رحلة البحث عن آلة الزمن… كيف يؤثر المستقبل على الماضي؟
لقد قيل إن الماضي بلد أجنبي وأحيانًا يكون دولة أخرى نتوق إلى زيارتها ولا يمكننا بالطبع، وفي حين أن السفر الفعلي مقيد فقط بالمبلغ النقدي الذي يمكننا توفيره، ومتطلبات التأشيرة وتوفير الرحلات، إن السفر عبر الزمن مقيد بقوانين وشروط فيزيائية قياسية، هل يمكن توفيرها يا ترى؟
لعل الكثير منا شاهد مسلسل DARK الذي امتلكت فكرته عقولنا وألهمت تفكيرنا بالزمن وصرنا نتساءل ماذا سنغير في الماضي لو عدنا إليه؟ وكيف سنؤثر على مستقبلنا؟ حقًّا يوجد علماء ألهمتهم هذه الفكرة وسيطرت على عقولهم، والآن هم يحاولون تحقيق هذا الحلم وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء للسفر إلى وجهات مختلفة.
من أبرز هؤلاء رونالد ماليت، عالم فيزيائي وفلكي كرس الكثير من حياته لتحقيق فكرة إمكانية السفر عبر الزمن، حيث توصل إلى معادلات ومبادئ علمية تقول إنه من الممكن إنشاء وتصنيع آلة للزمن، مع اعترافه بأن نظرياته واستنتاجاته من غير المرجح أن تسمح بالسفر عبر الزمن، إلا أنه بقي يعمل لسنوات بالتوازي مع مهنته الأكاديمية لتحقيق حلمه والعودة إلى الماضي لرؤية والده الحبيب مرة أخرى.
تشكل الحلم
عندما كان ماليت في العاشرة من عمره توفي والده فجأة بسبب نوبة قلبية، ولقد كانت هذه الحادثة نقطة تغير مسار حياة ماليت إلى الأبد.
“بالنسبة لي، الشمس تشرق وتغيب عليه، لقد كان مركز الأشياء. حتى اليوم، بعد كل هذه السنوات، لا يزال ذلك الشيء غير واقعي بالنسبة لي.”
-ماليت لشبكة CNN.
غرس والد ماليت في ابنه حب القراءة والمطالعة وشجع شغفه الناشئ بالعلم وحفزه على الاجتهاد والمثابرة، وبعد حوالي عام من وفاة والده، عثر ماليت الحزين من خلال بحثه في أمتعة والده على نسخة مصورة من رواية الخيال العلمي الكلاسيكية “آلة الزمن”، يقول ماليت “إنه الكتاب الذي غير حياتي”. بفضل خيال المؤلف هربرت جورج ويلز شعر ماليت فجأة بأن مأساة عائلته لم تمثل النهاية بل هي البداية، وهنا بدأت رحلة ماليت الشغوف بالزمن.
بداية الرحلة
بعد ستين عامًا، أصبح ماليت البالغ من العمر 74 عامًا عالمًا وأستاذًا للفيزياء في جامعة كونيتيكت، وقد كرس حياته المهنية والعلمية كلها في دراسة ومحاولة تحقيق نظريات الثقوب السوداء والنسبية العامة، ونظريات المكان والزمان والجاذبية التي اشتهر باستكشافها العالم ألبرت أينشتاين.
كما طور ماليت نظريات السفر عبر الزمن وتعمق فيها وأجرى تجارب عدة، حيث شرع من خلالها في البدء برحلته الشخصية ومهمته المعقدة والمثيرة للجدل ألا وهي بناء آلة قادرة على السفر عبر الزمن. لا يزال ماليت بعيدًا عن وجهته وقد يجادل البعض بأنه لن يصل إلى هناك أبدًا، لكن رحلته تصنع قصة مؤثرة سلطت الضوء على قوة العزيمة والإرادة عند الإنسان والرغبة البشرية في التحكم بالمصير.
كان العالم ألبرت أينشتاين مصدر إلهام وتشجيع ماليت للمضي قدمًا إلى هدفه، حيث وصل ماليت إلى الأوساط الأكاديمية وحصل على درجة البكالوريوس في الفيزياء، تليها الماجستير والدكتوراه، وتخصص في نظرية أينشتاين. بعد عامين من تطبيق النظريات الرياضية في الإطار التطبيقي، انضم ماليت إلى جامعة كونيتيكت (UCONN) كأستاذ مساعد في الفيزياء.
كيف تصبح مسافرًا عبر الزمن؟
خلال كل هذه الرحلة الطويلة، كان ماليت يفكر بهدوء في إمكانية السفر عبر الزمن وبدأ فقط في التحدث علنًا عن طموحاته بمجرد أن جعلته جامعة كاليفورنيا في ولاية كاليفورنيا أستاذًا ثابتًا، وهو منصب أكاديمي مفتوح يمنح حامليه حرية العمل إلى حد كبير بعيدًا عن الخوف من الفصل الوظيفي.
يقول: “أردت أن أتأكد من أنني وصلت إلى قمة الاحتراف، حتى في ذلك الوقت كنت مترددًا بعض الشيء”، ولكن عندما بدأ ماليت يتحدث بصراحة عن أفكاره، وجد أنها ضربت على وتر حساس لدى العديد من الآخرين، وهو شيء يظهر عالمية الرغبة في إعادة النظر في الماضي. كلنا نندم عن قرارات سابقة نريد أن نصححها، أو الأشخاص الذين فقدناهم ونرغب في رؤيتهم مرة أخرى، وبالتالي نريد أن نكون مسافرين عبر الزمن.
هل يمكننا فعلًا العودة إلى الماضي أو القفز نحو المستقبل؟!
السفر عبر الزمن من خيال إلى حقيقة
أخذت صور ماليت في العمل محاطًا بمعدات في مختبر مزدحم تظهر في الجرائد والصحف وزادت شهرة ماليت وحب الناس له، إذ أن كل البشرية كانت تتطلع لأي جديد في ما يخص بحوث ماليت، إثر تعاطف الكثيرين معه بسبب حادثة والده. حقًّا الجانب الشخصي من عمل ماليت مؤثر للغاية، لكن ما مدى معقولية العلم وراء أفكاره؟
يقول ماليت إن كل هذا يتوقف على النظرية النسبية الخاصة بأينشتاين والنظرية النسبية العامة، وأعطى ماليت مثالًا لرواد الفضاء الذين يجتازون الفضاء في صاروخ يسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء، سيمر الوقت على الأرض بشكل مختلف عما هو عليه بالنسبة للأشخاص في الصاروخ.
يقول: “يمكن أن يعودوا في الواقع ليكتشفوا أنهم يكبرون بضع سنوات فقط، لكن عقودًا مضت هنا على الأرض”. ومع ذلك، فإن كل هذا يتعلق بالمضي قدمًا، فكيف سيساعد ذلك مسعى ماليت على جمع شمله مع والده؟
تقول نظرية النسبية العامة لأينشتاين إن ما نسميه قوة الجاذبية ليست قوة على الإطلاق، إنها في الواقع انحناء الزمكان بواسطة جسم ضخم.
توصل ماليت أخيرًا الى حل هذه المسألة بنظرية تقول “إذا كان بإمكانك ثني الفضاء، فهناك احتمال أن تقوم بلف الفضاء”، يفترض ماليت أنه من خلال تحويل الوقت في حلقة، يمكن للمرء أن يسافر من المستقبل إلى الماضي ثم يعود إلى المستقبل. وهذا ما يسمى بالثقب الدودي، ويقترح ماليت أيضًا أنه يمكن استخدام الضوء للتأثير على الزمن عبر شيء يسمى بالليزر الحلقي.
في نهاية المطاف، النتيجة المتوصل إليها هي إمكانية عمل شعاع ضوئي من أضواء الليزر كنوع من آلة الزمن ويسبب ذلك التواء الزمن الذي يسمح بالعودة إلى الماضي. على الرغم من كل هذه الحلول إلا أن هناك مشكل كبير أوقف تقدم ماليت!
لم يستطع أن يعيد إرسال المعلومات الصادرة من الجهاز مرة أخرى بعد نقطة تشغيل الآلة ولم تمكنه نظريته من تحقيق مهمته، وفي حين أن سعيه للعودة إلى خمسينات القرن الماضي ليس أقرب إلى الواقع، فإنه لا يزال متفائلًا ويستمر في التفكير في احتمالات جديدة.
من حقيقة إلى خيال
إذًا هل يمكن أن يكون هناك مستقبل ليس ببعيد يكون السفر عبره إلى الماضي جزءًا من واقعنا اليومي؟ لا أعتقد ذلك، السفر عبر الزمن له شروط فيزيائية عديدة وجد معقدة ولا يمكن توفيرها أو تحقيقها، حتى بعد قضاء ماليت عمره كله في البحث ومحاولة تحقيق السفر عبر الزمن، قد لا يعود فعليًا إلى خمسينات نيويورك ويقابل والده.
أفضل 10 أفلام خيال علميٍ تمحورت قصتها حول السفر عبر الزمن…
ولكن بفضل سحر السينما، قد يلقي نظرة على الماضي تلك “الدولة الأجنبية”، ويقابل والده بطريقة ما في المرة الأخيرة، يقول ماليت بشكل مؤثر:
“الفكرة التي سأتمكن بها من رؤية والدي على الشاشة الكبيرة، ستكون تقريبًا مثل إعادته إلى الحياة من أجلي”.
نحن ندخل عقدًا جديدًا تدخل فيه مفاهيم خيالية مثل سياحة الفضاء وقطارات هايبرلوب في عالم الاحتمالات، يمكن أن تحقق لنا أحلامنا التي لطالما أحببناها وجعلناها من أهدافنا.
https://youtu.be/7MWUyRNUS3U
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
لا اعتقد انه يمكن ذلك فالزمن بيد الله وحده وانصحك بالبحث عن حكم هذا الامر المتعلق بآلة الزمن