تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

المسكوت عنه على الشاشة العالمية: كيف تؤثر البيئة في تناول القضايا الحساسة؟

أفلام عن الطمث
الشيماء أحمد فاروق
الشيماء أحمد فاروق

10 د

فترات/ حيض/ طمث/ دورة شهرية، تتعدد الأسماء وكثرت الأعمال السينمائية التي تناولتها بصور شتى، كوميديا ورعب ودراما اجتماعية وغيرها، وتأثر اختلاف تناوله باختلاف البيئة التي يصنع فيها العمل نفسه، الدولة المنتجة له، وفي ظني لا يزال الحيض موضوعًا إما يتم تحريفه في مواضع لخدمة دراما العمل دون محاولة معالجة السلبيات التي تحيطه في المجتمعات أو تجاهله تمامًا في وسائل الإعلام.


السينما الأمريكية.. غالبًا سوف تصاب بالضحك أو الرعب

فيديو يوتيوب

طوال فترات تاريخ هوليوود تم تقديم “الحيض” على أنه مثير للاشمئزاز أو مخجل أو جزء من فيلم رعب، وأحد أشهر هذه الأفلام “Carrie” الذي أُنتج مرتين، الأولى عام 1976، والثانية عام 2013، حيث تخاف الفتاة المسكينة بعد أن تستحم، لأن والدتها المتدينة ترفض شرح أي شيء يرتبط بمجيء الدورة الشهرية، تم تصويره على أنه حدث مخيف، وتتعرض كاري للتنمر بشدة بعد ذلك، مما يزيد صدمتها من الموقف، فليس من المستغرب جدًا أن يتم تصوير الدورة الشهرية باستمرار في ضوء سلبي أو غير دقيق أو معدوم المعلومات بشكل كافٍ، من خلال عدسة الأشخاص الذين لا يعيشونها، ولكنهم يختارون إضفاء الشيطانية عليها، أو توظيفها في مواقف ساخرة وكوميدية، ولكن في الحقيقة يعتبر هذا الأمر جزءًا طبيعيًا من الحياة بالنسبة لكثير من الناس ويجب تصويرها بصدق، وليس الشعور بالخزي.

عندما تصور وسائل الإعلام جانبًا واحدًا فقط من القصة، فقد يؤثر ذلك سلبًا على الكثير من الفتيات، على سبيل المثال يشعر 1/5 من النساء في المملكة المتحدة بالحرج الشديد من مناقشة الدورة الشهرية مع أصدقائهن، وكشفت الأبحاث المنشورة في صحيفة “ديلي ميل” من قبل شركة النظافة النسائية ثينكس أن 42% من النساء تعرضن للتنمر من قبل أشخاص آخرين أثناء فترات الحيض، 58% يشعرن بالحرج منها، ما يقرب من نصف الرجال (44 %) تحدثوا بسخرية أثناء فترة الحيض مع شركائهم.

مما يوضح كيف أن الاستمرار في توليد مفاهيم العار والمحرمات يمكن أن يؤدي إلى شعور النساء بضرورة الخجل منها، هذا التصور أحادي الجانب أيضًا يديم العقلية القديمة لدى الأولاد الصغار بأن الفترات من المحرمات / أشياء قذرة / عقابًا، نلاحظ في أحد الأفلام الأمريكية، فيلم “20th Century Women”، الذي يتناول علاقة المراهق بالنساء من حوله، تركيز في أحد مشاهدها على فكرة الخجل من الحديث عن الطمث.


الحيض

جيمي مراهق، انفصل والداه، يعيش مع أمه التي أنجبته في سن متأخر، بينهما فارق كبير، تخشى أن تفقد التواصل معه بسبب هذا الفارق، فتلجأ لصديقة جيمي وفتاة أخرى تستأجر غرفة في المنزل لكي تساعدها في تربيته، والتعرف على عالم النساء، تهديه إحداهن كتبًا عن النسوية وقضايا النساء كما تصحبه معها إلى العيادة أثناء استلام نتيجة تحليل سرطان عنق الرحم، فيكتشف أضرار الأدوية على صحة النساء الإنجابية، ومع صديقته الأخرى يكتشف تأثير الآباء غير الأسوياء على الحالة العاطفية للفتيات، وما ينعكس على حياتهن الجنسية، وفي أحد السهرات تبدي “آبي” شعورها بالتعب بسبب ألم الدورة الشهرية، فتطلب منها والدة جيمي الصمت والكف عن الحديث في هذا الشأن لأنه يدعوا للخجل، ولكنها لا ترفض أسلوبها وتجبر جميع الذكور الجالسين على ترديد كلمة “حيض” وهم ناظرين لها دون خجل.

