مسلسل مليحة يجسد معاناة الفلسطينيين.. هل يستحق المشاهدة؟
5 د
"قالت: لكن المنازل يا أبي أطلال! فأجاب: تبينها يدان.."
محمود درويش- قصيدة الجسر
ولد محمود درويش الشاعر العظيم في فلسطين وطوال حياته عاش ليكتب عن فلسطين ولأجل فلسطين وشوقاً لفلسطين، إنها الجرح الذي لا يندمل والألم الذي لا مهرب منه والمستمر بلا انقطاع.
منذ عام 1948 يعيش الفلسطينيون وبشكل مستمر من الحروب والموت والجوع والدمار وحتى أولئك الذين هاجروا منها تركوا قلوبهم وحياتهم خلفهم وأمضوا العمر كله يتذكرون الدار وأشجار الزيتون والليمون.
لم تغب فلسطين للحظة عن ذاكرة العرب وبقيت هناك ماثلة تذكرنا أنها بأبنائها وتاريخها صامدة بقوة، أمًا في الأدب والفن فكانت فلسطين دومًا المنتهى والمصب لمبدعي فلسطين والعرب على حد سواء والذين سلطوا مواهبهم وإمكانياتهم لتذكير العالم كله أن فلسطين ما تزال صامدة.
ولن تمحى شعراء مبدعون كنزار قباني ومحمود درويش وأحمد مطر كتبوا عن فلسطين أصوات عملاقة تغنت بالوطن المسلوب كالست أم كلثوم والسيدة فيروز ذلك لأن الفن بكافة أشكاله هو تصوير للحياة وتخليد لتفاصيلها.
في هذا العام عانى الفلسطينيون في غزة ولا يزالون يعانون من حرب شرسة مدمرة أخذت منهم بيوتهم وأطفالهم وأحلامهم ورأينا مشاهد مريعة نقلها المراسلون الصحفيون الشجعان الذين أبوا ألا يؤدوا واجبهم على أكمل وجه لأجل وطنهم.
لم تغب فلسطين عن الذاكرة يوماً ومع انتصاف شهر رمضان الكريم، انطلق عمل درامي مميز اتخذ من القضية الفلسطينية أساساً لأحداثه، يجسد معاناة لم تنته منذ أعوام، العمل الذي حمل اسم بطلته مليحة.
مليحة
تعود النجمة الكبيرة ميرفت أمين للدراما المصرية بعد غياب فترة كبيرة، من خلال مشاركتها في مسلسل “مليحة” ذي الـ 15 حلقة، مجسدة شخصية سيدة تدعي حنان والدة كلا من “دياب” و”أمير المصري” ضمن السياق الدرامي الذي يتولي إخراجه عمرو عرفة. المسلسل تدور أحداثه حول القضية الفلسطينية، ومن تأليف رشا عزت الجزار.
عرض المزيد
إنتاج
2024
إخراج
عمرو عرفة
بطولة
النوع
بانطلاقة قوية مبشرة بدأت الحلقة الأولى من مسلسل "مليحة" باستعراض تاريخي للقضية الفلسطينية؛ حيث يسأل طفل صغير جده عن السبب وراء ضرب إسرائيل لفلسطين ليروي الجد قصة الاحتلال الإسرائيلي منذ البداية وكيف كانت فلسطين الجميلة الآمنة تحتضن كل الأديان وكل الناس قبل أن تتحول إلى ساحة قتل ودمار.
كما استعرض مشاهد القصف الإسرائيلي على فلسطين قديماً وحديثاً لينشأ بهذا أساساً وركيزة لأحداث "العمل"مليحة"، تسير الأحداث في عالمين متباعدين مختلفين؛ العالم الأول في ليبيا حيث نتعرف إلى عائلة فلسطينية تقليدية تعيش في بنغازي هي عائلة "مليحة" الممرضة الشابة التي تعيش مع جديها ووالديها.
تظهر لنا الحلقة الأولى تفاصيل حياة مليحة وعائلتها المفعمة بالتقاليد الفلسطينية، التجمع حول مائدة الفطور والمتبل والقهوة الصباحية، تظهر الحلقة كيف أن "مليحة" وعائلتها هاجروا إلى ليبيا عقب الانتفاضة الثانية عام 2000 حيث تتذكر مليحة الرعب والخوف والتخريب وكيف خرجت العائلة تاركة كل شيء خلفها.
يظهر الحزن جلياً على وجه "مليحة" التي لم تنس يوماً البيت في فلسطين وتخبر جدتها برغبتها في العودة إلى هناك إلى البيت الحقيقي بعدما أرهقتها الغربة والبعد.
أمًا الحكاية الثانية فكانت في مصر حيث نتعرف إلى عائلة حنان وابنيها الشابين أدهم الضابط المرابط على الحدود المصرية الذي ينتقل عمله إلى العريش وعلي الطبيب الشاب المرح الذي يحمل عاطفة قوية لأخيه الأكبر.
تدعو حنان عائلة شقيقها ذلك احتفالاً بعودة ابنها أدهم من السلوم بعد غياب طويل ويتضح أن هناك إعجاباً خفياً من قبل ابنة شقيها لابنها أدهم.
ينتقل أدهم في الليلة نفسها إلى العريش؛ حيث يبدأ مهمته الأولى هناك لإيقاف عصابة من الإرهابيين في مهمة تبدو خطيرة للغاية، اشتمل "مليحة" على خطين زمنيين متباعدين يسيران بتواز بأحداث لا يبدو أن هناك رابطاً بينها لكن خيطاً يربط بين العالمين بدأ يظهر في الحلقة الثانية التي كانت أشد قسوة وقتامة.
فبعد عرض تاريخي دقيق لمعاناة فلسطين منذ الحرب العالمية الأولى، نرى مليحة وقد خسرت والديها بطريقة مأساوية بعد هجوم إرهابي استهدف الحي الذي تقطنه فتقرر الرحيل إلى مصر مع جديها العجوزين.
عَبر الحلقة نشاهد مجموعة من لقطات الفلاش باك من ذكريات مليحة التي تظهر التهجير القسري الذي عاشته العائلة صور مؤلمة لرجال ونساء وأطفال وشيوخ يحملون كل ما يملكونه في العالم إلى المجهول ويقطنون الخيام بعدما تحولوا إلى لاجئين.
نرشح لك: «أراجيك» تحاور الفلسطينية نجوى نجار عن تحكيم مهرجان القاهرة السينمائي 42 وكواليس اَخر أفلامها
أمًا أدهم فقد انتهت مهمته بنجاح لكن مصيره أصبح مجهولاً، فقد كانت نهاية الحلقة الثانية صادمة للغاية بعدما نجح أحد الإرهابيين في تفجير الحافلة التي كانت تقل الهاربين من ليبيا تاركة إيانا في حيرة حقيقية حول مصير أبو عمار وأدهم.
لقد امتلك مسلسل "مليحة" طاقم عمل قوي بلا شك فهو من بطولة "دياب" الذي سبق وأبهرنا بأدوار مميزة قوية من قبل حيث يجسد دور أدهم الضابط الحدودي الذي يقاتل لحماية حدود وطنه.
إضافة إلى القديرة "ميرفت أمين" التي جسدت دور حنان الأم الطيبة التي لا ترغب إلا أن ترى سعادة أبنائها فيما جسد "أمير المصري" دور الدكتور علي الذي يبدو أن هناك قصة حب غريبة تربطه بجارته فريدة.
أمًا "سيرين خاس" فقد جسدت دور بطلة العمل مليحة الفتاة الفلسطينية التي هاجرت مع عائلتها عقب انتفاضة عام 2000 إن حقيقة كون العمل من إخراج عمرو عرفة لهو أمر مبشر بالتأكيد إذ أن عمرو مشهور بقدرته على إخراج أعمال قوية مميزة كسرايا عابدين ومن تلاتين يوم وغيرها الكثير.
لقد كان العمل وفي كل تفاصيله مفعماً بالروح الفلسطينية انطلاقاً من التتر المستوحى من الفولكلور الفلسطيني الذي أغناه الصوت الحالم الجبار لأصالة إلى التفاصيل الصغيرة كقلادة مليحة والأغاني الفولكلورية والتوثيق الدقيق للصراع الدامي الذي لا يزال بعد كل هذه الأعوام قاسياً أليماً.
لا تزال أحداث "مليحة" في بداياته، لكن ما رأيناه كان مبشراً بقوة ويبدو أننا أمام عمل لن يمر مرور الكرام هذا الموسم فمليحة ليس مجرد عمل درامي آخر إنما هو حكاية عن حلم العودة عن وطن مسلوب وعن معاناة لا تنتهي.
لم يكن "مليحة" أول عمل تناول القضية، فهو يذكرنا بملحمة الراحل حاتم علي الشهيرة "التغريبة الفلسطينية" والتي كانت توثيقاً واقعياً قاسياً لمعاناة مستمرة منذ أعوام طويلة، وكان حكاية لأولئك الذين أرغموا على ترك بيوتهم وأحلامهم وأوطانهم محملين بأمل.
بالإضافة إلى مسلسل "عائد إلى حيفا" الذي قدم أفضل تجسيدًا دراميًا لرائعة غسان كنفاني الخالدة التي جسدت معاناة النزوح وخسارة الوطن.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.