فيلم The True Cost وثائقي عن القُبح الكامن خلف عالم الأزياء البرَّاق
7 د
أهم المعلومات التي جائت في فيلم The True Cost الوثائقي
فيلم أمريكي – إنتاج 2015
إخراج: أندرو مورغان
إنتاج: مايكل روس
تم تصوير بين: بنغلاديش- أمريكا – بريطانيا – الصين – الهند – والكثير من البلدان الأخرى
على عكس الانطباع السائد عن الأفلام الوثائقية وكونها غير ممتعة، أو لا تتماس مع حياة المُشاهد الشخصية، جاء فيلم The True Cost مُخالفًا للتوقعات حيث ينجح في جَذب انتباه المُتفرج وحَبس أنفاسه منذ اللحظة الأولى وحتى النهاية.
يفتح فيلم The True Cost أعيننا على الصورة الكاملة لقضية نحن أحد أطرافها بلا أي مجال للشك حتى وإن لم نكن نعرف ذلك، إذ يتناول التكلفة الحقيقية وراء صناعة الأزياء خاصةً السريع منها، تلك التكلفة التي تتمثل لنا في بضع جنيهات ندفعها ثم نعود لمنازلنا فرحين بما اشتريناه، ظنًا منا أننا حققنا انتصارًا صغيرًا بشراء قطعة ملابس جديدة بمبلغ ضئيل، دون أن نُفكر في هؤلاء من يدفعون الثمن الحقيقي لنقوم نحن بالتوفير إذا كنا نفعل ذلك حقاً.
يُلقي الفيلم الضوء على الكثير مما لم نحسب له حسابًا وكيف يتم خَفض النفقات جميعها من أجل خروج المُنتج النهائي بسعر بمتناول الجميع، في الوقت نفسه تظل الشركات الكُبرى بعالم الموضة والأزياء تُحقق أرباحاً خيالية، حتى أن اثنين من أغنى 10 رجال في العالم هما مالكي Zara وH&M، وهو ما يُفصح عن الكثير حول الطريقة التي يقومون بها بجني المال.
ليصبح السؤال الذي يطرح نفسه
كيف ومع ازدياد أسعار كل شيء من حولنا تُباع لنا الملابس يومًا بعد يوم بأسعار أقل عن ذي قبل، في الوقت نفسه يظل مُلاك قطاعات الملابس المشهورة قادرين على مُضاعفة أرباحهم بشكل خيالي موسم بعد آخر؟
هذا ما أجاب عنه فيلم The True Cost بالكثير من التفصيل حين وضع خطوطًا حمراء تحت طُرق تقليل التكاليف وما ينتج عن ذلك.
جاءت تلك العبارة البائسة على لسان شيما أحد العاملات بمصنع ملابس ببنغلاديش والتي اضطرت لترك طفلتها لدى أهلها من أجل التفرغ للعمل بساعاته الكثيرة وظروفه غير الإنسانية حتى تستطيع تعليم ابنتها لتمنحها مُستقبلًا أفضل، حتى ولو كان ذلك على حساب وجودها نفسه بحياة طفلتها. وهو ما يُجيب عن الشِق الأول بمعادلة تقليل النفقات.
استنزاف العمالة الرخيصة واستغلال حقوق العمال
سلّط فيلم The True Cost الضوء على واقع عمال المصانع، وخاصةً في بنغلاديش وكمبوديا حيث يتم العمل بطرُق تُشبه بالاستعباد دون أي حقوق أو تأمينات، وبمرتبات بخسة للغاية لا تَكفل لأصحابها أي حياة كريمة، وفي ظل ظروف غير آدمية تُهدد حياة أصحابها بالخطر، مُستغلين حاجة العُمال للعمل ولو على حساب حياتهم نفسها.
لتصبح النتيجة إما:
- برضوخهم حتى الموت كما حدث نتيجة انهيار أحد مصانع الملابس الآيل للسقوط فى بنغلاديش، عام 2013، بسبب عدم توفر أبسط عوامل السلامة والأمان، وهو الحادث الذي راح ضحيته الكثيرون في كارثة تكاد تكون الأكبر في تاريخ صناعة الملابس.
- أو ثورة الجياع كما يقولون والتي تُقابل بالقمع واستخدام السلطات للعنف وقتل المُتظاهرين تماماً كما يحدث بسائر بلدان العالم خاصةً بالدول النامية، ولكن لأسباب مُختلفة.
صناعة الملابس تؤدي إلى الوفاة!
في الحقيقة واقع العُمّال الكارثي، ليس كارثياً فقط على المستوى المادي، بل هناك كذلك المستوى الصحي نتيجة استخدام العُمّال بمجال صناعة الأزياء لمواد ضارة تؤدي إلى إصابتهم بأمراض إما يتطلب علاجها تكاليف باهظة، أو أنها تُسبب بالنهاية الوفاة.
ويُعاني من ذلك مُعظم العاملين بصناعة الملابس باختلاف وظائفهم، ابتداءاً من المُزارعين الذين يقومون بزراعة القُطن ويتعرضون بكثرة للمبيدات الحشرية، مروراً بعمال المصانع الذين يقومون باستخدام المواد الكيميائية الضارة في أعمالهم، وصولًا لسكان تلك المناطق أنفسهم والذين يتعرضون لتأثير مُخلَّفات تلك الصناعة نتيجة التخلص منها بالأنهار حيث ماء الشُرب!
وهذا ما يتسبب في انتشار الأمراض الخطيرة أو المميتة على نطاق واسع وواضح بين كل فئات الأعمار حتى أن بعض الأطفال صاروا يولدون بعاهات عقلية أو بدنية.
لقد جرى إقناعنا بهذه الأسطورة القائلة أن شراءنا لفستان بسعر أقل من 10 دولار أمريكي هو أمر ديمقراطي، لكن ديمقراطي بالنسبة لمن؟ لقد بتنا نتخلص من الأزياء بشكل أسرع وأسرع، وبهذه الطريقة بات الزبون أفقر وأفقر .. المنتجة المنفذة ليفيا فيرث
كان من الطبيعي نتيجة الانخفاض بأسعار الملابس وعوامل الإغراء لشرائها أن يصبح لدى الجميع الكثير من الملابس الفائضة والتي تتغير موضتها من شهر لآخر، ولأن ثمنها بالمتناول يصبح حينها من الأسهل التخلص منها أو التبرع بها من أجل شراء ملابس أجدد، وهو ما جعل كميات الملابس المُلقاة كمخلفات أو التي يتم شحنها للدول النامية للتخلص منها وجَني أرباح بنفس الوقت مهولة ومُرعبة.
خاصةً وأنها تؤدي للإضرار ببيئة الدول النامية التي يتم شحنها إليها نتيجة عدم قدرة تلك الملابس على التحلل وبالتالي بقاءها على مدار مئات السنوات تُطلق الغازات السامة بالهواء. كذلك تضرّ باقتصاد الدول وصناعة الملابس الخاصة، حيث أنه في ظل أسعار الملابس التي يتم جلبها من الخارج وكمياتها الهائلة، تصبح الملابس المُصنعة محلياً غير مطلوبة.
ليس المقصود من الفيلم بث الرعب في أنفسكم أو جعلكم تشعرون بالذنب حيال ما تقومون بارتدائه. بل يفترض منه طرح الفكرة البسيطة التالية: هناك أناس يصنعون لكم ما تقومون بارتدائه .. المخرج أندرو مورغان
وعلى الرغم من أن الفيلم – كما يليق بفيلم وثائقي – يظل أهم ما جاء به هو القصة، إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل العوامل الفنية الأخرى بالعمل. حيث جاء الإخراج قويًا ومؤثرًا مع إصرار مُخرج الفيلم على التصوير بالمناطق الأصلية للأحداث مُتجاوزاً عقبة المناطق النائية وغير المُستقرة بيئيًا أو سياسيًا بالكثير من البلدان خاصةً النامية، هذا ما عرّض طاقم الفيلم فعلياً للخطر وقت التصوير.
كذلك يُحسب للمخرج قُدرته على تقديم زوايا كثيرة ومختلفة للقضية، -بالرغم من رفض أصحاب قطاعات الأزياء الكبرى من التسجيل للفيلم وتقديم وجهات النظر المُضادة، كما لو كانوا يقومون بإثبات التُهم المنسوبة إليهم من انعدام الإنسانية والتفكير برأسمالية بحتة- جاء ذلك من خلال إدماج مقاطع لإعلانات البراندات العالمية وكبار محلات الأزياء، بالإضافة لبعض مقاطع اليوتيوب للاتهامات التي وُجهت لاصحاب المحلات وعجزهم عن الرد عليها.
كان هناك أيضاً فيديوهات تعكس هَوس الشراء وتأثير الموضة على الشباب عَبر اليوتيوب، كل ذلك أكّد الفكرة ومنحها الكثير من المصداقية. ومن العوامل الثرية بالفيلم أيضاً التصوير السينمائي والذي كان مُعبرًا، إذ تميزت الصور في أغلبها بالتقاطها من زوايا واسعة ومُرتفعة وهو ما أضفى المزيد من الشمولية على الصورة والقضية، في حين جاءت المشاهد المُلتقطة للعمال وأحاديثهم الشخصية من خلال لقطات مُقربة جعلت الحديث معهم أكثر حميمية للمُشاهد.
لعلّ الأكثر رُعباً بالفيلم هو الأرقام التي جاءت مُصاحبة لعرض تلك الحقائق، ما استمد منها الفيلم قوته ومصداقيته، تلك الإحصائيات التي تجعلنا كمُشاهدين عاديين لا يُمكننا أن نغض الطرف عن الأمر، على الرغم من أننا ليس بأيدينا ما نفعله للحَد من تلك الأزمة المُتصاعدة والتي لن تلبث أن تستنزف موارد الأرض والموارد البشرية، وحين تنفذ تلك الموارد سيتقلص هامش الربح بالتبعية ما يؤدي إلى انطلاق ثورات بالشوارع لن تُحمد عقباها.
من أهم تلك الإحصائيات
- 1 من كل 6 أشخاص على الأرض يرتبط عمله بطريقة أو بأخرى بصناعة الأزياء العالمية.
- هناك 40 مليون عامل في مصانع الملابس، متوسط الراتب اليومي لهم أقل من 3 دولار.
- في منتصف الستينيات من القرن الماضي، كان 95% من الأزياء الأمريكية يتم صنعه محلياً؛ أما اليوم، فتبلغ نسبة الأزياء المصنعة بالخارج 97 بالمئة وهو ما يدُل على قَدر استنزاف العمالة الرخيصة بالدول الفقيرة.
- هناك 80 مليون قطعة ملابس تباع سنوياً.
- قطاع الأزياء تقدر قيمته بـ2.5 تريليون دولار أمريكي.
- صناعة الأزياء هي ثاني أكبر صناعة مسببة للتلوث على وجه الأرض، مباشرةً بعد إنتاج النفط.
- كل كجم قطن يتم رَشه ب 300 غراماً من المبيدات الحشرية.
- على مدار الأعوام الـ 15 الماضية هناك 250 ألف مزارع ممن يعملون في القطن الهندي قتلوا أنفسهم نتيجة استدانتهم لشراء بذور القطن المعدل وراثيًا.
- المواطن الأمريكي العادي يتخلص من حوالي 37 كيلو غرام من الملابس سنوياً، ما يصل إلى 11 طن من نفايات الغزل والنسيج سنوياً من أمريكا فقط.
- 10% فقط من الملابس التى يتبرع بها الناس لبيعها بأسعار منخفضة يتم بيعها فعلاً، فيما ينتهى الباقي في مقالب للقمامة فى البلدان النامية.
ليصبح الحل الوحيد المطروح هو إحداث تغيرات منهجية بعالم صناعة الملابس أهمها:
- العمل وفق شروط وقوانين آدمية عادلة.
- توفير ظروف عمل آمنة تضمن سلامة العمال.
- وبالطبع رفع الحَد الأدنى لأجور العُمال وعدم الضغط على أصحاب المصانع لتخفيض التكاليف واستعباد العاملين لديهم بالتبعية.
- الحَد من التلوث.
- عدم استنزاف الموارد الطبيعية.
يعرض لنا فيلم The True Cost على مدار ساعة ونصف الكثير من الحقائق المؤسفة المتعلقة بصناعة الأزياء السريعة، غير أن الأكثر أسفاً هو عدم امتلاكنا كأفراد لحلولً عملية يُمكن أن نُساهم من خلالها في حل تلك الأزمة التي نحن أحد أسبابها باستهلاكنا وقيامنا بالشراء الزائد عن الحَد ما يدفع أصحاب قطاعات الأزياء المُحتكرين لأن يصبحوا أكثر جشعاً وقُدرةً على إذلال واستعباد الحلقة الأضعف بالمنظومة وهي العُمال.
لذا سيكون من الجيد لو تعاملنا مع الملابس التي نقوم بشرائها بالمزيد من الاهتمام والعناية مُحاولين تخيّل القصة وراء كل قطعة على حدى، شاعرين بالفَضل تجاه هؤلاء من منحونا جزءاً من حياتهم وآدميتهم من أجل أن نصبح نحن أكثر سعادة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
شكرا لكم على هذا التقرير الرائع
لكنني ما زلت ابحث عن تقارير باللغه العربيه عن هذا الموضوع بعد مشاهده هذا الوثائقي الصادم ، لكنني لم اجد تقارير كافيه باللغه العربيه
لذا هل يمكنكم اقتراح كلمات مفتاحيه لأبحث عنها ؟ او ارفاق روابط ؟
و شكرا لكم .
فلم رائع فعلا.. لكن إضافه صغيرة لما قلته.. إذا إستعرضت موقع الفلم، ستجد عدة نقاط أُضيفت تشرح ما يمكننا فعله كأفراد تجاه هدا الأمر ..
من اروع الأفلام اللى شوفتها فى حياتى بجد .. ومقال رائع طبعاً