تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

دانيس تانوفيتش.. المخرج الذي وجد ضالته في حرب البوسنة بعيدًا عن شباك التذاكر!

دانيس تانوفيتش أراجيك فن 2023
علي عمار
علي عمار

5 د

صارت الأفلام حب حياتي، منذ تلك اللحظة التي خرجت فيها من السينما أول مرة”.. هذه الجملة تختصر علاقة المخرج البوسني "دانيس تانوفيتش" بالسينما، والتي ازدهرت مع تطوره الجسدي، والنفسي، والفكري. 

أغوته فكرة سرد القصص بواسطة الفنون السمعية والبصرية، وجذبته حركة الكاميرا وتنقلاتها لالتقاط أجمل الصور، وملاحقة خطوات الممثلين، وإيصال انفعلاتهم الإنسانية. فتعلم هذا الفن وتشربه جيدًا، بتفاصيله الصغيرة، فهو ما يملأ روحه بالحب، والمعنى. 

اهتم "دانيس" بتصوير واقع البلاد، وتحديدًا بلاده، حيث إن قصصه مستمدة من الحياة المعاشة، وما اختبره الإنسان البشري على أرضه، وأيضًا بعضًا منها استوحاه من نشرات الأخبار. فأفلامه لها علاقة بطريقة أو بأخرى، بالحرب وعواقبها، وتأثير الصراع السياسي على الإنسان، وأحداث تحيط حياته. نعم الإنسان هو المادة الرئيسية في أعماله، ولأجله صنعها. وسبب ذلك مرده اختبار حرب البوسنة، التي استمرت أكثر من 3 سنوات. 

الانعطافة المهنية في مسيرته، كانت عَبر فيلم "No Man's Land" الصادر عام 2001، الفيلم السينمائي الذي جعل حلمه يلامس السماء، وتحصل عنه على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية عام 2002.

مناسبة هذا المقال أن المخرج المميز "دانيس تانوفيتش"، يحل ضيفًا عزيزًا على عالمنا العربي، يترأس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية في "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، بدورته الـ 45. 

والآن في "أراجيك فن" لنلقي نظرة على طبيعة أعماله ورؤيته الإخراجية... 


No Man's Land 

فيديو يوتيوب

معايشة المخرج "دانيس تانوفيتش" ليوميات حرب البوسنة، والارتباط الوثيق بتداعياتها، وتأثيرها العميق في ذاكرته، يبدو جليًا من خلال فيلم "No Man's Land" (الأرض المحايدة). الذي أراد عَبره اختزال معاناة الشعوب في الحروب، ونقل ما شهدت عليه عينه المجردة وخزنته، وروايته في حكاية تحاكي الصمود الإنساني في وجه السياسة ورجسها. لذلك رغب دومًا في صناعة فيلمًا دراميًا، يوثق بعضًا مما حصل هناك، وتفكيك صور ما جمعه بسلاحه الحربي، وهو الكاميرا. 

في عام 1992 اندلعت الحرب بين الصرب والبوسنيين، ضمن "يوغسلافيا الاتحادية"، و أحداث الفيلم تبدأ عندما يقوم جنود من البوسنة بنصب كمين لقافلة من صربيا، ليجد ثلاثة جنود، الأول بوسني والثاني صربي والثالث كرواتي بوسني أنفسهم محاصرون في خندق واحد، وعليهم التأقلم مع الوضع الراهن والتعاون معًا، وتأجيل النزاعات من أجل البقاء على قيد الحياة. فالخندق المتواجدون فيه، يقع في حقل ألغام ولا يستطيعون الفرار منه، إلا بوجود من يقدم يد العون لهم.

يحاول "تانوفيتش" في الأرض المحايدة، اكتشاف مدى قساوة ساحات المعركة، وإخبارنا بالحقائق الموجعة حول حقيقية ما يجري في أي ميدانٍ حربي. وبأن أصحاب القرار في السلطة السياسية، لا يأبهون للخسائر التي تخلفها الحروب، ولا تداعيات الكوارث على النفس البشرية، كل ما يهم مصالحهم وفرض قوتهم على ذكورية الحرب المفزعة. 

نرشح لك: Oppenheimer.. لغز “ذرة” نولان التي أبكت العالم الأمريكي وأثقلت التاريخ بذنبه!

براعة "دانيس" في تصوير ما تكبده الحرب من خسائر نفسية وجسدية، تخبرك بجدية التزامه بقضايا بلاده ومشاكل مواطنيه، ووفاءه تجاه ما سجلته عدسته ودونته ذاكرته. 

كذلك تأكيده المستمر على أهمية الروح الإنسانية، التي عراها وكشف أسوأ وأفضل ما فيها. لكن بالمقابل بمقدورها التكيف والتفاهم والتسامح، وخلق لغة حوار تستوعب الأخر، ولو بينهم خلافات وصراعات كبيرة. 


An Episode in the Life of an Iron Picker

فيديو يوتيوب

يثبت "تانوفيتش" في An Episode in the Life of an Iron Picker، أنه مخرج Out Of The Box، ومغامر جريء، فالقصة قرأ عنها في الصحف عام 2011، وأثارت سخطه، وعزم على تنفيذها، وإخبارها للعالم، ليس لهذا قلنا أنه يفكر خارج الصندوق، بل لجعله أصحاب الحكاية الأصليين يقومون بتأدية أدوارهم الحقيقية في الفيلم السينمائي. 

نجوم العمل هم عائلة من الغجر، يعيشون على مقربة من مكب للنفايات، يكافحون وبشدة في البوسنة للبقاء على قيد الحياة، وعلى أمل أن ترأف الإنسانية بحالهم. 

يعمل الأب نازيف بجمع الخردة المعدنية، ومن ثمً بيعها لكسب قوت يومه وأسرته. ذات يوم تتعرض زوجته سينادا لنزيف حاد، وهو غير القادر على تحمل تكاليف العلاج الطبي المرتفعة، ولأن ليس لديهم تأمين صحي، يطلب مساعدة النظام الصحي في ذلك، لكن يقابل بعدم الاكتراث، فيقوم بتزوير بيانات بطاقة امرأة أخرى لإنقاذ زوجته من الموت. 

فيلم "فصل من حياة جامع خردة" استحوذ على الجائزة الكبرى في مهرجان "برلين السينمائي الدولي" العريق، وليس غريب كل هذا التقدير والتعاطف مع الفيلم، كونه يلقي الضوء على الفئات المهمشة في المجتمعات، وقص بالتفصيل وقائع إنسانية حقيقية لغجر البوسنة والهرسك. 

نرشح لك: استعانت بلاجئين حقيقيين.. المخرجة سالي الحسيني تتحدث عن كواليس “The swimmers” مع نتفليكس

يبتعد "تانوفيتش" عن التعقيدات السينمائية في استخدام المؤثرات البصرية في أفلامه، ويعتمد على التصوير البسيط لكن الحرفي، والإضاءة الطبيعية، حيث إن عينه تلاحق أداء الشخصيات وتتغلغل في عوالمها النفسية، لإبراز المحتوى الدرامي والقصصي. ورغبةً بإعلاء الصوت، وتحسين حال الناس، فالفن خلق لخدمتهم. 

يحكى أن الممثلين غير المحترفين، رفضوا إضفاء عنصر المبالغة على القصة والأداء، وبالطبع نزل "دانيس" عند هذه الرغبة، حيث إن عدم التكلف والتصنع سماته الفنية المميزة، في طريقة معالجته الدرامية. 


The Postcard Killing 

فيديو يوتيوب

تجربة إخراجية جديدة للمخرج البوسني دانيس تانوفيتش نستعرضها في هذا المقال، لكن يبدو أن عالم صناعة الأفلام الأمريكية التجارية، لا يناسبه كثيرًا. هو الذي قدم أهم القصص والحوارات السينمائية، بقالب إنساني شيق. وكان عليه الحفاظ على النهج السينمائي الذي اعتمده، وشكل هويته، وبصمته. 

فيلم "The Postcard Killing"، يتتبع حكاية ضابط الشرطة السابق " جيكوب كانون"، والذي يكتشف مقتل ابنته الوحيدة وزوجها، بطريقة مروعة. 

يعلم تباعًا أن هذه الجريمة البشعة، هي جزء من سلسلة جرائم ترتكب بحق الأزواج المتزوجين حديثًا في عدة مدن أوروبية، ويتم التمثيل بالجثث، وكأنها لوحات لدانتي وبوغورو، وغيرهم. الرابط المشترك بين الضحايا، البطاقات البريدية التي يتم إرسالها من قبِل مرتكبي الجرائم. 

قام دانيس تانوفيتش بكتابة فيلمي "الأرض المحايدة" و"فصل من حياة جامع خردة"، إلى جانب عملية الإخراج، أمّا هنا في فيلم "عمليات القتل بالبطاقات البريدية"، النص مأخوذ عن رواية عالمية (لجيمس باترسون وليزا ماركلوند)، والتي حققت مبيعات عالية، لكن القصة المكتوبة للسينما من قبِل ليزا ماركلوند وكتاب آخرين، لم يتم إعدادها بشكل جيد، فالعمل يفتقر إلى العمق في الحبكة والحوار، العمق الذي يميز أعمال "دانيس" السابقة، والسيناريوهات المرسومة بعناية لتلامس العقل والروح. 

لغز الجريمة هنا تنقصه المتعة، على الرغم من توافرها في البداية، وعنصر الإثارة يتهاوى في جزء كبير من الأحداث. 

ذو صلة

نرشح لك: كيف تصنع “بودكاست مشاغب” على طريقة مسلسل Only Murders in the Building؟

ربما ما يميز الفيلم حضور الممثل "جيفري مورغان"، لا ندعي أن الفيلم غير جيد الصنع، ولكنه لا يشبه روح دانيس تانوفيتش التي عرفناها، ورسائله الإنسانية التي اعتدنا أن يقدمها. 

في النهاية ليس عيبًا على المخرج تقديم بعض الأعمال السينمائية التي لا ترتقي لجمالية رؤيته، فمن حقه الخوض والتجريب. والأكيد أن دانيس تانوفيتش اسم مميز وله وزنه، في عالم الفن السابع.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة