باسل خياط النجم السوري الأول في الدراما المصرية.. ومنعطف خطر آخر نجاحاته!
7 د
أسماء كثيرة، وشخصيات عديدة مختلفة الأنماط، ارتبطنا بها وحجزت مكانها في الذاكرة. هو أيضًا، ارتبط بها قبلنا -وهذا أكيد- تفكر بها، خلق عوالمها الخاصة، بحث عن مبرراتها الدرامية، وأوجد منطقها الخاص، ثم التحم بها، فنقلها إلينا بعد أن غاص جيدًا في أعماقها النفسية والإنسانية.
أتحدث عن الجوكر "باسل خياط" كما يلقبه كل من يتذوق الأداء التمثيلي الذي يقدمه، ويراه ممثلًا عبقريًا يجيد تأدية كل دور ٍ يسند إليه. فكان الشاب الوسيم، والحالم، والابن البار، والقبضاي، والضعيف، والعاشق، وابن الأرض، وغيرها من الشخصيات التي تفجرت شيئًا فشيئًا عبر السنوات في حقل ألغام عالم الإبداع، عقب تقمصه لها.
نجومية صنعت في سورية
لا يخفى على أحد أهمية أن يصنع الإنسان مجده في بلده الأم، وينتقل بعدها إلى بلدان أخرى تحاكي لغته، وتحتضن فنه، حينها يكون قويًا ومتماسكًا، أكثر مما لو لم يحقق شيئًا هناك. فهو مدرك تمامًا لحجم الموهبة لديه، فسبق له أن اختبرها مرارًا وتكرارًا، وخاض تجارب جمالية إبداعية في مهنة الخلق والابتكار.
عند التطرق إلى مسلسلات خياط، أول ما نتذكره شراكته مع الراحل المخرج "حاتم علي"، أولًا لخصوصية الحالة الجماهيرية لحاتم، بفضل الترابط العاطفي معهم، والثقة التي أوجدتها أعماله مع المشاهد السوري والعربي. وأيضًا بسبب التنوع الغني في أنماط الدراما والشخصيات التي منحها لخياط، فشاهدنا أدوارًا انسلخ بواسطتها عن جلده، أكسبته تنوعًا أدائيًا أثرى مسيرته الفنية.
كانت تلك الشخصيات في الدراما التاريخية "ربيع قرطبة" و"التغريبة الفلسطينية"، وفي الدراما الاجتماعية ضمن "أحلام كبيرة" و"الغفران" و"العراب_تحت الحزام".
ولا يمكن إغفال دوره في"أسرار المدينة" الفرصة الفعلية التي شكلت انطلاقته عام 2000 مع المخرج "هشام شربتجي". وتوالت بعدها الفرص إلى جانب مشاركاته مع الراحل" حاتم علي"، مثل "أبناء القهر" و"عصر الجنون"، كما شارك مع المخرج "المثنى صبح" في مسلسل " على حافة الهاوية" واعتبر دوره في العمل من أهم محطاته الفنية لطبيعة الدور وقوة تأديته له، واعتبر الأول في العمل رغم مشاركة أهم نجوم الدراما السورية فيه.
تجسيده المتقن لشخصياته يدل على إلمامه التام بأصول المهنة والوعي الكامل لممتلكاته كممثل، واقترابه من شخصياته، وتبنيها للأقصى بنواقصها قبل كمالياتها.
يقول "قسطنطين ستانسلافسكي" مؤسس المسرح الحديث، إن أكثر كارثة تقضي على الممثل عدم شعوره بالدور الذي يلعبه. وباسلنا يختفي تمامًا داخل الشخصية التي يؤديها، ولو نظر هو بنفسه في المرآة لن يعرف نفسه. فصار جزءًا لا يتجزأ من صورة المشهد الفني السوري، و غيابه اليوم يعد خسارة للدراما السورية.
اقرأ أيضاً: أفلام للتخلص من الاكتئاب.. قائمة لتحسين الحالة النفسية ورفع المعنويات
دخول هوليوود الشرق
دائمًا ما تكون التجارب الحياتية لغيرنا من البشر مغرية للممثل، على اختلافاتها، مهما كانت بعيدة ولا تقترب منه، وهذا المثير في مهنة التمثيل. دخول باسل هوليوود الشرق مصر عبر دراماها المحلية جاء إنقاذًا لروحه الملأى فنًا، فظروف بلاده وما تمر به من حروبٍ وأزمات أثر عليه، وحمله على الخروج، والبحث عما ينجيه من كل ذلك السواد الذي غرق فيه الناس. فحلت الدراما المصرية كبديل ممتاز عن الدراما السورية، فكل منهما له ثقله ووقعه الخاص على المتلقي العربي.
أضاءت النصوص المصرية على مساحاتٍ من الأداء لم يقترب إليها -على الرغم من التنوع الدرامي الغني في سورية الذي قدمه- أشبعت رغباتٍ أخرى في نفسه، وعاش تلوناتٍ مختلفة على صعيد التجسيد الإبداعي. من يراقب باسل في الحوارات الفنية بعيدًا عن الكاريكترات، يلاحظ الحساسية المفرطة التي يمتلكها هذا الإنسان، ومدى ارتباطه الوثيق بالماضي والذي يشكل خلفية ذهنية، يعتمد عليها في حرفته، ومنسوبًا لا ينضب من ذاكرته الحية، يعي كيف يستخدمه ومتى.
النجم السوري الأول في الدراما المصرية
تلفزيونيًا، البداية كانت مع مسلسل "نيران صديقة"، رغم صغر مساحة دوره إلا أن الشخصية كان لها دور فعال في الحكاية، كما ترك حضوره أثرًا عند المشاهد المصري. مشاركته الأولى كانت على عكس مواطنيه وزملائه نجوم سورية، الذين دخلوا الدراما المصرية من بوابتها العريضة، ضمن أعمالٍ بطولية، لكن تجربته في مسلسل نيران صديقة تعد مهمة فنيًا، وساهمت كذلك الأمر ببناء اللبنة الأولى في قاعدته الشعبية في مصر. وشارك بعدها في أكثر من عمل عزز تواجده في الدراما المصرية كممثل متميز.
في عام 2015 كان التحول الجذري والانطلاقة الحقيقية عبر بطولة مسلسل "طريقي" إلى جانب المطربة "شيرين عبد الوهاب"، كما كان لأدائه تحولًا جذريًا في هذا العمل، من ناحية الشكل والتجسيد، فشخصية المحامي يحيى المنيسي الذكوري الكاريزماتي المتسلط، شخصية متعددة المعالم تعيش ومن حولها ضمن حدود ما يراه مناسبًا، شخصية لها أبعادها النفسية المتناقضة. حقق تواجده نجاحًا لافتًا، أشاد به النقاد والجمهور.
واستمر خياط بتقديم الأدوار النفسية المركبة، ففي العامين 2017 و2018 ظهر من خلال شخصيتين تحملان الكثير من العقد والاضطرابات النفسية، المسلسل الأول كان "30 يوم" تأليف "أحمد شوقي" و"مصطفى جمال هاشم" وإخراج "حسام علي". جسد فيه شخصية توفيق الرجل المزيكاتي السايكوباتي الشرير والكاريزماتي المخادع، والذي يملك كل خيوط اللعبة التي يفرضها على الدكتور طارق وعائلته وأصدقائه. التجربة النفسية للنظرية الفلسفية التي يقحمه فيها والمستمرة على مدار 30 يومًا، مفادها إزاي تموت حد ويفضل عايش؟!، بغية تحطيم حياته.
المسلسل الثاني هو "الرحلة" التجربة الثانية مع مخرج مسلسل 30 يوم، تأليف "عمرو الدالي" و"أحمد وائل"، ضمن إطار دراما التشويق والإثارة النفسية، في الرحلة يلعب باسل دور أستاذ جامعي في علم الكيمياء يسمى أسامة، يعاني اضطرابًا نفسيًا منذ الطفولة جعله يخشى العالم الخارجي، ومتحاملًا عليه. لذلك يقرر سجن زوجته في المنزل ولاحقًا ابنته، حجته حمايتهم من وحوش الحياة، حيث طوال الوقت يردد لازمة "أنا بحميكي من الناس اللي برا دول، من الوحوش اللي برا دول".
في كلا الدورين اعتنى خياط جيدًا بملامح وتقاسيم وحركات كل شخصية وميزها بتفاصيلها الخاصة، اختزل عوالمها النفسية بلغة جسد مرعبة، وبثبات مربك وازى بين الحس الإيقاعي للشخصيات ودواخلهم الإنسانية. يدرك باسل كيف يستغل الفن ليرمم قليلًا من تصدعات الماضي، بالتنفيس عن مكنوناته النفسية في الدراما، باللعب والتجريب، فهو إنسان متيقظ تمامًا لأدواته، وذو حساسية عالية لواقع بلده وعالمه العربي.
يقول الممثل الألماني "كلاوس كينسكي" في لحظة معايشتك كممثل للشخصيات التي تتأرجح في أعماقك، فإنك تمارس معاناتك الخاصة وتحقق وجودك. تراكم تجاربه المصرية، وحسن اختياره لما يؤدي من أدوارٍ تمثيلية عبر تلك السنوات، يؤكد أن ما فعله في مصر كان الأفضل والأنضج من بين الممثلين السوريين، وبذلك استحق أن يقال عنه النجم السوري الأول في الدراما المصرية.
منعطف خطر آخر نجاحات باسل خياط
اعتبر البعض أن مسلسل "منعطف خطر" شكل عودة قوية للفنان باسل خياط بعد تجربة لم تكن موفقة كثيرًا، ضمن مسلسل "حرب أهلية" والذي تشارك فيه البطولة مع القديرة "يسرا" في سباق رمضان 2021. بالنهاية التمثيل عبارة عن عملية تجريبية عند الممثل، لذلك ليس شرطًا أن يقدم الفنان نفس المستوى الفني مع كل عمل، أو أن يكسب الرهان دومًا باختياراته.
تدور قصة منعطف خطر، أحد أعمال "شاهد" الأصلية والذي أنتجته شركة "كاريزما"، حول فتاة التيك توك الشهيرة سلمى الوكيل، والتي تتعرض للقتل في ظروفٍ غامضة. ويتم العثور على جثتها داخل سيارة رجل أعمال ينتظر ترشيحه لانتخابات أحد النوادي الرياضية، ما يجعله مشتبهًا رئيسيًا في بادئ الأمر. يتولى مهمة التحقيق الضابط هشام "باسل خياط"، والذي توكل المهمة إليه وهو يتحضر لقضاء إجازة مع ابنته التي تعاني من اضطرابات اجتماعية نفسية.
العمل يتطرق إلى موضوع تأثير مواقع السوشال ميديا على شباب اليوم، والعلاقات المعقدة والمضطربة في بعضها بين الآباء والأبناء، إلى جانب لغز الجريمة المعد بإتقان.
ما جعل الناس متحمسين لهذا العرض السيناريو القوي للكاتب "محمد المصري" والبناء الدرامي المتمكن للشخصيات واستعراض تأثيرات الماضي ودوافعها عليها، والتقمص الحرفي من قبل الممثلين لشخصياتهم، كل واحدٍ منهم في مطرحه. بالتأكيد يعود الفضل إلى المخرج السوري "السدير مسعود" في حسن إدارته للممثل وضبط انغعالاته وتحركاته، وأيضًا الإبهار العالي في اختيار الهوية البصرية وتصوير الكادرات، و أضف إلى ذلك الموسيقى التصويرية التي زجتنا في أجواء الإثارة والتشويق.
يقول خياط إن العمل سبب له شيئًا من التوتر والقلق، كون شخصية المحقق لا تمتلك الكثير من الأدوات على صعيد لغة الجسد، تمكن الممثل من اللعب والخلق معها، فكان الاشتغال على لغة العيون، لتكون الأداة الأبرز في إيصال مشاعر وردود أفعال المحقق الجنائي هشام. ما يثير الدهشة في هذا الممثل التلون الأدائي الظاهر على سحنة الوجه لديه، وفي الزخم التعبيري بعيونه الشاخصة، وشفتيه، وحتى طبقات صوته المعتمدة.. حدتها ورخامتها.
يقول الممثل الإنكليزي "دانيال داي لويس": الصوت هو انعكاس عميق وشخصي للشخصية. في منعطف خطر يسجل الجوكر "باسل خياط" نجاحًا جديدًا لأرشيفه، وشخصية تضاف إلى الشخصيات الفنية الإبداعية التي تأرخت في مسيرته والتي زادتها إبداعًا وغنى.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.