لماذا نحب تارنتينو عاشق العنف والسينما؟
6 د
لا أدري ما السبب الذي يدفعني إلى التفكير بتارانتينو كلما بلغ الغضب لدي ذروته، وأميل فعلًا إلى مشاهدة أفلامٍ عدة له. ربما سيخطر في بال أحدهم أن تارانتينو معروف بأفلامه العنيفة ومن الطبيعي أن تتلاءم تلك الأفلام مع مزاجٍ غاضب، لكن وقولًا واحدًا، في كل مرة لا يكاد الفيلم ينتهي إلّا وكان الأمر قد انقلب من حالٍ إلى حال. سببٌ جيد ووجيه يدفعني من ضمن أسباب عديدة أخرى، الإبداع والتألق ليسا أولها، إلى حب أيقونة هوليوود تلك.
لكوينتن تارانتينو مزاجه الإخراجي الخاص، ولنقل ماركته المسجلة، وحين تقرر مشاهدة أحد أفلامه، أنت على موعد مع جرعة زائدة من العنف والموسيقا والممثلين الكبار، وربما كثير من التمجيد من ضمن أمور أخرى.
لا مانع لدى تارانتينو من تمجيد صناع السينما الكبار كـ ألفريد هيتشكوك -نقاط كثيرة تُضاف له على ذلك- وأفلام الكونغ فو، وأفلام الغرب الأمريكي وحتى The Flinstones.
تميز تارانتينو، مزاجي هوليوود، بالقدرة على فعل ما يرغب به، لقد قدم تارانتينو سكتشات أدبية تصويرية قصيرة، كما لعب بالألوان في مناسبات عدة، وأعاد صنع أشياء كثيرة؛ فهو يعيد ابتكار المشاهد ويخلط كل شيء حتى يعثر على ضالته. ويتهمه الكثيرون بالسرقة الأدبية، رغم اعترافه بوجود أفلام كثيرة تعد مصدر إلهام له.
وبهذا العصر الذي يمكن الوصول فيه إلى كل شيء، لا تلبث تظهر فكرة ما حتى تجد من يستفيد منها ويستخدمها، وبالتالي وحتى عند صناعة شيء جديد تمامًا، لا بد وأننا نقتبس أو ننسخ شيئًا أُنجز مسبقًا.
ولطالما أشار تارانتينو إلى أن المرء ليس بحاجة الذهاب إلى الجامعة ليصبح صانع أفلام جيد، فكل ما يحتاجه من يريد ذلك هو الشغف بهذا. بالطبع شغف تارانتينو باديًا وواضحًا وضوح الشمس في كبد السماء في أفلامه، لكن ربما نخشى السؤال القائل: لماذا نحب العنف إلى هذا الحد؟ لماذا يملك تارانتينو علامته المميزة في هذا؟
خصوصية أفلام تارانتينو
حضر تارانتينو دروسًا في التمثيل وعمل في متجرٍ لبيع أشرطة الفيديو، وهو المكان الذي يقول أنه مصدر شغفه، وقد خطرت بباله فكرة الفيلم Reservoir Dogs في أحد الأيام وهو محاط بأصدقائه، وكانت فكرة أن يصبح مخرجًا حقيقيًا آخر ما يدور في ذهنه، لذا لم يمانع حينها أن يحظى بإنتاج رخيص لهذا الفيلم مع أصدقائه. لكن المنتج لورنس بيندر قرأ السيناريو الخاص به وأعطاه فرصة إخراج هذا الفيلم.
بالمناسبة، لا أحد حتى الآن يعرف المقصود بـ Reservoir Dogs.
ونافل القول هو حب تارانتينو لعمله، فبنظره يكفي أن تحب السينما من كل قلبك وبشغف كاف لتصنع فيلمًا جيدًا.
الملاحظ وبكثرة في أفلام تارانتينو هو تبجيله للعديد من الأفلام، وعلى سبيل المثال، مشهد الرقص الشهير في Pulp Fiction استُخرج من Fellini’s 8 1/2 وأزياء أوما ثورمان في Kill Bill تذكرنا وبشكل سافر ببروس لي.
معظم أفلام تارانتينو ترمي إلى انغماس المشاهد في بيئة واقعةٍ بين السطور، فلأفلامه حبكتها وهويتها المميزة، وهي في الوقت ذاته تعج بالتلميحات والإشارات. ولم يرقَ تارانتينو في نظر المشاهدين إلى مركز المخرج والكاتب المعروف سوى بعد Pulp Fiction. وبعده استقطب اهتمام الجمهور والنقاد، وقد فاز بعد ذلك بجائزة الأوسكار الأولى لأفضل سيناريو أصلي.
كما عملت أفلام مثل Jackie Brown عام 1997 وInglorious Bastards عام 2009، أو Kill Bill عام 2003 على تأسيس علامةٍ مميزة بتارانتينو. أما فيلميه Django Unchained عام 2012 و The Hatefull Eight عام 2015 فقد كانا بمثابة تصريح رسمي لحب تارانتينو لهذا النوع المنسي من الأفلام، إنها أفلام الغرب الأمريكي (السباغيتي). ومع هذه الأفلام، استعاد تارانتينو جوهر هذا النوع والمخرجين السينمائيين مثل سيرجيو ليون وكذلك إنيو موريكوني، مؤلف بعض من أبرز الموسيقى التصويرية للأفلام.
هنا ينبغي القول إن من المثير للاهتمام حقا أن تارانتينو مسؤول شخصيًا عن الموسيقى التصويرية لأفلامه. ومن ناحية أخرى، إن برزت بعض المفارقات التاريخية في أفلام تارانتينو فهذا ليس بالشيء المثير لاهتمامه، فهو بالنهاية سيرتب جميع قطع الأحجية في لوحةٍ متكاملة.
ونعود للقول، إن كان هنالك تعريف لأفلام تارانتينو فهو العنف، عنفٌ صارخ وحمامات دم تودي بالمشاهد أحيانًا إلى الضحك. وما يميز أفلامه أيضًا خلوها من الشخصيات التي تدفعك للتعاطف معها، وهو أمر يدفع المشاهدين في النهاية إلى عدم الاكتراث بمن سيموت أو يحيا في نهاية الفيلم، والمثال الأعظم عن ذلك هو The Hateful Eight.
ضع في حسبانك أنك بمشاهدتك لأحد أفلام تارانتينو لن تحظى بأي شخصية محببة. كن مستعدًا للعنف والضحك طوال الوقت، فلا بطل في أفلامه من ذلك النوع الذي تتعلق به حتى النهاية، وكل شخصياته مركبة بأسلوب التي تستحق ما يحدث لها، وحتى النهايات السعيدة في أفلامه لبعض الشخصيات ما هي إلّا نوع من توازن قلق توحي وبشدة أن النهاية ليست تلك.
أقرأ أيضًا: برنامج الحصن يعود من جديد، وإليكم رابط التسجيل!
عنف مضحك
قلنا الضحك، نعم الضحك، فالمضحك في أفلام تارانتينو أنها وعلى الرغم من سردها غير المنظم وعنفها الواضح، لكن ينتهي المطاف بالمشاهد وهو واقعٌ في أسر أفلام تارانتينو. وتعد المشاهد التي يقدمها في أفلامه تحفًا فنية؛ فعلى سبيل المثال، كان المشهد الصاخب في Reservoir Dogs فريدًا من نوعه، هو وموسيقاه التصويرية والرقص، وهذا المشهد ما هو إلا إعادة لمشهد من فيلم Django لكوربيوتشي عام 1966.
لكن، هل يمكن للعنف أن يكون أمرًا مضحكًا؟ هل هناك ذروة له؟ لقد قال تارانتينو مرات عديدة أن أفلامه هي خيالٌ محض مخصص لمتعة المشاهدين. وبدلًا من التساؤل ما إذا كان عنفه أخلاقي أم لا، لنستمتع به أولًا. فالموسيقى تجعل من العنف المعروض في أفلام تارانتينو جميلًا ومبهجًا من الناحية الجمالية. وشتان ما بين من يستخدم العنف بطريقة فجة واقعية ومن يستخدمه كذريعة أخرى للترفيه. نعم العنف هو من أكثر الأمور المضحكة التي يمكن مشاهدتها في نظر تارانتينو.
يدعم تارانتينو ذلك بإشارته إلى أن أفلام الكونغ فو عنيفة حقًّا، لكن لا أحد يكلف نفسه عناء التساؤل حول ما إذا كانت تلك الأفلام أخلاقية، بسبب ميلها نحو الترفيه. وعندما يتعلق الأمر بالأفلام العنيفة جدًا كـ The Passion of the Christ الذي أخرجه ميل غيبسون عام 2004 و Das Experiment الذي أخرجه أوليفر هيرشبايجل عام 2001 أو Irréversible الذي أخرجه غاسبار نوي عام 2002، فالشعور الوحيد الذي سيهمن على الجمهور هو الانزعاج الخالي من أي متعة. لكن هذا لا يحدث لدى مشاهدتك لفيلم من إخراج مارتن سكورسيزي أو كوينتن تارانتينو. فهذان المخرجان يستخدمان العنف كطريقة للتنفيس وتصوير التحرر والصفاء عبر الصور.
بالطبع، لا مجال للمقارنة بين مشاهدة العنف في Kill Bill وفيلم The Passion of The Christ، هذا الأخير لا يمكن أن تشاهده مرتين إن كنت من أصحاب الحس الطبيعي، أمّا Kill Bill فربما تشاهده مرات عديدة دون أن تشعر بخطبٍ ما سوى بالتشويق المرافق له.
لقد أشار أرسطو إلى العنف في عمله Poetics. وفيه حلل التراجيديا الإغريقية وكل ما تنطوي عليه. ما الذي دفع الإغريق للاستمتاع بمشاهدة العنف ومشاهد السفاح؟ الجواب الدقيق لذلك، هو لأنها كانت من المحرمات لديهم. ومع ذلك، هي من المشاعر المميزة التي يميل البشر إلى كبتها بسبب جانبها غير الأخلاقي. لقد مثلت مشاهد العنف منفثًا بالنسبة للإغريق، لذا كان حضورها متعة بالنسبة لهم.
وينقب مبتكرو التحليل النفسي كفرويد عميقًا في هذا المجال. وقد خلُص هو وغيره من الخبراء إلى أن طعم العنف مميز بالنسبة للجنس البشري، وهو أمر حاولنا بطريقة أو بأخرى أن نلبسه قالبًا فنيًا.
لا يمل تارانتينو من تذكيرنا بأن أفلامه فانتازيا بحتة، والعناصر غير الواقعية في أفلامه، هي بالضبط أكثر ما يشد المعجبين نحوها. إنّها قنوات تنفيس عاطفية وحماسية تجعلنا نخلص في النهاية إلى أن تارانتينو لم يقصد بأفلامه سوى المتعة الخالصة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.