بين الرعب وبعض الجدية، نذهب لفيلم آخر حيث الكوميديا “Superbad” من إخراج جريج موتولا، وتأليف إيفان غولدبيرغ وسيث روغن، الفيلم يركز على ثلاثة طلاب في المرحلة الثانوية، يحاولون شراء الكحول من أجل حفلة، وفي أثناء ذلك يمرون بمواقف مضحكة، ومن هذه المواقف “دماء الدورة الشهرية على بنطال أحدهم”!
في حفلة بها مجموعة من الفتيات والشباب المراهقين، ترقص إحداهن مع مراهق وأثناء ذلك تترك بقعة على أحد أرجله، لا يراها الفتى ولكن يلحظها أحد الموجودين ليتحول الأمر إلى مُزحة بينهم، يخبرون باقي الشباب المتواجدين ويٌخرج واحد منهم هاتفه لالتقاط صورة وآخر يلقي النكات، بينما يشعر الفتى نفسه بالتقزز ويمنحنا تعبيرات وجه تدل على أنه يوشك على القيء.

وهكذا تتكرر المواقف العابرة التي يذكر فيها كلمة “حيض” وتُحصر في أنواع دراما متعددة لا يوجد رابط بينها غالبًا، ولا تكن قضية المرأة، أو التعبير عنها هو الأساس لها، بل يكون الموقف بشكل عابر في إطار العمل السينمائي.


الحيض


السينما الهندية في قلب المشكلة

هنا أنت لا تشاهد لقطات عابرة، أو موقف درامي داخل حدث كبير يمر مرور الكرام داخل العمل ككل، بل نحن أمام فيلم قائم لأجل هذه الفكرة تحديدًا، يركز عليها من البداية إلى النهاية، نعيش المعاناة والألم والأفكار والمعتقدات الخاطئة والجاهلة، نجوب قرى الهند الفقيرة بين سكانها رجال ونساء، والطقوس المرتبطة ببداية الحيض عند الفتيات.

اخترت من بين الأفلام فيلمين فقط للحديث عنهما باستفاضة أكبر نتيجة لثراءهما الفني المرتبط بطرح القضية، التي تعد مشكلة كبرى في المجتمع الهندي، حتى اللحظة التي نطرح فيها هذه الأفلام لا يزال “الحيض” مشكلة كبرى في حياة المرأة/ الفتاة الهندية، التمييز ضد المرأة الحائض منتشر على نطاق واسع في الهند، حيث لطالما كانت الدورة الشهرية من المحرمات، وغالبًا ما يُستبعدون من المناسبات الاجتماعية والدينية، ويُمنعون من دخول المعابد والأضرحة، بل ويُمنعون من دخول المطابخ.
نظرًا لقلة الحديث عن الدورة الشهرية، وفقًا لإحدى الدراسات، فإن 71% من المراهقات في الهند لا يدركن الحيض حتى يصبن بها بأنفسهن، وتعد صعوبة الوصول إلى الفوط الصحية مشكلة رئيسية أخرى، نتيجة لارتفاع أسعارها، وألغت الهند ضريبة بنسبة 12% على المنتجات الصحية في عام 2018 بعد شهور من الحملات التي قام بها النشطاء لتخفيض أسعار هذه المنتجات، وفقًا لدراسة أخرى تستخدم 36% فقط من 355 مليون أنثى في فترة الحيض في الهند الفوط الصحية، بينما تستخدم البقية الأقمشة القديمة والقشر والرماد والأوراق والطين ومواد أخرى من البيئة المحيطة بهن، وما يقرب من 23 مليون فتاة يتسربن من المدرسة سنويًا بعد أن يبدأن فتراتهن، بحسب ما ذُكر في تقرير لشبكة BBC البريطانية.

نلاحظ هنا نقلة نوعية في الحديث عن الحيض، بينما كنا نتناول الفكرة من منظور الخجل الاجتماعي واستغلال الفكرة سينمائيًا في توظيف ساخر أو رعب بحسب الأحداث، ننتقل إلى مستوى آخر من المشكلة يرتبط بصحة المرأة ومدى قدرتها على ممارسة الحياة في ظل هذه الظروف، وذلك ما كشفه بوضوح وصل إلى درجة التعري الكامل، في الفيلم الروائي الطويل “padman”، الذي عرض عام 2018 للمخرج ر.بالكي، والفيلم الوثائقي “period end of sentence” للمخرجة رياكا زهتابتشي، وقد حصل على الأوسكار.


أن تحارب من أجل المرأة ضد المرأة “padman”

فيديو يوتيوب

لاكشمي رجل ريفي بسيط يعيش في إحدى القرى النائية في الهند مع زوجته وأمه وإخوته البنات، بعد زواجه يلاحظ نوم زوجته في مكان خارج المنزل ومنعها من ملامسة الطعام أو اقترابه منها، ثم استخدامها الأقمشة الممزقة، يشعر بالضجر ويحاول تغيير الوضع لكن أمه تنهره، ويحاول مساعدة زوجته ويذهب ليشتري لها الفوط الصحية بعد أن يكمل سعرها من أحد أصدقاءه، ولكنها ترفض وتطلب منه أن يعيدها لأنها مرتفعة السعر، ولكنه يفكر في صنعها يدويًا وبالفعل يجرب أكثر من مرة ولكنه يفشل، وأثناء محاولاته تبدأ أمه وزوجته بالسخط عليه، ويلاحظ أهل القرية تصرفاته الغريبة، وكان منها محاولته إعطاء إحدى الصغيرات فوطة صنعها بنفسه ولكن ينكشف أمره ويواجه هجومًا حادًا من جميع أهالي القرية، وتتركه زوجته وتطرده أمه، يقرر الهجرة إلى مدينة دلهي ليتعلم كيفية صنع فوطة أقل تكلفة لمساعدة النساء.

يعتمد المخرج إلى التعمق في تفاصيل وعادات القرى الهندية، البيوت والعادات والطقوس، والتناقضات، تحديدًا فيما يخص التعامل مع نضوج الفتاة وبلوغها مرحلة الحيض، حيث يقام طقس راقص من فتيات القرية ونسائها، نرى تفاصيله المبهجة صباحًا بينما في المساء تنام الفتاة لأول مرة خارج منزلها بمنتهى الدونية، ورغم احتفالهم بالأمر إلا أنهم يصفون في أغلب الحوارات التي دارت في الفيلم “الطمث” بالقذارة.
كما يتعرض الفيلم لسيطرة هذه الأفكار السلبية ليس فقط على الجهلاء في القرى ولكن أيضًا طالبات كلية الطب، حيث يلجأ لهن لاكشمي لكي يجربن ما صنع ولكنهن يرفضن، ثم يلجأ المخرج لإبراز تناقض آخر وهو القائم بين النساء في المدن الكبرى، مثل دلهي، والقرى، من خلال الفتاة العازفة التي تحاول مساعدته وتدعمه حتى يحصل على جائزة كبرى ويُكرم أيضًا من الأمم المتحدة، ويبدأ في تصنيع الفوط وتوزيعها على القرى الفقيرة بمعاونتها، ويساعد السيدات الفقيرات من خلال تشغيلهن في مصنعه.

يحرص المخرج من خلال كادرات وتوظيف الصورة السينمائية على التعبير عن حصار المرأة داخل أفكار سلبية عديدة، أقنعها بها المجتمع وأصبحت تدافع عنها حتى وإن كانت مضرة لها، كما يبرز فكرة الخجل/ العار من أي شيء يرتبط بـ”الحيض”، عندما يذهب لاكشمي على سبيل المثال لشراء فوط صحية يخفيها البائع في ورق ويعطيها له في الخفاء، ليرد لاكشمي ساخرًا: “هل هي قطعة حشيش!”.


الحيض

التمثيل وحده لا يكفي.. الواقع أكثر مرارة

تلجأ المخرجة رياكا زهتابتشي إلى الواقع مباشرة، من خلال فيلمها الوثائقي، نحن في مدارس وبيوت وشوارع وحقول هندية مختلفة، عشرات الأسئلة تُطرح لنفهم الوضع أكثر، من خلال صورة واقعية تمامًا تنقلها كاميرا الفيلم، لم يحاول الفيلم التصوير مع النساء في ستوديوهات أو داخل أماكن مغلقة، بل ذهب لهن داخل عربات بسيطة تتنقل بنا وسط المزارع ونجلس على الأرض معهن، كما طرحت أسئلة على الرجال من أعمار مختلفة عن نفس الشأن.

كيف تحدث؟ لماذا تحدث؟ ما فائدتها؟ هل تعرفن كيف التعامل معها؟ ما سبب الألم المصاحب لها؟ هل تستعملن الفوط الصحية؟ هل تعرفن كيف يتم استخدامها؟ أسئلة كثيرة ألقيت على النساء في مراحل عمرية مختلفة، وكانت أغلب الإجابات بالنفي، أو الصمت أو النظر إلى أسفل وإبداء الخجل، وكانت إجابات بعض الرجل أنه مرض يأتي للنساء وأخريات أجبن أنه مشكلة صحية رغم أنهن طالبات في المدرسة، بينما غير المتعلمات لم يجبن بشيء.

ورغم الحرص الشديد على تقديم الصورة بواقعية بعيدًا عن أي إضافات جمالية قوية، إلا أن المخرجة حاولت توظيف الكادرات بطرق مختلفة لدعم وجهات نظرها، من خلال التركيز على اللقطات القريبة للوجه، أثناء تعبير الفتيات عن خجلهن أو عدم معرفتهن، لقطات للنساء وهن يعملن في الحقول عن قرب، تصوير لقطات ذات دلالات عن السجن الفكري الذي تعيشه الفتيات حول قضية “الحيض”، ولقطات أخرى مقربة لمراحل صناعة الفوطة الصحية بآلات بسيطة خطوة بخطوة وكأن الفيلم يريد شرحها بالتفصيل وليس الحديث عنها فقط، ليتحول أداة للتعلم.


سجن المجتمع

واللقطة المكون الخاص بالصورة الفيلمية، وهي المادة الخام للعمل، وإن كانت مع ذلك حقيقة معقدة للغاية ذلك أن تكوينها يتميز بتراكيب عميقة قادرة على نقل الواقع الذي يعرض عليها نقلًا دقيقًا لكن ذلك النشاط الموجه من الناحية الجمالية في الاتجاه المحدد الذي يريده المخرج، والصورة التي نحصل عليها بهذه الطريقة تدخل في علاقة جدلية مع الجمهور الذي تقدم له وأثرها السيكولوجي عليه يحدد عددًا من الخصائص ينبغي تحديدها بدقة إذا أردنا تكوين فكرة دقيقة عن أهمية الفيلم، بحسب ما ورد في كتاب “اللغة السينمائية” لمارسيل مارتن.

ذو صلة

نلاحظ الاختلاف الجذري للأعمال التي تحدثنا عنها في كل من البيئتين الأمريكية والهندية، وذلك نتيجة لاختلاف الموضوع نفسه والمشاكل المرتبطة به في كلا البيئتين، وهذا لا يعني أن المرأة عامة في العالم لا تواجه صعوبات ترتبط بهذا الجانب الذي تعتبره كثير من المجتمعات من المحرمات أو العار الحديث فيه، ولكن اختلاف شكل وطبيعة المشكلة أدى لاختلاف العمل الفني النابع منها والمتأثر والمؤثر فيها، وذلك لأن الفنون في الأساس جميعها يتعاطى مع المجتمعات التي ينشأ فيها ويتفاعل معها، والمبدع مرتبط بصورة أو بأخرى بمجتمعه وتؤثر فيه البيئة التي يتكون داخلها، والفيلم السينمائي عمل فني يتم إنشاء معناه وفق مبدعه.

لا تسألني عزيزي القارئ لماذا أتحدث عن السينما الهندية والأمريكية ولم أذكر السينما المصرية وعلاقتها بهذا الموضوع، لأنك بالتأكيد أكثر مني دراية بمحتوى ما يقدم لدينا، وأن هذه الأشياء من المحرمات التي نادرًا ما تُذكر على الشاشة، فذاكرتي لا تسعفني إلا بفيلم واحد فقط وهو “أسرار البنات” للمخرج مجدي أحمد علي، والذي أثار الجدل حين عرضه، وصُور فيه مشهد وحيد لفتاة بدأت مرحلة الحيض لديها فما كان من والدتها إلا  أن منحتها فوطة صحية في صمت دون كلام في خجل شديد، وفيلم قصير بعنوان “ربيع شتوي” للمخرج محمد كامل، عن علاقة مضطربة بين أب وابنته في مرحلة المراهقة توفيت والدتها منذ الصغر ويقوم هو على تربيتها، لا تستطيع الفتاة إخباره بأنها وصلت مرحلة البلوغ فتحاول سرقة أموال من ملابسه لتشتري فوط صحية ولكنه يشاهدها ويراقبها، ليعلم الحقيقة فيما بعد.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة