أفضل أفلام الخيال العلمي محدودة الميزانية

الميزانية الكبيرة نعمة على صانع الفيلم ومشاهده، وصناعة الأفلام مكلفة بطبعها، والعمل المستقل ليس في العادة إلا سعيًا لميزانيات الشركات الكبيرة التي تضمن حرية أكبر وتكييفًا أحسن لقصة الفيلم، وبالطبع ممثلين أفضل وعاملين أبرع وتوزيعًا سينيمائيًّا أحسن.

لكن الإنسان اعتاد على إظهار أحسن ما لديه عند غياب الإمكانيات، من ذلك الاضطرار إلى صنع فيلم بميزانية يصعب أن تحمل مصاريفه، خاصة إذا كنا نتحدث عن تصنيف الخيال العلمي الذي يعتمد على تصوير المستقبل والاختراعات والتكنولوجيا والأمور الخارجة عن الطبيعي كما يوحي اسمه. هنا تتجلى قدرات صانعي الأفلام على تكثير القليل، دون الحاجة إلى استعراضات ودعايا هائلة وممثلين فائزين بالأوسكار.

الأهم أن هذا يصرف صانع الفيلم إلى زوايا ما كان لينظر إليها لو حاز الميزانية التي أراد؛ أعني زوايا الإبهار غير المتبادر إلى الذهن، كالعمل على تطوير أصل الفكرة وشخصياتها، واستغلال غياب المال -الذي يعلم المشاهد به- لتبرير طرق عرض جديدة وأساليب سردية مهجورة، والتركيز على غير المرئي مع التعويل على مخيلة المشاهد الواسعة. هذه الأخيرة بالذات تراها تامة الوضوح في أفلام الخيال العلمي محدودة الميزانية، ورغم علمنا بمنبعها فإنها تظل أبدًا محتفظة بقدرتها على إثارة الإعجاب.

بالطبع بعض المخرجين مثل الأمهات يتصفون بقدرة عالية على الاقتصاد، وبعض الأفكار لا تحتاج في الأصل إلا لتكاليف محدودة، فلا قاعدة عامة. أما ما وراء ذلك فحُزم أعمال سيكون من المثير أن نشاهد محاولات كتابها ومخرجيها لتعويض ضعف الميزانية وعجزهم عن إبهار المشاهد بصريًّا. أرجو أن تجد بين ترشيحات هذه القائمة ما ينجح في جذب انتباهك، فإن الخيال العلمي من بين صنوف الأفلام مجال شاسع خصيب معتنى به.

شاهدت هذا الفيلم على التلفزيون بالصدفة، وقد بدا لي لأول وهلة أنه مختلف عن أي شيء آخر رأيته. ثم وضح هذا مع مرور الأحداث وصولًا إلى النهاية شديدة الجمال. هو ينتفع من تصوير الطبيعة أحسن انتفاع ويترك المشاهد يبني في رأسه ما وراء المذكور، لكنه سيبدو مملًا بالتأكيد لأولئك الذين لا يتحلون بالصبر ولا تناسبهم أفلام الخيال العلمي المعدة على نار هادئة.

الفيلم تلقى ترشيحًا واحدًا لجائزة بافتا، وهو ينتمي إلى نوع أفلام الفضائيين وعالم ما بعد الكارثة (بشكل صوري على الأقل). يتحرك ببطء ناشرًا شعورًا غريبًا بالسلام قد يدفعك إلى التفكير في العالم على نحو مغاير مدهش. يحكي قصة مرافقة صحفي لسائحة أمريكية للعبور بإحدى مناطق المكسيك التي غزاها الفضائيون تجاه بر الأمان الذي هو الحدود الأمريكية، وقد مر على غزو الأرض ست سنوات.

مخرج الفيلم وكاتبه هو “جاريث إدواردز” مخرج فيلمَي “Rogue One: A Star Wars Story” و”Godzilla”. والبطولة لـ “ويتني أبل” التي رأيناها في “A Walk Among the Tombstones”، و”سكوت ماكنيري” الذي لو لم تكن رأيته في ثالث مواسم “True Detective” فلعلك رأيته في “Narcos: Mexico”. حقق الفيلم خمسة ملايين هي تقريبًا عشرة أضعاف ميزانيته الأصلية. لا تتوقع من العنوان حركة بل فيلمًا هادئًا جميلًا شاعريًّا عن الحياة والأماكن.

