تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

معجزة لا ندركها.. كيف يساعد النوم في تعزيز الذاكرة والتعلم؟

التعلم أثناء النوم
آلاء عمارة
آلاء عمارة

9 د

صدق أو لا تصدق: “من نام واستراح، نال النجاح”. عندما كنت في إحدى صفوف الثانوي، ربما الأول أو الثاني، أعطانا أستاذ الرياضيات عددًا من المسائل، منها السهل والمتوسط والمعقد. دائمًا كانت تجذبني المسائل المعقدة في أي مادة دراسية، كنت أستمتع بدراسة الرياضيات على وجه الخصوص، لأنها تتيح لي الخوض في المغامرات الصعبة أثناء التفكير في حل المسائل.

حسنًا، لأُكمل القصة، انتهيت من حل المسائل كلها باستثناء مسألة واحدة فقط. كانت صعبةً جدًا، رفضت طلب المساعدة من أخي الأكبر وهو بالمناسبة كان متخصصًا في الرياضيات. انتهى اليوم، وجاء موعد النوم. في اليوم التالي، بمجرد أن فتحت عينيّ، أدركت حلولًا مختلفة لهذه المسألة الرياضية الصعبة! وقتها انطلقت وطبقت الحل، وكانت النتيجة منطقية، حتى إنني من فرط السرور كدت أطير من الفرح (أقصى طموح طالبة ثانوي 🤣).

كانت هذه إحدى استراتيجياتي في المذاكرة، اكتشفتها وحدي، وأثناء النقاش مع أصدقائي، وجدت أنهم أيضًا يطبقونها، أي أنني لست مميزة للعثور على هذه الطريقة. لم يشغل بالي وقتها البحث عن سبب هذه الظاهرة. كانت الدروس تسيطر على وقتي كله، حتى كبرت قليلًا، وبدأت أبحث وأتساءل، ووجدت أنّ دماغي قد ساعدني في هذا أثناء النوم، كيف هذا؟ سنعرف الآن..


النوم.. معجزة لا ندركها

التعلم أثناء النوم

قبل التعرف على سر القوة المذهلة للنوم في تعزيز عملية التعلم، لنخض قليلًا داخل عالم النوم ونتعرف على مراحله. وهي: النوم البطيء والمفارق، سنتناول كل مرحلة منهما بشيء من التفصيل. عندما تركز في التفاصيل التي سأرويها لك الآن، ستلاحظ أنها تحدث بالفعل، لا تدركها كلها طبعًا، لكن على الأقل ستُدرك المراحل الأولى، لكن لا تحاول تطبيقها الآن، فتنام حقًا قبل إنهاء القراءة.


حان وقت النوم

هذه مرحلة الاستسلام، تستطيع التعرف عليها بسهولة بعد يومٍ طويل شاق من العمل أو اللعب، حيث يقل تركيزك وطاقتك، ويضعف البصر، وتُغلق العينين، وتسترخي العضلات، لكن يمكنك النوم جالسًا ولا تقع أثناء هذا الوقت، بعد ذلك..


النوم البطيء

تستمر هذه المرحلة لثلاثة أرباع الليل وخلالها ينخفض النشاط الكهربائي للدماغ، وتنقسم إلى:

  • النوم البطيء الخفيف: وهي مرحلة يقل فيها النشاط الكهربائي وتتراوح عدد الشحنات ما بين 8-12 شحنة / الثانية.
  • النوم البطيء العميق: يصل مستوى النشاط الكهربائي خلالها بين 0.5-2 شحنة / الثانية. وهي أكثر المراحل أهمية، إذ تخلص الجسم من التعب والإرهاق طوال النهار، ويصعب الخروج منها قبل انتهائها، فغالبًا لا يفلح المنبه في إيقاظ المرء أثناءها.

النوم المفارق

يأتي بعد مرحلة النوم البطيء، ويمثل 20% من فترة النوم الكلية، وفيها تسترخي العضلات، ما يتسبب في سقوط الشخص من على الكرسي إذا بدأ نومه في وضعية الجلوس. تتراوح عدد الشحنات الكهربائية ما بين 5-10 شحنة / الثانية، وتتميز هذه المرحلة بحركة العين السريعة REM اختصارًا لـ “Rapid Eye Movement”.

حسنًا، هذه مراحل النوم الأساسية، لنُركّز قليلًا على أهم مرحلتين، وهما: نوم حركة العين غير السريعة وحركة العين السريعة (حتى لا يختلط الأمر عليك، نوم حركة العين السريعة ونوم حركة العين غير السريعة، هما جزءان من المراحل الأساسية: النوم البطيء والنوم المفارق).


نوم حركة العين غير السريعة NREM وحركة العين السريعة REM


توضيح لمراحل REM & NREM

حركة العين غير السريعة.. نوم بلا أحلام

وفقًا لموقع “Webmd“، فإنّ نوم حركة العين غير السريعة، يتكون من 4 مراحل. في المرحلة الأولى، تكون العيون مغلقة، وتستمر لفترة ما بين 5-10 دقائق، ويسهل إيقاظ النائم. والثانية، يكون الشخص في حالة نوم خفيف وتنخفض حرارة الجسم ويتباطأ معدل ضربات القلب، وتستمر لمدة 10-25 دقيقة. والمرحلة الثالثة، هي مرحلة النوم العميق، وفيها يصعب إيقاظ النائم، إذا أيقظه أحدهم، فإنه يشعر بالارتباك بضع دقائق حتى يستوعب. وهنا معلومة ربما تهمك، أثناء هذه المرحلة، يتبدد التعب، إذ يُصلح الجسم الأنسجة ويعيد بناء العضلات والعظام ويقوى الجهاز المناعي.


نوم حركة العين السريعة.. الاستمتاع بالأحلام

يحدث بعد 90 دقيقة من النوم، وفيه تتحرك العينان بسرعة في اتجاهات مختلفة، لكنها لا ترسل أي معلومات بصرية للدماغ. وقد تستمر الفترة الأولى منه لـ 10 دقائق، بينما الفترة الأخيرة تصل لنحو ساعة. أثناء هذه المرحلة، يزداد نشاط الدماغ، ويرى النائم عددًا كبيرًا من الأحلام مقارنة بالمراحل الأخرى، ومن هنا تأتي أهمية حركة العين السريعة، فهي تعزز عملية التعلم -هذه نقطة مهمة في موضوعنا- يقضي الأطفال 50% من نومهم في مرحلة حركة العين السريعة، أما عن البالغين فهم يقضون 20% فقط من نومهم فيها.


التعلم أثناء النوم – Hypnopedia

أدركت عالمة النفس الألمانية روزا هاين أهمية البحث في فكرة التعلم أثناء النوم، وفي عام 1914، نشرت أول دراسة لإثبات وجود علاقة بين النوم والتعلم. وأشارت إلى أنّ تعلم المواد الدراسية في المساء قبل النوم أفضل مقارنة بالنهار.

أُجريت العديد من الدراسات التالية، افترض العلماء أنّ الدماغ يسترجع تجارب اليوم ويثبتها في الذاكرة على المدى الطويل، من خلال نقلها من منطقة الحُصين (حيث تكونت أول مرة) إلى أجزاء الدماغ الأخرى المختصة. ما أثار تساؤلات بعض الناس عما إذا أمكن استغلال هذه الخاصية في الدماغ لأغراض تحفيزية.

التعلم أثناء النوم

في ثلاثينيات القرن العشرين، ظهر جهاز يسمى الهاتف النفسي، كان شائعًا ووظيفته إرسال رسائل محفزة للناس قبل النوم. مثلًا رسالة: “أنا مملوء بالحب”، يسمعها الشخص قبل النوم، وما إن ينهض في اليوم التالي، يكون أكثر ثقة في نفسه. والغرض من هذه الرسائل التي يبثها الجهاز، هو تحسين الأفكار اللاواعية التي تترسخ في الوجدان، ما يعود بالنفع على المستخدم.


التعلم أثناء النوم في سلة المهملات

في خمسينيات القرن العشرين، استخدم العلماء مخطط كهربية الدماغ EEG، لمراقبة موجات الدماغ أثناء النوم، لكن خلصت هذه الدراسات إلى أنه إذا تعلم الشخص أي شيء أثناء النوم، فهذا يحدث في مرحلة اليقظة! ما وضع افتراضات روزا هاين في مأزق، وألقى بفكرتها في سلة العلوم الزائفة. لكن لحظة! لقد كانت هذه الدراسات ضعيفة، وأثبتت العديد من الأبحاث فعّالية النوم في التعلم.


تعلم اللغات أثناء النوم ومرحلة NREM

قد يبدو العنوان سخيفًا لبعض الناس، خاصة بعد تداوله كثيرًا في فترة ما، حتى إذا بحثت عنه في اليوتيوب أو جوجل، ستجد صفحاتٍ وفيديوهاتٍ كثيرة تتحدث عن هذا الأمر. مع ذلك، كثيرٌ من الناس ليسوا مقتنعين بهذه الفكرة، ربما لأنها صِيغت بصورة غير مناسبة على ألسنة بعض اليوتيوبرز أو المدونين، ما أثار استياء بعض العامة، لكن مهلًا، لنطرح دراسةً علمية تخبرنا ماذا يحدث بالضبط.

عام 2019، نُشرت دراسة في مجلة “Current Biology” بقيادة دكتور “Marc Alain Züst” وشركائه في جامعة برن بسويسرا، لمعرفة مدى قدرة الدماغ البشري على تعلم كلماتٍ جديدة وتكوين ذاكرة أثناء النوم، وأشار مؤلفو الدراسة إلى أنّ الأدلة المتوفرة حاليًا (المقصود حتى وقت إجراء الدراسة) على فكرة التعلم أثناء النوم، غير حاسمة.

في نفس الدراسة، أجرى الباحثون تجربة على مجموعة من المشاركين أثناء مرحلة نوم حركة العين غير السريعة، لاكتشاف الظروف التي قد يستطيع فيها الإنسان التعلم اللغوي. تتميز هذه المرحلة ببطء الموجات أو الاهتزازات العصبية.

قبل استكمال الدراسة، أود توضيح شيء لغير المتخصصين، هذه الموجات تتكون من قمة وقاع. تمامًا كما في الصورة التالية ويحدث تناوب بين الاثنين كل نصف ثانية.

افترض الباحثون أنّ قمم هذه الموجات تساعد في التعلم، حيث تمثل فترات الاستثارة العصبية. اعتمدت التجربة على تشغيل صوت لكلمتين إحداهما كاذبة (tofer) والأخرى كلمة ألمانية معروفة (Haus، وتعني منزلًا)، فقد كان المشاركون رجالًا ونساءً من فئة الشباب ناطقين بالألمانية، وكانت العبارة التي سمعها المشاركون أثناء النوم هي “tofer-Haus”، وقد تزامن سماعهم لكلمة Haus مع قمة الموجة البطيئة، ما زاد فرصة تكوين روابط بين الكلمتين، حيث تزداد فرصة نشاط الدماغ عند الاقتراب من القمة، ويصبح في ذروة نشاطه عند القمة.

بعدما استيقظ المشاركون، لم يكن لديهم علم بتشغيل مسجل الصوت أثناء النوم، وأُجريت اختبارات للذاكرة اللاواعية، وسمع المشاركون نفس الكلمات لكن في حالة يقظة، وكانت المفاجأة ظهور نشاط مناطق محددة من الدماغ مثل الحُصين ومناطق من القشرة مرتبطة بمراكز اللغة، وقد اعتمد الباحثون على الرنين المغناطيسي الوظيفي لقياس هذا النشاط.

إضافةً إلى ذلك، طُلب من المشاركين تخمين معنى الكلمة الزائفة، وما إذا كانت تعني شيئًا أكبر أو أصغر من صندوق الأحذية مثلًا. والغرض من هذه الأسئلة، معرفة المزيد حول أسرار الذاكرة اللاواعية وتحقيق أقصى استفادة منها.

في هذا الصدد، صرح دكتور “Marc” لمجلة “Discover” قائلًا: “يصعب الوصول للذاكرة اللاواعية بشكلٍ صريح، فكان علينا الوصول إليها من خلال طرح أسئلة حول الجوانب الدلالية لهذه الكلمات الجديدة”.

من ناحية أخرى، لاحظ الباحثون قدرة المشاركين على تصنيف الكلمات الزائفة بدقة أعلى من الصدفة العشوائية بنسبة 10%، حيث اكتشف الباحثون أنّ النهج الذي اتبعوه قادرٌ على إحداث تغييرات في الدماغ تساعد على تخزين الذاكرة أثناء نوم حركة العين غير السريعة، وهو ما يفسر قدرة الدماغ البشري على تكوين روابط جديدة بين الكلمات المألوفة وأي كلمة أخرى، حتى لو لم يسمعها المرء في حياته قط. وعلى حد تعبير دكتور مارك، الأمر أشبه بالشعور الغريزي. وقال: “من المدهش أنّ البشر قادرون على معالجة الأمور المعقدة بدون وعي”.


ربما تساعد الأحلام في تعزيز الذاكرة أيضًا.. مرحلة REM

التعلم أثناء النوم

تزداد كثافة الأحلام أثناء مرحلة REM -كما ذكرنا- وهو نفس الوقت الذي تنشط فيه الدماغ. تمامًا كما صوّب مجموعة من الباحثين تركيزهم نحو دور مرحلة الـ NREM ودورها في تعلم اللغات. أراد بعض الباحثين معرفة ما إذا كان لمرحلة REM دور في تنشيط الدماغ أثناء النوم أم لا.


إيقاعات ثيتا وتنشيط الذاكرة

في مايو 2016، نُشرت دراسة في مجلة “Science“، أجراها دكتور “Richard Boyce” وشركاه. أفضت الدراسة إلى دور إيقاع ثيتا الضروري في تعزيز الذاكرة أثناء النوم، علمًا بأنّ هذا الإيقاع يحدث أثناء مرحلة حركة العين السريعة.

توضيح.. منذ قليل، تحدثنا عن تخطيط كهربية الدماغ EEG، وهو يُوصف بشيئين: النشاط الإيقاعي (وهو ما يهمنا الآن) والحالات العابرة. أما عن النشاط الإيقاعي، فهو ينقسم إلى عدة إيقاعات حسب التردد، وهي بالترتيب:

  • دلتا.
  • ثيتا.
  • ألفا.
  • بيتا.
  • جاما.
  • ميو.

يحدث إيقاع ثيتا عند تردد (4-7) هرتز. ينشط هذا الإيقاع في حالات الإبداع والتأمل، واكتشف الباحثون أهمية نشاطه أثناء الليل في تقوية الذاكرة. حسنًا، هذا بالنسبة لدراسة 2016. لنرى دراسة أخرى مرموقة.

التعلم أثناء النوم

إيقاع ثيتا

تنشيط الذاكرة وخلايا ADNs

في 2020، نُشرت دراسة في مجلة “Neuron” أُجريت بالاشتراك بين باحثين من جامعتي تسوكوبا وطوكيو في اليابان، لمعرفة دور نوع من الخلايا العصبية في الحُصين أثناء نوم حركة العين السريعة في تعزيز الذاكرة، تُسمى هذه الخلايا بـ ADNs اختصارًا لـ”adult-born neurons”. توصلت الدراسة إلى وجود علاقة وثيقة بين نشاط هذه الخلايا العصبية والذاكرة.

للتذكير فقط.. ترتبط الأحلام بمرحلة حركة العين السريعة REM، حيث يكون الدماغ في ذروة نشاطه، أي تساعد الأحلام في تعزيز عملية التعلم! 🤔

ذو صلة

وأخيرًا.. أثبتت العديد من الدراسات فعّالية النوم في تحسين الذاكرة، ما يعزز عملية التعلم، واللافت للنظر أنّ هذا يحدث أثناء مراحل مختلفة من النوم. لكن، هل يعني هذا الاعتماد على النوم فقط في التحصيل الدراسي؟ بالطبع لا، إنّ استراتيجيات المذاكرة متعددة، لكن ربما تكون قد أدركت أهمية النوم. لذلك، عندما تأتي ساعته، أطفئ الأنوار ودع دماغك ينجز مهامه، فالنوم حقًا معجزة لا ندركها!

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة