تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

مسلسل “الزند: ذئب العاصي”.. هل تيم حسن وسامر البرقاوي يسيران على نهج دراما الهيبة؟

مسلسل "الزند: ذئب العاصي".. هل تيم حسن وسامر البرقاوي يسيران على نهج دراما الهيبة؟
علي عمار
علي عمار

7 د

ليس من السهل أن تلتقي مسلسلك المفضل مع اليوم الأول من شهر رمضان المبارك، في ظل زحمة المسلسلات الدرامية الرمضانية وتنوعها. وأن تقع في حب عملٍ ما بمجرد صدوح الشارة الموسيقية وصوت مغنيتها، لا مع بث المشهد الأول، والمشاهد المتعاقبة. وهذا حدث مع عدد غفير من متابعي المسلسل السوري "الزند: ذئب العاصي"، لجمالية الشارة الغنائية، وذلك من ناحية الإعداد الموسيقي، وموال العتابا بصوت المغنية "نوف البدوية". فالعتابا هنا جاءت تعبيرًا عن طبيعة البيئة التي تتطرق لها الحدوتة، وأهلها. وفيما بعد مع شارة النهاية بصوت "مها الحموي". 

فالأحداث الدرامية واللهجة المعتمدة للحكاية، كشفت عنها الإعلانات الترويجية للمسلسل، وهذا ما جعل الناس يربطون أبيات العتابا، بمناطق الساحل السوري وحمص وما حولهما، فكان إثباتًا على أصالة العمل، وعلى أن هناك مادة فنية غنية، باتوا على مقربة من أن يطالعوها، واختبروا الحقبة التي تصورها، فتلك البقاع من الأراضي السورية، لم تواجه الدراما السورية تاريخها بجدية وإنسانية من قبل. وفعلًا هذا ما أثبتته الحلقات تباعًا. 

"الزند" العمل التاريخي الملحمي تجري أحداثه في زمن الاحتلال العثماني لسوريا، في أواخر القرن التاسع عشر، يروي هموم وتفاصيل حياة أهالي قرى نهر العاصي وما عاشوه، في عهد العثمانيين وسيطرة الإقطاعيين على أراضيهم الزراعية، والتحكم في قوت عيشهم. وهناك من رحم الفقر والمعاناة والاستعباد، وُلد بطلٌ لا يهاب أحدًا، لديه الاستعداد لمجابهة جيشٍ كامل من أجل صون كرامته ومن معه، ممن لا قدرة لهم على الوقوف في وجه الظلم والاحتجاج، والدفاع عن حقوقهم. 

استعرت شرارة ذئب العاصي "عاصي"، مع اللحظة التي أدرك فيها موت والده نتيجة رصاصة غدر خرجت من بندقية "إدريس" رجل الباشا، وأودته قتيلًا فقط لأنه أخذ حقه وبالقانون، وقام بنسب أرضه إليه، نتيجة القرار الذي أصدره الباب العالي للسلطنة العثمانية بامتلاك الفلاحين لأراضيهم، وفق ما يسمى "الطابو". 

لينتقم عاصي الطفل من إدريس ويفقأ عينه، ثم يهرب من القرية ليعود إليها بعد 17 عامًا من الغياب، بعد انتهاء خدمته العسكرية في العسكر السلطاني. ليجد أن الشاب نورس باشا ورث أباه، وفرض سيطرته على أراضي المنطقة، ومن هنا يبدأ الصراع بين عاصي والباشا نورس، لكن المتمرد عاصي لا يمكن أن يخضع للظلم! 


البطاقة الفنية لمسلسل الزند: ذئب العاصي 

فيديو يوتيوب
  • . كتابة: عمر أبو سعدة 
  • . إخراج: سامر البرقاوي 
  • . تمثيل: تيم حسن، دانا مارديني، أنس طيارة، فايز قزق، رهام القصار
  • . النوع: دراما
  • . سنة الإنتاج: 2023
  • . إنتاج: شركة سيدرز آرت برودكشنز 

التحول الفني في شراكة تيم حسن وسامر البرقاوي 

فيديو يوتيوب

لا يقف دور المخرج عند حد الاهتمام بالقيمة الجمالية الفنية لعمله الدرامي، إن كان من ناحية الإضاءة أو حركة الكاميرا أو ابتداع الكادر، بل يشمل أيضًا طريقة إدارته للممثل، وكيفية تعاطيه معه في كواليس العمل، وخلق حالة من الانسجام، وتوضيح رؤيته حول الشخصية، والتي تساعد الممثل على صياغة حالة الأداء النهائية، حتى تكون الرؤية للدور واحدة، فالمخرج بالنهاية هو صاحب الكلمة الأخيرة. أي يجب على الممثل والمخرج أن يعملا على المنتَج الفني كمشروع مشترك.

وفي مسلسل "الزند: ذئب العاصي"، لا تعد الشراكة الفنية بين الممثل "تيم حسن" والمخرج "سامر البرقاوي" الأولى من نوعها، ولكن بالتأكيد هي التجربة الأنضج والأهم والأكثر التصاقًا ومسؤولية تجاه الزمن الذي تبنّته. 

التجارب السابقة بينهما شهدت تعاوناتٍ فنيةً أقرب لأن تكون تجارية، أكثر من أنها تحمل همًا فنيًا بالارتقاء بالحالة الدرامية العربية، لكونها فرضت شروطًا معينة خدمت رؤية المنتج في المقام الأول، لناحية الاهتمام بخلق عمل فني يحقق انتشارًا عربيًا كبيرًا، ويكون تريندًا حسب لغة السوشيال ميديا.

توالت التجارب عبر سنوات متلاحقة، كانت البداية مع مسلسل "تشيللو" عام 2015، ومسلسل "نص يوم" عام 2016، وفي العام 2017 شهدنا العمل الأكثر جماهيرية عربيًا وهو "الهيبة" الذي امتد على مدار 5 مواسم، و5 أجزاء، اختتمت هذه السلسلة بفيلم حاول اختزال ذلك النجاح، واستهلاكه. 

قدم الهيبة تيم حسن بدور "جبل شيخ الجبل"، زعيم عشيرة يتحكم بمصير مدينة لبنانية حدودية، يتاجر بالأسلحة والمخدرات. ما جعل الشخصية ناجحة ومحبوبة، غير الكاريزما التي يتمتع بها "تيم"، هو أن شخصية "جبل" ليست شريرة أو خيرة بالمطلق، حيث يأخذ حقه بالقوة والسلاح ويعمل في التهريب، وأيضًا هو عطوفٌ وعادلٌ. 

لكن بعيدًا عن معارك جبل في الهيبة وعنترياته، اتُّهِم المسلسل بالترويج للخارجين عن القانون وتمطيط الحكاية 5 أجزاء، دون أن ننكر الشعبية التي لاحقت المسلسل والمتعة التي حققها حتى مع مشاهد الثأر والانتقام، نحن اليوم نشهد على ولادة رواية مختلفة، وملحمة اجتماعية تاريخية عن بطلٍ شعبيٍ هو ذئب العاصي، ذكرتنا بقديم الممثل تيم حسن وأرشيفه، والأدوار التي تتطلب كثيرًا من التقصي والبحث، للتوغل داخل عوالمها النفسية والشكلانية.

بالتأكيد كل دور له ظروفه وأدواته وطريقة خاصة في الاشتغال عليه، ولكن شخصية عن أخرى تختلف، هناك شخصية تحمسك أكثر وتستفزك أكثر من غيرها، وأظن هذا تجلى في دور "الزند" الذي أخرج تيم من جلدة جبل. وكالعادة لافتًا بتبنيه الصادق، والمزاج العالي في تعاطيه مع الورق، ليخرج لنا بهذه الصورة.

  ويمكن الجزم أن هذا الإنتاج الفني، كان الزمردة الناقصة في عقد الشراكة ما بين حسن والبرقاوي. طبعًا البطل الأول هو النص، اللبنة التي شكلت وساهمت ببناء كل ما أتى بعد ذلك، من الأداء التمثيلي للنجوم، ورؤية سامر الإخراجية التي واكبت كل حدث دفع بالنص إلى الأمام، وترجمه بدوره بواسطة كاميرته وهندسة حركتها، وتوظيف تقنيات حديثة في عمليتي الإضاءة والتصوير، للتعبير عن معاني ومشاعر الورق، وإظهار جمالية وعراقة القرى السورية. 

وكما يقول "سيدني لوميت" المخرج والكاتب والمنتج الأمريكي: “إذا كان في فيلمي نجمان، فإنني أعرف أنه يوجد لدي في الحقيقة ثلاث نجوم، فالنجم الثالث هو الكاميرا”.


الوجوه الشابة والفرص

يزخر مسلسل الزند: ذئب العاصي بالوجوه الشابة، وغير المكررة وتحديدًا مع شركة الصباح التي تبذخ جدًا على مسلسلاتها. بعض الوجوه نشاهدها للمرة الأولى، وأخرى لديها مشاركاتٍ قليلةٍ في سنواتٍ سابقة لكن الجمهور لم يختزنها في ذاكرته. وأسماء لها تواجدها وشعبيتها، ووجوهٍ غابت عن الشاشة، ومضى وقت على ظهورها الأخير حتى كاد المشاهد ينساها، إلى أن جاء هذا العمل الذي صار جماهيريًا في رمضان، و أخذت فرصتها من جديد، فرصة تناسب موهبتها وتسترجع حقها بالظهور واللمعان، نذكر على سبيل المثال لا الحصر الممثل "مجد فضة" الذي يلتقط جيدًا تفاصيل الدور، يرتكز على خلفيته الأكاديمية في فن التمثيل، استحوذ اللهجة ومكنته أكثر الانخراط في شخصية صالح. 

أما الممثلة الشابة “رهام القصار”، وعلى الرغم من أن هذا ليس ظهورها الأول، لكن هذا العمل ساهم في انتشارها. هي شمس التي تحاول حرق كل من يستهين بها، ولا يقدر توهجها وحبها. بأداءٍ فنيٍ متميزٍ، وملامح خاصة ترتاح معها العين، تمكنت من إثبات نفسها وموهبتها. 

وبالنسبة للعفراء أخت العاصي، والتي انتهى تواجدها باكرًا، إلا أنها تركت أثرها في الحدوتة وإن لم تكن شخصيتُها محركًا أساسيًا في العمل، لكن الأكيد لا يمكن إقصاء دورها، وأهميته في حياة وذاكرة عاصي وإنسانيته. فحضور نانسي خوري كان لطيفًا وجميلًا ودافئًا. هو تمثيلٌ للبراءة والنقاء، في ظل كل ذلك الفساد الأخلاقي، ولغة الثأر والدم. مثل عفراء، يشعرك بحلاوة الدنيا ومن عليها. أداء نانسي كان صافيًا كالسماء الزرقاء، لا غبار عليه. 

بطلة الأدوار النسائية الممثلة "دانا مارديني" نجمة منذ ظهورها الأول قبل سنواتٍ عديدةٍ، ما يميزها عن بنات جيلها تلقائية وبساطة الأداء، وملامحها التي تختزل كل فعل ورد فعل، وكل حوارٍ داخلي، أو منطوق. الشخصيات طيعة بين يديها، وهذا حال نجاة أيضًا. مبهرة بثباتها وقوتها ورقتها، وأناقة الحضور الذي يوازي سحر الأميرات. 


شخصيات خارج الإطار الأخلاقي 

كل عملٍ دراميٍ يحتوي بالضرورة على شخصياتٍ لها دورها العميق وملامحها الجيدة وتأثيرها الخير في الحكاية، وبالمقابل نجد الشخصية الشريرة أو الخصم الذي يقف في وجه البطل. ومدى قوة الشخصية المضادة للبطل، دائمًا ما يكون سببًا للارتقاء بمستوى العمل أو تدنيه. وهذا ما حصل في نص الكاتب "عمر أبو سعدة"، فأشرار حكايته وأفعالهم يوازون حضور البطل وأهميته في الحدث الدرامي، ونتحدث هنا عن الممثل الشاب "أنس طيارة" والقدير "فايز قزق"، اللذين جسدا شخصيتين خارج الإطار الأخلاقي. 

قلما يكون سحر الممثل الذي يمثل الشر طاغيًا ومحببًا، شر أنس طيارة "الباشا نورس" لا يعلى عليه. ظالم وغير أخلاقي، لا يمكن القول إن الإنسانية لم تمر عليه، كوننا شاهدنا براءة الطفولة في مشهدٍ من الحلقة الأولى. رائعة هي الصيغة التي أخرج بها طيارة شخصية نورس من الورق إلى الشاشة، ورائع إسهابه في تفاصيل مفرداته الأدائية. ربما هذا هو الدور الذي طال انتظاره، فالدور القوي بحاجة إلى ممثلٍ من طرازٍ رفيعٍ بمقدوره أن يعلو بالدور إلى مكانةٍ مرموقةٍ. 

ذو صلة

أما الفنان المخضرم "فايز قزق"، فيمكن اعتباره صاحب الأداء المخاتل، والسبب أنه قادرٌ على التلون والتجدد في كل دورٍ جديد، يعيد معه برمجة نفسه من جديد، فلا حدود للإبداع مع المسرحي العتيق، صاحب الشخصيات المتبناة للعظم. وشخصية إدريس بصمة مختلفة في مسيرته المهنية. 

بات من المعلوم أن قصة مسلسل "الزند: ذئب العاصي" ممتدة على 60 حلقة، أي موسمين. أي نحن على موعدٍ أكيدٍ مع "عاصي"، في رمضان 2024. ولكن يبقى السؤال، هل ستغير شركة الإنتاج خطتها، لتقوم باستهلاك الحكاية لمواسم أخرى، كما فعلت بـ "الهيبة"؟ 

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة