تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

لست فاشلاً لكنّهم يكذبون.. كيف غيّرت السوشيال ميديا مفهوم النجاح؟

مفهوم النجاح
إيمان سنجر
إيمان سنجر

6 د

منذ سنواتٍ قليلة لو سألت أحد الطلاب عن مفهومه للنجاح وطموحاته التي يسعى إليها بعد التخرج، ستكون إجابته غالباً تدور حول وظيفةٍ جديدة جيدة، في مجالٍ يحبه، أو وظيفة تجلب له المال الذي سيساعده على تحقيق باقي أهدافه، أو ربما النجاح في المجال الذي يدرسه والتطوير من مهاراته حتى يستطيع التفوق فيه والحصول على درجة الماجستير والدكتوراه في هذا المجال، وهذه ردود طبيعية ومألوفة.

بينما الآن فقد انتشر وبشكلٍ مبالغٍ فيه مفهومٌ مختلفٌ وجديد للنجاح، مبنيّ على ما نراه حولنا يومياً على مواقع السوشيال ميديا وفي الحياة اليومية؛ فعندما تسأل الطالب عن طموحه في الحياة وما يسعى له ستجده غالباً يفكر في أي وسيلة تحقق له جلب الكثير من الأموال بأقل مجهود والوصول إلى الشهرة في وقتٍ قصير.

كل هذه طموحات لا نُقلل منها أو نستهين بها أو حتى ننتقدها، لكن بالنظر إلى الأمر من زاوية أخرى سنجد أن معظمنا وخاصةً الطلاب أصبح يتلهّف وراء نجوم ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي ويسعى إلى تحقيق شهرتهم بغض النظر عن شغفه واهتماماته والطموحات التي يسعى إليها؛ فقد أصبح سجيناً لما يراه يومياً على هاتفه من عرضٍ لحياة أشخاص آخرين، ورغبته في تحقيق ما يراه، وتطبيقه في حياته، وشعوره بعدم الرضا عن نفسه وعن حياته، بل وما يسعى إليه أيضاً.

وهنا يجب الإشارة إلى أن السعي وراء تحقيق نجاحاتٍ مختلفة أو السعي وراء جلب المال والشهرة بطرقٍ سوية لا يُعيبه أي شيء ولا يُقلل من شغف صاحبه في شيء، لكن حديثنا عن الأشخاص الذين أصبح محور تفكيرهم هو كيفية استعراض حياتهم أمام الآخرين لإرضاء الهوس الداخلي لديهم بالسوشيال ميديا، وعن عدم شعورهم بالرضا النفسي عن أيّ نجاحٍ يحققونه في حياتهم وتقليلهم المستمر من جهودهم وطموحاتهم؛ وهنا نطرح سؤال: هل هذا حقاً هو ما يسعون إلى تحقيقه، أم أنّ ذلك نتيجةً حتمية لما ترسخ في عقولهم عن مفهوم النجاح فحسب؟


مفهوم النجاح في علم النفس

مفهوم النجاح

إن ملخص مفهوم النجاح طبقاً لما جاء في علم النفس؛ هو الأفعال والتصرفات التي تصدر عكس الفشل، وهو السعي نحو تحقيق طموحات أو إنجاز أهداف معينة على اختلاف أغراضها، فما دمت قد سعيت إلى هدفٍ معين واستطعت تحقيقه والوصول إليه فقد نجحت في ذلك، وهذا هو المعنى الملخّص والسريع لمفهوم النجاح.


مقاييس أخرى للنجاح


مقياس السعادة

مفهوم النجاح السعادة

قد يقيس البعض النجاح، بمقدار ما يستطيع الشخص تحقيقه من سعادة في حياته، فكلما كان الشخص سعيداً وأكثر رضا عن نفسه وحياته؛ كان ناجحاً، لكن عند النظر لهذا المفهوم نجد أنه غير واقعي بعض الشيء، لأن مسببات الحزن لدى الأشخاص الناجحين أحياناً ما تكون لأسباب خارجة عن إرادتهم، فعلى سبيل المثال إذا كان هناك شخص ناجح في مجال عمله وغني ومستقر مادياً والجميع يشهد له بالنجاح، لكنه في نفس الوقت فقد معظم أفراد عائلته لذا فهو يشعر بالحزن كلما تذكرهم، هل هذا الحزن يجعله شخص غير ناجح! بالطبع لا، لذلك فقياس النجاح بالسعادة فقط هو مقياسٌ غير كافٍ، كما أنه من الصعب الحكم على شخص لا يُقدّم أي شيءٍ مهمٍ لحياته أو لحياة المجتمع من حوله بالنجاح لمجرد أنّه سعيد، لذا فمقياس السعادة غير دقيقٍ للحُكم على النجاح.


مقياس الإنجاز

مفهوم النجاح الإنجاز

يقيس بعض الناس النجاح بمقدار ما حققوه من إنجازات في حياتهم وما أثّروا به في غيرهم، وعلى الرغم من مدى عظمة وأخلاقية هذا المفهوم إلا أنه مفهومٌ نسبي يختلف من شخصٍ لآخر ومن مكانٍ لآخر؛ لذا فليس من الصحيح اعتباره مقياساً أوليّاً للنجاح، فعلى سبيل المثال عند المقارنة بين موقفين لحسم أيهما أكثر نجاحاً؛ إذا كان الموقف الأول يتطلب من الشخص محو أمية 10 أشخاص آخرين، وإذا نجح في ذلك سيكون ترك أثراً إيجابياً ملموساً في غيره، والموقف الآخر يتطلب من شخصٍ متسابقٍ الفوز بميدالية ذهبية في مباراة دولية سينضم إليها، وإذا نجح في ذلك سيحصل على المكافأة الخاصة به وسيكون مثلاً مشرفاً لمجتمعه.