لا تملك أمازون قدرة نتفليكس على إنتاج أفلام الأكشن ضخمة الميزانية، لكنها في العام الأخير بالذات بدأت تزيد من عدد أفلامها الأصلية وتتسلل بها إلى أصناف جديدة عليها (ويبدو أن هولو في بداية الطريق ذاته). هذا الفيلم صدر من أربعة شهور أو نحو ذلك ولم يسبب ضجة كبيرة وإن لفت الأنظار بلا شك. من بطولة “جاك هورويتز” و”سييرا ماكورميك” من المسلسل الكوميدي “A.N.T. Farm”، ومن إخراج “أندرو باتيرسون” وكتابته مع “كريج سانجر”. كلها أسماء مجهولة كما ترى فهي في الغالب طبيعة هذه الأفلام.

هو فيلم قصير شائق وغامض عن الاتصالات الأولية مع الفضائيين، وهو يحكي عن فتى وفتاة من مدينة صغيرة يتلقيان ترددًا صوتيًّا غريبًا يثير فضولهما ويحتمل أن يغير حياتيهما وحياة مدينتهما إلى الأبد. قصة كلاسيكية تُحكى من جديد في قالب يبدو كأنه حصة تعليمية لكيفية صناعة قطعة من الفن الرفيع. ممتع ومثير للانتباه ومذكر بأنفاس المسلسل الشهير “Stranger Things”، بل بحقبة أفلام الخيال العلمي القديمة كلها.

أحيانًا تلقي نظرة على فيلم فتعرف أنه رغم عيوبه فإنه في مستوى فائق لمعظم ما في نوعه، هذا الفيلم بلا شك واحد من هذه الأفلام. الشكر الأول طبعًا للرواية الأصلية المنشورة سنة 2014 ولكاتبها “مايك كاري” الذي كتب سيناريو الفيلم أيضًا، وهي نص مختلف يقدم للقارئ أبعد ما يتوقع قراءته في نوع روايات الزومبي والدستوبيا المرعبة.

الفيلم بريطاني، وهو يحكي عن رحلة تجمع عالمًا ومدرسًا مع فتاة صغيرة خاصة المواهب تدعى “ميلينا”. من إخراج “كولم مكارثي” الذي أخرج حلقات من “Peaky Blinders” و”Sherlock” و”Black Mirror”، وبطولة عدد من الممثلين من بينهم المخضرمة “جلين كلوز” و”دومينيك تيبر” من مسلسل “The Expanse”. لو كان كل فيلم يعدك على عتبته بشيء فوعد هذا الفيلم أنك لن تتوقع من أحداثه شيئًا تقريبًا ولن تتمكن من مقارنته بمشاهدة سابقة أيًّا كان نوعها.

من بريطانيا إلى كندا لنلتقي “كول”؛ فتاة حبيسة منزلها تعيش مع أبيها المسيطر المحكوم بالبارانويا والذي لا يفتأ يكرر على مسمعها مدى خطورة العالم الخارجي وضرورة اجتنابه. الكثير من الغموض والتشويق بجوار الخيال العلمي، مع تقدم الفتاة الشجاعة في العالم المهدد الذي اختارته على العزلة.

من بطولة “إميل هيرش” من “Into the Wild”، و”بروس ديرن” المرشح للأوسكار مرتين وبطل الفيلم الجميل “Nebraska”، و”جريس بارك” من “Battlestar Galactica” و”Hawaii Five” و”A Million Little Things”، و”أماندا كرو” من “Silicon Valley”. رحلة شديدة الإمتاع ملائمة جدًّا لخبراء عوالم الخيال العلمي، قصة بطيئة الاحتراق ينكشف غموضها عن نهاية في منتهى الذكاء. الفكرة نفسها حسنة وقد رفعها طريق عرضها الفريد درجات.

في عام 2013 صنع “بين هولينج” و”يولاندا رامك” فيلمًا قصيرًا باهرًا مدته سبع دقائق لاقى أصداء لا بأس بها، ثم رأيا في 2017 أن من الوجيه إعادة إنتاج الفكرة مع التطوير والتطويل، خاصة وقد أتاحت نتفليكس الفرصة لهذا الفيلم المرعب والمحمس للعرض على منصتها.

فيلم أسترالي مصدر جذبه الأكبر “مارتن فريمان” البارع المعروف من أعمال كثيرة أهمها بالطبع أدواره في سلسلتي “شيرلوك” و”فارجو” وأفلام الهوبيت. القصة عن رحلة أب باحث عمن يرضى بحماية ابنته بعدما انتشر وباء في أنحاء أستراليا (واضح أن كل ما يحوم حول هذه الفكرة مناسب للظرف العالمي الحالي). الحقيقة أن هذه الفكرة البسيطة لا تمهد القارئ لما سيلقاه في هذه التجربة الاستثنائية، والمؤكد من بعد أن انتماءه لتصنيف أفلام رعب الزومبي يؤدي للنتيجة نفسها، فإنه من النادر لقاء فيلم من هذا النوع محبوك بإنسانية كافية لدفع مشاهديه للبكاء. ليس فيلم رعب بالضبط وليس خامة أفلام الأوسكار ولا يخلو من عيوب، لكنه عظيم بلا مبالغة.

لا أعرف ما جرى لكن الأفلام الأسترالية قد غزت قائمتي على غير تخطيط. نجحت نتفليكس في اقتناص تحفة أخرى تثري تصنيف أفلام الخيال العلمي وتنجح في تحويل ميزانية صغيرة إلى نجاح ضخم. عندما تشاهد قدرًا كبيرًا من أفلام أو مسلسلات نوع معين تمسي أكثر تركيزًا على التفاصيل الصغيرة وأقل حاجة إلى الإنتاجات الضخمة التي تخطف البصر لكن لا تعلق بالذاكرة. هذا الفيلم الذكي أحد الأعمال المناسبة للراغبين في رؤية استكشاف مميز لفكرة من أفكار الخيال العلمي الرائعة. فيلم ناجح في تضليل المشاهد من الدقيقة الأولى حتى الأخيرة، لدرجة أن الافتراض الأول المنطقي أن كارهيه لم يفهموه على الأرجح.

في الفيلم “هيلاري سوانك” الفائزة بجائزتي أوسكار عن فيلمَي “Million Dollar Baby” و”Boys Don’t Cry”، وفيه “روز بيرن” من أفلام “Spy” و”Bridesmaids” و”Irresistible” وسواها. فيلم نفسي عجيب غفل كثيرون عن تلميحاته الخفية فعدوها عيوبًا، قد تحتاج إلى قراءة شرحه بعد مشاهدته وربما إلى إعادة مشاهدته أيضًا. أخيرًا أشدد على نصحك بألا تشاهد التريلر قبل الفيلم، فلا فائدة من إفساد فيلم بهذه الجودة على نفسك لأن مُجهِّز إعلانه الدعائي أساء له.

فيلم كامل. درس مكثف عن صناعة فيلم ممتاز بميزانية ضعيفة، ثم معالجة فكرة خيال علمي جيدة فتغدو بديعة. من بطولة “لوجان مارشال جرين” من مسلسلين مهمين هما “Quarry” و”Damnation” وفيلمَي رعب معروفين هما “The Invitation” و”Devil”. بجوار “ميلاني فالوجي” من “Winners & Losers”. ومن كتابة وإخراج “لي وانل” الذي رأيناه ممثلًا في سلسلتي “Saw” و”Insidious”، كما كتب في السلسلتين وكتب وأخرج ظاهرة العام “The Invisible Man” الذي أفلت بإيراداته الكبيرة قبل إغلاق دور العرض مباشرة.

تقع أحداث الفيلم في مستقبل قريب تسيطر فيه التكنولوجيا على كل شيء (يخيفني قليلًا قدر الغرائب التي سيفعلها الناس اعتمادًا على أحداث هذه الأفلام حين نصل إلى هذا المستقبل المشؤوم)، تنقلب حياة البطل -الذي يعد نفسه مصابًا برهاب التكنولوجيا- رأسًا على عقب فيصير أمله الوحيد في تحقيق مراده زرع شريحة كمبيوتر اختبارية. كأنها حلقة من “Black Mirror”، الفارق أنها حلقة طويلة نوعًا وقد حققت ستة عشر مليون دولار وكانت بدأت بميزانية قدرها ثلاثة ملايين تقريبًا. رحلة عجيبة مسلية مليئة بالانعطافات، وهي جامعة بين الأسلوب الجذاب والفكرة قليلة الشبيه.

أقرأ أيضًا: أفضل أفلام خيال علمي في عام 2020 حتى الآن، قائمة متجددة بأفضل إصدارات السينما