تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

فيلم حياة كغيرها.. كيف ترى الفرق بين الحياة والأفلام؟

فيلم حياة كغيرها.. كيف ترى الفرق بين الحياة والأفلام؟
نهلة أحمد مصطفى
نهلة أحمد مصطفى

6 د

.."في الأفلام، حيوات الناس مكتوبة بالفعل، أما في الواقع، فالحياة لا يمكن توقعها".. تذهب فوستين في رحلة خلال ذكرياتها الموجودة في مئات من شرائط الفيديو التي صورها والدها لهم خلال عدة سنوات، وتبحث فيها عن والدتها فاليري، ليست تلك التي تظهر على شاشة الكاميرا، وإنما التي تختبئ بداخلها، ولم تتمكن من الظهور حينها بشكل كامل. وتأخذ كاميرتها لترصد بها فاليري الآن، بالتوازي سويًا في تداخل ممتزج، نرى فيه كيف تختلف رؤية الزوج عن رؤية الابنة، وكيف تختلف رؤية فوستين لوالدتها على مر السنين.

في أحد مشاهد الفيلم، في منتصفه تقريبًا، نرى صورة قد رسمتها الطفلة فوستين، وهي الصورة الموجودة على الملصق الدعائي للفيلم، لوجه والدتها بشعر مبعثر وأسنان كبيرة وحاجبين كثيفين، ومكتوب أسفلها "ماما بعيون فوستين، إلى فاليري، الملقبة بالكارهة". وهي الذكرى المصورة التي تستخدمها فوستين في الفيلم لتضع بها الملامح الأساسية للشكل الذي كانت علاقتها بوالدتها عليه.. شعورها بأن والدتها لا تحبها.


أُمّ أَم امرأة؟

في أحد مشاهد الفيلم، في منتصفه تقريبًا، نرى صورة قد رسمتها الطفلة فوستين، وهي الصورة الموجودة على الملصق الدعائي للفيلم، لوجه والدتها بشعر مبعثر وأسنان كبيرة وحاجبين كثيفين، ومكتوب أسفلها "ماما بعيون فوستين، إلى فاليري، الملقبة بالكارهة". وهي الذكرى المصورة التي تستخدمها فوستين في الفيلم لتضع بها الملامح الأساسية للشكل الذي كانت علاقتها بوالدتها عليه.. شعورها بأن والدتها لا تحبها.

كانت تشعر أنها السبب في الحزن الذي كانت تشعر به فاليري طوال الوقت.. أو أنها كانت "المكروهة"
لذنبٍ ما ارتكبته أو بشكل مبدئي لوجودها في الحياة، كما أوضحت في مشهد آخر.

وطوال فترة نضوجها، وخلال الفترات العديدة التي كانت تعيد فيها فوستين مشاهدة تلك الشرائط التي صورها والدها، كانت لا ترى سوى الأم الموجودة في تلك التسجيلات، والتي تذهب إلى عملها في بعض الأحيان. وتتبضع في أحيان أخرى، تُعدّ الطعام وتصرخ في وجوههم وتشكو من كثرة الأشياء التي تطلبها مدارسهم وتحلم بحياة مختلفة عن التي تعيشها الآن.. كانت لا ترى المرأة التي تقبع خلف تلك الأم.

ولم تمتلك ما يدفعها نحو نزع كل الأقنعة التي اعتادت رسمها عن والدتها ورؤيتها بشكل حقيقي.. فكانت الشرائط تخبرها بجانب واحد من القصة، ولا تتيح لها رؤية أي أوجه أخرى للحقيقة والحياة، فالماضي وذكرياتها أصبحا
هما تلك الصور فقط ولا شيء غيرها. حتى أخبرتها والدتها ذات مرة أنها حاولت الانتحار.. حينها اختلفت نظرتها تجاه كل شيء.


أُم وامرأة وأشياء كثيرة معًا!

تم تكريس يوم محدد من كل عام في بداية فصل الربيع للاحتفاء بالأم منذ أكثر من مائة عام عالميًا، ومنذ حوالي أكثر من خمسين عام محليًا، وعلى الرغم من ذلك، لم يلتفت العالم وينظر إلى "الأم" بشكل حقيقي سوى مؤخرًا بعد نجاح الحركة النسوية في لفت أنظار العالم إلى الوجه الخفي للأمومة، الوجه الذي أصر الناس لعقود كثيرة على تجاهله، حتى الأمهات أنفسهن.

وهو الوجه الذي يبدأ بالمتاعب الجسيمة والمسكوت عنها التي تمر بها الأم، مرورًا بالمشاعر المختلطة التي تكبتها الأمهات داخلها خوفًا من نظرات المجتمع، وينتهي عند رفض بعض الأمهات التام لدور الأمومة الذي وجدن أنفسهن بداخله دون أي لافتة خروج طوارئ.

وهنا في فيلم "حياة كغيرها" نرى كيف تدخل فوستين عالم والدتها الحقيقي، كيف تتخلى عن كل ما عرفته مسبقًا سواء من ذاكرتها أو مما صوره والدها لعائلتهم، وتذهب في رحلة للتعرف على والدتها من جديد. فشرائط الفيديو الخاصة بوالدها تنتهي عند اللحظة التي تنفجر فيها فاليري في وجهه بشأن كل شيء، بشأن المجتمع والمسؤوليات الملقاة على عاتق النساء والرجال ووهم الحرية الذي يبيعوه لهن. ومنذ تلك اللحظة، وبعد سنوات تبدأ فوستين.. حيث تحمل كاميرتها وتوجهها نحو والدتها، وتمنحها كل الوقت لتتحدث عما تشاء.

فبينما كان والدها يسلط الضوء على حياتهم بشكل عام دون تعمق كافٍ، تتحسس فوستين خطاها
داخل عالم فاليري من خلال طريقتين تتداخلان سويًا طوال الفيلم.

الأولى تظهر مع أول مشهد تصوره لوالدتها، حيث تنتقل من فيديو قديم لها وهي تجلس متأملة، إلى مشهد لها من الخلف وهي تجلس في الصباح داخل غرفة تحاول الاستيقاظ، وتضع فوستين الكاميرا خارج الغرفة فتظهر فاليري وكأنها محبوسة داخل إطار، تمهيدًا للحالة التي تنطلق منها إلى مشاهد عديدة نرى فيها والدتها تتحدث عن أي شيء وكل شيء.. كيف تبدأ صباحها، محاولتها للانتحار، مشاعرها تجاه الأمومة التي سلبتها حريتها وعملها، رغبتها المستمرة في الركض إلى مكان آخر حيث الحياة أكثر هدوءًا، وحتى عن روتين يومها وصفوف الرسم والدكتور النفسي الذي تذهب إليه.. تنزع عنها كل ما كان يسجنها داخل إطارات افتراضية وضعتها فوستين نفسها حولها.

أما الطريقة الثانية فتحدث في أثناء عرضها لشرائط والدها، فإن فوستين الآن ترى الأمور في ضوء جديد وبعيون أكثر نضجًا واستيعابًا، وتنظر إلى نفس اللقطات التي اعتادت مشاهدتها مرارًا وتكرارًا بنظرة مختلفة، فتارة تتحدث قي أثناء عرض بعض اللقطات وتحكي عما كان يجري وراء كواليسها، أو عما كانت تعتقد أنه يحدث قبل أن تكتشف الحقيقة، كالمشهد الذي تحكي فيه كيف كانت تظن أنها لقطة عائلية سعيدة لها ولوالدها بانتظار والدتها خارج مكان عملها، لكنها الآن تعلم أن والدتها في ذلك اليوم كانت تزور طبيبها النفسي الذي حاول إقناعها أن ما تمر به ليس اكتئاب ما بعد الولادة، وإنما هو فقط "فترة صعبة" وستمر.

وتارة أخرى كانت تستعرض بعض اللقطات القديمة وتتساءل عما كانت تفكر فيه والدتها في تلك اللحظة، أو عن عملها وكيف كانت ماهرة فيه، عن مرضها النفسي الذي لم يتم التعامل معه كما يجب، وعن مشاعرها تجاه والدتها. تعرض كلًا من المشاهد الحديثة ولقطات شرائط الفيديو في تداخل مستمر، تنتقل من أحدهما إلى الآخر وهي تكتب قصة والدتها مستعينة بالماضي والحاضر والحقيقة المطلقة لكليهما، والمرأة التي وإن التحمت بالأم والفنانة لكن لا يزال لكل منها حضورًا مستقلًا ووعيًا منفردًا لا يجب أن تختلط سويًا أبدًا.


احتفاء بالأم والمرأة والحياة والحرية

ذو صلة

وكانت فوستين تعي تلك الحقيقة جيدًا بينما كانت تصنع فيلمها، والكاميرا الخاصة بها كانت ترصد وتحتفي بكل ما هي عليه فاليري. فهي تحتفي بالأم عن طريق سرد خط زمني شبه تفصيلي للحياة التي خاضتها بكل التضحيات التي قدمتها، فيبدو الفيلم وكأنه شريط حياة تقدمه متجردة من عباءة "الابنة" وبأقل قدر من الانحيازات المعرفية التي قد تفرض عليها تبني وجهة نظر ما بعينها، فالمخرجة هنا تراقب وتعرض، دون أحكام مسبقة أو رغبة في إثبات شيء ما سوى ما تبدو عليه الحقيقة دون
تجميل.

وتحتفي بالمرأة عن طريق خلق متوازيات بصرية بين الماضي والحاضر، تعيد تصوير مشاهد لفاليري متطابقة مع ما صوره والدها.. فتلتقط بالكاميرا ذات المرأة التي تستمتع بالتدخين في الصباح، وتعرض مشهدًا قديمًا لها وهي تأخذ وقتها في وضع الماكياج ثم في نهاية الفيلم تصورها وهي تضع الماكياج أيضًا، بينما تتأمل وجهها وما فعله به الزمن، في تأكيد على احتفائها بالمرأة التي هي في حضرتها، والتي لا يغيرها الزمن ولا يمحو وجودها.

"لطالما تردد على مسامعي: "والدتك لديها مرض البكاء"، هل هو حقًا مرض أن يهتم المرء
بحريته؟"

تتمثل رغبة فوستين بالاحتفاء بوالدتها في أوج صورها في الطريقة التي اختارت أن تنهي بها الفيلم، فكما جاء المشهد الأول الذي التقطته لها وهي محاصرة داخل إطار الغرفة، فإن كل الخطوط تتلاقى من جديد لتمنح فاليري التحرر التام من النظرة القديمة التي اعتادت أن توجهها إليها، فترقص في مشهد أخير مع عائلتها، بخفة الفراشة التي لطالما امتلكتها داخلها والروح المتحررة التي لا تشيب ولا تتوقف عن رفض القيود مهما كان شكلها.

وأصبحت جملة "ماما بعيون فوستين" التي اختارت أن تضعها على الملصق الدعائي للفيلم تحمل بداخلها معاني مختلفة تمامًا عما قبل، فحتى وإن كان القناع ذو الأسنان الكبيرة والشعر المبعثر جزء من ماضي فاليري، فهو ليس كل ما تراه فوستين الآن، وإنما ترى امرأة كأي امرأة أخرى، لا يمكن حبسها في قالب واحد.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة