مسلسل الإمام الشافعي VS البرامج الدينية التلفزيونية.. تقديم رسالة أم خطاب ديني؟
مما لا شك فيه أن مسلسل رسالة الإمام للنجم خالد النبوي قد أثار عاصفة من الأقاويل منذ بداية عرضه في الموسم الرمضاني الحالي 2023، وقد تسرع البعض للإدلاء برأيه في العمل منذ الحلقات الأولى له سواء بالإيجاب أو السلب، وعلى كل حال فقد أثار المسلسل حالة جيدة بين الجمهور، مما أسهم في زيادة متابعة المسلسل.
ومن أجل إعطاء الفرصة للجمهور لمتابعة المسلسل أولًا فقد فضلنا في "أراجيك" متابعة المسلسل بالتحليل لكن بعد عرض حلقاته بشكل كامل، حتى يتسنى لنا وللنقاد تكوين تقييم شامل حول المسلسل، وحتى لا يتم التركيز على جانب واحد من المسلسل دون سواه.
وقد تحاورنا في "أراجيك فن" مع 2 من النقاد العرب الكبار لمحاولة فهم وتحليل وتغطية كافة الأسئلة والقضايا التي شغلت الرأي العام عن المسلسل وهما: الناقد إيهاب التركي والناقد محمد عبد الخالق لنوضح للقارئ معظم الأسئلة التي ربما دارت حول مسلسل رسالة الإمام الشافعي.
وهل يمكن تناول مسلسل "رسالة الإمام" بعيدًا عن روح الخطاب الديني الذي تتبارى فيه البرامج الدينية مؤخرًا؟، هل يمكن لمسلسل رسالة الإمام تقديم دور حقيقي في إيصال رسالة الإمام الدينية؟، أم أنه تعثر ما بين الخيوط الدرامية التي تحاول زيادة التشويق على حساب الأحداث التاريخية؟!.
سألنا الناقد إيهاب التركي عن الأهداف من تقديم الدراما الدينية أو التاريخية وهل الأمر من أجل تقديم رسالة أم فقط من أجل كسب جماهيرية على حساب اسم الشخصية التاريخية، وقد أجابنا بأن "الدراما الدينية والتاريخية لا تحظى بجماهيرية كبيرة، وبشكل خاص في السنوات الأخيرة حيث طغت مسلسلات الكوميديا والأكشن على غيرها من الأنواع وغالبًا الدراما الدينية والتاريخية العربية تُنتَج لأسباب سياسية أو مذهبية، وبعضها مثلًا استحضر روايات معينة من التاريخ لخدمة خلافات سياسية معاصرة مع إيران وتركيا".
وقد سألناه أيضًا عن حالة الجدل المثارة حول المسلسل منذ بداية عرضه فأجاب بأنه جدل طبيعي يحدث مع كل عمل يتناول شخصية تاريخية أو معاصرة، ويقول:" قبل شهور كان الجدل كبير حول مسلسل نجيب الريحاني مثلًا، وحدث تدقيق من جمهور المتخصصين ومن العامة لتفاصيل الشخصيات والحقائق التاريخية، ودومًا تكون المسلسلات الملحمية التي تحتاج دقة في تفاصيل رسم الشخصيات والحياة في زمن ماضٍ هدفًا سهلًا للانتقاد، لأنها في الأغلب لا تتحرى الدقة الكافية، وبشكل أدق لا تتحرى الأسلوب العلمي في مراجعة التفاصيل التاريخية وتستسهل".
وبسؤاله عن رأيه في نجاح مسلسل رسالة الإمام في إيصال صورة شخصية الإمام الشافعي الحقيقية للجمهور أو أنه –كما قيل- قدم صورة متناقضة عنه، أجاب إنه لا يوجد مسلسل يمكن أن يقدم صورة حقيقية عن شخصية تاريخية والسبب أن "التاريخ مليء بالتفاصيل المختلَف عليها، ولكن يُمكن أن نقول إن المسلسل قدم لمحات من حياة شخصية الإمام برؤية درامية لم تلتزم تمامًا بتفاصيل التاريخ، وهذا ما اعترف به صناع المسلسل على التترات؛ فهو في النهاية رواية درامية وليست توثيقًا تاريخيًا لحياة الإمام الشافعي".
هل كانت طريقة تناول شخصية الإمام الشافعي مناسبة؟
وقد أثير سؤال أيضًا ملأ الرأي العام بخصوص طريقة تناول المسلسل لشخصية الإمام الشافعي، وهل تم التركيز في مسلسل رسالة الإمام على قضايا مصرية أكثر من التركيز على تاريخ وشخصية الإمام الشافعي العربية يجيب: "في جميع الأحوال المسلسل موجه للجمهور العربي بشكل عام حتى لو ركز على مرحلة معينة من حياة الإمام بمصر، فجوهر المسلسل كان أفكار الإمام ورسالته وليس سرد حياته اليومية في مصر، ولكن بالتأكيد الجمهور المصري كان في ذهن صُناع العمل وهم يعدون الفكرة".
وهو أمر كان جليًا واضحًا في أحداث المسلسل؛ تركيز صناع العمل على القضايا الخاصة بالجمهور المصري في أثناء إعداد المعالجة الدرامية للعمل، أما بخصوص النجم خالد النبوي وهل قدم مسلسل رسالة الإمام إضافة له مثل التي قدمها له الفيلم العالمي .Kingdom of heaven
يجيب: "لا أظن أن المسلسل يُشاهد خارج الأقطار العربية، والعالمية تحتاج نوعًا معينًا من الدعاية والتوزيع للقنوات الفضائية العالمية والمنصات حتى يُشاهد المتفرجُ من أي جنسية العملَ وتتاح له فرصة متابعته، وهذا لم يحدث في حالة رسالة الإمام على حد علمي".
فيديوهات السوشيال ميديا VS مسلسل رسالة الإمام
ومما أثار اهتمام الجمهور خاصة على منصات السوشيال ميديا بخصوص الفيديو المنتشر للشيخ الجزائري مع القطة الذي أسهم في تحسين صورة الإسلام في العالم أجمع وقد حقق نسبة مشاهدة كبيرة جدًا حول العالم، وهل قدم مسلسل رسالة الإمام دورًا مماثلًا في نشر صورة الإسلام أجابنا إن الموضوع مختلف، لأن "فيديو القطة والشيخ كليب قصير يسهل انتشاره، وقد انتشر من خلال الإعجاب والريتويت على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن مشاهدة مسلسل ووصوله لمشاهدين من جنسيات متنوعة يحتاج آلية توزيع خاصة كما ذكرت في الإجابة السابقة".
وقد قارن الجمهور المصري ما بين مسلسل رسالة الإمام والمسلسلات الدينية التي قدمتها الشاشة الصغيرة عبر السنوات الماضية والتي يشتاق إليها المشاهد المصري والعربي؛ مثل مسلسل الطارق للنجم ممدوح عبد العليم ومسلسل رجل الأقدار عمرو بن العاص للنجم الكبير نور الشريف أو إمام الدعاة للنجم حسن يوسف.
وسألناه هل تقديم شخصية تاريخية قديمة ليست لها صورة في ذهن المتلقي أصعب أم تقديم شخصية تاريخية لها صورة عند المتلقي مثل مسلسل إمام الدعاه للنجم حسن يوسف؟ فأجابنا بأن "تقديم الشيخ الشعراوي كان أصعب بالتأكيد؛ فهو شخصية معاصرة ومعروفة وحاضرة في الذهن وكثيرون التقوا به ويحفظون صورته وصوته وشكله وأسلوبه المميز في الأداء، وحتى من لم يعاصروه شاهدوا ساعات من الفيديوهات الخاصة به على اليوتيوب".
أما بخصوص مسلسل رسالة الإمام الشافعي أجاب "أما الإمام الشافعي فلم يشاهده أحد ولا يوجد له فيديو أو تسجيل صوتي، وهذا يمنح الممثل حرية في التعبير ولن يشعر المتفرج بأي استغراب لأنه يُشاهد محاكاة لشخصية قرأ عنها ولم يرها أو يسمعها، ويتوقف الأمر على الممثل وفريق العمل في إقناع المتفرج أنه يشاهد بالفعل الإمام الشافعي أو صورة قريبة منه".
صورة مغايرة لمسلسل رسالة الإمام الشافعي
وحتى نقدم للقارئ صورة متكاملة عن المسلسل فقد قدم الناقد محمد عبد الخالق وجهة نظر من زاوية أخرى حول بعض النقاط الخاصة بالمسلسل والتي تحدثنا معه فيها.
سألناه عن الهدف من تقديم مسلسلات الدراما التاريخية أو الدينية والفرق بينها وبين البرامج الدينية التلفزيونية؛ فأجابنا بأنه "لو تناولنا الدراما من حيث موضوعها ودورها وتأثيرها فالدراما الدينية والتاريخية في شكلها التقليدي الذي اعتدنا عليه يتم إنتاجها لتقديم رسالة تعليمية وتثقيفية سواء كانت تاريخية أو دينية، وأرشيفنا الدرامي حافل بمسلسلات تاريخية ودينية التزمت النصوص التزامًا كاملًا، ربما على حساب فنيات وجماليات العمل الفني نفسه".
البُعد الإجتماعي للشخصية التاريخية
ومما أثار الجدل حول مسلسل رسالة الإمام أنه قد قدم صورة اجتماعية للشخصيات وخاصة الإمام الشافعي وهو أمر قد أثار حفيظة بعض المتفرجين، وبخصوص هذا السؤال، يجيبنا "عبد الخالق" إن تناول الجانب الاجتماعي والشخصي للشخصية التاريخية أو الدينية أمر مقبول.
يتابع موضحًا: "فإذا كانت كتب التاريخ قد حملت لنا تفاصيل حياته الشخصية والاجتماعية فهذا جيد وإذا لم يكن لدينا تفاصيل هذه الحياة كما عاشها فيمكننا أن نضيف بعض الخطوط العامة التي تناسب العصر الذي عاشه، دون تشويه أو تزييف للمعلومات قد يضر بالصورة الذهنية للشخصية عند المتلقي، ولدينا مراجع كثيرة تمكننا من هذا".
وبخصوص شخصية الإمام الشافعي بشكل خاص وتناولها في مسلسل رسالة الإمام يقول: "لو تحدثنا عن شخصية الإمام الشافعي تحديدًا، فقد حفظ لنا تلاميذه أدق تفاصيل حياته الشخصية والاجتماعية تمامًا كما حفظوا لنا علمه الذي كان حريصًا على تدوينه خوفًا عليه من الضياع كما حدث مع علم الإمام (الليث بن سعد)".
وهذا الأمر يدعونا كجمهور للتفكير حول الهدف من الأعمال الدرامية من نوعية مسلسل "رسالة الإمام" للجمهور العربي والمصري في الموسم الرمضاني وهي نوعية مسلسلات قد افتقدناها مؤخرًا في الدراما المصرية بشكل خاص وأجابنا إنه "يعتقد أن الهدف من تقديم مسلسل رسالة الإمام هو توصيل رساله للأجيال الجديدة وللشباب عن أهمية العلم والوطن والاعتدال ونبذ التعصب والفرقة".
يضيف: "وليس الهدف تقديم صورة كاملة عن حياة وفكر الإمام، وأعتقد أن هذا كان السبب وراء طلب الأزهر الشريف بتغيير اسم المسلسل من (الإمام الشافعي) الذي يعطي انطباعًا أننا نقدم الإمام بكل تفاصيله، إلى (رسالة الإمام) التي يمكن جدًا أن تقتصر على مبادئ وقيم عامة تتعلق بالأخلاق والحق والخير وإعلاء قيمة العلم والتدين الوسطي البعيد عن التعصب".
أما بخصوص التصنيف المناسب لمسلسل رسالة الإمام أجابنا إنه يمكن تصنيفه بأنه "دراما دينية تاريخية اجتماعية" لأنه قد حافظ على الخطوط الثلاث مجتمعة بشكل متوازٍ ومتساوٍ، وإنه "لم يطغَ جانب منها على الآخر، قدم الجانب الديني في فكر الامام، وقدم الجانب السياسي التاريخي للحقبة التي عاش فيها، وقدم الجانب الاجتماعي للحياة في مصر في هذه الحقبة".
وبخصوص مقارنة حالة تأثير المسلسل بفيديو الشيخ الجزائري والقطة فقد كان للناقد محمد عبد الخالق رأي مختلف حيث أجاب إنه "لا يمكن مقارنة مسلسل وعمل درامي كامل بلقطة عاطفية ظهرت على السوشيال ميديا في شكل (تريند) ينتشر سريعًا وينتهي دون ترك رسالة عميقة أو أثر باق" لأنه من وجه نظره "لا يوجد وجه مقارنة".
سقف توقعات الجمهور
أما بخصوص الانتقادت الكبيرة التي تم توجيهها لمسلسل رسالة الإمام من الجمهور، خاصة جمهور السوشيال ميديا، والتي لم تتوقف طوال مدة عرضه فقد أوضح "عبد الخالق" بأنه هذه الانتقادات جاءت بسبب "رفع سقف التوقعات للعمل" بسبب مقارنته بأعمال قديمة قوية.
وبخصوص التركيز على الأخطاء سواء التاريخية أو الفنية في العمل فقد أوضح بأن "هناك مشاهدين ونقادًا مثقفين يستطيعون الانتباه بسهولة للأخطاء والسقطات سواء الدينية أو التاريخية، وعلى الرغم من الجهد المبذول في المسلسل وقائمة المراجع الطويلة التي استعان بها صانعوه، لا نستطيع أن نقول إنه خرج سليمًا ودقيقًا بنسبه 100%، لكن نستطيع القول بثقة إنه من أفضل ما قُدم هذا العام في دراما رمضان".
أما بخصوص تقديم شخصية تاريخية ليست لها صورة في ذهن المتلقي فقد أوضح "عبد الخالق" أنه من وجهة نظره تقديم شخصية ليست لها صورة في ذهن المتلقي أسهل من الناحية الشكلية على الأقل".
كما تطرق للجانب النفسي من التشخيص الدرامي؛ فعندما يشاهد المتلقي ممثلًا يجسد شخصية يعرفها وشاهد انفعالاتها وشكلها وملابسها أعتقد هذا أمر صعبٌ تقبّله، لكن عندما تكون الشخصية غير معروف شكلها وطريقة كلامها وملابسها يصبح لدى الممثل والمخرج حرية أكثر في وضع لمساتهم الإبداعية.
النصائح الدينية بين الدراما والبرامج التلفزيونية!
قدم المسلسل دورًا دراميًا وفنيًا مناسبًا للمشاهد سواء على مستوى الصورة أو الإخراج المبهر أو حتى عن القيم الجميلة التي تناولها في أحداثه، ولكن يرى البعض أن الصورة الدينية التي يقدمها المسلسل لم تتعدَّ دور البرامج الدينية التي تقدم على الشاشة في شهر رمضان.
وربما كانت هذه هي النقطة التي أثارت زوبعة من النقد للمسلسل عبر شاشات السوشيال ميديا، لأنهم شاهدوا مسلسلًا عن شخصية دينية كبيرة، لكن هذه الشخصية يتم تناولها بشكل درامي، وكان الجانب الديني في العمل أقل من مستوى توقعات المشاهد.
وفي النهاية سواء اتفقت أو اختلفت مع الطريقة الفنية التي تناول بها المسلسل شخصية الإمام الشافعي، فلا يمكن إغفال ما قدمه على الأقل كشيء مختلف قد افتقده المشاهد العربي لفترة، ولم يتعمق المسلسل في قضايا قد يختلف الكثيرون عليها، فهو أشبه بمرور خفيف على شخصية الإمام الشافعي في أثناء فترة بقاءه في مصر، وليس تناولًا لحياته أو منهجه الديني بشكل متكامل.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.