موسى و Free Guy: أفلام الخيال العلمي والمعضلات الأخلاقية ما بين التجديد والتكرار
بشرى سارة لعشاق السينما، فبعد عام سينمائي مخيب للآمال في 2020 بسبب جائحة كورونا يمكننا أخيرا الاحتفال بعودة نشاط السينما بشكل شبه كلي، حيث يتم نزول فيلم جديد على الأقل كل اسبوع سواء عربي أو أجنبي. ليكون مجمل الأفلام العربية التي صدرت منذ بداية موسم الصيف في أواخر يونيو هو ستة أفلام تتنوع بين الأكشن، الدراما، الكوميدي، الخيال العلمي والأبطال الخارقين. لا تقلق! انت قرأت بشكل صحيح، بالفعل مكتوب “خيال علمي و أبطال خارقين” في الإصدارات العربية. تخيل عزيزي القارئ أنه يمكنك في يوم واحد رؤية فيلمين خيال علمي -موسى و Free Guy – أحدهما عربي والأخر أجنبي، حتى انني اختبرت الأمر بنفسي، فتعال أحدثك عن التجربة.
موسى: بداية عالم أبطال خارقين مصري أصيل، من المفترض!
هل استخدام جملة “بداية تأسيس عالم أبطال خارقين مصريين يحاكي عالم مارفل” يفرض علينا تطبيقها بشكل حرفي؟ هل جملة “بداية” تحتم علينا أن نسير الطريق من بدايته الفعليه ونلقي بقضية “التراكمية الكيفية النوعية في الفن” في أقرب سلة مهملات. يتميز الفن عن العلوم الأخرى التجريبية بالتراكمية التجديدة، أي باختصار انه لن يمكنك مهما حاولت إلغاء مجهودات أي مدرسة فنية سابقة حتى لو أسست مدرسة تنافي كل قوانينها، ويمكن فهم ذلك بشكل أكبر في مدارس الفن التشكيلي التي عندما حاولت الثورة على المدرسة الكلاسيكية من خلال التجريدية والسريالية. و رجوعا لعالم السينما، وبسبب الثورة التكنولوجية الهائلة يتقدم ويتطور هذا الفن البديع كل يوم عما قبله، ويمكنك بمقارنة بسيطة بين أفلام الخيال العلمي في التسعينات وبداية الالفية الثالثة و الافلام الحديثة أن ترى التطور الموجود في كل المستويات سواء السيناريو والحوار، تنفيذ المشاهد، الإخراج أو حتى الفكرة الفلسفية التي يدور حولها الفيلم.
فيلم موسى من إخراج وتأليف بيتر ميمي، بطولة محمود كريم عبد العزيز، إياد نصار، أسماء أبو اليزيد وسارة الشامي. يدور الفيلم حول الشاب يحيى مهندس الميكاترونكس المصاب باضطراب طيف التوحد مما يجعله شخص غريب الأطوار منعزل عن الجميع وبسبب حادث مروع يحدث له يقرر العمل على تطوير الإنسان الآلي “موسى” الذي اخترعه ليكون أداته لتحقيق الإنتقام لنفسه أولا والعدالة المجتمعية ونشر الخير في المطلق. ماذا عزيز القارئ؟ هل تشعر بقليل من “الكلاشيه”؟ ستتأكد مشاعرك حتما عندما تشاهد الفيلم، فمع كل هذه الجمل الحماسية التي تتكرر كل عشرة دقائق مثلا، وجمل من نوعية “يجب أن نشبك أيدينا معا لنشر الخير” وبإضافة تجسيد الخير المطلق في شخصية “يحيى” و الشر المطلق -غير المبرر- في شخصية “فارس”
متى ينتهى من وادينا الطيب كل هذه الرسائل الشفهية؟
للأسف يكثر في السينما العربية والدراما بشكل عام الرسائل الشفهية التي توجه في الأساس للبطل وبالتابعيه للمتلقي التي تتلخص دوما حول ضرورة التمسك بالخير والقيم الحميدة ومحاربة الشر. والمشكلة بالتأكيد ليست في المضمون الأخلاقي ولكن في الطريقة التي يتم استخدامها فبدلا من الجمل الحماسية مثل “كان لازم اتحرق عشان انت تنور” يمكن استخدام عناصر الصورة الأخرى لتوضيح نفس المعاني تقريبا، لذلك يطلق عليها “سينما” لأنها تتحدث بالصورة في الأغلب! علاوة على ذلك، الفكرة الأخلاقية نفسها تطورت، نحن في العام الحادي والعشرين في الالفية الثالثة بعد الميلاد، أمن المفترض أن نظل نناقش قضايا مثل الإجرام ومحاولات انقاذ العالم من الشر المطلق -غير الموجود في الواقع بهذا الوضوح-
من المفهوم بالتأكيد أنها المحاولة الأولى، ولا يمكن إنكار العديد من المميزات بها مثل الأداء المميز لكريم محمود عبد العزيز في دور الشاب المصاب بالتوحد وبالأخص في مشهد التعدي على أبوه وظهور ملامح الرعب على وجهه. وعن الأداء الحركي حركة الجرافيكس في الفيلم هي تعتبر جيدة مقارنة بما يتم تقديمه عامة في الأفلام المصرية، ولكنها كذلك ليست الأفضل على الأطلاق ويمكن أن يتم تطويرها كثيرا في المستقبل. كما يضاف للفيلم محاولات تداخل أحداث الفيلم بأحداث فيلم الهرم الرابع لنفس المخرج التي لم تكن مبررة بشكل كامل ولكنها مقبولة لحد كبير.
فري جاي- Free Guy : أفكار ما بعد بعد بعد الحداثة
فيلم Free Guy صدر حديثا من إخراج شون ليفي وتأليف مات ليبرمان وبطولة رايان رينولدز، جودي كومر، تايكا وايتيتي وجو كيري. ويدور الفيلم حول الشاب “جاي” الذي يعيش في مدينة تدعي “فري سيتي” يعمل بها صراف في إحدى البنوك التي تتعرض للسرقة كل يوم كعادة باقي المدينة. يكتشف مع الوقت أن جاي ما هو إلا شخصية في لعبة تحمل اسم المدينة وهو أحد الشخصيات الثانوية فيها، يقرر جاي أن يكون من اللاعبين لينتهي الأمر في النهاية بتطور حاد في ذكائه الصناعي ليكون صاحب قرار وتفكير مستقل بعيدا عن اللعبة والقائمين عليها لتبدأ رحلة من البحث عن نفسه وأهمية وجوده بالأخص عندما تقرر إدارة اللعبة أن تنهي رخصة اللعبة مما يعني أنه لن يكون له وجود هو وزملائة.
بالرغم من أن الفيلم في الأساس هو فيلم كوميدي/ خيال علمي إلا أنه ومع كل تصاعد في الأحداث يضعك أمام العديد من التساؤلات الفلسفية والأخلاقية حول جاي نفسه، حقوقه في الحياة، هل هو مجرد ذكاء اصطناعي خاضع لنا أم أنه بعد مرحلة ما يعد كيان مستقله بنفسه يجب أن يكون له حق تقرير المصير، هذا كله بالإضافة إلى التساؤل الأكبر حول مستقبل البشرية ومقدار الخطر الذي قد تتعرض له إذا تطور كل الذكاءات الاصطناعية التي خلقنها بنفسنا لتكون هي المتحكمه! كل ذلك في حين أن الفيلم قدم الذكاء الصناعي المتطور -جاي- بمظهر الطيب، الودود، القوي، الشجاع والمناضل. ليختار الفيلم في النهاية أن ينتصر الخير ويعيش الجميع بسعادة ويعود بادي صاحب “جاي” من “الموت” وتنتصر القصة الرومانسية في النهاية وكل تلك الأمور التي يفضلها المتلقي المتفائل.
ميمي، إحذر أن تضل طريقك للعالمية
“ليس المهم أن تسير ببطء، إنما الأهم أن لا تقف.”
كونفوشيوس
على غرار حكمة الفيلسوف الصيني، نود أن نقول للمخرج بيتر ميمي “ليس من المهم متى بدأت، إنما الأهم أن تواكب زمنك” إن كان المخرج بيتر ميمي بالفعل يسعى لإنشاء عالم أبطال خارقين يحاكي دي سي و مارفل عليه أن ينظر بعين متفحصة في الإنتاجية التي تعتمد عليها تلك الشركات في كل الجوانب سواء القصة والسيناريو، الإخراج، تصميم المشاهد وشكل وجودة الجرافيكس، وبالتأكيد الأفلام الحديثة التي ظهرت في آخر عامين مثلا وليس إنتاج تسعينات القرن الماضي. كلها أمور طبيعي جدا أن يقارن المتلقي بين الإنتاج المحلي والغربي فيها بالأخص أن هذا العالم بالأخص مفضل عند العديد من الشباب فلكي تلفت نظرهم إليك عليك أن تقترب من المستوى العالمي بكل الطرق، بالأخص أنه لا يوجد أي موانع مادية. فليس من المنطقي أن يكون فيلم تصنيفه في الأساس كوميدي لديه فكرة ومنطق وتنفيذ قوي أكثر من فيلم في الأساس هو يتناول بطل خارق بشكل جدي!
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.