتراف زائفة لصديقه البابا، أما برونو فلم يقوم بذلك فكانت هذه النتيجة المتوقعة، ومن أجل تلك الفكرة قد نهضت جماعة المستنيرين من جديد بعد انتصارها ووصولها لقتل البابا، فلن تهدأ إلا بتدمير ونسف الفاتيكان بالحرب الناعمة، بعد اقتراب رأسهم (الكردينال الشاب) إلى رأس هرم الفاتيكان ومحاولته بتفكيكه من الداخل.
التصالح من جديد
يحاول كاتبنا في نهاية روايته ملائكة وشياطين تخفيف الحدة مع رجال الدين، فيبدي تعقل رجال الفاتيكان في النهاية، وخاصة بعد استلام أعلى سلطة في العالم المسيحي لعالم وطبيب، بعد نجاته بأعجوبة من الموت غرقًا، ولم يكتفِ بذلك فحسب، بل سمح للانغدون بالاطلاع بحرية على الأرشيف الأكثر سرية في الفاتيكان، ليحاول دان براون رسم صورة مشرقة للفاتيكان ونسيان الماضي القاسي، والانحياز في النهاية إلى لغة العقل والمنطق.
استطاع دان براون على طول رواية ملائكة وشياطين المليئة بالأحداث الساخنة -كمعظم رواياته- شد القارئ للمزيد من القراءة، ورغم التهجم الواضح في بعض الأحيان (وذكر الوقائع بالطبع في أحيان أخرى)، استطاع الكاتب في النهاية رسم صورة مشرقة للتعاون والاندماج الروحي والمادي رغم صعوبة لم شملهم أو تقريبهم.
فيبدو لنا في تفاصيل الرواية صعوبة التخلي عن كليهما، فالفاتيكان رغم مر الدهور والأزمنة عليه وفقدان السلطة المطلقة التي كانت ممنوحة من الناس، إلا أنه يبقى رمزًا روحيًا قويًا في العالم اللاهوتي بشكل عام والغربي بشكل خاص، وبالتأكيد هي رسالة مضمنة للفاتيكان بالمزيد من التغيير من أجل أن يبقى ولو في حدوده الدنيا موجودًا.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.