تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

من المحتمل أننا نعيش في محاكاة، وهذا كل ما نعرفه حتى الآن

هل نعيش في محاكاة
رائد شيا
رائد شيا

6 د

هل تساءلت يوماً عن حقيقة هذا العالم الذي تعيش فيه؟ بمعنى، هل خطر لك أن كل ما تعيشه الآن قد يكون مجرد حلم وهو ليس العالم الواقعي فعلاً، كما نوّه لذلك الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت؟ بل هل خطر لك وأنت تشاهد الاقتراب المطّرد لألعاب الكومبيوتر الحديثة من الواقع بشكل مذهل، أن عالمنا بحد ذاته قد يكون عبارةً عن محاكاة كلعبة الكومبيوتر، في عالم آخر لا نعرف عنه شيئاً؟

هل نعيش في محاكاة

لقد بَنَت العديد من أفلام الخيال العلمي حبكتها على هذه الفكرة، وربما يكون أشهرها فيلم Matrix. كما أن العديد من الفلاسفة عبر التاريخ قد قلّبوا جوانب هذه الفكرة، من أمثال أفلاطون وديكارت و…. إلخ. وحديثاً بدأ العلماء أنفسهم بأخذ هذه الفكرة بجدية. فما مدى واقعية هذه الفكرة يا ترى؟


مبرهنة بايز

هناك مبرهنة جميلة للغاية في نظرية الاحتمالات وتدعى مبرهنة بايز. هذه المبرهنة تعمل كالتالي: لنفرض أن لديك فرضيةً ما عن الواقع وقمت بتخمين أولي لاحتمال صحة هذه الفرضية. بعد ذلك أتتك مجموعة من البيانات. عندئذ فإن مبرهنة بايز تعطيك احتمال أن تصح هذه الفرضية على ضوء البيانات الجديدة، وذلك اعتماداً على هذه البيانات وعلى الاحتمال الأولي الذي كنت قد خمّنته لصحة هذه الفرضية قبل حصولك على هذه البيانات.

بمعنىً آخر، فإن مبرهنة بايز هي أداة تمكننا من تحديث تخميناتنا حول صحة فرضياتنا على ضوء البيانات التي نحصل عليها. وسنستخدم هذه المبرهنة من أجل محاولة الإجابة على هذا السؤال الكبير الذي نطرحه في هذا المقال.


معايير ثلاثة لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند تحري كوننا نعيش في محاكاة

عام 2003 قام نك بوستروم من جامعة أوكسفورد بكتابة ورقة علمية غاية في الأهمية تتناول هذا الموضوع بشكل تفصيلي. ولقد وضع بوستروم في ورقته ثلاثة شروط لابد وفقاً له من أن يتحقق أحدها حتماً، ثم ناقش الأمور المترتبة على هذه الشروط. وتتلخص هذه الشروط فيما يلي:

  1. ألا يمكن أن تظهر حضارات فائقة التطور لدرجة تمكّنها من محاكاة عوالم تملك كائنات واعية.
  2. أن يكون هناك كائنات لديها القدرة على محاكاة عوالم تمتلك كائنات واعية، إلا أنها لا تهتم بصناعة هكذا محاكاة.
  3. أن يكون احتمال أننا نعيش في محاكاة هو قريب للغاية من 100%.

والسبب في أن عدم تحقق الشرطين الأول والثاني سيؤدي حتماً للشرط الثالث هو أنه لو وجدت كائنات لديها القدرة على محاكاة كائنات واعية، سيكون هناك احتمال لقدرة الكائنات الواعية الجديدة على تصميم محاكاة أيضاً ضمن عوالمها لكائنات واعية أخرى، وهكذا.

مما يعني أن معظم العوالم التي تحتوي على كائنات واعية ستكون عوالم ناتجة عن محاكاة، وبالتالي فإنه عند أخذ أحدها عشوائياً (مثلاً عالمنا) فسيكون من الأرجح أنه ناتج عن محاكاة.

هل نعيش في محاكاة

لقد دفعت المحاججة السابقة إيلون ماسك للقول بأن احتمال ألا نكون ضمن محاكاة هو أقل من 1 في البليون. فهل الأمر كذلك حقاً؟


ماذا تقول مبرهنة بايز يا ترى حول ما إن كنا نعيش في محاكاة؟

لقد تم انتقاد الرقم الذي أعطاه إيلون ماسك لأنه يفترض سلفاً صحة الشرط 3 أعلاه وخطأ أول شرطين، ولكن ليس هناك دليل على ذلك. لذلك نحتاج إلى تحليل احتمالي أعمق من ذلك. وقد قام بالفعل ديفيد كيبينغ من جامعة كولومبيا بإجراء تحليل احتمالي مفصّل مستنداً على مبرهنة بايز للإجابة على هذا السؤال.

لقد لاحظ كيبينغ بأن نتيجة الشرطين 1 و2 اللذان وضعهما بوستروم أعلاه هي واحدة: وهي ألا نكون موجودين في محاكاة. لذلك ارتأى جمعهما في فرضية وحيدة مفادها أنه لا وجود لكائنات واعية تعيش في محاكاة، بينما الشرط 3 يعبّر عن الفرضية النقيضة لها. وقد حاجج كيبينغ بأنه لكوننا لا نمتلك أي معلومات ترجّح إحدى الفرضيتين على الأخرى، فلابد لنا من إعطاء كل منهما نفس الاحتمال أي 50%.

هل نعيش في محاكاة

ديفيد كيبينغ

ثم تابع بقوله أنه لو كان لدينا فعلاً كائنات لديها القدرة أن تصنع محاكاة تحتوي على كائنات واعية وتنقل جزءاً من القدرة الحسابية إلى هذه الكائنات، فهناك احتمال أيضاً للكائنات الواعية الجديدة أن تصنع بدورها محاكاة تحتوي على كائنات واعية، لكنها ستكون أيضاً بقدرة حسابية أقل منها. وبالتالي سنصل إلى مرحلة لن تظهر فيها محاكيات جديدة لكائنات واعية، لعدم توافر القدرة الحسابية الكافية. وبالتالي ستكون معظم المحاكيات التي ستتم ككل غير محتوية على كائنات واعية.

وبأخذ الأمور السابقة جميعها بعين الاعتبار، قام كيبينغ بتقدير احتمال أن نكون داخل محاكاة، فوجده أقل من 50% ولكنه قريب جداً من هذا الرقم. مما يعني أنه لا توجد لدينا إجابة قاطعة عن هذا السؤال، علماً أن كيبينغ وضح أنه لو تطور البشر بحيث تمكنوا يوماً ما من صناعة محاكاة لكائنات واعية، عندها سيتغير الاحتمال الأولي الذي سنعطيه لفرضية وجود كائنات قادرة على صنع محاكيات واعية ولن يبقى 50% فقط، مما سيجعل كوننا في محاكاة هو أمر شبه مؤكد. وهذا أمر سيحسمه الزمن.

اقرأ أيضا: واقع افتراضي على مدار الساعة: ماذا لو أراد أحدهم أن يعيش حياته افتراضيًا؟

في الواقع، لقد تحفّظ بوستروم نفسه على هذه النتيجة. إذ أنه اعترض على دمج الخيارين 1 و2 معاً وإعطائهما احتمال 50%. إذ قال أنه ما الذي يمنع أن نعطي كلّاً من الشروط الثلاثة احتمالاً متساوياً نتيجة جهلنا التام وغياب البيانات؟ في الواقع نستطيع الحصول على النتيجة التي نرغب بها بمجرد تقريرنا ما هي الاحتمالات الأولية التي نرغب بإعطائها للخيارات السابقة. وبالتالي فليس علينا أن نثق كثيراً بهذا النوع من التخمينات على ضوء النقص الهائل في البيانات لدينا.

خاتمة

في الواقع، إن محاججة كيبينغ اعتمدت على كون القدرة الحسابية للكائنات التي صنعت أول محاكاة هي قدرة منتهية وستتناقص بالتدريج لدى كل من المحاكيات المتولدة. ولكن ما الذي يمنع أن تكون تلك الكائنات لديها قدرة حسابية لا منتهية؟ بل ما أدرانا أصلاً أن قوانين الفيزياء لديهم ستسمح لنا بالحديث عن مفهوم القدرة الحسابية بالأساس؟

إن هذه الأسئلة وغيرها تجعل من المستحيل أن نحصل على إجابة علمية عن هذا السؤال. ففي النهاية إن فرضية أن نكون في محاكاة هي فرضية غير علمية لأنها غير قابلة للتخطيء، إذ إن أي دليل يمكن أن يأتي كي ينقضها، يمكن أن يلتف عليه أصحابها بالقول أن هذا الدليل قد تمت محاكاته أصلاً.


هل نعيش في محاكاة
ذو صلة

هذا ما دفع بعض الفلاسفة إلى القول أنه في ضوء كل ذلك علينا الاحتكام لأفضل أداة فلسفية للحكم في حال غياب الأدلة ألا وهي نصل أوكام، والتي تنص على أن الفرضية التي تحمل عدداً أقل من المسلّمات تكون ذات احتمال صحة أكبر، لأنه كلما زدنا مسلّمةً كلما ازداد احتمال أن نكون قد ارتكبنا خطأً ما. وافتراض أن الوجود هو هذا الكون الذي نراه، يحمل مسلّمات أقل من القول بأن هذا الوجود نفسه نَتَجَ من عالم لا نراه كمحاكاة.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة