ما الفرق بين تداول العملات الرقمية وتداول الأسهم وأيهما أفضل؟

خلال سنوات قليلة تحوّلت العملات الرقميّة من ظاهرة تقنيّة عابرة، إلى سوق كبير تصل قيمة تداولاته اليومية لأكثر من 300 مليار دولار، فقد نضجت تلك العملات وأصبح لها الكثير من الاستخدامات المختلفة بالإضافة لكونها أداة للمضاربة وتحقيق الأرباح، ونتيجة لذلك جذبت اهتمام الكثير من المتداولين والمستثمرين التقليديّين الذين كانوا يعتمدون على تداول الأصول المعروفة مثل الأسهم نظراً لكونها أقلّ تقلباً وأكثر أماناً مقارنة بالعملات الرقمية.

من الصعب عمل مقارنة عادلة بين تداول الأسهم و تداول العملات الرقمية حيث أنّ أسواق الأسهم موجودة منذ قرون وأصبحت اليوم أكثر تطوّراً وتنظيماً بحيث لا يمكن لأي أحد التلاعب بها بسهولة، ولكن بالنسبة لسوق العملات الرقمية الحديث العهد فما يزال محفوفاً بالمخاطر وغير منظّم ويصعب التعامل معه بالنسبة لمن ليس لديه خبرة كافية في هذا المجال، على أيّ حال سنتناول في هذا المقال جميع الفروقات والاختلافات بين كل سوق لتصبح قادراً على الاختيار ومعرفة ما يناسبك.

يمكن تعريف الأسهم بأنّها عبارة عن عقد أو حق ملكيّة لحاملها ضمن أحد الشركات المساهمة المغفلة العامّة، حيث أنّ الشركات العامة هي التي تقوم بطرح جزء من قيمتها (رأس مالها أو ملكيتها) للتداول العمومي في السوق على شكل أسهم، وعندما يقوم أحدهم بشراء تلك الأسهم يصبح له حصّة أو ملكيّة معينة من الشركة بحسب كمية الأسهم التي قام بشرائها، بحيث يستطيع الاستفادة من حق التصويت على قرارات الشركة أو الحصول على نسبة أرباح معيّنة في بعض الأحيان حتى، ولكن الربح الحقيقي منها يأتي عن طريق التداول بالطبع.

بالنسبة للعملات الرقميّة فهي موجودة على الإنترنت بشكل رقمي فقط، ويتمّ تحديد قيمتها بشكل رئيسي من خلال العرض والطلب عليها، وبالتالي فإنّ طريقة تحقيق الأرباح منها تأتي من خلال تداولها فقط. تأتي بعض العملات الرقمية الأخرى مربوطة بأصل معيّن وتسمّى العملات المستقرة، بحيث تكون قيمتها ثابتة بشكل مشابه للعملات التقليدية وتستخدم بشكل رئيسي في عمليات البيع والشراء وبالتالي لا يمكن تحقيق أرباح حقيقية منها.

تقوم الشركات بطرح أسهمها للتداول من خلال عملية الطرح العام الأولي (Initial Public Offering) أو IPO، والتي تضمّ شروط عديدة يجب على الشركة تحقيقها لتتمكّن من طرح أسهمها في أسواق معيّنة بعد التواصل مع أحد البنوك الاستثمارية التي تتولّى تنظيم العملية، وبالنسبة لمعظم الدول المتقدّمة فهنالك الكثير من القوانين والتشريعات التي تعمل على حماية المستثمرين من العمليات الاحتيالية التي قد تلجأ لها الشركات لبيع أسهمها والحصول على الأموال التي تمّ بيع الأسهم مقابلها.

تقوم الشركات مع مرور الوقت بإصدار أسهم جديدة وبيعها للمستثمرين، وذلك ضمن آليّة معيّنة تحكمها الكثير من القوانين لمنع التأثير على قيمة الأسهم القديمة. بالنسبة للعملات الرقمية فالأمر مختلف تماماً هنا، حيث أنّ تمويل مشاريع العملات الجديدة يتمّ من خلال ما يسمّى بعملية الطرح الأولي للعملة (Initial Coin Offering) أو ICO، والتي يتمّ إدارتها وتنظيمها من خلال العقود الذكيّة على البلوك تشين لضمان حقوق المستثمرين.

تعرّض المستثمرون في الماضي لكثير من عمليات الاحتيال من خلال القيام بعمليات تمويل ICO مزيّفة بهدف الاستيلاء على أموالهم وعدم الاستمرار بالمشروع، وقد بدأ الكثيرون بالتوجّه نحو عمليات عرض التبادل الأولي (Initial Exchange Offering) أو IEO التي تتمثّل بقيام منصّات التداول بتنظيم عمليّة تمويل المشاريع. بالنسبة لكيفية إصدار عملات جديدة فإنّ ذلك يختلف بشكل كبير بحسب العملة، حيث أنّ بعض الشركات تقوم بإصدار عملات مع ارتفاع الطلب عليها في حين أنّ العملات الأخرى مثل بتكوين تعتمد على التعدين كمصدر أساسي لإصدار عملات جديدة، وبذلك فإنّ قيمتها قد تستمر بالارتفاع نظراً لمحدوديّة الكميّة المتاحة (العرض).

نظراً لكثرة القوانين المرتبطة بأسواق الأسهم خاصة الكبيرة منها، فإنّ البدء بتداول الأسهم يتطلّب بعض الخطوات التي عليك اجتيازها والمعلومات التي عليك الكشف عنها قبل أن تصبح قادراً على الشراء والبيع، وفي حال كنت تبحث عن الربح السريع فستحتاج لرأس مال كبير نوعاً ما لتحقيق ذلك. في حال أردت دخول عالم العملات الرقمية فإنّ ذلك لن يتطلّب منك الكثير من الوقت والجهد للقيام بذلك، كما يمكنك البدء بالتداول دون الحاجة للكشف عن معلوماتك التفصيلية بالكامل حيث أنّ سوق العملات الرقميّة أبعد ما يكون عن أي تشريعات وقوانين حقيقية لتنظيمه.

بشكل عام تتميّز أسواق الأسهم بتقلّباتها الدائمة ونسبة المخاطر العالية مقارنة بتداول الأصول المالية الأخرى مثل العملات الأجنبية أو السندات مثلاً، ولكن عند مقارنتها بالعملات الرقميّة فهي تعتبر أكثر استقراراً وأماناً خاصة بالنسبة لأسهم الشركات الكبيرة التي تمتلك سجلاً حافلاً باستقرار سعر أسهمها مع نموّ بسيط كل عام، وبالتالي فإنّ المتداول يمتلك حريّة أكبر للاختيار بين نسبة الأرباح الكبيرة والمخاطرة بحسب نوع الأسهم التي سيختارها.

من الناحية الأخرى تعتبر العملات الرقميّة كثيرة التقلّب وبنسب مرتفعة ولا يمكن فعلاً التنبؤ بمستقبلها على المدى البعيد، ففي نهاية عام 2017 ارتفع سعر بتكوين ليتجاوز $20000 لفترة قصيرة قبل أن ينهار من جديد بنسبة كبيرة تجاوزت %65 خلال شهرين فقط، وقد أدّى ذلك لانهيار سعر الكثير من العملات الأخرى لكونها عادةً ما تتبع بتكوين عند صعود أو هبوط قيمتها.

يمكن القول إنّ العملات الرقمية مناسبة أكثر لمن هو مستعدّ لتحمّل مخاطر الخسارة مقابل تحقيق نسبة أرباح أكبر من خلال اقتناص الفرص المناسبة، ولكنّ ذلك قد لا يعتبر خياراً بالنسبة للمستثمرين المحافظين الذين يبحثون عن استثمار طويل الأمد بحيث يكون مضموناً وموثوقاً بعيداً عن التقلّبات.

تقدّم أسواق الأسهم العالمية مثل بورصة نيويورك الكثير من التسهيلات للمستثمرين، ولكنّك ستجد دائماً بعض القيود التي يتمّ فرضها على المستثمرين الأجانب الراغبين بتداول أسهم شركات غير متاحة في مكان سكنهم. تتفوّق العملات الرقمية بشكل واضح في هذا الجانب، حيث يمكن لأي شخص من أي مكان في العالم البدء بتداولها من خلال منصات التداول أو شركات الوساطة المالية، وعلى الرغم من أن بعضها بدأ بفرض بعض القيود على التداول، إلا أنّك ستجد دائماً طرقاً سهلة لتجاوز ذلك نظراً للحرية الكبيرة والمرونة التي يوفّرها هذا السوق.

يتشارك سوق الأسهم مع العملات الرقمية من ناحية خيارات التداول المتاحة، حيث من الممكن التداول بشكل تقليدي من خلال شراء أو بيع السهم بسهولة، وفي حال أردت التعامل مع العقود مقابل الفروقات أو المشتقّات مثل عقود الخيارات والعقود المستقبليّة فإنّ ذلك متاح للأسهم والعملات الرقمية أيضاً، ولكن بالنسبة للعملات الرقمية عليك التأكّد في البداية من دعم منصة التداول لذلك حيث أنّ الكثير منها لا يدعم جميع خيارات تداول العملات الرقمية مثل المستقبليات والمشتقات.