في المثالين السابقين لا نستطيع التقليل من مدى أخلاقية ومثالية غرض كل منهما، لكن عند قياس أيهما سيجعل الشخص أكثر نجاحاً فستجد أنه رأيٌ غير حاسم يختلف من شخصٍ لآخر لأنّه أمرٌ نسبي، وهذا هو المقصود؛ فقياس النجاح بمقدار ما يحققه الشخص من إنجازات في الحياة أمرٌ نسبي يختلف تبعاً لرؤية كل شخص، وتبعاً للظروف التي نشأ بها الفرد وساعدته على تحقيق إنجازاته، وكذلك تبعاً لمهاراته وقدراته بالنسبة لغيره، ومن هذا المنطلق يجب أن اُذكّركم بالمقولة الشهيرة للعالم الفيزيائي الشهير “ألبرت أينشتاين”: “الجميع عباقرة، ولكن إذا حكمت على سمكة من خلال قدرتها على تسلق شجرة، فإنها ستعيش حياتها كلها معتقدة بأنها غبية”.

لذا فلا تجلد ذاتك وتعاقبها على عدم خوضها تجارب معينة، أو لعدم إنجازها أهدافاً محددة، لمجرد رؤيتك لأشخاص آخرين قد خاضوا هذه التجارب وتوصلوا لتلك الأهداف، ما دمت قد سعيت وبذلت ما بوسعك، فلا تلتفت لما تراه حولك من إنجازاتٍ لأشخاص آخرين مختلفين عنك في كل شيء.


مقياس المال والشهرة

مفهوم النجاح ومقياس المال والشهرة

من أكثر المقاييس انتشاراً لتناول مفهوم النجاح في الجيل الحالي، هو مدى ما يحققه الإنسان من مال وشهرة، وقد بدأ هذا المفهوم بالانتشار الواسع مؤخراً، نظراً للانفتاح الاجتماعي الذي تشهده مواقع التواصل الاجتماعي، ومشاركة المشاهير والأغنياء مواقف وأجزاء من حياتهم على الملأ، مما أثر علينا سلباً بعض الشيء؛ فأصبح الشباب والطلّاب في الوقت الحالي يسعون لامتلاك المال، والحصول على الشهرة، فقط من أجل محاكاة الحياة التي يرونها أمامهم على مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وانستغرام وغيرها.

وعلى الرغم من أنّ الأشخاص الذين يشاركون حياتهم يومياً على هذه المواقع، يحاولون إقناعنا دائماً بأنه لا أحد منهم يشارك أوقات حزنه أو معاناته، وأنهم يشاركون فقط أوقاتهم السعيدة وهذا لا يعني أن حياتهم مثالية أو كل أوقاتهم سعادة، إلا أنه ما زال الكثير من الشباب وخاصةً صغار السن وقليلي الخبرة، يسعون إلى تحقيق الشهرة وجلب المزيد من المال، بهدف استعراض ذلك أمام الآخرين على مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن هنا قد نفهم مدى التأثير السلبي الذي قد تسببه مواقع التواصل الاجتماعي علينا بشكلٍ يومي، فالطالب حين يتناسى أهدافه وطموحاته، أو يتغافل عنها ويبدأ في السعي لكسب الإعجاب والانبهار في عيون الآخرين حوله، ويسعى جاهداً فقط من أجل الظهور بمظهر الشخص الناجح الثري وعرض حياة سعيدة مثالية أمام الآخرين، حينها سيتحوّل إلى ما يشبه الإنسان الآلي الذي يعمل دون تطوير نفسه، ويكون وقتها قد خسر أهدافه وشغفه التي كان يسعى إليه، وأصبح كل هدفه السعي لإرضاء الناس وكسب مظهرٍ اجتماعيٍّ قد يكون غير حقيقي.

وعند الإشارة إلى كسب المال وتحقيق الشهرة، فيجب لفت الانتباه أن هذا لا يعني التقليل من قيمة المال والشهرة، أو انتقاد الأغنياء والمشهورين، بل بالعكس فهي أهداف يمكن السعي لها وتحقيقها بطرقٍ سوية، لكن عندما تفقد سلامك الداخلي، وأهدافك في الحياة، وشغفك الذي كنت تسعى إليه، من أجل إظهار نجاحٍ خارجيٍ مزيّف، والحصول على رضا الناس من حولك، ففي هذا الوقت قد تشعر بالفشل الداخلي وعدم الرضا مقابل تحقيقك لنجاحٍ وهمي خارجي.


النجاح الحقيقي هو تحقيق التوازن

مفهوم النجاح
ذو صلة

في النهاية لا تدع الصور ومقاطع الفيديو التي تراها يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي تُضلّلك عن تحقيق هدفك في الحياة، أو تجعلك تُقلّل من شأنه، فكلٌ منا يسعى لهدفٍ مختلفٍ عن غيره، وكلٌ منا يستحق أن يستمتع بلحظة الوصول لهدفه وتحقيقه، لذا فأقرب تعريفٍ لمفهوم النجاح هو كل جهد وسعي تبذله في سبيل تحقيق أهدافك التي وضعتها في الحياة، فالنجاح توازن بين الرضا النفسي الذي تشعر به داخلك عند الوصول لأهدافك، وبين النجاح الخارجي الذي تحققه وقت وصولك لتلك الأهداف.

اقرأ أيضاً: قصص النجاح تضرك أكثر مما تنفعك وعليك التوقف عن قراءتها لهذه الأسباب

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة