هوس السلطة.. لماذا تمسك ترامب بكُرسي الحكم إلى هذا الحد؟ عن ثنائية السلطة والمال ✨
6 د
في يوم 4 نوفمبر 2020، وبينما كان السيد دونالد ترامب ينتظر نتيجة الانتخابات الأمريكية بفارغ الصبر، جاءت الأخبار الحزينة له ولمُناصريه، والمُهلهلة للآخرين بأنَّ بايدن فاز وقريبًا سيُصبح الرئيس الفعلي للولايات المتحدة الأمريكية. لم يعترف ترامب بهذه النتيجة وبدأت سلسلة من النزاعات المشهورة منها اقتحام مُناصري ترامب للكونجرس أثناء التصديق على نتيجة الانتخابات في يوم 6 يناير 2021، مما دفع مجلس النواب لاتخاذ إجراء سريع بعزله قبل يوم التنصيب الذي كان مُقررًا في 20 يناير 2021.
قبل الانتخابات الأمريكية بفترة
كان سلوك السيد ترامب غريبًا بعض الشيء، مما دفع متخصصي علم النفس لدراسة حالته ومراقبة تصرفاته غير التقليدية أو غير اللائقة برئيسٍ أو قائد. لقد تناول عقارًا لم تثبت فائدته وشجع الأمريكيين على تناوله ثم اعترف بأنّ هذا العقار ليس مفيدًا على الإطلاق. من ناحية أخرى، ارتدى ترامب قبعة الديكتاتور في دولة ترفع شعار الديمقراطية في عدة مواقف منها إخلاء مظاهرات سلمية للأمريكيين بالرصاص المطاطي والغاز. كما روّج ترامب لمجموعة من نظريات المؤامرة غير العقلانية.
تُشير إحدى النظريات حول حالة ترامب إلى أنه يميل نحو التفكير السحري (وهو يعني عدم مواجهة المشاكل الواقعية والإيمان باختفائها من تلقاء نفسها بطريقة سحرية) ويتضح ذلك من خلال ملاحظة استهانته بفيروس كورونا. ويرجع تفكيره السحري هذا إلى تأثره بمؤلف يُدعى “نورمان فينسنت بيل” صاحب كتاب “قوة التفكير الإيجابي”. ويعتقد ترامب أنَّ بيل هو أعظم مُتحدث شاهده على الإطلاق.
اقرأ أيضًا: لغة جوفاء، تعقيدٌ مفتعل وإغراقٌ في التخصص: نظام التفاهة الذي أغرقنا فيه القرن الواحد والعشرين
هوس السلطة واضطرابات ترامب
اتفق عدد كبير من متخصصي الصحة العقلية على أنَّ الرئيس يعاني من اضطراب في الشخصية ونرجسية لا يمكن علاجها، وهو بذلك غير قادر على أداء واجباته كرئيس لدولة كبيرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية بل ويُشكل خطرًا على البلد. في عام 2018، طالب ما يزيد عن 70 ألف متخصص في الصحة العقلية إقالة ترامب. فقد اتفقوا جميعًا أنَّ حالته هذه ليست بسبب التفكير السحري نتيجة تأثره ببيل، وإنما لأنه مُصاب بمجموعة من الاضطرابات الشخصية.
يعتقد أتباعه أنَّ تصرفاته القاسية أو ثقته في نفسه تدل على قوة عقله، ولكن يرى المتخصصون أنَّ سلوكياته مثل: العظمة أو التفكير السحري أو المصلحة الذاتية هي في الأساس اضطرابات في الشخصية أو أعراض لنرجسية خبيثة.
أصبح دونالد ترامب أول رئيس ملياردير للولايات المتحدة الأمريكية في يناير 2017، إذ بلغت ثروته نحو 2.5 مليار دولار، ويمتلك العديد من الشركات والمصانع وملاعب الجولف وفنادق وغيرها. من ذلك، نخلص إلى امتلاك ترامب ما يكفيه من المال. إذًا، لماذا تشبث بالسلطة أو طالب بها من البداية؟ لننظر إلى بعض الدراسات أولًا.
اقرأ أيضًا: حرية التعبير في العالم الرقمي: هل أصبح كيلُ الشركات التقنية الكبرى بمكيالين فاضحًا بإسكاتها ترامب؟
القوة والإلهام
في عام 2015، أُجريت دراسة بجامعة أمستردام حول علاقة القوة بالإلهام. حيث سُئل 140 طالبًا عن رأيهم في عبارة “يمكنني جعل الآخرين يفعلون ما أريد” ووافق عدد منهم وبالفعل وُجد أنهم أكثر إلهامًا عند التحدث عن تجاربهم الحياتية أكثر من غيرهم الذين لم يتفقوا مع العبارة. وبطبيعة الحال، عادةً لا يتوقع الأقوياء أنّ أحدًا آخر يستطيع تلبية احتياجاتهم. وبذلك، يجدون صعوبة في العثور على شخص جدير بأن يصبح مصدر إلهامٍ لهم.
القوي هو أول مَن يتصرف
في عام 2003، أُجريت دراسة لاختبار سرعة التصرف وعلاقته بالقوةِ، وبالفعل وُجد أنَّ الأشخاص الذين شعروا بقوة عن أقرانهم كانوا أكثر جرأة وسرعة في اتخاذ إجراءات بشأن المعضلات الاجتماعية. وفي دراسة أخرى عام 2007، كان الأقوياء هم الأكثر قابلية للتصرف أولًا في المفاوضات.
في عام 2012، نُشرت دراسة بقيادة “جينيفر إيه ويتسن” من جامعة تكساس (الولايات المتحدة الأمريكية) أفادت بأنَّ الأقوياء لا يدركون القيود التي تفصلهم عن أهدافهم وشبهت الأمر بالحيوانات المفترسة التي تُركز على مطاردة الفريسة وتجاهل المخاطر المتوقعة، وبالتالي يزيد تركيزهم على الهدف وكذلك الحال مع القادة.
القوة مصدر للسعادة
يرى علماء النفس أنّ البشر يميلون بشكلٍ طبيعي لاكتساب القوة، فهي رغبة مشتركة للأجناس جميعًا. فالأشخاص الأقوياء يمكنهم التصرف كما يريدون لا كما يريد الآخرون، بعبارة أخرى، يتركون زمام الأمور للأصالة الكامنة بداخلهم دون أن يضطروا للخضوع لرغبات الآخرين.
عندما يتصرف الإنسان على طبيعته دون أن يتكلف عناء التبرير يصبح أكثر سعادة، والسلطة أو القوة تعطي للشخص هذه الفرصة، حيث يُنظر إلى صاحب القوة على أنه من فئة أعلى مهيمنة تحكم الجميع، فيتخلى عن رداء التكلف ويشعر بالرضا والصدق أكثر، إذ يمكنه فِعل ما يحلو له. لكن، ماذا إذا اجتمع المال مع السلطة؟ وهل المال يُغني عن السلطة؟ حسنًا، أفضل أن أروي قصة واقعية سريعة في البداية.
كان هناك ولد لابن عائلة ثرية، تورط في عدد من المشكلات التي يُعاقب عليها القانون، وطلبت المحكمة حضوره. بالطبع لم تبخل الأسرة على الابن بعدد من المحامين الأقوياء. زعم المحامون أنّ الولد عاش دون أن يوجهه أحد من أفراد العائلة للصواب أو الخطأ، وأنه ضحية هذا الإهمال بل ويحتاج إلى مساعدة! وكان الحكم النهائي هو فرض 500 ألف دولار سنويًا على عائلة الولد وإرساله إلى العلاج ومدرسة للأحداث.
من هذه القصة نخلص إلى أنّ امتلاك المال يساعد المرء على تصحيح أخطائه مهما عَظُمَت. وهذا يدعونا للتفكر ما إذا كان الناس يرون القوة السياسية هي الأعلى أم أنّ الأثرياء هم الأفضل في تحمل أي شيء. على أية حال، القوة تمنحنا القدرة على الوصول إلى مرحلة الرضا والسعادة أو التصرف بطبيعتنا سواء أقوياء سياسيًا أو ماليًا. لكن الكثيرين لا يكتفون فقط بالقوة المالية، ويرغبون في القوة السياسية أيضًا.
هوس السلطة والمال: ربما أراد ترامب تتويج المال بالسلطة!
عندما تستيقظ من النوم كل يوم وتذهب للعمل، فأنت تفعل ذلك من أجل الحصول على المال لتغطية الاحتياجات الحياتية، وليس للحصول على المتعة مثلًا. حسنًا، لقد استطعت جمع قدر كبير من المال الآن وتريد الحفاظ عليه، ماذا يفعل الأثرياء في هذه الحالة؟ في الغالب يتجهون نحو السلطة.
يُعد الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب أفضل مثال على هذه الحالة، فقد تولى مقاليد حكم أقوى دولة في العالم وهو غني يمتلك ثروة طائلة. اتضح أنّ السبب الفعلي لسعيه وراء السلطة هو المصلحة الشخصية، إذ عُرف عنه تجاهل ثقافة وأحلام البلدان الأخرى، إضافة إلى تصرفاته التي لا تليق بقائد.
ظن ترامب أنّ السلطة ستساعده على جذب الشركات المختلفة من وإلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا بدوره سيُساعد أعماله التجارية الخاصة على الازدهار، من ناحية أخرى، ستنهار الشركات الأمريكية الأخرى، خاصةً تلك المنافسة له. بذلك ظن ترامب أنّ السلطة ستساعده في الحفاظ على ماله وتدعيمه.
لماذا يسعى الناس إلى السلطة؟
من ذلك كله، نجد أنّ السلطة مفيدة في عدة أشياء، مما يدفع الناس للوصول إليها، منها:
- تحقيق الذات: يعتقد علماء النفس أنَّ القوة تساعد الناس للوصول إلى مرحلة الرضا والسعادة وتلبية رغبة طبيعية في نفس الإنسان.
- الازدهار المالي: تساعد السياسة أو السلطة رجال الأعمال الأثرياء مثل ترامب على توجيه اقتصاد الدولة والأعمال التجارية وتكون المنفعة النهائية لشركتهِ الخاصة.
- تجاوز القوانين: عندما يكون المرء قويًا سياسيًا أو ماليًا، فهذا يساعد على تبرير الأفعال غير القانونية.
لكن، أي من الأسباب السابقة دفع ترامب للوصول إلى كُرسي الحكم؟ ربما الثلاثة أسباب منطقية ومناسبة مع حالته. لكن على أي حالٍ، إنه لن يتمكن مرة أخرى من استغلال السلطة لأي سبب شخصي.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.