“أراجيك فن” تقدم لكم ما فعله اليابانيون مع تطور فن الأنمي – (الجزء الأول)
10 د
تقول الكاتبة الأميركية الشهيرة فرانسيس هيسلبين :"إن الثقافة لا تتغير بسبب رغبتنا في تغييرها، الثقافة تتغير عندما يتطور المجتمع فالثقافة تعكس واقع أولئك الذين يعملون معاً كل يوم ".
إن التطور والتغير شيء من بديهيات الحياة لولا أننا تطورنا لكنا بقينا حتى الآن حبيسي الكهوف، الشرنقة لن تبقى إلى نهاية الزمن شرنقة ستتطور وتصبح فراشة جميلة وهكذا هي الحياة تطور وتغير مستمر.
لا يقتصر هذا التغير على الإنسان فقط بل يشمل كل ما يتعلق بجوانب حياته حتى الحضارة التي أنشأها لا تبقى على حالها بل تتطور وتكبر وتزدهر حتى تندثر ولا يبقى منها سوى آثار تحكي قصتها كما حدث للحضارة الإغريقية مثلاً.
ولأن الفن وجه من أوجه الحياة وأجملها فإن تطوره وتغيّره كان إيجابياً ومهماً، لقد انتقلنا من الرسم على جدران الكهوف إلى صنع اللوحات العظيمة إلى التصوير، لا ريب أن اختراع الكاميرا كان علامة فارقة في تاريخ البشرية لا يفوقها أهمية أي اختراع سوى المذياع والتلفاز ولاحقاً الإنترنت الذي جعل هذا العالم الشاسع قرية صغيرة يسهل عليك التواصل مع أي كان في أي مكان مهما كان بعيداً.
نرشح لك: جدل حاد بعد عرض إحدى حلقات One Piece.. ألم يكن أنمي أسطوريًا أم رسمًا سيئًا؟
لا يوجد نوع واحد للفن إنه متعدد متنوع مختلف الفنون سبعة وأعظمها وأسماها السينما، لكن هناك فناً بدأ منذ أعوام قليلة في نيل التقدير الذي يستحقه بعد تهميش طويل، إنه الفن الذي أهدته اليابان للعالم الأنمي.
إن الأنمي فن عريق بحق تجاوز عمره القرن في الواقع أقدم أنمي معروف تم صنعه عام 1917 وحمل اسم Nokamura Gatana، لأعوام طويلة بقي هناك اعتقاد متعسف أن الأنمي موجه للأطفال فقط.
لكن اليابان نجحت في فرض فنها العريق هذا وأصبح للأنمي عشاقه ومحبوه الذين يتحرقون شوقاً لمتابعة حلقاته، لم تكن رحلة الأنمي سهلة؛ إنه فن والفن مثل الحياة متقلب متنوع يتطور ويتغير مع الزمن.
إن ما تراه في أنميات اليوم هو حصاد أعوام طويلة من الفن والجهد والإبداع وهنا في هذا المقال سنقدم لك نحن أراجيك فن رحلة ممتعة عَبر الزمن لتتعرف فيها على تطور فن الأنمي والتغييرات الإيجابية التي طرأت عليه وحسّنت منه حتى أصبح العمل الممتع الذي نستمتع به اليوم، لكن ينبغي لنا التنويه أن الأنميات القديمة لها سحرها الخاص بها رغم أنها لم تخلُ من بعض الثغرات التي تلافتها الأنميات الأحدث، إذًا فلنبدأ معاً..
القصص غير التقليدية
إن الأنمي نوع من القصة لذا فإن احتواءه على قصة ممتعة كان أحد عوامل انتشاره ونجاحه، كما سبق قلنا كان أول أنمي يظهر للوجود عام 1917 لكننا لن نعود بك إلى ذلك الزمن الغابر.
بل سنبدأ رحلتنا من الستينات خاصة عام 1963 الذي شهد ظهور أول أنمي متلفز هو Astro boy، لقد سبق الأنمي التلفاز لذا فقد كان هذا الأنمي المميز علامة فارقة حقيقية في ذلك الوقت كان Astro boy رائعاً رغم افتقاره لكثير من تقنيات الرسم والإنتاج المنخفض إلا أنه حمل توقعات مبشرة بمستقبل الأنمي.
في ستينات وسبعينات القرن الماضي كان الأنمي يرتكز ويعتمد على القصص العالمية والأدب الكلاسيكي ولعل أنمي Heidi,Girl of the Alps الذي عرفناه في عالمنا العربي باسم هايدي أفضل مثال على أنميات السبعينات.
أُنتج العمل الرائع عام 1974 ومن اللطيف أن أغلب من عرفوا هايدي عرفوها من الأنمي الشهير الذي صمم رسومه الرائع هاياو مايازاكي بدلاً من أن يعرفوها عن طريق الرواية التي ألفتها الكاتبة السويسرية يوهانا شبيري.
لم يتوقف اقتباس الأعمال الأدبية العالمية في الأنمي عند هذا الحد طبعاً إذ لا يمكن الحديث عن الاقتباسات الأدبية دون التطرق إلى الأنمي المؤلم Grave of the Fireflies أو قبر اليراعات المقتبس من رواية بنفس الاسم ألفها الكاتب أكايوكي نوساكا عن أحداث حقيقية عاشها زمن الحرب العالمية.
وقدمها كاعتذار لأخته التي اعتبر أن إهماله لها كان السبب الرئيسي لوفاتها، لا يوجد أنمي في العالم استطاع نقل فظائع الحرب العالمية كما فعل هذا الأنمي الرائع.
مع تقدم الزمن وسيطرة عالم حرب النجوم على تفكير العالم، نشأ نوع جديد من الأنمي عرف باسم Space Opera أو أوبرا الفضاء والتي تدور أحداثها في عوالم مستقبلية فضائية، حيث تدور الأحداث المليئة بالصداقة والصراعات والحرب لعل أبرز هذه الأنميات وأشهرها هو أنمي غراندايزر.
المقتبس من مانغا يابانية تحمل الاسم نفسه والذي عرض عام 1975 في اليابان وبدأ عرضه بالدبلجة العربية في الثمانينات، من الغريب أن غراندايزر لم يحقق نجاحاً يذكر في وطنه الأم اليابان لكنه حقق نجاحاً ساحقاً في العالم العربي، اعتمدت أغلب هذه الأنميات واستوحت أحداثها من المانغا وهي قصص مصورة طبقت شهرتها الآفاق في الألفية الجديدة.
بالطبع الأنمي لا يقتصر على اقتباس القصص العالمية وقصص الفضاء إذ أنه وفي السبعينات والثمانينات أيضاً ظهرت الأنميات الرياضية التي تدور أحداثها غالباً حول طلاب المدارس الطامحين لتحقيق المجد الرياضي، وكان أول أنمي رياضي يُقدم إلى العالم هو أنمي الكابتن تسوباسا عام 1983.
والذي نعرفه نحن باسم الكابتن ماجد، احتوى الأنمي على أفكار إيجابية مثل أهمية العمل الجماعي والقتال لأجل الحلم، لا يمكن الحديث عن الأنميات الرياضية دون التطرق للأنمي الرياضي الرائع Surama Danku الذي عرفناه باسم سلام دانك.
وقد بث لأول مرة عام 1993 وتدور أحداثه في عالم كرة السلة الرائع، في الزمن الحالي أصبحت الأنميات الرياضية أكثر جنوحاً إلى الخيال لكنها ما تزال تحمل تلك المتعة والإثارة الرائعتين، نذكر على سبيل المثال أنمي Blue lock الصادر عام 2022.
والذي ازدادت شهرته شهرة بعد الأداء الخيالي للمنتخب الياباني في كأس العالم، إضافة إلى أنمي Haikyuu!! الصادر عام 2014 والذي دارت قصته حول عالم لعبة كرة اليد والذي حقق نجاحاً كبيراً في اليابان وخارجها.
بشكل عام كانت أغلب مسلسلات الأنمي موجهة للأطفال لكن التطور الأكبر والأوضح على صعيد القصة بدأ في نهاية التسعينات حيث جنح الأنمي إلى مواضيع أكثر نضجاً وتعقيداً وعنفاً كأنمي Death note الصادر عام 2006 والذي طرح معضلة أخلاقية حقيقية، هي؛ هل يحق لأي كان أن يقرر من سيعيش ومَن سيموت؟ إضافة إلى انمي Attack of titans
الذي سحر العالم منذ انطلاقه عام 2013 بروعة قصته الفريدة التي جعلته الأنمي الأشهر عالمياً ، كما قدمت لنا التسعينات الأنمي الرائع المفعم بالدفء والحب Akachan to boku.
الذي أُغرمنا به باسم أنا وأخي الصادر عام 1996 والذي حمل الكثير من الأفكار المهمة الخاصة بالحب والأخوة والتضحية، لكن في الحقيقية كان أفضل تطور حدث في عالم الأنمي هو تأسيس استديو غيبلي عام 1985 على يديّ أعظم منتجي الأنمي في اليابان والعالم هاياو ميازاكي وإيزاو تاكاهاتا الاستديو الذي قدم لنا تحفاً مثل Laputa: castle in the sky عام 1986.
لقد تغير العالم وتغيرت الأذواق الأدبية والفنية لم تعد قصة البطل الذي يحارب العالم جذابة بعد الآن لقد تعقدت الحياة وبالتالي أصبحت قصص الأنمي أعقد وأعمق وأكثر عنفاً من أي وقت مضى.
رسم متطور وشخصيات واقعية
رغم أن الأنمي نوع من القصة إلا أن الرسم ودقته من الأساسيات التي ينبغي الاهتمام بها ذلك أن الأنمي فن بصري يستهدف العين أولاً، في بدايات ظهور الأنمي تأثر فنانوه بأفلام ديزني القديمة حيث كانت العيون الدائرية الكبيرة والوجوه المدورة ذات الخدود المتوردة دلالة على البراءة.
في الواقع كان رسم الأنمي في بداية ظهوره رسماً غير المتقن تماماً حيث كانت العيون دائرية بدون أي ألوان أو تفاصيل محددة وأحياناً كانت مجرد نقاط سوداء ضمن الوجه الدائري الشكل، أمًا الأنف فربما كان رسمه مرهقاً لذا تم استبداله بمثلث صغير يضاف إليه فم صغير يكاد لا يرى إضافة إلى تسريحات شعر غريبة غير واقعية.
وهو ما يمكن أن نراه في أنميات السبعينات والثمانينات كما يمكن لمح أشرطة سوداء على الحواف بسبب أسلوب الرسم والتحريك اليدوي.
لكن التطور الواضح في الرسم بدأ ظهوره في التسعينات التي يمكن اعتبارها الانطلاقة الحقيقية لفن الأنمي حيث أصبحت الشخصيات برسوم أكثر ليونة واختفت خطوط الخد وأصبحت الأنوف أوضح رسماً بشكل حرف L إضافة إلى وجود بعض الدقة التشريحية عند رسم أجساد الشخصيات.
أمًا الرسومات الأفضل بدأت بالظهور منذ عام 2010 وما بعد حيث أصبح شكل الشخصيات أكثر انسيابية بألوان أكثر دفئاً كما أصبحت أقل حدة بتصميمات أكثر واقعية فمثلاً لو قارنت رسم أنمي Dragon Ball الشهير برسم أنمي The promised neverland الذي صدر عام 2016.
فستلاحظ دون شك الفرق الشاسع في أسلوب الرسم حيث إن أشكال الشخصيات في Dragon Ball كانت حادة جداً بتسريحات شعر غريبة وخطوط تفصيلية وعيون غير الواضحة أما في The promised neverland فكانت الرسوم أبسط وألطف وأكثر دقة.
لم يقتصر التطور على طريقة رسم الشخصيات فقط، بل الشخصيات نفسها تطورت وتغيرت وأصبحت قصصها أفضل وأعمق.
في الماضي كانت أغلب الأنميات تروي قصص شاب صغير يكتشف أن لديه قوى أو موهبة ما يسخرها لحماية الأرض أو للفوز بمباراة رياضية مثل شخصية سون غوكو مثلاً الفضائي القادم إلى الأرض شديد القوة في أنمي Dragon Ball، لكن وخاصة في الألفية الجديدة أصبحت شخصيات الأنمي أكثر عمقاً ودوافعها أكثر تعقيداً كقصة شخصية ايتاشي في أنمي Naruto الصادر عام 2002.
الرجل الذي ضحى بنفسه وروحه لأجل حماية أخيه الأصغر، والتي أدمت قلوب كل من أغرم بهذا العمل الرائع كذلك شخصيات أنمي one piece الشهير الذي امتلكت كل شخصية من شخصياته ماضياً أليماً وأسراراً لم تنته حتى الآن.
يمكن أيضاً ملاحظة الجهد الإبداعي المبذول في كتابة الشخصيات النسائية التي كانت سابقاً مجرد أداة تشجيعية للبطل الذي تتحول أعينه إلى قلوب عندما يراها، لقد أعطت الأنميات الحديثة أملاً وأهمية للعنصر النسائي حتى إن بعض الأنميات الناجحة كانت بطلاتها من الفتيات الطموحات كأنمي Idol Densetsu Eriko.
أي المغنية الأسطورية إيريكو والذي عرفناه في العالم العربي باسم إيروكا الصادر عام 1989 والذي يحكي قصة إيريكو الفتاة التي تحارب كي تنجح في مهنتها وتحقق حلمها بأن تصبح مغنية مشهورة، إن أفضل ما حدث عند دبلجة الأنمي إلى العربية هو استمتاعنا بصوت الرائعة رشا رزق الحنون وهو يصدح بالأغاني الخاصة بالأنمي.
حلقات أقصر عدداً، لا فيلر بعد اليوم!
كان هناك أمر آخر يميز الأنمي عن أي فن آخر هو عدد الحلقات الكثيرة، إذ إن أنميات السبعينات وحتى التسعينات كانت حلقاتها تتجاوز حاجز الـ 100 حلقة أحيانًا مثل أنمي Bleach الذي تجاوز الـ 300 حلقة، أمًا أقصرها فقد كانت حلقاته تبلغ حوالي الخمسين حلقة كأنمي Versailles no Bara.
أو زهرة فرساي الذي عرفناه في عالمنا العربي باسم ليدي أوسكار بلغت عدد حلقات هذا الأنمي الصادر عام 1979 حوالي الـ 40 حلقة وهو رقم قصير نسبياً قياساً بأنميات ذلك الزمان وطويل قياساً بأنميات العصر الحالي.
كان عدد الحلقات الكثيرة في الأنمي سبباً في تمطيط وحشو الأحداث بلا مبرر لا شك أنك تذكر طفولتنا عندما كنا ننتظر أسبوعاً كاملاً كي يسجل الكابتن ماجد هدفاً في مرمى الخصم مما يشعرك أنه يلعب على المريخ لا في ملعب كرة قدم، إضافة إلى هذا التمطيط والتطويل في الأحداث تعج أنميات التسعينات خاصة بما يسمى الفيلر.
وهي حلقات لا علاقة لها بالقصة تصنع فقط لملء الفراغ ووضع مسافة بين الأنمي والمانغا التي اقتبس منها، إن هدف الفيلر الرئيسي هو شراء الوقت حتى يتمكن الكاتب من تقديم فصول جديدة ولعل أنمي One Piece هو واحد من أكثر الأنميات التي تعج بحلقات الفيلر لذا لا عجب أنه تجاوز حاجز الألف حلقة!
في الوقت الحالي تغيرت طريقة تقديم الأنمي، وأصبحت أكثر متانة وأقل تمطيطاً، لقد أصبح الأنمي عبارة عن مواسم بحلقات قليلة دسمة خالية تماماً من الفيلر والتمطيط عديم النفع، لعل أصدق مثال على كلامنا هذا هو الأنمي الشهير Demon slayer.
الذي لا تتجاوز حلقات مواسمه الـ 12-14 حلقة في الموسم والذي ننتظر وبفارغ الصبر نهاية قصته الأسطورية، أمًا بليتش الذي عاد بعد غياب أعوام فقد عاد بحلة جديدة وواكب تطور العصر وأصبحت حلقاته أقصر وأحداثه مكثفة أكثر، ولعل هذا ما جعله واحداً من أكثر الأنميات متابعة وشهرة هذا العام.
نرشح لك: “أنمي ليس للأطفال”.. كيف استمرت فلسفة Bleach لأكثر من 300 حلقة في القتالات الدموية المذهلة؟
لعل أهم وأبرز ما تغير في عالم الأنمي هو عدد الحلقات إذ أنه ومهما كان الأنمي عظيماً ومميزاً سيصيبك القليل من السأم بعد ستين حلقة لا جديد فيها على الإطلاق، لقد كان هذا أكثر تغيير مطلوب وأفضل تطوير حصل لهذا الفن الرائع.
لم تنته رحلتنا التاريخية هذه بعد، لا يزال هناك المزيد لنقدمه لك عزيزي القارئ عن تطور فن الأنمي المميز وتاريخه العريق الذي سلب قلوبنا وأصبح وبعد جهد كبير صناعة قوية يفتخر بها اليابانيون أمام العالم.. ما توقعاتك للجزء الثاني مما فعله اليابانيون مع تطور فن الأنمي؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.